ثمّ تنطلق الآيات القرآنيّة مُوجّهة لرسول الله (ص): {سَنُقْرِئكَ فَلَا
تَنسَى}[الأعلى: 6]، نُقرئك القرآن وآيات الله ووحيه قراءةً تستقرُّ في عقلك وقلبك
وكيانك، لتستوعب القرآن في كلّ عناصر هذا الكيان، فلا تنسى ذلك أبداً {إِلَّا مَا
شَاء اللهُ}[الأعلى: 7]، إلّا إذا شاء الله لك أن تنسى، ونحن نعرف أنَّ الله تعالى
لم يُرِد للنبيّ (ص) أن ينسى أبداً، ولكن ذكر ذلك حتى يُوحيَ إليه (ص) أنَّ أمره
بيد الله، وهو القادر على أن يُقرِئه فلا ينسى {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا
يَخْفَى}[الأعلى: 7]، فعندما يُقرئك الله ذلك، ويريد منك أن تبلّغه وتعلّمه وتعمل
به وتطبّقه في حياتك وحياة الآخرين، تذكّر هذه الحقيقة، وهي أنّه سبحانه لا يخفى
عليه شيء، فكذلك يعلمه، فالجهر والسِّرّ عنده سواء.
أمّا البشر، فيختلف عندهم حال الإعلان عن حال الخفاء، أمّا هو سبحانه، فالأمر عنده
حالٌ واحد، لأنّه يعرف عُمقَ الأمور وخفاياها، كما يعلم سطحها وظواهرها. وهذه نقطةٌ
إيمانية من الضروريّ أن تعيش في وعي المؤمن، فكما أنَّ عليه أن يتّقي الله في الجهر،
عليه أن يتّقيه في الإخفات.
وبعد أن يُقْرِئَ الله نبيَّه قرآنه، فإنّه يسدّده {وَنُيَسِّرُكَ
لِلْيُسْرَى}[الأعلى: 8]، نُيسِّر خطواتك ـــ يا محمَّد ـــ ودربك وحياتك ونهجك وكلَّ
أمرٍ تتحرّك فيه. واليسرى مفسّرةٌ بالجنّة، أي نيسِّرُك للجنّة بتيسير خطواتك نحو
مواضع رضى الله وطاعته التي تؤدّي بك إلى الجنّة.
وبعد هذا العرض القرآني لقدرة الله وعلمه، ما هي مهمّة رسول الله (ص) ومسؤوليته
أمام ذلك؟ {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى}[الأعلى: 9]. وكما أنّ هذا الخطاب
يطلب من رسول الله (ص) أن يذكّر النّاس بالله تعالى، فكذلك يحمِّل المسلم مسؤوليّة
الدعوة إلى الله، ومسؤوليّة التّذكير بثواب الله وعذابه، لأنّ عليه كمسلم يحمل
الإسلام في عقله وحياته ـــ أن يقول كلمة الحقّ في أن يوقظ وعي النّاس نحو الحقّ،
ويوظّف في ذلك كلَّ إمكانيّاته وقدراته، ولا يُثبط عزيمته تمرُّدهم وابتعادُهُم،
كما يفعل الكثيرون الذين يتخلّون عن دورهم في الدعوة، فيبرّرون انسحابهم من السّاحة
بسبب أنَّ الله ختم على قلوب البعض وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فما فائدة أن
ندعو؟ فالجوُّ من حولنا يهزأ بنا ويسخر منّا، فلماذا نُتعب أنفسنا، وخصوصاً أنّ
النتائج معروفة؟!
هذا منطق اليائسين الذين يهربون من مواجهة مسؤولياتهم، لأنَّ الله يأمرنا أن نذكِّر
حتّى ولو وضعوا أيديهم في آذانهم، فلعلَّ الكلمة تدخل إلى الأذن وتأخذ طريقها إلى
العقل والقلب، ثمّ قد تأتي الكلمة الثانية والثالثة والرابعة، وربما تُوجِد في
شخصيّة من نذكِّره بالله خزّاناً من المواعظ، فيعود إلى الله، كما المطر ينزل خفيفاً
خفيفاً، أو نقطة نقطة، فيأخذها الهواء ويجفّفها، ولكنّها تُبقي في الأرض شيئاً من
الرّطوبة، فتأتي النقطة الثانية والثالثة تنزل إلى الأرض فتتحوَّل إلى خزّان.
لذلك، إنَّ علينا أن نذكِّر مَنْ يقبل منَّا ومَنْ لا يقبل حتّى نعذر إلى الله {سَيَذَّكَّرُ
مَن يَخْشَى}[الأعلى: 10]، مَنْ عاش في قلبه الخوف من الله وحَسِبَ حساب المصير،
وفكّر بيوم القيامة. وإذا سمع كلمة الله أولاً وثانياً، وكانت الغفلة تحيط بعقله
وقلبه، فسوف تفتح كلمات الله ثغرةً هنا في عقله، وثغرةً هناك في قلبه، وثغرةً هنالك
في شعوره، وستنفتح نفسه كلُّها على الله تعالى.
وأمّا مَنْ عطَّل سَمْعَ الأذن والقلب {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}[الأعلى: 11]،
ولم يبدِ أيِّ استعداد ليفتح قلبه على الحقّ، وأعلن التمرّد، وأظهر الكِبْرَ
والاستعلاء والاستكبار، وأظهر عدم استعداده لأن يسمع أو يفهم أو يفكّر، فما النتائج
التي يتحمّلها؟ {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا
وَلَا يَحْيَى}[الأعلى: 12 ـــ 13] جزاء ضلالهم وفجورهم وفسقهم، أنّهم يدخلون إلى
النار ويأكلون الزقّوم ولا يطيقون العذاب، فيتمنّون الموت ظنّاً منهم أنّهم
يتخلّصون من هذا العذاب {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}،
خلّصنا فليقضِ ربُّك علينا بالموت. ويأتيهم الجواب سريعاً {قَالَ إِنَّكُم
مَّاكِثُونَ}[الزّخرف: 77]، {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا}[الأعلى: 13]
لا يُحِسُّ براحة الموت، ولا يُحِسُّ بطعم الحياة.
هذا الشقيّ. وأمّا السعيد {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى}[الأعلى: 14] النّاجح المفلح
الذي تظهرُ علاماتُ النجاح في دروبه ونهايات أمره، والمطمئنّ للنّتائج الإيجابية في
حياته، هو الذي يزكِّي نفسه ويطهِّرُها، وينمِّي الطاقات الحيّة الإيجابية فيها على
خطِّ الورع والتقوى، وهذا السّعيد، هو مَنْ بقي ذكر ربِّه حاضراً في وعيه {وَذَكَرَ
اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى: 15] لم يذكره باللّسان وحسب، بل ذَكَرَه حضوراً في
وعيه في كلّ منطلقات حياته، ولذلك فإنّه يصلّي، لا من خلال العادة، ولكن من خلال
وعيه لمقام ربِّه وإحساسه بعبوديّته له، وإيمانه بأنَّ عليه أن يقوم لربِّه في ليله
ونهاره، وهذا هو سرُّ الفلاح وسرُّ النجاح.
ولكن، ما مشكلة هؤلاء الذين لم يخشوا مقام ربِّهم، فطغوا واستكبروا وانحرفوا
وضلُّوا؟ {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[الأعلى: 16] تفضّلون الحياة
الدنيا على الآخرة، كما لو أنَّ الدّنيا خالدةٌ لا تفنى، وكما لو أنّها مطلوبة
لنفسها، بينما هذه الحياة الدّنيا مطلوبةٌ لغيرها {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ
الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص: 77]، لك حظٌّ
في الدنيا، لكنَّ الدنيا ليست كلَّ حظِّك "الدنيا مزرعةُ الآخرة"، {وَالْآخِرَةُ
خَيْرٌ وَأَبْقَى}[الأعلى: 17]، خيرٌ من الدنيا وأبقى، لأنَّ نعيمها يختلف عن نعيم
الدنيا، ومدى الآخرة غير مدى الدنيا، مدى الدنيا هو مدى عمرك، ومدى الآخرة هو مدى
الخلود، ونِعَمُ الدنيا ممزوجةٌ بالشقاء والراحة والفرح والحزن، أمّا نِعَمُ الآخرة،
ففرحٌ لا حزنَ معه، وراحةٌ لا تعب معها، ولذا هي خيرٌ وأبقى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ
زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ
ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}[الكهف: 46].
وهذا الحديث الذي يتلوه رسول الله (ص) عن الله تبارك وتعالى، ليس حديثه وحده،
إنَّما هو حديث الأنبياء (ع)، الذين أرسلهم الله ليذكِّروا الناس بالله، ليتَّخذوا
طريق الفلاح، بأن يزكّوا أنفسهم ويذكروا اسمَ ربِّهم ويصلُّوا له {إِنَّ هَذَا
لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}[الأعلى: 18 ـــ 19]، كي
يسيروا على ما سار عليه الأنبياء، وينطلقوا في الخطّ الذي انطلق فيه الأنبياء،
ليصلوا إلى الله من أقرب طريق.
*من كتاب "عرفان القرآن".
ثمّ تنطلق الآيات القرآنيّة مُوجّهة لرسول الله (ص): {سَنُقْرِئكَ فَلَا
تَنسَى}[الأعلى: 6]، نُقرئك القرآن وآيات الله ووحيه قراءةً تستقرُّ في عقلك وقلبك
وكيانك، لتستوعب القرآن في كلّ عناصر هذا الكيان، فلا تنسى ذلك أبداً {إِلَّا مَا
شَاء اللهُ}[الأعلى: 7]، إلّا إذا شاء الله لك أن تنسى، ونحن نعرف أنَّ الله تعالى
لم يُرِد للنبيّ (ص) أن ينسى أبداً، ولكن ذكر ذلك حتى يُوحيَ إليه (ص) أنَّ أمره
بيد الله، وهو القادر على أن يُقرِئه فلا ينسى {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا
يَخْفَى}[الأعلى: 7]، فعندما يُقرئك الله ذلك، ويريد منك أن تبلّغه وتعلّمه وتعمل
به وتطبّقه في حياتك وحياة الآخرين، تذكّر هذه الحقيقة، وهي أنّه سبحانه لا يخفى
عليه شيء، فكذلك يعلمه، فالجهر والسِّرّ عنده سواء.
أمّا البشر، فيختلف عندهم حال الإعلان عن حال الخفاء، أمّا هو سبحانه، فالأمر عنده
حالٌ واحد، لأنّه يعرف عُمقَ الأمور وخفاياها، كما يعلم سطحها وظواهرها. وهذه نقطةٌ
إيمانية من الضروريّ أن تعيش في وعي المؤمن، فكما أنَّ عليه أن يتّقي الله في الجهر،
عليه أن يتّقيه في الإخفات.
وبعد أن يُقْرِئَ الله نبيَّه قرآنه، فإنّه يسدّده {وَنُيَسِّرُكَ
لِلْيُسْرَى}[الأعلى: 8]، نُيسِّر خطواتك ـــ يا محمَّد ـــ ودربك وحياتك ونهجك وكلَّ
أمرٍ تتحرّك فيه. واليسرى مفسّرةٌ بالجنّة، أي نيسِّرُك للجنّة بتيسير خطواتك نحو
مواضع رضى الله وطاعته التي تؤدّي بك إلى الجنّة.
وبعد هذا العرض القرآني لقدرة الله وعلمه، ما هي مهمّة رسول الله (ص) ومسؤوليته
أمام ذلك؟ {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى}[الأعلى: 9]. وكما أنّ هذا الخطاب
يطلب من رسول الله (ص) أن يذكّر النّاس بالله تعالى، فكذلك يحمِّل المسلم مسؤوليّة
الدعوة إلى الله، ومسؤوليّة التّذكير بثواب الله وعذابه، لأنّ عليه كمسلم يحمل
الإسلام في عقله وحياته ـــ أن يقول كلمة الحقّ في أن يوقظ وعي النّاس نحو الحقّ،
ويوظّف في ذلك كلَّ إمكانيّاته وقدراته، ولا يُثبط عزيمته تمرُّدهم وابتعادُهُم،
كما يفعل الكثيرون الذين يتخلّون عن دورهم في الدعوة، فيبرّرون انسحابهم من السّاحة
بسبب أنَّ الله ختم على قلوب البعض وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فما فائدة أن
ندعو؟ فالجوُّ من حولنا يهزأ بنا ويسخر منّا، فلماذا نُتعب أنفسنا، وخصوصاً أنّ
النتائج معروفة؟!
هذا منطق اليائسين الذين يهربون من مواجهة مسؤولياتهم، لأنَّ الله يأمرنا أن نذكِّر
حتّى ولو وضعوا أيديهم في آذانهم، فلعلَّ الكلمة تدخل إلى الأذن وتأخذ طريقها إلى
العقل والقلب، ثمّ قد تأتي الكلمة الثانية والثالثة والرابعة، وربما تُوجِد في
شخصيّة من نذكِّره بالله خزّاناً من المواعظ، فيعود إلى الله، كما المطر ينزل خفيفاً
خفيفاً، أو نقطة نقطة، فيأخذها الهواء ويجفّفها، ولكنّها تُبقي في الأرض شيئاً من
الرّطوبة، فتأتي النقطة الثانية والثالثة تنزل إلى الأرض فتتحوَّل إلى خزّان.
لذلك، إنَّ علينا أن نذكِّر مَنْ يقبل منَّا ومَنْ لا يقبل حتّى نعذر إلى الله {سَيَذَّكَّرُ
مَن يَخْشَى}[الأعلى: 10]، مَنْ عاش في قلبه الخوف من الله وحَسِبَ حساب المصير،
وفكّر بيوم القيامة. وإذا سمع كلمة الله أولاً وثانياً، وكانت الغفلة تحيط بعقله
وقلبه، فسوف تفتح كلمات الله ثغرةً هنا في عقله، وثغرةً هناك في قلبه، وثغرةً هنالك
في شعوره، وستنفتح نفسه كلُّها على الله تعالى.
وأمّا مَنْ عطَّل سَمْعَ الأذن والقلب {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}[الأعلى: 11]،
ولم يبدِ أيِّ استعداد ليفتح قلبه على الحقّ، وأعلن التمرّد، وأظهر الكِبْرَ
والاستعلاء والاستكبار، وأظهر عدم استعداده لأن يسمع أو يفهم أو يفكّر، فما النتائج
التي يتحمّلها؟ {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا
وَلَا يَحْيَى}[الأعلى: 12 ـــ 13] جزاء ضلالهم وفجورهم وفسقهم، أنّهم يدخلون إلى
النار ويأكلون الزقّوم ولا يطيقون العذاب، فيتمنّون الموت ظنّاً منهم أنّهم
يتخلّصون من هذا العذاب {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}،
خلّصنا فليقضِ ربُّك علينا بالموت. ويأتيهم الجواب سريعاً {قَالَ إِنَّكُم
مَّاكِثُونَ}[الزّخرف: 77]، {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا}[الأعلى: 13]
لا يُحِسُّ براحة الموت، ولا يُحِسُّ بطعم الحياة.
هذا الشقيّ. وأمّا السعيد {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى}[الأعلى: 14] النّاجح المفلح
الذي تظهرُ علاماتُ النجاح في دروبه ونهايات أمره، والمطمئنّ للنّتائج الإيجابية في
حياته، هو الذي يزكِّي نفسه ويطهِّرُها، وينمِّي الطاقات الحيّة الإيجابية فيها على
خطِّ الورع والتقوى، وهذا السّعيد، هو مَنْ بقي ذكر ربِّه حاضراً في وعيه {وَذَكَرَ
اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى: 15] لم يذكره باللّسان وحسب، بل ذَكَرَه حضوراً في
وعيه في كلّ منطلقات حياته، ولذلك فإنّه يصلّي، لا من خلال العادة، ولكن من خلال
وعيه لمقام ربِّه وإحساسه بعبوديّته له، وإيمانه بأنَّ عليه أن يقوم لربِّه في ليله
ونهاره، وهذا هو سرُّ الفلاح وسرُّ النجاح.
ولكن، ما مشكلة هؤلاء الذين لم يخشوا مقام ربِّهم، فطغوا واستكبروا وانحرفوا
وضلُّوا؟ {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[الأعلى: 16] تفضّلون الحياة
الدنيا على الآخرة، كما لو أنَّ الدّنيا خالدةٌ لا تفنى، وكما لو أنّها مطلوبة
لنفسها، بينما هذه الحياة الدّنيا مطلوبةٌ لغيرها {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ
الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص: 77]، لك حظٌّ
في الدنيا، لكنَّ الدنيا ليست كلَّ حظِّك "الدنيا مزرعةُ الآخرة"، {وَالْآخِرَةُ
خَيْرٌ وَأَبْقَى}[الأعلى: 17]، خيرٌ من الدنيا وأبقى، لأنَّ نعيمها يختلف عن نعيم
الدنيا، ومدى الآخرة غير مدى الدنيا، مدى الدنيا هو مدى عمرك، ومدى الآخرة هو مدى
الخلود، ونِعَمُ الدنيا ممزوجةٌ بالشقاء والراحة والفرح والحزن، أمّا نِعَمُ الآخرة،
ففرحٌ لا حزنَ معه، وراحةٌ لا تعب معها، ولذا هي خيرٌ وأبقى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ
زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ
ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}[الكهف: 46].
وهذا الحديث الذي يتلوه رسول الله (ص) عن الله تبارك وتعالى، ليس حديثه وحده،
إنَّما هو حديث الأنبياء (ع)، الذين أرسلهم الله ليذكِّروا الناس بالله، ليتَّخذوا
طريق الفلاح، بأن يزكّوا أنفسهم ويذكروا اسمَ ربِّهم ويصلُّوا له {إِنَّ هَذَا
لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}[الأعلى: 18 ـــ 19]، كي
يسيروا على ما سار عليه الأنبياء، وينطلقوا في الخطّ الذي انطلق فيه الأنبياء،
ليصلوا إلى الله من أقرب طريق.
*من كتاب "عرفان القرآن".