كيف يمكننا أن نربي أولادنا وأن نؤثّر فيهم؟
نصائح كثيرة متداولة، ومنها على الفيسبوك وعلى المواقع، ولكن أنا أنصح الشابّة
والشابّ اللّذين يرغبان بتأسيس عائلة جيّدة في المستقبل، أنصحهما بأن يربّيا
أنفسهما إذا أرادا أن يربّيا أولادهما تربية حسنة، فإنَّ أهمّ وسيلة لتربية الأبناء
هي أن تربي نفسك أنت...
الأولاد هم أقرب ما يكون إلى قطعة الإسفنج الّتي تمتصّ كلّ ما تجده حولها. كيف؟
إذا كان الأب والأمّ يرغبان في أن يكون أولادهما لائقين بالحديث، فإنَّ عليهما أن
يكونا لائقين عندما يتحدّثان مع بعضهما البعض، فالأب والأمّ هما عالم الولد، وهما
النّموذج الذي يشاهده الولد، وأوَّل ما يتعرَّف به الولد إلى العالم، وخصوصاً في سنّ
الطّفولة، فإذا كان الأب والأمّ يتحدّثان بصوت عال، فسوف يتحدّث الولد قطعاً بصوت
عال، وإذا كان الأب حين يطلب شيئاً من الأمّ، يطلبه بانفعال وبصوت عال، فهذا
بالنّسبة إلى الولد نموذج، فسوف يطلب هو من أمّه وأخته بالطريقة نفسها.
تمرّ حياتنا اليوميَّة بأحداثٍ وأمور، فكيف يتفاهم الأمّ والأب مع بعضهما البعض؛
بمنطق أم بعصبيَّة؟
الأهل الذين يتفاهمون مع بعضهم البعض بالمنطق، سوف يتفاهم أولادهم مع الآخرين في
المستقبل بالمنطق. أمّا الأهل الذين يتقاذفون التّهم فيما بينهم، بحيث بحمّل كلّ
طرف الطّرف الآخر مسؤوليَّة المشكلة، قبل دراستها وتفكيكها، وقبل وضعها على طاولة
البحث بطريقة منطقيّة، فسوف يطبّق الولد مستقبلاً هذه الطريقة في التعاطي مع
المشاكل.
غداً في المدرسة، إذا اختلف هو ورفيقه، فسوف يبدأ بإلقاء التّهم على الآخرين، إذا
اختلف مع أستاذه، سوف يتصرّف بالطريقة نفسها، أي أنّه في حياته الخارجيّة، سوف
يتصرّف طبقاً لما يشاهده في البيت.
كيف يتعامل الأهل مع بعضهم البعض؟ إذا تعاملوا بحنانٍ ورفقٍ وودٍّ ورحمة، فإنّ
الولد سوف يعتاد ذلك.
كيف يبدأ نهارهم؟ هل يبدأ الصباح بالسلام على بعضهم البعض، بالاهتمام ببعضهم البعض،
بخدمة بعضهم البعض...؟ الولد عندما يكبر سوف يكون كذلك.
الولد مثالٌ لكيفيَّة تعامل أمّه وأبيه مع بعضهما البعض، كيف ينفقان، هل يعملان
حساباً للإنفاق؟ هل يفكران بوضع ميزانيّة، أم أنّهما ينفقان بشكل عشوائي، بحيث قد
يجدان أنفسهما فجأةً وقد انقطعا عن المال؟... وكما يلاحظ الأولاد، سوف يطبّقون ذلك.
أمير المؤمنين(ع) اختصر علينا الطريق، قال: "من نصّب نفسه للناس إماماً، فليبدأ
بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه"، ثم يختم: "ومعلّم
نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم النّاس ومؤدّبهم".
الكثير من الأهل يشكون أنَّ ابنهم غير اجتماعي، نطرح عليهم الأسئلة: كيف علاقتهم
بالجيران والأقارب؟ هل يفرحون عندما يأتيهم الضّيف أو يتذمّرون؟ هل يجاملون وفي
أنفسهم حالة من الانفعال؟ كلّ هذه الأمور يلاحظها الولد...
الكلّ يشكون بأنَّ أولادهم غير مهتمين بالاستفادة من أوقات الفراغ.
نقول لأنّهم ينظرون إلى نموذج الأب والأمّ، هل أحسنا التخطيط لوقت الفراغ أم لا؟
وأهمّ شيء أحبّ أن أختم به حديثي: كيف يفسِّر الأمّ والأب الأحداث؟ هل هما متشائمان
دائماً؟ هل يعتبران أنَّ الآخرين دائماً ينظرون إليهما نظرة حسد أو استغلال، أو
ينظرون إليهما بكيد ومكر. إذا كان الأب والأمّ يفسِّران مواقف الآخرين تجاههما على
أنها ذات نيّات سيّئة، فليس عليهما أن يستغربا أنّ أولادهما لا يصدقون بعضهم بعضاً،
ولا يصدّفون أقاربهم ويتّهمون الآخرين...
وهذه مسائل مهمّة جدّاً ترى بالسواء النفسي المتوازن... اليوم يقولون: لماذا نلاحظ
عند الولد كثرة الأمراض النفسيّة؟ لأنَّ نموذج الأب والأمّ المتوازن لم يعد موجوداً،
وهذا أمر يحتاج إلى إعداد.. كلّ أمّ وأب يمكنهما أن يؤهّلا نفسهما من جديد، وكلّ من
يريد أن يتزوّج، عليه أن يعرف كيف يعدّ نفسه.
* باحثة إسلاميّة، ومستشارة تربويّة.