كتابات
21/07/2019

مشكلة الحركات الإسلاميّة.. الحاكم فوق النقد!

مشكلة الحركات الإسلاميّة.. الحاكم فوق النقد!

مشكلة الحركة الإسلاميّة هي أنّ هناك خطوطاً عامّة يلتزمها الجميع، مثل "إنّ الإسلام عقيدة ونظام"، أو "ديننا سياسة وسياستنا دين"، ولكن ما هي التفاصيل؟ وما هي صلاحيّة الحاكم الإسلامي؟ هل هذا الحاكم هو إنسان يخضع للمحاسبة الشعبيّة، أم أنه يملك كلّ الصلاحيات ويستطيع أن يلغي الدّولة؟ هل الحاكم الإسلامي، بقطع النظر عن قضيّة المقدَّسات التاريخية التي تتصل بالأنبياء والأئمّة، هل يملك هذا الحاكم القداسة أيضاً، أم أنه مجرّد إنسان يملك ثقافة وتجربة وموقعاً أو امتداداً من الشّعب من خلال استفتاء شعبي وما إلى ذلك، ولا بدّ من أن يحاسب كما يحاسب أيّ إنسان آخر؟

من حقّ الإنسان المسلم أن يقف أمام الحاكم ليحاسبه، ولا يجوز للحاكم أن يحاسب هذا الإنسان لأنّه انتقده.

لعلّ هذه هي الصيغة الإسلامية الحقيقيّة التي نستوحيها من حركة النبيّ محمّد (ص)، عندما وقف أمام أصحابه في آخر حياته، وقال لهم: إنكم لا تمسكون أو تعلقون عليّ بشيء لأني ما أحللت إلا ما أحلّ القرآن، وما حرَّمت إلا ما حرّم القرآن.

أي أنّ النبيّ يقول لهم أنا في آخر حياتي أقدم حسابي لكم، وأقول لكم إنني لم أخالف القانون.

وإلى جانب ذلك، نتوقّف عند حادثة أخرى لها دلالاتها العميقة، وتتصل بموقف النبي (ص) من شخص جاءه عندما كان يوزّع الغنائم بعد معركة حنين، وكان هذا الشخص حديث العهد في الإسلام، فقال: "اعدل يا محمّد"، فلم يعلّق النبيّ ولم يحاسبه أبداً على هذا الكلام.

وعلى الخطّ نفسه، يستوقفنا أحد نصوص "نهج البلاغة" للإمام علي، جاء فيه: "لا تكلموني بما تكلّمون به الجبابرة، ولا تتحفّظوا مني بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي، أو لعدل يعرَض عليَّ، فإنّ من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما عليه أثقل. فلا تكفّوا عن مشورة بحقّ، أو مقالة بعدل، فإني لست بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني". علماً أنّ الشيعة يعتقدون أنّ علياً معصوم، وهو هنا يدعو الناس إلى أن ينقدوه ويحاسبوه على حكمه.

ونقرأ أيضاً في الجانب الأخلاقي والعملي، أنَّ عليّاً كان جالساً مع أصحابه، وبينهم شخص من الخوارج الّذين ثاروا عليه، فظهرت امرأة جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم، فقال الإمام: "إنّ أبصار هذه الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها (انحرافها)، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه، فليلامس أهله، فإنما هي امرأة كامرأته".

فقال هذا الخارجي: "قاتله الله كافراً ما أفقهه!"، فقام عندها القوم يريدون النّيل من هذا الرجل الذي كفّر الإمام، لكنّه أشار إليهم بالتزام الهدوء، وقال لهم: "رويداً، إنّما هو سبّ بسبّ، أو عفو عن ذنب".

بناءً على ما تقدَّم، ومن خلال أكثر من شاهد، فإننا نرى أنّ أيّ شخص في الإسلام يملك حقّ محاسبة الحاكم، وأن الأخير بحسب طبيعة علاقته بالنّاس، لا يملك أيّ قداسة في مسألة الحكم، لأن الحاكم حتى لو كان نبيّاً أو إماماً، ليس فوق القانون.

وعلى هذا الأساس، فإنّ في الحركات الإسلامية مناخاً يجعل الحاكم فوق النّقد، وربما يُحاسَب الذي ينتقده بسبب هذه الهالة من القداسة بتهمة الإساءة إليه.

لذلك نقول إنّ ثمة مناخاً إسلاميّاً، ولكن ليس من الضّروريّ أن يكون في الخطّ الذي يمثّل نقاء الإسلام وصفاءه.

*من أرشيف حوارات / صحيفة النَّهار العام 2003.

مشكلة الحركة الإسلاميّة هي أنّ هناك خطوطاً عامّة يلتزمها الجميع، مثل "إنّ الإسلام عقيدة ونظام"، أو "ديننا سياسة وسياستنا دين"، ولكن ما هي التفاصيل؟ وما هي صلاحيّة الحاكم الإسلامي؟ هل هذا الحاكم هو إنسان يخضع للمحاسبة الشعبيّة، أم أنه يملك كلّ الصلاحيات ويستطيع أن يلغي الدّولة؟ هل الحاكم الإسلامي، بقطع النظر عن قضيّة المقدَّسات التاريخية التي تتصل بالأنبياء والأئمّة، هل يملك هذا الحاكم القداسة أيضاً، أم أنه مجرّد إنسان يملك ثقافة وتجربة وموقعاً أو امتداداً من الشّعب من خلال استفتاء شعبي وما إلى ذلك، ولا بدّ من أن يحاسب كما يحاسب أيّ إنسان آخر؟

من حقّ الإنسان المسلم أن يقف أمام الحاكم ليحاسبه، ولا يجوز للحاكم أن يحاسب هذا الإنسان لأنّه انتقده.

لعلّ هذه هي الصيغة الإسلامية الحقيقيّة التي نستوحيها من حركة النبيّ محمّد (ص)، عندما وقف أمام أصحابه في آخر حياته، وقال لهم: إنكم لا تمسكون أو تعلقون عليّ بشيء لأني ما أحللت إلا ما أحلّ القرآن، وما حرَّمت إلا ما حرّم القرآن.

أي أنّ النبيّ يقول لهم أنا في آخر حياتي أقدم حسابي لكم، وأقول لكم إنني لم أخالف القانون.

وإلى جانب ذلك، نتوقّف عند حادثة أخرى لها دلالاتها العميقة، وتتصل بموقف النبي (ص) من شخص جاءه عندما كان يوزّع الغنائم بعد معركة حنين، وكان هذا الشخص حديث العهد في الإسلام، فقال: "اعدل يا محمّد"، فلم يعلّق النبيّ ولم يحاسبه أبداً على هذا الكلام.

وعلى الخطّ نفسه، يستوقفنا أحد نصوص "نهج البلاغة" للإمام علي، جاء فيه: "لا تكلموني بما تكلّمون به الجبابرة، ولا تتحفّظوا مني بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي، أو لعدل يعرَض عليَّ، فإنّ من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما عليه أثقل. فلا تكفّوا عن مشورة بحقّ، أو مقالة بعدل، فإني لست بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني". علماً أنّ الشيعة يعتقدون أنّ علياً معصوم، وهو هنا يدعو الناس إلى أن ينقدوه ويحاسبوه على حكمه.

ونقرأ أيضاً في الجانب الأخلاقي والعملي، أنَّ عليّاً كان جالساً مع أصحابه، وبينهم شخص من الخوارج الّذين ثاروا عليه، فظهرت امرأة جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم، فقال الإمام: "إنّ أبصار هذه الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها (انحرافها)، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه، فليلامس أهله، فإنما هي امرأة كامرأته".

فقال هذا الخارجي: "قاتله الله كافراً ما أفقهه!"، فقام عندها القوم يريدون النّيل من هذا الرجل الذي كفّر الإمام، لكنّه أشار إليهم بالتزام الهدوء، وقال لهم: "رويداً، إنّما هو سبّ بسبّ، أو عفو عن ذنب".

بناءً على ما تقدَّم، ومن خلال أكثر من شاهد، فإننا نرى أنّ أيّ شخص في الإسلام يملك حقّ محاسبة الحاكم، وأن الأخير بحسب طبيعة علاقته بالنّاس، لا يملك أيّ قداسة في مسألة الحكم، لأن الحاكم حتى لو كان نبيّاً أو إماماً، ليس فوق القانون.

وعلى هذا الأساس، فإنّ في الحركات الإسلامية مناخاً يجعل الحاكم فوق النّقد، وربما يُحاسَب الذي ينتقده بسبب هذه الهالة من القداسة بتهمة الإساءة إليه.

لذلك نقول إنّ ثمة مناخاً إسلاميّاً، ولكن ليس من الضّروريّ أن يكون في الخطّ الذي يمثّل نقاء الإسلام وصفاءه.

*من أرشيف حوارات / صحيفة النَّهار العام 2003.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية