في إطار الحوارات المتنوعة التي كانت تجريها صحف ومجلات ووسائل إعلامية مع سماحة
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، كان حوار لسماحته مع مجلة الطاهرة،
بتاريخ 1/6/2002، تحدَّث فيه عن مواضيع تتعلّق بواقع المرأة وحجابها وغيرها من
المواضيع. وقد جاء في كلام سماحته:
"إن دور الأنوثة هو الدور الذي يتمظهر في حياة المرأة الزوجية، وفي المجتمعات
النسائية، أما في المجتمعات الذكورية والمختلطة، فإن عليها أن تتجلى في الدور
الإنساني، وإذا كان للأنوثة دور، فهو دور العاطفة الإنسانية التي يلتقي فيها الجانب
الأنثوي بالجانب الإنساني الذي قد يحتاج إليها المجتمع كما ذكرنا، وقد كان النبي(ص)
يأخذ النساء معه ليداوين الجرحى، باعتبار هذا الجانب الإنساني العاطفي الذي تتميز
به المرأة.
إنني أتصور أن هذا الانفتاح الثقافي على الجوانب الإنسانية للإنسان، والتحديات التي
واجهتها المفاهيم المعقّدة الموجودة لدى بعض المسلمين حول المرأة، هو الذي أفسح
المجال لدراسات جديدة ولاكتشافات جديدة في النصوص الإسلامية حول المرأة، أما واقع
المرأة، الآن، فهو لايزال واقعاً معقداً، وذلك من جهة أن الحريات التي أعطتها
الحضارة الغربية للمرأة، والتي تركت تأثيرها على واقعنا، عندما سيطر عليها الماديون،
وسيطرت عليها المفاهيم الغربية، جعلت المرأة أداة جنس، وهذا ما نلاحظه في الإعلام،
من خلال جعل المرأة أداة إثارة جنسية، ما جعلها تحصر اهتمامها بجسدها، أما من جهة
أخرى، فإن الإيجابيات تجلّت في احترام عقل المرأة وجهدها ونشاطها وغير ذلك".
وتابع متحدثاً عن وضع المرأة المسلمة، داعياً إلى الانفتاح على قيمنا الإسلامية،
بعيداً من التأثر بالخضوع للغرب في كل شيء، حيث قال: "أما المرأة المسلمة، فهي
لاتزال متأرجحة بين القديم والحديث، ولذلك، فليست هناك خطوط مستقيمة في حركية
المرأة المسلمة في داخل المجتمع المسلم أمام حركة التحديث التي تواجهها في الداخل
والخارج.
ـ إنّا لا ندعو إلى الانفتاح على الغرب، بمعنى الخضوع، باعتبار الغرب نموذجاً
مثالياً في هذه المسألة، وعلينا أن ننفتح على قيمنا الإسلامية وعلى مفاهيمنا
الإسلامية، وأن نأخذ من الغرب التجربة الحيّة الناضجة المنسجمة مع مفاهيمنا
الإسلامية.
على المرأة أن تعيش القيم الإسلامية، وإنسانية الإنسان في الإسلام، بأن تأخذ بأسباب
العلم، وأسباب تنمية القدرات الإنسانية في شخصيتها، وأن تأخذ بأسباب كل المسؤوليات
الموجودة في واقعها، من المسؤوليات الاجتماعية والثقافية والسياسية، ولتقوم بمهمة
الدعوة الإسلامية وبناء المجتمع الإسلامي جنباً إلى جنب الرجل".
وعن تشريع الحجاب وغاياته، أضاف:
"أولاً، إن المرأة تتحرك عندها قضية الحجاب في دائرتين: الأولى، هي أن المرأة
اعتبرت في وجدان الإنسان، وحتى في وجدان الرجل، رمز الجنس والإثارة، وليس ذلك أن
الرجل ليس رمز الجنس بالنسبة إلى المرأة، ولكن الذهنية التي عاشها التاريخ الإنساني،
والتي تحوّلت إلى ما يشبه الطبيعة الإنسانية، هي أن المرأة رمز الجنس، ولهذا لاحظنا
في كل مدى الواقع الإنساني، حتى الواقع المتحضر الآن، أن كل عناصر الزينة وكل وسائل
التجميل ووسائل الإثارة، سواء في المسرح والقصة والرواية أو الواقع، تخطط للمرأة،
أما الرجل، فإنه يأخذ بأسباب الزينة بشكل عادي جداً، لهذا، فإن الإسلام لاحظ هذه
الناحية وأراد حماية المجتمع، لأن الانحراف الجنسي يمثل مشكلة للرجل والمرأة معاً،
والمطلوب حماية المجتمع من عملية الإثارة.
عندما تتحرك المرأة في مجتمع مختلط كعنصر يولد مناخاً من الإثارة الجنسية، فإن
المجتمع يعيش حالة طوارئ جنسية، كما هو الحال الآن، والذي نلاحظ فيه أن الحرية
الجنسية باتت واقعاً، بعد أن ساد نسبياً طابع الحرية الغربية والواقع الغربي. لذا،
فإننا نجد إحصاءات تشير إلى حوادث الاغتصاب الكثيرة، اغتصاب الرجل للمرأة على مستوى
الدوائر الرسمية والمواقع السياسية والكبار وغير ذلك.
وهذه الحوادث تمثّل الرقم الكبير وفق أكثر الإحصائيات في العالم، ما يدلّ على أن كل
الرؤى الثقافية التي لم تلتزم بأيّ حدود وضوابط، عجزت عن أن توازن المسألة الجنسية
أمام كل عناصر الإثارة التي تتمثل في المرأة، وما يساهم في ذلك، هو تغذيه أجهزة
الإعلام لاستمرار هذه الصورة، أو ما تتحرك فيه المرأة في واقع الحياة.
الثانية: أن الإسلام أراد للمرأة ألا تتعبد لجسدها، وألا تعتبر أن جسدها هو الركيزة،
وأن ترتفع بنفسها إلى ما يسمو بها. إن الإسلام أراد للمرأة في المجتمع المختلط أن
تظهر كإنسانة، لا توحي إلا بكل احترام، وبكل معنى إنساني، ولكنه ترك للمرأة أن تعيش
وتأخذ كل أنوثتها في البيت الزوجي والمجتمعات النسائية، فهو لم يُسقط للمرأة
أنوثتها في حاجتها إلى أن تبدي زينتها بأفضل مواقع ووسائل الزينة، أو أن تعيش
أنوثتها بكل معناها، ولهذا فالقضية ليست قضية اضطهاد للمرأة وسجن لها في حجابها، بل
هي قضية النظرة الاجتماعية لحماية المجتمع من عملية الإثارة الجنسية، وحماية المرأة
من استغراقها في الجانب الجسدي لشخصيتها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإننا نرى أن الحجاب مفروض على المرأة والرجل في بعض
الجوانب الجسدية، فنحن نجد أن الحجاب واجب على الرجل في مسألة العورة، وحتى الذين
لا يؤمنون بالعري من الغربيين أيضاً، يؤمنون بحجاب المرأة بالنسبة إلى الثديين
وعناصر الإثارة الجنسية.
إننا نقول لهم: إذاً نحن متفقون على الحجاب، ولكن الفرق بيننا وبينكم هو في قطع
الثياب، كما كنّا نتحدث بذلك على نحو الطرفة مع بعض الصحفيين.
إننا نقول: إن هناك حجاباً مادياً لا بد من الالتزام به، وهو أن تستر المرأة كل
جسدها ما عدا الوجه والكفين، وظاهر القدمين أيضاً، حسب رأينا الفقهي.
وهناك حجاب معنوي، وهو أن تمتنع المرأة عن كل ما يوجب الإثارة، والذي قد يتمظهر
باللون أو بالتفصيل أو غيره. وهذه أمور يُرجع فيها إلى العرف، لأن بعض الأمور قد
تكون حاملة لعناصر الإثارة عند العرف، وبعضها لا يكون كذلك"...