- أين حقوق المرأة؟!
س: للمرأة حقوق كثيرة في التشريع لا تملكها على أرض الواقع. كيف تتحركون كمتشرعين دينيين لكي تملك المرأة هذه الحقوق وتمارسها؟
ج ـ نحن نعمل، وأنا أتحدث عن نفسي لأني لست مسؤولاً عن الآخرين، أن تعي المرأة حقوقها، لأن مشكلة أصحاب الحقوق، أنهم لا يعون حقوقهم جيداً، وقد يخافون من أن تكون لهم حقوق، لأن ذلك قد يغير نمط حياتهم التي ارتاحوا إليها، ونحن نعمل على أن نثقّف الرجل على أساس أن يعتبر أن حقوق المرأة هي شيء في الالتزام الديني، وليس مجرد شيء في العلاقات الخاصّة بين إنسان وإنسان، ولذلك نحن نعتقد أنّ الحق يؤخذ ولا يعطى.
على المرأة أن تدرس حقوقها، وأن تدرس ما هو الواقع، لتخطّط للعمل في الحصول على حقوقها على أساس الواقع، لأنّ الواقعيّة ليست أن تخضع للأمر الواقع، بل الواقعية هي أن تغيّر الواقع بأدوات الواقع.
- طاعة المرأة للرّجل
س: ما مفهوم طاعة المرأة للرجل؟ وهل يوجد مفهوم طاعة الرجل للمرأة؟ وإلى أيّ مدى أو حدّ تكون المرأة ملزمةً بإطاعة أوامر زوجها؟ وهل إنّ هذه المسألة تقديرية؟ وإذا كانت كذلك، إلى من يعود حقّ التقدير؟
ج ـ الواقع أنّ مفهوم الطاعة منطلق من مفهوم الواجب ومفهوم الحقّ. لذلك، في الإسلام، فرض الإسلام على المرأة حقّاً للرجل، وفرض على الرّجل حقاً للمرأة.
ففي نطاق الحقوق الزوجيّة الإلزاميّة، على المرأة أن تطيع الرّجل، وعلى الرجل أن يطيع المرأة، بمعنى أن يعطي كلّ واحد للآخر حقّه في هذا المجال.
وفي خارج نطاق هذا الحقّ، ليست هناك طاعة للرجل وللمرأة في خصوصيّات كلّ واحد منهما، بما لا يتصل بالحياة الزوجية.
هناك جانب أخلاقي وإنساني في علاقة الرّجل بالمرأة، وهو الذي أكّده القرآن الكريم عندما قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}...
هنا طاعة المحبّ لمن يحبّ. هناك طاعة من عليه الحقّ لمن له الحقّ، وهي طاعة تنطلق من الالتزام، لأنَّ المرأة عندما تلتزم بالعقد الزوجي، فإنّ معنى ذلك أنّها اختارت بملء إراداتها أن تعطي الرجل حقَّه فيما يفرضه العقد الزّوجيّ، وكذلك عندما اختار الرّجل العقد، فإنَّ عليه أن يقوم بما يفرضه العقد الزّوجيّ.
لذلك، مسألة الحياة الزوجيّة هي مسألة تعاقد، كأيّ تعاقد. لهذا نقول إنّ بعض الناس يتحدَّثون وكأنّ هناك مأساةً عندما يُطلَب من المرأة أن تطيع الرّجل، أو من الرّجل أن يقوم بحقّ المرأة.
ولكن عندما يختار الإنسان، فليس هناك شيء اسمه مأساة، كلّنا يتحمَّل مأساته في هذا المجال. هناك كلمة للإمام عليّ(ع) يقول فيها: "الكلام في وثاقك، فإذا تكلّمت به صرت في وثاقه". فالإنسان تقيّده كلمته. لذلك، عندما تطالَب المرأة بأن تعطي الرّجل حقّه فيما له من حقّ، فليس في الأمر مأساة، كما أنّه ليس مأساة أن يُفرَض على الرّجل أن يقوم بحقّ المرأة.
فهناك طاعة من عليه الحقّ لمن له الحقّ، وهناك طاعة الحبيب للمحبوب، وهذا ما عبَّر عنه سبحانه: {وجَعلَ بيْنَكم مودّةً ورحْمةً}. نحن نطيع بعضنا بعضاً، لا من خلال وجود مسؤوليَّات بيننا في مسألة الطّاعة، ولكن من جهة المسؤوليَّات الإنسانية: الصّداقة، المحبّة...
يقول الشّاعر:
تعصي الإلهَ وأنت تظهر حبَّه هذا لعمرك في الفعال بديعُ
لو كان حبُّك صادقًا لأطعته إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ
هذه المسألة يعرفها الشباب في علاقات الحبّ التي يعيشونها...
- اجتهاد المرأة
س: كيف يمكن لرجال الدّين، وليس لنساء الدّين، أن يكتبوا فقهاً ويشرّعوا للمرأة في أوضاعها الخاصّة الّتي لا يعرفون عن حقيقتها شيئاً؟ وهل تملك المرأة في التشريع حقّ الاجتهاد على الأقلّ في هذا المجال؟
ج ـ مسألة الثقافة الدينيّة، سواء الفقهية أو الكلامية، مسألة للجميع، ليس عندنا في الدين أن يكون الدّين من اختصاص الرّجل، الاجتهاد في الفقه كالاجتهاد في الطبّ، الهندسة، الآداب...
عندما تتقدّم المرأة وتقرأ وتجتهد، فإنّ من حقها أن تكتشف التشريع بحسب الموازين الفقهيّة والقواعد العلمية للتشريع.
وهناك الكثير من الفقيهات في تاريخنا الإسلامي، وقد بدأت الحوزات العلميّة تخصّص حوزات للنساء في قمّ، وحتى في لبنان، هناك حوزات نسائية تدرس فيها المرأة الفقه تماماً كما يدرسه الرجل... البرنامج نفسه، ليست هناك مشكلة في هذا المجال.
- سفر المرأة دون محرم
س: ما رأيك في سفر الفتاة وحدها إلى الخارج بهدف التخصص والدراسات العليا؟
ج ـ سفر الفتاة كسفر الشابّ، إذا كانت أمينة على نفسها، فليست هناك مشكلة.
هناك رأيان فقهيّان في هذا المجال: الرأي المشهور عند إخواننا السنّة، أن المرأة لا تسافر إلا مع محرم، لكن في نظر المسلمين الشيعة، يمكن أن تسافر بنفسها لأنها شخصيّة مستقلّة، والقضيّة هي هل تأمن على نفسها، كما الشابّ عندما يسافر، لا يجوز له أن يسافر إلا إذا كان آمناً على نفسه.
- اشتراط عدم التعدّد
س: هل صحيح أنّه يحقّ للمرأة الاشتراط عدم تعدّد الزوجات في عقد الزّواج؟
ج: هناك نظرية فقهيّة تقول إنَّ للمرأة أن تشترط ذلك، لأنّه شرط الفعل، لأنَّ هذا ليس فيه إلغاء للتَّشريع، لأنّ إلغاء التشريع هو بأن يلغى الحقّ للرّجل في ذلك... والمفروض أن تعدّد الزوجات أمر مباح، يمكن للرّجل أن يفعله ويمكن أن يتركه، بل كلّ الشروط يمكن أن يفعلها ويمكن أن يتركها. لذلك، هناك نظريات فقهية، ونحن نتبنّاها، أنّه يجوز هذا الاشتراط.
- الالتزام بمتطلّبات الزّوج
س: يقال إنَّ على المرأة الالتزام بإشباع حاجة الرّجل الجنسية. ما رأيك بهذا القول؟
ج: العلاقة الجنسية هي العلاقة الحيوية في الزواج، ولذلك، فإنّ المرأة عندما تلتزم هذا الجانب، فإنّ من الطبيعي أن تستجيب لرغبة الرّجل أوّلاً، لأنّ التزامها الزواج يفرض ذلك، طبعاً في غير الحالات التي تكون فيها في أوضاع صحية ونفسية صعبة، أو ما أشبه ذلك، لأنّ هذا هو التزامها كما قلنا.
نعم، هذا أمر شرعيّ، لأنَّ الجوانب الأخرى، وهذا طبعاً ما لا يقبل به الكثير من الرّجال، أنَّ المرأة في الإسلام لم يُفرَض عليها أبداً أن تقوم بشؤون البيت، بل لا يجب عليها حتى إرضاع ولدها قانونيّاً، لا يجب عليها القيام بشؤون البيت إلا من خلال عطائها الخاصّ، أي أنَّه جُعِلت مسألة قيامها بشؤون المنزل وبخدمة أولادها أمراً ينطلق من طبيعة العطاء، ومن طبيعة المشاركة الروحيَّة في الحياة الزوجيَّة.
ليس من امرأة مستعدّة لأن يعزلها زوجها عن البيت، لكنّ هناك فرقاً بين أن تلزم بذلك وبين أن تختار ذلك، لأنَّ اختيارها لذلك يعني إنسانيّتها، كما أن الرجل قد يعطي ما لا يجب عليه في هذا المجال. وهذا هو المودّة والرّحمة...
أذكر أني قرأت مرّة قبل عشرين سنة تقريباً، أنّ هناك مؤتمراً عقد في الغرب في أوروبّا، وكانوا يناقشون فيه هل لعمل المرأة مع الزّوج، عندما تعمل في المنزل أو الدكان أو المزرعة، هل لها أجر على عملها هذا أو ليس لها أجر؟ فصار هناك جدل كبير. نحن قلنا لهم في ذلك الوقت إنّ الإسلام أكّد موضوع أنّ للمرأة الحقّ في أن تأخذ أجراً على العمل المنزلي، وحتى على العمل في محلّ الرجل أو في المزرعة أو ما أشبه ذلك، حتى إنَّ الله جعل لها الحقَّ في أخذ الأجرة على إرضاع ولدها، مع أنَّه أكثر الأمور حميميّة في علاقة الأمّ بولدها، إلا إذا طلبت أجراً أكثر من مرضعة أخرى.. وقد أراد الإسلام من خلال ذلك أن يوحي للرّجل أنّه ليس له سلطة في ذلك.
نعم، للرّجل أن يشترط على المرأة ذلك، والمؤمنون عند شروطهم، فإذا قبلت المرأة ذلك فليس هناك مشكلة.
- حكم المرأة
س: قيل: ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة؟
ج: هذا حديث يروى في كتب الحديث، ولا سيَّما كتب إخواننا من أهل السنَّة، أنه عندما سمع النبي(ص) أنّ قوماً من فارس ملكتهم امرأة، قال هذه الكلمة.
هناك بعض الناس يناقشون في ذلك، بأنّ الحكم في ذاك الوقت يختلف عن الحكم الآن، يعني كان الحكم حكم فرد، بينما الحكم الآن حكم مؤسّسات...
أيضاً بالنِّسبة إلى وضع المرأة كان مختلفاً... يعني كما قلت هناك جدل فقهيّ حول تفسير هذا النص.
- بين الحجاب والتحرّر
س: يقول البعض إنّ تقدّم المرأة في الغرب يعود إلى تحرّرها من الدين والإيمان، لذلك يجب أن تخلع المرأة الشرقيّة حجابها حتى تنطلق بحريّة ومساواة في المجتمع. كيف تردّون على ذلك؟
ج: بعض الكلمات تنطلق بسذاجة، بحيث تجعل الإنسان ينظر بإشفاق إلى السؤال. والسبب أنّ مسألة الدين هي مسألة تتصل بأخلاقيّة الإنسان وقيم الإنسان وانفتاح الإنسان على الإنسان الآخر، وبانفتاحه على الله، فأيّ شيء يمكن أن يسيء إلى التقدّم في هذا المجال؟!
وإذا كانت المسألة هنا تتَّجه إلى الحجاب فقط، فأنا أسأل الآن: لو فرضنا أنَّ امرأة محجَّبة منفتحة على الحياة وعلى العلم؛ فهل يمنعها حجابها أن تتقدَّم وأن تتعلَّم؟ ما علاقة الحجاب بمسألة العلم؟ ما علاقة الحجاب بمسألة حركة المسؤوليَّة في الحياة؟ ربما يناقش بعض النّاس في الحجاب صحّ أو لا، هذا نقاش تاريخيّ يستمرّ، ولكن أن نقول إنّ الحجاب هو الّذي يمنع المرأة من التقدّم؟!
أنا أقول على نحو الطرافة، إنّ مشكلة الحجاب، بين الّذين يدعون إلى الحجاب والذين لا يدعون إلى الحجاب هي مشكلة قطع الثّياب. الكلّ يوافق على الحجاب، يعني هل نحن نشجّع العري؟ لا نشجّع العري... الحيوانات تمشي عارية... فهل يمشي الإنسان عارياً؟ فإذا كانت المسألة أنَّ هذا يسيء إلى الأخلاق، فبعض الناس قد يناقش ويقول إنَّ هناك شيئاً آخر يسيء إلى الأخلاق، ويصير هناك جدل خول ما إذا كانت مسألة الحجاب لها دخل في الأخلاق أم لا؟ عندما نفكّر، فعلينا أن نفكّر في الهواء الطلق، وبطريقة أن نسمّي الأشياء بأسمائها... لا أن نغلّف الأشياء.
أنا أقول إنّ الكلّ مع الحجاب، ولكنّ هناك فرقاً بين حجاب من خمس قطع وبين حجاب من ثلاث قطع وما أشبه ذلك.
لذلك، إذا كنتم تنكرون الحجاب وتعتبرونه سبباً في تأخر الشرقيات في هذا المجال، فلندع إلى العري الكامل، لأنَّ الإنسان يخلق هكذا، وليبق هكذا، لماذا نخسر الكثير على مسألة الثّياب والموضة والأزياء؟
فلنفكّر بطريقة عقلانية ولا نفكّر بطريقة عاطفيّة أو تجاريّة.
- كيد النّساء
س: يقال إنّ الله يستعظم كيد النّساء. ما هو كيد النساء؟ ولماذا استعظمه الله، عندما قال: {إنَّ كيدكنَّ عظيم}؟
ج: من قال إنّ الله قال ذلك، الله حدَّث عن هذا الرّجل أنّه حدَّث عن كيد النساء، ولم يذكر القرآن أنه تبنّى هذا.. هذا مثل أيّ قصّة، كما ينقل أحدكم قصّة عن أيّ أحد. فقول "إنّ كيدكنّ عظيم"، لم ينطلق من خلال التعليم القرآني، وإنما هو كلام انطلق من خلال شخص في قضيّة يوسف وما إلى ذلك.
وربما يفلسف بعض النّاس قضيَّة كيد النساء، على أساس أنَّ المرأة حرمت من فرص التعلّم، المرأة تملك عبقريّة وتملك ذهنيّة وتملك عقلاً، فعندما حرمت من حقوقها وحشرت في زاوية ضيّقة، وجّهت كلّ عقلها في سبيل التحيل والمكر، حتى تستطيع أن تنقذ نفسها وتحصل على بعض حقوقها، مثل الإنسان الذي يُحرَم من أن يمارس حقوقه في الدّائرة العامّة، فيحاول أن يوجّه كلّ عبقريته في زاوية معيَّنة، فيبدع في هذه الزاوية. ربما يفلسف بعض علماء الاجتماع هذه المسألة، ولكنّ القرآن، على كلّ حال، لم يؤكّد ذلك كتعليم ديني.
- حقوق المرأة المطلّقة
س: ما حقوق المرأة في الإسلام في حال وقوع طلاقٍ للمرأة العاملة والمرأة غير العاملة بالنّسبة إلى الأولاد؟
ج: في موضوع الطلاق، ليس هناك فرق بين المرأة العاملة والمرأة غير العاملة، لأن الطلاق هو انفصال الحياة الزوجية، ويذهب كلّ واحد منهما إلى شأنه في هذا المجال.
نعم، للمرأة أن تشترط لنفسها، وهذا شيء معمولٌ به الآن في إيران، أنَّ لها نصف ما يحصل عليه الرّجل في الحياة الزوجية، وإذا اشترطت لنفسها ذلك، فالمؤمنون عند شروطهم... أمّا إذا لم تشترط ذلك، فإنّها يمكن عندما تتعاون مع زوجها، أن تطلب أن يكون لها حصّة. قد لا يتقبّل المجتمع ذلك، ولكن عليها أن تناضل حتّى يتقبّل...
هذا ليس مسألة الحقّ، هذا مسألة الواقع... بالنّسبة إلى الأولاد، للمرأة حقّ الحضانة في سنّ معيّنة، وللأب حقّ الحضانة بعد ذلك، وقد يكون في ذلك بعض جوانب المأساة، لكنَّ المنظور في هذا الأمر هو مصلحة الولد بالنِّسبة إلى رعاية المستقبل، ومصلحة الأمّ باعتبار أنّها ربما تتزوّج، وقد لا يقبل الزوج الأولاد.
ليس عندنا قانون يمثِّل خيراً لا شرّ فيه، أو شرّاً لا خير فيه، لأنَّ الحياة هي حياة المحدود؛ المحدوديّة في الواقع، والمحدوديّة في التشريع. ليس عندنا مطلق، لأنَّ الله وحده هو المطلق.
- المرأة والعمل السياسيّ
س: كيف يكون للنّساء الحقّ في العمل السياسي، وإذا نظرنا إلى عهد الرّسول، وجدنا أنّه لم يكن للنساء عمل فعّال في سياسة الأمور وإدارة الشؤون؟
ج: لأنّ الواقع في ذلك الوقت لم يكن يسمح بهذا الموضوع.. لم يكن هناك تنظيمات سياسيّة بهذا الشّكل، ولكن كان يعطَى للنساء دور، فالنبيّ(ص) كان يخرج النساء معه من أجل أن يداوين الجرحى ويسقين العطشى، وكانت النّساء أيضاً تتحرّكن في خطّ الدعوة إلى الإسلام... وكان هناك نشاط، لكن بحجم الفرص الاجتماعية التي كانت موجودة في ذلك الوقت.
- إيمان غير المحجَّبة
س: هل يعتقد السيد فضل الله أنّ النساء غير المحجبات إيمانهنّ غير كامل؟
ج: لا نقول ذلك، ولكن أقول إنّ الالتزام غير كامل، كما أنّ المحجبات اللاتي يغتبن الناس ويعصين الله التزامهنّ غير كامل.. ليس معناها أنّ المحجّبة صارت معصومة من كلّ شيء.. الحجاب يمثّل عنصراً من عناصر الالتزام فقط.. فالالتزام يكون غير كامل باعتبار الحجاب فريضة دينية.. المحجبة عندما تعصي الله في أشياء أخرى، كأن تكذب أو تؤذي الناس، إلى ما هنالك، فهذا يعتبر أيضاً معصية.. وربما تكون المعصية أكبر من معصية ترك الحجاب.
- لماذا لا يتحجَّب الرّجل؟!
س: لماذا يحبَّذ للمرأة أن تضع الحجاب وليس الرّجل أيضاً؟
ج: سؤال معقول. المشكلة هي أنّ المرأة بحسب التأريخ، أو بحسب طبيعة التفاعلات الإنسانيّة في علاقة الرجل بالمرأة، هي الّتي تعتبر رمز الغريزة.
الآن نحن تحرّرنا، أليس كذلك؟ هل هناك تحرّر أكثر من الغرب بالمعنى الذي يفهمه الناس من التحرّر؟ لماذا المرأة في الإعلام رمز الجنس؟ وفي الأفلام؟ أيّ فيلم الآن، لا يمكن أن يروَّج له إلا إذا كان هناك امرأة بشكل معيّن. حتى أنا أقول، مع كلّ الاعتذار، إنّ اختيار السكريتيرات بمواصفات معيَّنة، أو اختيار العاملات في المحلات، أو اختيار الإعلاميَّات في التّلفزيون، لماذا يكون الاختيار بشكل معيَّن؟، ليس الأمر من جهة أنّ هناك جانبًا روحانيًّا في الجمال، بل لأنّ في الموضوع جانباً جنسيّاً، باعتبار أنه يجتذب الآخرين.
من هنا تأتي مسألة الحجاب للمرأة، سواء كانت المسألة من خلال طبيعة كلّ من الرّجل والمرأة، أو كانت المسألة من ناحية هذا الاستمرار التأريخيّ الّذي جعل المرأة رمز الجنس، وعندما تكون المرأة رمز الجنس، تكون رمز الإثارة... صحيح أنَّ المرأة قد تثار بالرّجل، ولكنَّ الرجل ليس رمز الجنس عند المرأة.. في الذهنيّة الإنسانيّة العامّة، حتى في ذهنيّة المرأة، فإنّها عندما تختار أزياءها، وعندما تتزيّن... فإنَّ هناك خلفية جنسيّة في هذا المجال.
ربما كانت المسألة تنطلق من خلال هذا الجانب. يمكن لشخص أن يقول هذا شيء تاريخيّ، هذا كذا... هذا بحث يُبحَث في علم الاجتماع... على كلّ حال، الشّيء التاريخي أصبح متجذّراً في الذهنيّة الإنسانيّة.
- تعدّد الزّوجات
س: أليس في السماح للرّجل بالزّواج من أربع نساء، انتقاص في العدل بين الرّجل والمرأة؟
ج: مسألة التعدّد تحتاج إلى محاضرات، لأنّ التعدّد ينطلق من خلال واقع إنسانيّ عام. فبقطع النظر عن الجانب الغريزي، إذا نظرنا إلى الواقع، نرى أنّ النّساء،بحسب الإحصائيّات العامّة، أكثر عدداً من الرّجال، فماذا نفعل بهذا الفائض من النّساء؟ يمكن أيضاً من ناحية ثانية أن تكون المسألة متّصلةً بأنَّ الحروب تحصد من الرّجال ما لا تحصده من النساء. ولذلك أذكر، إذا كان ما أذكره دقيقاً، أنّه بعد الحرب العالمية الثانية، صار هناك في ألمانيا اقتراح بتعدّد الزّوجات، وهناك جوانب أخرى أيضاً في هذا المجال...
ثم إنَّ هناك شيئاً نحن نواجهه الآن؛ العالم كلّه ينكر تشريع تعدّد الزوجات، لكنّه لا ينكر تشريع تعدّد الصّديقات.. من هو في الغرب كلِّه لا يعدِّد؟! الآن نسمع عن الرئيس الأمريكي والفضائح الموجودة عنه، ونحن في الجامعة الأمريكيّة... وأنا كما قلت أسمّي الأشياء بأسمائها.. أنا لا أجلس وأحدّثكم كرجل دينٍ وكهالةٍ دينيّة، أريدكم أن تفكّروا معي كما أفكّر معكم... نريد مواجهة القضايا على الطبيعة.
العالم جعل التعدّد فوضى، ونحن نعرف أنَّ هذا التعدّد الذي ينشأ من حالات شخصيَّة عند الرّجل بشكل معيَّن، من حالات خاصّة قد تكون مبرّرة وقد لا تكون مبرّرة، هذا التعدّد يجعل الحياة الزوجيّة مجرّد حالة رسمية في علاقة الرجل بالمرأة، هذا واقع.. هل استطاعت الوحدة في الزواج، مع التعدّد في العلاقات غير الشرعيّة، أن تعطي للإنسان سلاماً وسكينة؟!
هناك مشاكل في التعدّد، لكن يقيناً، مشاكل التعدّد الشرعيّ أقلّ من مشاكل التعدّد غير الشَّرعي.
إذاً التعدد حالة إنسانية وحالة تاريخية. أمّا مسألة لماذا لا تعدّد المرأة؟
أوّلاً النظام الإسلامي هو نظام أبويّ، والتعدّد عند المرأة يُفقِد موضوع النسب.
النقطة الثانية: أنَّ المرأة أساساً لا تعطي قلبها لأكثر من شخص. صحيح أنَّ هناك في الواقع بعض تعدّد علاقات من جهة المرأة، لكنها لا تمثّل قاعدةً كما هي القاعدة عند الرّجل.
ولو فرضنا أردنا القيام بإحصائيّة في واقع المرأة في العالم بالنّسبة إلى الجانب الجنسي، لوجدنا أنَّ المرأة تميل إلى الوحدة في العلاقة وفي الصَّداقة وفي الحبّ، على مستوى القاعدة، وأنَّ التعدّد يعتبر استثناءً.. والتشريع عندما ينطلق، ينطلق من خلال القاعدة لا من خلال الاستثناء.. على الأقلّ هذا ما نفهمه.
- استقبال المرأة بحجاب
س: لماذا لا تستقبلون امرأةً إلا بعد أن تضع حجاباً؟
ج: هذا شيء طبيعي، هناك موقع ديني وهناك التزامات دينيّة.. أعتقد أنّ الكثير من الأخوات كنّ إذا دخلن الكنيسة، يضعن على رؤوسهنّ شيئاً احتراماً للكنيسة، وإن كان هذا التقليد انتهى. ونحن لسنا مع حجب حريّة النّاس، ولكنّ هذا كمن يدخل المدرسة في زيٍّ معيّن، وكذا هنا الشّيء نفسه. ونحن نقول للصّحافيّات، إنّ هذه تجربة لا تعيشونها عادةً، فلا بأس من أن تعيشوها لمدّة معيّنة.
- حجاب المسلمات فقط
س: فيما يتعلّق بالحجاب، فإننا نرى جميع الراهبات وبعض نساء المسيحيّات يضعن ستراً على رؤوسهنّ، لا سيّما في الكنيسة، كما هو الحال في صور السيّدة مريم، فهل إنّ الحجاب مفروض على المسلمات فقط، وما تفسير هذه الظّاهرة؟
ج: ... إنّ الحجاب بالنسبة إلى الراهبات، وبالنسبة إلى السيدة مريم(ع)، مظهر يوحي بالروحانيّة، ويجعلنا ننظر إلى المرأة في جانبها الروحي والإنساني وليس جانبها الأنثويّ، ومن الممكن جداً أنَّه حتّى المسيحيّة كانت تتّجه إلى هذا الاتجاه، ولكن عندما انطلقت المسيحيّة مع شعوب أخرى، اختلفت النّظرة، وليس هناك تشريع إلزاميّ في المسيحيّة بالحجاب، لكنّ جوّ المسيحيّة هو جوّ حجاب وليس جوّاً بعيداً من الحجاب.
- رؤية الأولاد بعد الطّلاق
س: إذا حصل طلاق، ما مصير الأولاد؛ هل يحقّ للرّجل أن يحرم الأمّ من أولادها؟
لا يحقّ له أن يحرم الأمّ من أولادها، فلها الحقّ في أن تراهم، وأن تجلس معهم على أساس اتّفاق وتفاهم فيما بينهم {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}.
- النّساء ناقصات عقل؟!
س: هل النّساء ناقصات عقل ودين وحظّ، كما ورد عن الإمام عليّ(ع)؟
هذا النصّ الموجود في نهج البلاغة، أنا ناقشته واقعاً في أكثر من كتاب؛ في "دنيا المرأة"، وفي "تأمّلات إسلاميَّة حول المرأة"...
وأنا أتصوّر أنَّ النصّ غير دقيق، فهو من ناحية السند ليس موثَّقاً، أو أنَّ المقصود به تعبيراً ينسجم مع ذاك العصر. لماذا؟ لأنّه لو فرضنا أنَّ الإمام(ع) قال إنَّ النساء ناقصات حظوظ وعقل ودين، فيمكن أن تكون هناك أسرار خفيّة لا نفهمها، لكن حسب ما نسب إلى الإمام، أنّ ناقصات عقول لأنَّ شهادة امرأتين في مقابل شهادة رجل. هنا السؤال: ما دخل الشّهادة بالعقل؟ قد يكون ذلك باعتبار أنَّ الشهادة حالة حسّ وأمانة نقل، وخصوصاً أنّ القرآن يقول: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}، فناقص إلى ناقص لا يعطي كمالاً.. المفروض أنَّ المرأة التي تذكَّر إذا انحرفت بفعل جانب عاطفي في الشّهادة، تذكِّرها امرأة أخرى، ولا يذكِّرها رجل... القضيَّة تعني احتياطاً بالعدالة، ربما يكون ذلك من جهة الجانب العاطفيّ... وهذا مثل الشَّهادة الّتي تحتاج إلى شهادة رجلين عدلين... هذه القضايا تتصل باحتياط العدالة، وليس بالإساءة إلى المرأة، فغلبة الجانب العاطفيّ عند المرأة، كما يقولون، من الممكن أن يجعلها أمام القضايا المأساوية تنحرف في شهادتها أو ما إلى ذلك.
أمَّا لماذا ناقصات دين؟ فيقولون لأنَّ المرأة تترك الصلاة في أيّام الدّورة الشّهرية والصّوم.
نحن نقول إنّها تتركها طاعةً لله، بدليل أنّها أيّام الاستحاضة تبقى تصلّي، وإنما هي تترك الصلاة إطاعةً لله من خلال التزام الديني بأوامر الله... الصّلاة عندما يأمر بها الله، فهي طاعة، وعندما ينهى الله عنها، فتركها هو الطّاعة. ليس هناك نقصان دين في هذا المجال.
أمّا نقصان حظّ، فمن جهة الميراث، باعتبار أنَّ حظَّ الرّجل أكثر من حظّ المرأة في هذا المجال.
- ضرب المرأة!
س: {وَاضْرِبُوهُنَّ} ماذا تعني؟
ج: واقعاً، الإسلام يحرِّم العنف ضدَّ المرأة بالمطلق وضدَّ كلِّ إنسان، لكن لو فرضنا أنّ المرأة تمرَّدت على واجباتها الزّوجيّة {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}، أي أنّها لم تعد تريد أن تلتزم بالالتزامات الزوجيَّة كليّةً، ونحن قلنا إنّ التزامات الحياة الزّوجيّة هي التزامات المرأة، وليس شيئاً مفروضاً عليها من فوق، فهي عندما تدخل الحياة الزّوجيّة، تعرف ما هي طبيعة هذه الحياة، وما هي واجبات الحياة الزّوجيّة، والّتي من المفترض أن تلتزم بها، كما أنَّ على الرّجل أن يلتزم بواجباته حيال المرأة أيضاً، فإذا تمرّدت على هذه الالتزامات، وامتنعت عن القيام بواجباتها، فإنَّ الإسلام يقول إنّ على الرّجل أن يأتي ويعظ المرأة، ويبيّن لها المصالح والمفاسد، فإذا لم تقبل، يأتي الجانب النّفسي، وهو جانب الهجران في المضجع، ولكن إذا بقيت متمرّدة، فماذا يفعل الزّوج حينها، وخصوصاً أنَّ المسألة لها علاقة بالجانب الزّوجيّ الخاصّ؛ هل يذهب إلى المحكمة؟ المحكمة قد تتدخّل بالماليات، لكن هل تتدخّل بالعلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة؟ يعني هل نضع دركاً في غرفة النّوم؟ لا يمكن أن يحصل هذا.
هذه من القضايا التي تتصل بالعلاقة الشخصيَّة، يعني إذا دار الأمر بين أن يطلّق الرّجل المرأة وتفقد حياتها الزوجيّة، وبين أن يحدث عنف خفيف جداً لحماية الحياة الزّوجيَّة، فالأفضل حمياة الحياة الزّوجيّة...
نعم، إذا كانت المرأة في حالات لا تستطيع الوفاء بالحياة الزّوجيّة، من ناحية الوضع الصحي، أو إذا كان هناك وضع نفسي فوق العادة، فهذا شيء آخر.
أمّا إذا لم يكن هناك عذر، فنعتبر الضرب بهذا المقدار هو حماية للحياة الزوجيّة، وليس إساءةً إلى المرأة في هذا المجال.
- هل المرأة أكثر شرّاً؟!
س: في القرآن الكريم آية تقول إنّ الرسول في إسرائه نظر نحو جهنّم، فلاحظ أنّ أغلبيّة الناس فيها من النساء، هل هذا يعني أنّ المرأة بتصرّفاتها وأفكارها أقرب إلى الخطيئة، وبالتّالي أكثر شرّاً من الرّجل، أم أنها اكتسب هذه الحالة؟
ج: أوّلاً، القرآن الكريم ليس فيه مثل هذه الفكرة، هناك أحاديث ربما موجودة، ولكنّها ليست مسندة. علينا أن ننقل شيئاً من القرآن لنؤكِّد مسألة ما.
- عمل الزّوجة دون رضا الزّوج
س: قيل: اطلبوا العلم ولو في الصّين، فإذا كانت المرأة زوجة متعلّمة، لكنّ زوجها يرفض أن تعمل في نطاق شهادتها، فهل عليها أن تمتثل لأمره، أم أنّ من حقّها أن ترفض وتثور عليه حتى يسمح لها بذلك؟
ج: نحن قلنا من الأساس، إنّ هذه القضايا تتصل بالعقد الزّوجي.. فلكي يكون هناك انسجام في الحياة الزوجيّة، المفروض أنّ على المرأة أن تشترط في العقد الزّوجيّ أنّها تريد أن تعمل تتعلّم، وإذا فرضت شروطها شرعاً، فالرّجل ملزم بأن ينفِّذ شروطها، لأن المؤمنين عند شروطهم.
فالقضية في الحياة الزوجية لا تعني أن يقول أحدهما للآخر أنا أريد هذا الشّيء وأنت "بلّط البحر"... القضيّة ليست كذلك. الحياة الزوجيّة تقوم على التوافق.. افرض أنها تمرّدت على زوجها، وراحت تعمل وهو غير راض، ألا تنكِّد حياته وهو ينكّد حياتها؟ معناها لن يكون هناك حياة طبيعيّة.
والحياة الزوجية لا تنطلق من أن تقول الزّوجة للزّوج المادّة الأولى تحكمك، وهو يردّ عليها ويقول المادة الثّانية تحكمك، الحياة الزّوجيّة تقوم على المودّة والرحمة والتفاهم والانسجام.. العلاقة تقوم على الاندماج، وليس المقصود الاندماج الجسديّ، بل الاندماج الإنساني {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}، بحيث إنَّ علاقة الرجل الاندماجية بالمرأة، مثل علاقة الثّوب بالجسد، والمرأة كذلك.
الحياة الزوجية حياة اندماج، وعندما تكون الحياة اندماج، فلن يكون هناك من يتمرّد على الثاني.. هناك من الناس مَن يفكّر أنّه سيبقى بعقليّة الأعزب عندما يصبح زوجاً، رجلاً كان أو امرأة. حياة العزوبيّة قد تكون حياة حرّة، والإنسان يستطيع أن يمارس كلّ حياته، ولكن الحياة الزوجيّة ليست كذلك.
- المرأة الرّشيدة
س: ما المقصود الشرعي بالمرأة الرّشيدة؛ هل هو عمر معيَّن؟
ج: ليس المقصود به عمراً معيّناً، وإنما هو عقل معيَّن.. المرأة الرشيدة هي التي تستطيع أن تتصرّف بالطريقة المتوازنة المعقولة الّتي لا تهدر حياتها ولا تخسر نفسها ولا تسيء إلى أوضاعها، مثل الرّجل الرّشيد، ولذا، قد تكون المرأة رشيدة وعمرها 15 سنة، وقد تكون امرأة بعمر الـ 40 سنة ليس عندها رشد.. لذلك، الرّشد ليس سنّاً، الرشد عقل ووعي وإرادة.
- حقّ اختيار الزّوج
س: أعلم أنّ على المرأة إطاعة والديها، ويمكن للمرأة اختيار الزوج الذي تريد أن تتزوَّجه، فإذا رفض الأهل هذا الرَّجل لأسباب غير دينيّة، ماذا تعمل؟
ج: لها الحرية في أن تتزوّج، ولكن عليها أن تواجه الواقع، هناك فرق بين حركة النظرية وحركة التطبيق.
في الواقع السياسيّ كم لنا من الحقوق، ولكن عندما تنزل إلى الواقع، ترى الحقوق للطبقة الحاكمة، أما الشعب، فيأكل الفتات وكلّ ما يفضل عنهم في هذا المجال.
وكذلك هي قضية الحقوق الإنسانيّة... يعني لك الحقّ، ولكن لا يمكن لك أن تأخذه من جهة الواقع الظالم الموجود.
- نصيب المرأة من نعيم الجنّة
س: إذا كان الله وعد الرّجل المؤمن بالحور العين في الجنَّة، وهذا من نعيم الجنَّة، فما هو نصيب النساء المؤمنات من النّعيم؟ وما هو مصيرهنّ مع أزواجهنّ؟
ج: أوّلاً: هناك آيات قرآنيّة تقول بأنّ الإنسان إذا كان صالحاً وكان أولاده صالحين وزوجته صالحة، فإنّ الله يجمعهم كلّهم في الجنة: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ...}. هذا جانب.
الجانب الثاني، هو أنّ المجتمع الّذي نزل فيه القرآن، لم يكن مألوفاً جداً أن يتحدَّث عن حاجة المرأة الجنسيّة... كان يتحدّث باعتبار الرّجل كما قلنا... لكن نستفيد أنّه ليس هناك حرمان في الجنّة، من خلال النظريّة {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ* َنحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ* نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}، الّتي نفهم منها أنّه ليس هناك من حرمان.
- إنفاق الزّوج والتحكّم بالزّوجة
س: إذا كانت المرأة غير مجبرة على المشاركة المادية في العائلة، أليس هذا ما يبرّر تحكّم الرّجل بها؟
ج: لماذا تقبل أن تتزوَّج؟ مسؤوليَّة الرّجل الإنفاق عليها، وليس التّحكّم بها.. هي تستطيع أن تمارس حرّيتها تماماً خارج نطاق الحياة الزوجيّة.
لو فرضنا الآن أنّنا لم نحمِّل الرّجل مسؤوليَّة الحياة الماديّة، ما الحلّ؟ هل نحمِّل المرأة مسؤوليَّة البيت أو المشاركة المادّيّة؟ وسواء تحمّلت أو لم تتحمَّل، ليس هناك فرق، إذا كان الرّجل لا يخاف الله، فهناك من الرّجال من إذا كان متعسِّراً، فلن يوفّر زوجته، بل إنّه يأخذ معاش زوجته وإرث زوجته، إذا كان لا يخاف الله.
أمّا مسألة الحقوق، فهي مسألة ليس فيها أيّ جانب تعسّفي.
- زواج المرأة المؤقّت
س: كيف يُنظَر إلى المرأة التي ترتبط بزواج متعة؟ ولماذا يحقّ للرّجل أن يقيم علاقات دون المرأة؟
ج: هذا الزواج مختلَف فيه بين المسلمين في أنَّه هل هو شرعيّ أم لا؟ وهو باتّفاق المسلمين جميعاً أنّه كان شرعيّاً، ولكن اختلفوا في أنّه هل نسخ أم لا.. ليس مقام الجدل هنا، لكنَّ الّذين يقولون به بعد إثبات الشرعيَّة، فباعتبار أنَّ الزواج الدائم لا يحلّ مشكلة الجنس في المطلق، ولذلك، ما من زواج دائم إلا ومعه علاقات غير شرعيَّة. لذلك، يمكن لهذا التشريع أن يقدِّم الحلَّ لهذه المشكلة.
وهذه مسألة كما هي بالنسبة إلى الرجل، كذلك المرأة. نعم، في المجتمع الشرقيّ، ليس فقط زواج المتعة ما يعيب فيه النَّاس المرأة، بل حتى الزواج الدّائم، هل تقدر امرأة الآن، بحسب مجتمعنا الشرقي، أن تقول للأب أريد أن أتزوَّج؟ يقول لها انقطع شرش الحياء، آخر زمان...!
سأنقل لكم قصّة، في زمن النبيّ(ص)، وهو جالس بين أصحابه، أتت امرأة وقالت: زوّجني يا رسول الله. تصوّروا لو أتت واحدة في زماننا اليوم وقالت هكذا، ما التعليقات في رأيكم؟!
النبيّ تقبّل الموضوع بشكل طبيعيّ، والصحابة تقبّلوا بشكل طبيعيّ، وقال النبيّ(ص): من لها؟ فقام شخص، سأله: عندك مال؟ عندك فراش؟ عندك لحاف؟ ولم يكن عنده شيء.
أعاد النبيّ القول مرّة ثانية، ولم يقم إلا هذا الرّجل.. فقال له النبيّ: هل معك شيء من القرآن نقدِّمه كمهر؟ والمهر رمز. قال: نعم، أحفظ بضع سور من القرآن. فقال له: زوّجتك إيّاها بما معك من القرآن... جعل المهر أن يعلّمها بضع سور من سور القرآن.
في الإسلام، من حقّ المرأة أن تطلب الزواج، كما من حقّ الرجل أن يطلب الزواج، لكنّ مجتمعنا مجتمع متخلّف عن المرحلة التي كان فيها الرّسول(ص) من حيث النظرة إلى هذه القضايا، ففي عهد الرّسول(ص)، كانوا يعتبرون المسألة طبيعيّة جداً، فكما أنّ الرجل عنده غريزة، المرأة أيضاً عندها غريزة، وكما الرجل عنده حاجة، المرأة كذلك عندها حاجة.
تراكم الحضارات والتقاليد غلّف كلّ أوضاعنا، وبتنا لا نسمّي الأشياء بأسمائها، وإنما نحاول أن نلتفّ عليها بشكل، إلى أن فقدنا الوضوح حتى في المشاعر، والصّراحة في القضايا الحيويّة.
- الطّلاق الغيابيّ
س: كيف تحصل حالات طلاق غيابيّ دون حضور المرأة، وقد حصل ذلك أكثر من مرّة بعلمكم؟
نحن نقول إنّ الأشخاص أو العلماء الذين يطلّقون طلاقاً غيابيّاً، يسيئون في ذلك، بل لا بدّ لهم من أن يعملوا بكلّ الوسائل على أساس أن يحلّوا المشكلة الموجودة.
- هل الزّواج واجب؟
س: هل الزواج واجب شرعيّ للرّجل؟
ج: ليس مسألة واجب، ولكنّه سنّة الله. فالرّهبنة ليست قيمة.
في الإسلام نقطة علينا أن نعرفها، وهي أنَّ امتناع الإنسان عن تلبية حاجاته ليس قيمة، كما إذا امتنع الإنسان عن تناول الطّعام وجوَّع نفسه، ولكنّ الجوع ليس قيمة أبداً، والظّمأ ليس قيمة، وأن لا يمارس الإنسان الجنس ضمن العلاقة الحلال ليس قيمة...
هذه حاجات الإنسان الطبيعيّة، والله يريد للإنسان أن يعيش حياته الطبيعيّة وأن لا يتطرّف {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ}. مارس شهواتك ولكن بالحلال، مارس حياتك المادية، ولكن لا تسرق ولا تغشّ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
نحن نحترم من يعيش الرّهبنة، ولكن نقول إنهم قد يقسون على إنسانيّتهم وحياتهم.
نعم، الإنسان ينبغي أن يدرّب نفسه ويجاهدها ويربيها، أن يتحمّل الجوع في بعض الحالات، حتى يستطيع أن ينتصر على استغلال الآخرين الذين يعملون على تجويعه وإسقاطه، ولكن ليس معنى ذلك أن يمتنع عن الأمور الطّبيعيّة في الحياة...
- الموقف من الزواج المدنيّ
س: لم أستطع أن أفهم بتاتاً سبب امتعاض رجال الدين السنّة والشيعة، وأيضاً امتعاض رجال الدين المسيحيّين على السواء، من مشروع الزواج المدني في شريعة تبيح تعدد الزوجات وزواج المتعة...؟!
ج: ما هو الزواج المدني؟ بعض الناس يفهم المسألة من دون فهم التّفاصيل.
الزواج في الإسلام، بقطع النظر عن التشريعات، هو زواج مدني. فالزّواج المدنيّ هو الزواج الذي لا يشترط فيه أن يتمّ على يد سلطة دينيّة.
في الإسلام، إذا اتّفق رجل وامرأة على الزواج، هي تقول له زوّجتك نفسي على مهر قدره كذا، وهو يقول لها قبلت، صارا زوجين أمام الله... هناك بعض العلماء والفقهاء المسلمين يقول بلزوم وجود شاهدين، وذلك من أجل توثيق العقد وتثبيته، ولا يعني عدم توثيقه عدم شرعية الزواج.
شرعية الزواج إرادتان تتّفقان ويعبَّر عنها بواسطة العقد الزوجي، بأيّ صيغة كان. كل زواج، سواء كان الزواج في القانون المدني أو في القوانين الشرعيّة، له شروط.
الآن لو فرضنا عندنا زواج مدني، وهناك شروط، وهناك جماعة تزوّجوا مدنياً من دون شروط، هل نقول إنّ العلاقة قانونيّة؟ لا، لأنّ العلاقة القانونية هي العلاقة التي تستجمع كلّ الشروط القانونيّة في هذا المجال.
في الإسلام هناك شروط للزواج، إذا لم تتحقّق هذه الشروط، لا يكون الزواج شرعياً، كما أنّ الزواج المدني له شروط.. لو فرضنا الآن مثلاً تقدّم شخص غير بالغ لفتاة بالغة من دون وليّ، وعقد بينهم موثّق العقود، ألا نقول إنّ الزواج باطل؟ لأنّ الشروط القانونية غير متحقّقة هنا. أيضاً في قانون الزواج الإسلامي هناك شروط، إذا لم تتحقّق هذه الشروط، يكون الزّواج غير شرعيّ.
بالنسبة إلى الكنيسة، أساساً الزواج المدني ليس وارداً عندها، باعتبار أن زواج الكنيسة ديني، لأنه سرّ، وهذا السرّ لا يمكن أن يعطيه إلا الكاهن، بينما في الإسلام غير ذلك، هو عقد مثل بقيّة العقود الأخرى، وله شروط، إذا لم تتحقَّق، يكون زواجاً غير شرعيّ.
- الحجاب في عمر التّاسعة
س: فرض على الفتاة الحجاب في عمر التّاسعة، ألا تعتقدون أنها في هذا العمر لا تفهم معناه، أي أنّها تضعه من دون اقتناع؟
ج: القضيّة ليست قضيّة اقتناع، ثم هناك رأي آخر يقول إنَّ التكليف عند الفتاة هو عند نضوجها وبلوغها وليس في عمر التّاسعة تحديداً.
- وكالة المرأة بتطليق نفسها
س: أردت أن أعطي خطيبتي وكالةً بتطليق نفسها كشرط في عقد الزواج هي تشترطه، وتفاجأت برجل الدّين المسلم يقول بجواز ذلك شرعاً، ولكن بعدم واقعيَّته عرفاً، قائلاً: كاد العرف أن يكون شرعاً. فإذا كان قوله صحيحاً، فأين الحرام والحلال؟ وأين حقّ الفتاة في هذا الأمر؟
ج: هو قال "كاد" من جهة الضغط الاجتماعي، ولم يقل "كاد" يعني أنه يأخذ شرعية في التشريع الإسلامي.