كتابات
01/05/2019

تأثير الاغتراب في شخصيّة الطفل

تأثير الاغتراب في شخصيّة الطفل

حديث اليوم عن الأطفال الّذين يعيشون في بلاد الاغتراب في أيّ مكان في العالم... اليوم يحمل هذا اللّقاء عنوان وجود الأطفال في مجتمعات غريبة عنهم أو مختلفة عنهم... نتحدّث عن تحدّيات هذه التربية تحديداً، وهل هذا الاختلاف يؤدّي إلى ظهور مشكلة عند الطفل، أو ممكن تجاوز الأمر بسهولة دون أن يكون له أيّ مترتّبات؟

ضيفتي في هذا اللّقاء هي الأستاذة ثروت سرائب، اختصاصيّة في علم النّفس العياديّ.

تأثير البيئة في الطّفل

س: هل وجود الطفل في بيئة مختلفة عنه، له تأثيرات بشكل عامّ في شخصيّته، سواء إيجابيّة أو سلبيّة؟

ج: من المؤكَّد أنَّ انتقال الطّفل من بيئة إلى بيئة أخرى، أو حتى عندما ينتقل الأهل الّذين يربّون أولادهم من بيئة إلى بيئة، سوف يترك تأثيرات، وهذه التأثيرات يمكن أن تكون إيجابيّة، ويمكن أن تكون سلبيّة، ونحن من نقرِّر منحى هذه التَّأثيرات، وكلّ هذه التّأثيرات ستتدخّل في شخصيّة الطّفل النفسيّة في طور نموّه، فإمّا أن تكون إيجابيّة أو سلبيّة مدمّرة.

س: هل تختلف المسألة بين أن يكون الطّفل قد ولد في بلده ثم سافر أهله إلى المجتمعات الأوروبيّة أو غيرها، وبين أن يكون قد ولد في تلك البلاد أصلاً؟

ج: طبعاً هناك اختلاف، فالطّفل الّذي نشأ في بيئة معيَّنة، ثمّ انتقل إلى بيئة أخرى مختلفة عن بيئته، ستحدث عنده صدمة، وواجب الأهل هنا أن يعملوا، وبشتّى الطّرق الممكنة، على التّخفيف من تأثيرات هذه الصّدمة، أيّاً كان حجمها.

س: عن أيّ عمر نتحدّث هنا؟

ج: عادةً، نحن نتحدّث عن العمر الّذي يكون فيه الطّفل في المدرسة، حيث سيلاحظ الطّفل الفرق بين ما اعتاده في مدرسته السّابقة في بلده الأصل، وبين ما يراه في المجتمعات الأوروبيّة والأمريكيّة وغيرها، حسب وجهة السّفر.

في عمر الخامسة أو السَّادسة، يكون بإمكان الولد أن يلحظ الفرق، وهذا الفرق لن يلحظه في البيت، لأنَّ الأهل لايزالون يربّونه بالطّريقة نفسها، وإن اختلف الزّائرون، ولكنَّ الفرق سيلحظه عندما يخرج إلى المدرسة، ويدخل في مجتمع آخر، هنا الصَّدمة ستكون أقوى عليه.

أمثلة من الواقع

س: سوف نعطي بعض الأمثلة الواقعيّة: إذا كانت هناك عائلة مسلمة تحديداً، وانتقلت إلى مجتمعات مختلفة من حيث الدّيانة وأساليب العيش والعادات والتقاليد... سيكون هناك تحدّ كبير في هذا المقام، فالولد الّذي يعيش في بيته، مثلاً، ضمن أجواء معيّنة فيها ضوابط، مقابل المجتمع الآخر الّذي تختلف فيه الضَّوابط، أو تكون غير موجودة، هل هذا يشكّل عند الطفل أو عند الشابّ مشكلة؟

ج: من المؤكَّد أنَّ الطّفل سوف يقارن عندما يرى الفرق، ولكنَّ دور الأهل هنا هو تفسير تلك الأسباب والتَّغييرات، فعندما نتحدَّث عن مجتمعات أوروبيَّة أو مجتمعات فيها انفتاح قويّ، ويكون ابني داخل البيت محاطاً بضوابط معيَّنة، وأربّيه تربية إسلاميّة، فإنّ عليّ أن أفسّر له عن هذا المجتمع الخارجيّ، وأشرح له الأساسات الّتي يقوم عليها المجتمع الإسلاميّ، وأقول له وفقاً لهذه الأساسات، أنت شخص حرّ ومسؤول في كلّ عمل تقوم به، لك حقوق وعليك واجبات في هذا المجتمع... فعندما أشرح له عدم التَّعارض بين الإثنين، يصبح أكثر قابليَّة للمجتمع الخارجيّ والاختلافات الّتي تحدث.

س: هل معنى ذلك أنّنا رجعنا إلى فكرة أنّ الإسلام دين منفتح...؟

ج: ليست المسألة فقط أنَّ الإسلام دين منفتح، فالإسلام وجد لكلّ العالم، فهو لا يقول فقط للنَّاس الّذين يعيشون ضمن منطقة معيّنة، إنّكم تتمتَّعون بحقوقكم الإسلاميّة، أو عليكم واجبات إسلاميّة، أمّا من هم خارج هذه المنطقة فلا! فعندما نفسِّر للولد أنّ هذه الدّيانة التي تضع لك الضّوابط، لا تضعها عبثاً، بل تضعها بشكل منطقيّ، تصبح الأمور أسهل.

نعطي مثالاً عن الشّرب والسّهر، فعندما تأتي الأمّ، وتقول للولد - وهنا نتحدَّث عن عمر المراهقة - أنت ممنوع عليك الشّرب والسَّهر، فإنَّ عليها أن تفسِّر له لماذا هو أمر ممنوع، وأن تشرح له سبب منع الدّين لهذا الأمر. فهذه الأمور ينبغي أن تكون موجودة عند الأهل أوّلاً، حتّى يستطيعوا نقلها إلى أولادهم.

س: في موضوع الهويّة، هل الطّفل أو الشابّ الذي يتربّى في مجتمعات غربيَّة تختلف عن مجتمعاتنا الإسلاميَّة، هل يعيش ازدواجيَّة في الهويّة؟ وهل لهذا الأمر تداعيات عليه؟

ج: إذا كان هناك تعارض في الهويّات نعم، يكون له تبعات سلبيّة على شخصيّته، أمّا إذا لم يكن هناك تعارض في الهويّات، بمعنى أن يقرِّر الشّخص هويّته، ولا نتكلَّم هنا عن الهويّة الموجودة في الباسبور، بل هويّته الشخصيّة الّتي تؤسّس للأولويّات في حياته.. فعندما أقرّر مثلاً أنّ هويّتي الأولى هي أنّي شخص مسلم، فتكون أولويّاتي الإسلام، أو أنّي شخص عربيّ، فتكون أولوياتي الأسس العربيّة، أو أنّي شخص أميركيّ، فأولوياتي تكون الأسس الأمريكيّة...

ولكنَّ هذه الأولويّات، أيّاً كانت، ينبغي أن أفهمها منطقيّاً، وأن أعرف لماذا أقرّر هويّتي هكذا، حتى إنّ باستطاعة الأهل تفسير ذلك لأولادهم منذ الصّغر، بمعنى أنّ الولد سوف يكون في مدرسة تحوي أولاداً مختلفي الهويّات، أن يفسِّروا له أنّ هذه الهويّات لا تتعارض مع هويّتنا، وهناك الكثير من المشتركات فيما بيننا، فنحن عندنا ضوابطنا لأنَّ هويّتنا هي هكذا، وهم عندهم ضوابطهم الخاصّة.

نصيحة للأهل

س: ما هي نصيحتكم للأهل الّذين ينجحون أحياناً وأحياناً يخفقون في مساعدة أولادهم، وخصوصاً بالنّسبة إلى الجيل الصّاعد، والّذي تكثر أسئلته، وأحياناً يواجه الأهل... فكيف نتعاطى مع هؤلاء الأولاد؟

ج: أهمّ نقطة أن يعرفوا هويّتهم، فإذا لم يكن الأهل قد ثبّتوا هذه الهويّة لأولادهم، فلن يستطيعوا إعطاءها لهم. والأمر الثاني، أن لا يكون عندهم خوف من التّفسير المنطقيّ لأولادهم، حتّى لو كانوا أطفالاً، فالولد إذا شاهد التّناقض، سوف يذهب للأسهل والأريح له. لذلك علينا أن نفسّر له هذا التناقض، فعندما تفسَّر الأمور للولد بشكل منطقيّ، سيستوعب ويمشي على أساسها.

وعندما يكبر، يعرف لماذا اختار هذا الشَّيء، أو لماذا اختار أهله له ذلك.

* مقابلة لموقع بيِّنات.

حديث اليوم عن الأطفال الّذين يعيشون في بلاد الاغتراب في أيّ مكان في العالم... اليوم يحمل هذا اللّقاء عنوان وجود الأطفال في مجتمعات غريبة عنهم أو مختلفة عنهم... نتحدّث عن تحدّيات هذه التربية تحديداً، وهل هذا الاختلاف يؤدّي إلى ظهور مشكلة عند الطفل، أو ممكن تجاوز الأمر بسهولة دون أن يكون له أيّ مترتّبات؟

ضيفتي في هذا اللّقاء هي الأستاذة ثروت سرائب، اختصاصيّة في علم النّفس العياديّ.

تأثير البيئة في الطّفل

س: هل وجود الطفل في بيئة مختلفة عنه، له تأثيرات بشكل عامّ في شخصيّته، سواء إيجابيّة أو سلبيّة؟

ج: من المؤكَّد أنَّ انتقال الطّفل من بيئة إلى بيئة أخرى، أو حتى عندما ينتقل الأهل الّذين يربّون أولادهم من بيئة إلى بيئة، سوف يترك تأثيرات، وهذه التأثيرات يمكن أن تكون إيجابيّة، ويمكن أن تكون سلبيّة، ونحن من نقرِّر منحى هذه التَّأثيرات، وكلّ هذه التّأثيرات ستتدخّل في شخصيّة الطّفل النفسيّة في طور نموّه، فإمّا أن تكون إيجابيّة أو سلبيّة مدمّرة.

س: هل تختلف المسألة بين أن يكون الطّفل قد ولد في بلده ثم سافر أهله إلى المجتمعات الأوروبيّة أو غيرها، وبين أن يكون قد ولد في تلك البلاد أصلاً؟

ج: طبعاً هناك اختلاف، فالطّفل الّذي نشأ في بيئة معيَّنة، ثمّ انتقل إلى بيئة أخرى مختلفة عن بيئته، ستحدث عنده صدمة، وواجب الأهل هنا أن يعملوا، وبشتّى الطّرق الممكنة، على التّخفيف من تأثيرات هذه الصّدمة، أيّاً كان حجمها.

س: عن أيّ عمر نتحدّث هنا؟

ج: عادةً، نحن نتحدّث عن العمر الّذي يكون فيه الطّفل في المدرسة، حيث سيلاحظ الطّفل الفرق بين ما اعتاده في مدرسته السّابقة في بلده الأصل، وبين ما يراه في المجتمعات الأوروبيّة والأمريكيّة وغيرها، حسب وجهة السّفر.

في عمر الخامسة أو السَّادسة، يكون بإمكان الولد أن يلحظ الفرق، وهذا الفرق لن يلحظه في البيت، لأنَّ الأهل لايزالون يربّونه بالطّريقة نفسها، وإن اختلف الزّائرون، ولكنَّ الفرق سيلحظه عندما يخرج إلى المدرسة، ويدخل في مجتمع آخر، هنا الصَّدمة ستكون أقوى عليه.

أمثلة من الواقع

س: سوف نعطي بعض الأمثلة الواقعيّة: إذا كانت هناك عائلة مسلمة تحديداً، وانتقلت إلى مجتمعات مختلفة من حيث الدّيانة وأساليب العيش والعادات والتقاليد... سيكون هناك تحدّ كبير في هذا المقام، فالولد الّذي يعيش في بيته، مثلاً، ضمن أجواء معيّنة فيها ضوابط، مقابل المجتمع الآخر الّذي تختلف فيه الضَّوابط، أو تكون غير موجودة، هل هذا يشكّل عند الطفل أو عند الشابّ مشكلة؟

ج: من المؤكَّد أنَّ الطّفل سوف يقارن عندما يرى الفرق، ولكنَّ دور الأهل هنا هو تفسير تلك الأسباب والتَّغييرات، فعندما نتحدَّث عن مجتمعات أوروبيَّة أو مجتمعات فيها انفتاح قويّ، ويكون ابني داخل البيت محاطاً بضوابط معيَّنة، وأربّيه تربية إسلاميّة، فإنّ عليّ أن أفسّر له عن هذا المجتمع الخارجيّ، وأشرح له الأساسات الّتي يقوم عليها المجتمع الإسلاميّ، وأقول له وفقاً لهذه الأساسات، أنت شخص حرّ ومسؤول في كلّ عمل تقوم به، لك حقوق وعليك واجبات في هذا المجتمع... فعندما أشرح له عدم التَّعارض بين الإثنين، يصبح أكثر قابليَّة للمجتمع الخارجيّ والاختلافات الّتي تحدث.

س: هل معنى ذلك أنّنا رجعنا إلى فكرة أنّ الإسلام دين منفتح...؟

ج: ليست المسألة فقط أنَّ الإسلام دين منفتح، فالإسلام وجد لكلّ العالم، فهو لا يقول فقط للنَّاس الّذين يعيشون ضمن منطقة معيّنة، إنّكم تتمتَّعون بحقوقكم الإسلاميّة، أو عليكم واجبات إسلاميّة، أمّا من هم خارج هذه المنطقة فلا! فعندما نفسِّر للولد أنّ هذه الدّيانة التي تضع لك الضّوابط، لا تضعها عبثاً، بل تضعها بشكل منطقيّ، تصبح الأمور أسهل.

نعطي مثالاً عن الشّرب والسّهر، فعندما تأتي الأمّ، وتقول للولد - وهنا نتحدَّث عن عمر المراهقة - أنت ممنوع عليك الشّرب والسَّهر، فإنَّ عليها أن تفسِّر له لماذا هو أمر ممنوع، وأن تشرح له سبب منع الدّين لهذا الأمر. فهذه الأمور ينبغي أن تكون موجودة عند الأهل أوّلاً، حتّى يستطيعوا نقلها إلى أولادهم.

س: في موضوع الهويّة، هل الطّفل أو الشابّ الذي يتربّى في مجتمعات غربيَّة تختلف عن مجتمعاتنا الإسلاميَّة، هل يعيش ازدواجيَّة في الهويّة؟ وهل لهذا الأمر تداعيات عليه؟

ج: إذا كان هناك تعارض في الهويّات نعم، يكون له تبعات سلبيّة على شخصيّته، أمّا إذا لم يكن هناك تعارض في الهويّات، بمعنى أن يقرِّر الشّخص هويّته، ولا نتكلَّم هنا عن الهويّة الموجودة في الباسبور، بل هويّته الشخصيّة الّتي تؤسّس للأولويّات في حياته.. فعندما أقرّر مثلاً أنّ هويّتي الأولى هي أنّي شخص مسلم، فتكون أولويّاتي الإسلام، أو أنّي شخص عربيّ، فتكون أولوياتي الأسس العربيّة، أو أنّي شخص أميركيّ، فأولوياتي تكون الأسس الأمريكيّة...

ولكنَّ هذه الأولويّات، أيّاً كانت، ينبغي أن أفهمها منطقيّاً، وأن أعرف لماذا أقرّر هويّتي هكذا، حتى إنّ باستطاعة الأهل تفسير ذلك لأولادهم منذ الصّغر، بمعنى أنّ الولد سوف يكون في مدرسة تحوي أولاداً مختلفي الهويّات، أن يفسِّروا له أنّ هذه الهويّات لا تتعارض مع هويّتنا، وهناك الكثير من المشتركات فيما بيننا، فنحن عندنا ضوابطنا لأنَّ هويّتنا هي هكذا، وهم عندهم ضوابطهم الخاصّة.

نصيحة للأهل

س: ما هي نصيحتكم للأهل الّذين ينجحون أحياناً وأحياناً يخفقون في مساعدة أولادهم، وخصوصاً بالنّسبة إلى الجيل الصّاعد، والّذي تكثر أسئلته، وأحياناً يواجه الأهل... فكيف نتعاطى مع هؤلاء الأولاد؟

ج: أهمّ نقطة أن يعرفوا هويّتهم، فإذا لم يكن الأهل قد ثبّتوا هذه الهويّة لأولادهم، فلن يستطيعوا إعطاءها لهم. والأمر الثاني، أن لا يكون عندهم خوف من التّفسير المنطقيّ لأولادهم، حتّى لو كانوا أطفالاً، فالولد إذا شاهد التّناقض، سوف يذهب للأسهل والأريح له. لذلك علينا أن نفسّر له هذا التناقض، فعندما تفسَّر الأمور للولد بشكل منطقيّ، سيستوعب ويمشي على أساسها.

وعندما يكبر، يعرف لماذا اختار هذا الشَّيء، أو لماذا اختار أهله له ذلك.

* مقابلة لموقع بيِّنات.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية