كتابات
26/07/2018

ما على الدّاعية مواجهته؟

ما على الدّاعية مواجهته؟

هناك نقطتان لا بدّ من أن يواجههما الداعي إلى الإسلام، النقطة الأولى: هي أن لا يسقط تحت تأثير الضغط الثقافي والسياسي الذي تفرضه سيطرة الحضارة الغربية على ذهنية الإنسان في العالم، بحيث يشعر بأنّه مشدود إلى أن يعبر عن نفسه ويقدّم فكره إلى الآخرين من خلال ملاءمته للخطّ الفكري الغربي أو للخطّ العملي الغربي، كما نلاحظه في التجارب الإسلامية التي تحاول أن تلتقط بعض الكلمات التي ابتدعها الفكر الغربي في العملية السياسية، مثل الديمقراطية والاشتراكية، إذ أصبحت كلمة "الديمقراطية" من الكلمات الغائمة في مدلولها في الذهنية الإنسانية العامّة.

وهناك من ينفتح عليها على أساس أنها تمثّل خطاً أخلاقياً يبعد الإنسان عن التجبر والتكبر، ويفتح آفاقه على الاعتراف بالإنسان الآخر والتكامل معه والقبول به، وهناك من يلتزمها كخطّ سياسي ينفتح على شرعية النتائج السياسية على أساس نتائج اللعبة الديمقراطية، وهناك من يتبنّاها في مقابل الدكتاتورية، وهو ما نلاحظه في كتابات بعض الإسلاميين الذين يربطون بين الشورى والديمقراطية، لا على أساس أنّ الديمقراطية تختزل الشورى، أو أن الشورى تمثل الديمقراطية، بل على أساس أنّ الديمقراطية تمثل البديل من الدكتاتورية والاستبداد، وليستنتج من ذلك أنّ الشورى هي ضد الدكتاتورية والاستبداد.

إن التزام الإسلاميين بكلمة الديمقراطية قد يكون له إيجابياته، من خلال اجتذاب الذين يعتبرون الإسلام غير ديمقراطي ولا يحترم حرية الإنسان، ولكن التزامنا بهذه الكلمة التي تحمل تاريخاً من الإيحاءات والمشاعر والأساليب والوسائل، يعني أنّنا نجعل للديمقراطية عنواناً كبيراً يحاكمنا الناس من خلاله، وعندما نقول إنّ الإسلام ديمقراطي ويلتزم بالديمقراطية كخطّ في العمل السياسي أو الاجتماعي، فإنّ ذلك يمثل التزاماً بالديمقراطية بكلّ مفرداتها، وعندئذٍ، قد تصطدم الديمقراطية ببعض الخطوط الإسلامية، عندما يريد الفريق الذي ينجح من خلال اللعبة الديمقراطية أن يحلّل ما حرّم الله، أو يحرّم ما أحلّ الله، على أساس أن الإرادة الشعبية تفرض ذلك، وبالتالي، فإنك عندما تلتزم بالديمقراطية، لا يمكن لك أن تواجه هذا الموقف، لأنك أعطيته الشرعية من خلال التزامك بالمبدأ الذي انطلق منه.

وهكذا، نجعل الديمقراطية في التزامنا لها، وفي تعبئة الشعوب الإسلامية بكلّ خطوطها ومفرداتها، مقياساً لعدالة الإسلام وصوابيّته، بحيث نضطرّ إلى التنازل عن كثير من مواقعنا الإسلامية على المستوى الشرعي والمنهجي لمصلحة الفكر الديمقراطي، لأنّ الذهنية العامة سوف تعيش في مناخ ثقافي يقترب من الديمقراطية أكثر مما يقترب من الإسلام.. وقد يقول قائل في هذا المجال: هل يعني ذلك أنّك تقف ضدّ الديمقراطية لتحاربها، فتصبح المعادلة: إما أن تلتزم بالديمقراطية أو تحاربها؟

أنا أعتقد أن المسألة تعيش بين هذين الخيارين، ولكنّنا نستطيع أن نتفادى التعبير لنعمل على صياغة نظرية تقترب من بعض أساليب الديمقراطية من جهة، وتضع التحفظات والحدود والفواصل التي تحمي المنهجية الإسلامية، بالطريقة التي نستطيع من خلالها أن نوائم بين التيار الفكري الذي توحي به الديمقراطية، فيما يتصل بمسألة احترام الإنسان في إرادته وحريته، وبين الخطوط الإسلامية.

وأعتقد أن التجربة الإسلامية في إيران استطاعت أن تحقق شيئاً من هذا، عندما رسمت قضية الحكم في خطّ ولاية الفقيه الذي ينتخب من الشعب من خلال الثقة التي يوليه إيّاها، كما في تجربة الإمام الخميني(قده) في البداية، أو ينتخب من مجلس فقهاء وخبراء، كما حصل بالنسبة إلى آية الله الخامنائي(حفظه الله)، ولكن الوليّ الفقيه لا يتحرك في المجتمع إلا من خلال رأي الناس، فهو يستشيرهم، حتى في الدستور الذي هو عقيدة الناس، مع كل التحفظات في نتائج الاستفتاء، وهو يستشير الناس في ممثليهم ومجلس الخبراء، ومجلس حماية الدستور، وفي كثير من القضايا العامّة، ويتحرك بعد استشارة الناس لإعطاء الرأي الشرعي في هذا المجال، بعد دراسة كاملة مع أهل الخبرة، ليرفضه عندما يكون مخالفاً للأسس الإسلاميّة، أو يقبله ـ وغالباً ما يقبله ـ أو يردّه من أجل أن يدرسه الناس من جديد.

قد لا تكون النظرية في الحجم الذي يحقّق لها التكامل في كل مفرداتها في الهيكلية الفكرية، لكنني أردت أن أقدّمها كتجربة للآخرين، بأن الحكم الإسلامي الذي يلتزم حدوداً معيّنة لا مجال للخروج منها، لا يلغي رأي الناس، ولا يلغي حريتهم فيما يمكن لهم أن يمارسوا حريتهم، وبذلك يمكن لنا أن ننتج الديمقراطيّة الإسلاميّة، وإن كنت لا أحبّ استخدام هذا التعبير.

إنّ المشكلة هي أننا مشدودون إلى الديمقراطيّة الغربية، ونعتبر ما في الغرب أساساً لمسألة الحرية، ولذلك لاحظنا أنّ الصورة الغربية هي ما نتّجه إليه، وهي ما نخضع له في مقياس ما لنا من تجارب سياسية في واقعنا المعاصر. ولذلك، فإننا نلاحظ أنّ الناس الذين ينادون بالديمقراطية، تعقّدوا من التجربة الديمقراطية في الجزائر التي جاءت بالإسلاميّين لتجعلهم في موقع الحكم، لأن الغرب رسم تحفظات عن هذه النتائج الديمقراطية.

إنني أتصوّر أن على الإسلاميين أن لا يستخدموا الكلمات المحمّلة بأوضاع وأجواء ثقافية تتوزّع كثيراً من الخطوط الفكرية والسياسية، ولا بدّ لهم من أن يبتدعوا كلمات تتلاءم مع خطّهم الفكريّ، بالمستوى الذي يخرجه من الأجواء السلبية التي يثيرها الديمقراطيون ضد الإسلام في مسائل عديدة.

الديمقراطية في خلفياتها الفكرية والشرعية، لا بدّ من أن ندرسها إسلامياً، ونرى هل إن رأي الناس هو مصدر الشرعية، أو أن منطلق التشريع هو مصدر الشرعية، حتى عندما يعطي التشريع للناس أن يبدوا رأيهم كما في بعض اتجاهات الشورى. إنّ شرعيّة رأي الناس ينطلق من خلال التشريع.. لهذا، نحن لا نمانع من أن نستفيد من الديمقراطية بدون أن نتبنّاها.. هناك فرق بين أن تستفيد من إطار، وبين أن تعتبر هذا الإطار هو الشرعية، هذه هي المسألة التي نعالجها، ويجب دائماً أن نفرّق بين أن نستفيد من الديمقراطية في المجتمع المتنوّع، وبين أن نحرك المنهج الإسلامي في التجربة الواقعيّة. هذه النقطة الأولى.

النقطة الثانية: تتمثل في ضرورة عدم مواجهة الإسلاميين للواقع بشكل صدامي ومباشر، بل عليهم أن يلتفّوا عليه، وتلك مسألة تدخل في المنهج والأسلوب، بمعنى أنّ علينا أن لا ننظر إلى الواقع المضادّ كشيء نريد أن نقضي عليه، بل كشيء نريد أن نروّضه ونفتح عقله وقلبه ونلتفّ عليه كساحة من ساحات عملنا، لا كعدوّ نريد أن نواجهه لنستثير عداوته قبل أن نبدأ الحركة.

*من كتاب "خطاب الإسلاميّين والمستقبل".

هناك نقطتان لا بدّ من أن يواجههما الداعي إلى الإسلام، النقطة الأولى: هي أن لا يسقط تحت تأثير الضغط الثقافي والسياسي الذي تفرضه سيطرة الحضارة الغربية على ذهنية الإنسان في العالم، بحيث يشعر بأنّه مشدود إلى أن يعبر عن نفسه ويقدّم فكره إلى الآخرين من خلال ملاءمته للخطّ الفكري الغربي أو للخطّ العملي الغربي، كما نلاحظه في التجارب الإسلامية التي تحاول أن تلتقط بعض الكلمات التي ابتدعها الفكر الغربي في العملية السياسية، مثل الديمقراطية والاشتراكية، إذ أصبحت كلمة "الديمقراطية" من الكلمات الغائمة في مدلولها في الذهنية الإنسانية العامّة.

وهناك من ينفتح عليها على أساس أنها تمثّل خطاً أخلاقياً يبعد الإنسان عن التجبر والتكبر، ويفتح آفاقه على الاعتراف بالإنسان الآخر والتكامل معه والقبول به، وهناك من يلتزمها كخطّ سياسي ينفتح على شرعية النتائج السياسية على أساس نتائج اللعبة الديمقراطية، وهناك من يتبنّاها في مقابل الدكتاتورية، وهو ما نلاحظه في كتابات بعض الإسلاميين الذين يربطون بين الشورى والديمقراطية، لا على أساس أنّ الديمقراطية تختزل الشورى، أو أن الشورى تمثل الديمقراطية، بل على أساس أنّ الديمقراطية تمثل البديل من الدكتاتورية والاستبداد، وليستنتج من ذلك أنّ الشورى هي ضد الدكتاتورية والاستبداد.

إن التزام الإسلاميين بكلمة الديمقراطية قد يكون له إيجابياته، من خلال اجتذاب الذين يعتبرون الإسلام غير ديمقراطي ولا يحترم حرية الإنسان، ولكن التزامنا بهذه الكلمة التي تحمل تاريخاً من الإيحاءات والمشاعر والأساليب والوسائل، يعني أنّنا نجعل للديمقراطية عنواناً كبيراً يحاكمنا الناس من خلاله، وعندما نقول إنّ الإسلام ديمقراطي ويلتزم بالديمقراطية كخطّ في العمل السياسي أو الاجتماعي، فإنّ ذلك يمثل التزاماً بالديمقراطية بكلّ مفرداتها، وعندئذٍ، قد تصطدم الديمقراطية ببعض الخطوط الإسلامية، عندما يريد الفريق الذي ينجح من خلال اللعبة الديمقراطية أن يحلّل ما حرّم الله، أو يحرّم ما أحلّ الله، على أساس أن الإرادة الشعبية تفرض ذلك، وبالتالي، فإنك عندما تلتزم بالديمقراطية، لا يمكن لك أن تواجه هذا الموقف، لأنك أعطيته الشرعية من خلال التزامك بالمبدأ الذي انطلق منه.

وهكذا، نجعل الديمقراطية في التزامنا لها، وفي تعبئة الشعوب الإسلامية بكلّ خطوطها ومفرداتها، مقياساً لعدالة الإسلام وصوابيّته، بحيث نضطرّ إلى التنازل عن كثير من مواقعنا الإسلامية على المستوى الشرعي والمنهجي لمصلحة الفكر الديمقراطي، لأنّ الذهنية العامة سوف تعيش في مناخ ثقافي يقترب من الديمقراطية أكثر مما يقترب من الإسلام.. وقد يقول قائل في هذا المجال: هل يعني ذلك أنّك تقف ضدّ الديمقراطية لتحاربها، فتصبح المعادلة: إما أن تلتزم بالديمقراطية أو تحاربها؟

أنا أعتقد أن المسألة تعيش بين هذين الخيارين، ولكنّنا نستطيع أن نتفادى التعبير لنعمل على صياغة نظرية تقترب من بعض أساليب الديمقراطية من جهة، وتضع التحفظات والحدود والفواصل التي تحمي المنهجية الإسلامية، بالطريقة التي نستطيع من خلالها أن نوائم بين التيار الفكري الذي توحي به الديمقراطية، فيما يتصل بمسألة احترام الإنسان في إرادته وحريته، وبين الخطوط الإسلامية.

وأعتقد أن التجربة الإسلامية في إيران استطاعت أن تحقق شيئاً من هذا، عندما رسمت قضية الحكم في خطّ ولاية الفقيه الذي ينتخب من الشعب من خلال الثقة التي يوليه إيّاها، كما في تجربة الإمام الخميني(قده) في البداية، أو ينتخب من مجلس فقهاء وخبراء، كما حصل بالنسبة إلى آية الله الخامنائي(حفظه الله)، ولكن الوليّ الفقيه لا يتحرك في المجتمع إلا من خلال رأي الناس، فهو يستشيرهم، حتى في الدستور الذي هو عقيدة الناس، مع كل التحفظات في نتائج الاستفتاء، وهو يستشير الناس في ممثليهم ومجلس الخبراء، ومجلس حماية الدستور، وفي كثير من القضايا العامّة، ويتحرك بعد استشارة الناس لإعطاء الرأي الشرعي في هذا المجال، بعد دراسة كاملة مع أهل الخبرة، ليرفضه عندما يكون مخالفاً للأسس الإسلاميّة، أو يقبله ـ وغالباً ما يقبله ـ أو يردّه من أجل أن يدرسه الناس من جديد.

قد لا تكون النظرية في الحجم الذي يحقّق لها التكامل في كل مفرداتها في الهيكلية الفكرية، لكنني أردت أن أقدّمها كتجربة للآخرين، بأن الحكم الإسلامي الذي يلتزم حدوداً معيّنة لا مجال للخروج منها، لا يلغي رأي الناس، ولا يلغي حريتهم فيما يمكن لهم أن يمارسوا حريتهم، وبذلك يمكن لنا أن ننتج الديمقراطيّة الإسلاميّة، وإن كنت لا أحبّ استخدام هذا التعبير.

إنّ المشكلة هي أننا مشدودون إلى الديمقراطيّة الغربية، ونعتبر ما في الغرب أساساً لمسألة الحرية، ولذلك لاحظنا أنّ الصورة الغربية هي ما نتّجه إليه، وهي ما نخضع له في مقياس ما لنا من تجارب سياسية في واقعنا المعاصر. ولذلك، فإننا نلاحظ أنّ الناس الذين ينادون بالديمقراطية، تعقّدوا من التجربة الديمقراطية في الجزائر التي جاءت بالإسلاميّين لتجعلهم في موقع الحكم، لأن الغرب رسم تحفظات عن هذه النتائج الديمقراطية.

إنني أتصوّر أن على الإسلاميين أن لا يستخدموا الكلمات المحمّلة بأوضاع وأجواء ثقافية تتوزّع كثيراً من الخطوط الفكرية والسياسية، ولا بدّ لهم من أن يبتدعوا كلمات تتلاءم مع خطّهم الفكريّ، بالمستوى الذي يخرجه من الأجواء السلبية التي يثيرها الديمقراطيون ضد الإسلام في مسائل عديدة.

الديمقراطية في خلفياتها الفكرية والشرعية، لا بدّ من أن ندرسها إسلامياً، ونرى هل إن رأي الناس هو مصدر الشرعية، أو أن منطلق التشريع هو مصدر الشرعية، حتى عندما يعطي التشريع للناس أن يبدوا رأيهم كما في بعض اتجاهات الشورى. إنّ شرعيّة رأي الناس ينطلق من خلال التشريع.. لهذا، نحن لا نمانع من أن نستفيد من الديمقراطية بدون أن نتبنّاها.. هناك فرق بين أن تستفيد من إطار، وبين أن تعتبر هذا الإطار هو الشرعية، هذه هي المسألة التي نعالجها، ويجب دائماً أن نفرّق بين أن نستفيد من الديمقراطية في المجتمع المتنوّع، وبين أن نحرك المنهج الإسلامي في التجربة الواقعيّة. هذه النقطة الأولى.

النقطة الثانية: تتمثل في ضرورة عدم مواجهة الإسلاميين للواقع بشكل صدامي ومباشر، بل عليهم أن يلتفّوا عليه، وتلك مسألة تدخل في المنهج والأسلوب، بمعنى أنّ علينا أن لا ننظر إلى الواقع المضادّ كشيء نريد أن نقضي عليه، بل كشيء نريد أن نروّضه ونفتح عقله وقلبه ونلتفّ عليه كساحة من ساحات عملنا، لا كعدوّ نريد أن نواجهه لنستثير عداوته قبل أن نبدأ الحركة.

*من كتاب "خطاب الإسلاميّين والمستقبل".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية