كتابات
21/03/2019

من تاريخ الرِّجال

من تاريخ الرِّجال

من مشاكلنا الكبرى في ساحاتنا الاجتماعيّة، وأحياناً السياسيّة، مشكلة الرّجال، وخصوصاً إذا صدرت أسماؤهم بالألقاب الكبيرة والفضفاضة، ثم بُرِّزت عبر المريدين والأتباع باعتبارها مقدَّسات لا يأتيها السّهو والغفلة وخطأ التّشخيص، واشتباه الممارسة لا من بين يديها ولا من خلفها.

بداية الضّياع حين ترتهن أمّة قراراتها ومستقبلها وخطواتها على وقع الرجال وليس الأفكار، وعلى وقع المسمَّيات والألقاب وليس على وقع البرامج، وعلى الأحلام التي تغفل عن الممارسة اليوميّة للرجال، مستعيضةً عن ذلك بأوهام البطل الّذي يصنع التاريخ ويغيّر الواقع ويشخّص الحال بدقّة متناهية، لأنه محلّ الكمال الذي لا يعتريه نقص يستحقّ المخالفة والمباينة.

الإمام عليّ بن أبي طالب ينبّه إلى خطر هيمنة الرّجال على الناس، فقد ورد عنه قوله: «من دخل في هذا الدّين بالرّجال، أخرجه منه الرّجال كما أدخلوه فيه، ومن دخل فيه بالكتاب والسنّة، زالت الجبال قبل أن يزول»، ليست الرجال، كما أتصوّر، هي الأسماء الشخصيّة فقط لزيد أو بكر، لكنّها تمتدّ للعناوين الاعتباريّة العامّة.

مجتمعات الرجال لا يقبل الأتباع فيها نقداً لأفكار وخطط وبرامج زعيمهم، ولا يتحملون مغايرةً من أحد لعنوانهم الاعتباريّ، سواء كان منظمة أو حزباً أو جمعية أو لجنة أو تياراً أو غير ذلك، فالتّماهي بين الرّجال والفكرة مستحكم، ولذلك، نرى أغلب الصّراعات في ساحاتنا الاجتماعيّة هي بين أسماء، بين رجال، بين عناوين، لكنّها بعيدة عن البرامج والتصوّرات والأفكار والممارسات الميدانيّة.

في مجتمعات الرّجال، يبصم النّاس بالعشرِ على كلّ شيء، فمن يؤمن برجل، لا بدّ وأن يسلّم بكلّ أفكاره، وإن كان غير قادر على الدّفاع عنها، ويرى أغلب أبناء المجتمع أنّ الاختلاف غير مقبول في أيّ أمر مهما كان صغيراً.

ينتابك العجب وتسيطر عليك الحيرة إذا وجدت مشروعاً إنسانيّاً كرعاية الأيتام مثلاً يتكرّر في قرية واحدة أو مدينة واحدة، وتتساءل: لماذا جهدان، ومكانان، وعنوانان؟

لكنّها حيرة تتبدّد وعجب يتلاشى، حين تعلم أنّ هذا تابع لسين وذاك تابع لصاد .

في مجتمعات الرّجال، يندر أن ترى أحداً يتبرّع لمشروع رجل آخر غير رجله الفذّ، وإن كان ذلك المشروع واضحاً في أهدافه ومعطياته وخدماته الإنسانيّة للمجتمع؛ لأنّ الناس قبل أن تبادر للدّعم، يتحرّك في وعيها ولاوعيها سؤال كبير، مَنْ وراء هذا المشروع؟ وبمعرفة من وراءه يتحدّد الموقف، وتنقبض اليد بخلاً أو تنبسط كرماً.

يتّضح في كلمة لأمير المؤمنين: «إنّ الحقّ والباطل لا يعرفان بأقدار الرّجال، اِعرف الحقّ تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله» أنّ القيم والمبادئ والأفكار والرّؤى، هي ما يجب أن يتصدّر المشهد في قرارات الإنسان ومواقفه وانتماءاته ورجاله، وأنّ عكس الأمر، بمعنى أن تكون الانتماءات والجهات والرّجال هي القاعدة والمنطلق، هي طريقة مغلوطة، ومصائبها كارثيّة.

*صحيفة الوسط البحرينيّة، بتاريخ 21 / 7 / 2012م.

من مشاكلنا الكبرى في ساحاتنا الاجتماعيّة، وأحياناً السياسيّة، مشكلة الرّجال، وخصوصاً إذا صدرت أسماؤهم بالألقاب الكبيرة والفضفاضة، ثم بُرِّزت عبر المريدين والأتباع باعتبارها مقدَّسات لا يأتيها السّهو والغفلة وخطأ التّشخيص، واشتباه الممارسة لا من بين يديها ولا من خلفها.

بداية الضّياع حين ترتهن أمّة قراراتها ومستقبلها وخطواتها على وقع الرجال وليس الأفكار، وعلى وقع المسمَّيات والألقاب وليس على وقع البرامج، وعلى الأحلام التي تغفل عن الممارسة اليوميّة للرجال، مستعيضةً عن ذلك بأوهام البطل الّذي يصنع التاريخ ويغيّر الواقع ويشخّص الحال بدقّة متناهية، لأنه محلّ الكمال الذي لا يعتريه نقص يستحقّ المخالفة والمباينة.

الإمام عليّ بن أبي طالب ينبّه إلى خطر هيمنة الرّجال على الناس، فقد ورد عنه قوله: «من دخل في هذا الدّين بالرّجال، أخرجه منه الرّجال كما أدخلوه فيه، ومن دخل فيه بالكتاب والسنّة، زالت الجبال قبل أن يزول»، ليست الرجال، كما أتصوّر، هي الأسماء الشخصيّة فقط لزيد أو بكر، لكنّها تمتدّ للعناوين الاعتباريّة العامّة.

مجتمعات الرجال لا يقبل الأتباع فيها نقداً لأفكار وخطط وبرامج زعيمهم، ولا يتحملون مغايرةً من أحد لعنوانهم الاعتباريّ، سواء كان منظمة أو حزباً أو جمعية أو لجنة أو تياراً أو غير ذلك، فالتّماهي بين الرّجال والفكرة مستحكم، ولذلك، نرى أغلب الصّراعات في ساحاتنا الاجتماعيّة هي بين أسماء، بين رجال، بين عناوين، لكنّها بعيدة عن البرامج والتصوّرات والأفكار والممارسات الميدانيّة.

في مجتمعات الرّجال، يبصم النّاس بالعشرِ على كلّ شيء، فمن يؤمن برجل، لا بدّ وأن يسلّم بكلّ أفكاره، وإن كان غير قادر على الدّفاع عنها، ويرى أغلب أبناء المجتمع أنّ الاختلاف غير مقبول في أيّ أمر مهما كان صغيراً.

ينتابك العجب وتسيطر عليك الحيرة إذا وجدت مشروعاً إنسانيّاً كرعاية الأيتام مثلاً يتكرّر في قرية واحدة أو مدينة واحدة، وتتساءل: لماذا جهدان، ومكانان، وعنوانان؟

لكنّها حيرة تتبدّد وعجب يتلاشى، حين تعلم أنّ هذا تابع لسين وذاك تابع لصاد .

في مجتمعات الرّجال، يندر أن ترى أحداً يتبرّع لمشروع رجل آخر غير رجله الفذّ، وإن كان ذلك المشروع واضحاً في أهدافه ومعطياته وخدماته الإنسانيّة للمجتمع؛ لأنّ الناس قبل أن تبادر للدّعم، يتحرّك في وعيها ولاوعيها سؤال كبير، مَنْ وراء هذا المشروع؟ وبمعرفة من وراءه يتحدّد الموقف، وتنقبض اليد بخلاً أو تنبسط كرماً.

يتّضح في كلمة لأمير المؤمنين: «إنّ الحقّ والباطل لا يعرفان بأقدار الرّجال، اِعرف الحقّ تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله» أنّ القيم والمبادئ والأفكار والرّؤى، هي ما يجب أن يتصدّر المشهد في قرارات الإنسان ومواقفه وانتماءاته ورجاله، وأنّ عكس الأمر، بمعنى أن تكون الانتماءات والجهات والرّجال هي القاعدة والمنطلق، هي طريقة مغلوطة، ومصائبها كارثيّة.

*صحيفة الوسط البحرينيّة، بتاريخ 21 / 7 / 2012م.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية