إنّنا نعتقد أنّ القاعدة التي طرحها الإسلام تقول إن العقل هو الأساس، فبالعقل
نعرف الله، وبالعقل نعرف أنفسنا، وبالعقل نعرف حقائق الأشياء، وبالعقل نعرف حركية
الحياة في ما يتصل بكلّ أوضاعنا العامّة والخاصّة، وهذا هو الذي عبّر عنه الحديث
المأثور: "لمّا خلق الله العقل قال له أقبِل فأقبَل، ثم قال له أدبِر فأدبَر، ثم
قال: وعزّتي وجلالي، ما خلقت خلقاً أعزّ عليّ منك، إيّاك آمر وإيَّاك أنهى، وبك
أثيب وبك أعاقب". وقد ورد الحديث بأنّ "العقل رسول من الداخل، كما أن الرسول عقل من
الخارج".
وعلى ضوء هذا، لا بدّ أن نؤكد في خطوط التربية الإسلامية، أصالة العقل في شخصيّة
الإنسان، لينفتح بالعقل على كل ما يحيط بالحياة، باعتبار أن الإنسان المسلم يحمل في
مسؤوليته قيادة الحياة، وقيادة الإنسان في الحياة، ولا يتحقّق ذلك إلا في أن يبرمج
الإنسان عقله، وينفتح به على حركيّة الواقع، ليخطّط له، ويتعرّف خلفيّاته وأسراره
ومعطياته ونتائجه.
ومن خلال هذه الحركيّة للعقل، لا بدّ أن نلتقي بخطّ العلم، لأنّ العلم هو الذي
ينطلق من العقل ويكوّن العقل، وقد أراد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يأخذ بأسباب
العلم، سواء العلم القائم على التأمّل، أو العلم القائم على التجربة، وقد قال الله
سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ}(الزّمر: 9).
وهكذا نجد أنّ الله يريد للإنسان أن يظلّ في حركة تصاعدية في عملية إنتاج العلم
واستظهاره، وذلك هو قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} (طه: 114)، ونحن
نقرأ أيضاً كلمة الإمام عليّ (ع): "قيمة كلِّ امرىءٍ ما يحسنه".
وعليه، لا بدّ في خطوط التربية الإسلامية، أن نعيش الناس الذين نلتقيهم ونتحمّل
مسؤوليتهم، من خلال قاعدة الاعتراف بالآخر، باعتبار أنّه إذا كان من حقنا أن نختلف
مع الآخر، فمن حقّ الآخر أن يختلف معنا، كما علينا أن نؤكِّد في التربية الإسلاميّة
قبول الآخر وفكره وجوداً وانتماءً، لا بمعنى الالتزام بذلك، بل بمعنى أن نعيش معه
كما يعيش معنا، في عمليّة تفاعل وحوار يبسِّط فيه كلّ واحد منهما وجهة نظره للآخر،
لأننا نعتقد أنّ مسألة الاعتراف بالآخر التي تنفتح على مسألة الحوار معه، هي التي
يمكن أن تؤصّل الفكرة وتؤكِّدها، باعتبار أنّ الحوار سوف ينتهي إلى التفاهم أو إلى
اللّقاء في هذا المجال، ونحن نعرف أنه "لا مقدّسات في الحوار"، فالله حاور إبليس
كما حاور الملائكة، والقرآن الكريم حاور الكافرين كما حاور المؤمنين، لأنّ مسألة
الحوار هي مسألة تحريك الفكرة في عمليّة التفاعل أو في عمليّة التفاهم في هذا
المجال، ونحن نعتقد أنّ الذين يرفضون الحوار يخافون الحوار، لأنهم قد يخافون أن
يأخذوا ما التزموا به، نتيجة أنّ الحوار قد كشف خطأهم في هذا المجال.
لذلك نقول إنّ "الحقيقة هي بنت الحوار"، فعلينا أن نعلّم الطالب في المدرسة كيف
يكون الإنسان المحاور، سواء في القضايا الفكريّة أو في القضايا الحياتيّة في كل
تنوّعاتها، في الجانب السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي وما إلى ذلك.
ولعلّ من خطوط التربية الإسلاميّة أيضاً، قضية الإيمان بحركية القضايا والمشاكل
التي تسود، أن يحلّها الإنسان بالرفق لا بالعنف، لأن الرفق هو الذي يمكن أن يحقق
إنسانية الإنسان في إنسانية الآخر، وله الدور الأكبر في عملية الدعوة وفي عملية
الإقناع، ونحن نعرف أن الرفق الذي يمثل حركة العقل الهادئ والأسلوب الهادئ والكلمة
الهادئة، هو الذي يمكن لنا من خلاله أن نحرّك القضية في اتجاه إقناع الآخر أو
اقتناعنا من خلال الآخر، لأنّ العنف قد يضغط على الإنسان الآخر، ولكن لا يستطيع أن
يحقق اقتناعاً، لأنّ هناك فرقاً بين أن تُسكت الشخص وبين أن تقنعه.
إننا كمسلمين يريد الإسلام منّا أن نبحث عن كلّ الوسائل التي يقتنع بها الإنسان
الآخر، ولذلك ركّز الله سبحانه وتعالى في كتابه على القول بالتي هي أحسن، والجدال
بالتي هي أحسن، وعلى الدفع بالتي هي أحسن، حتى إنّه أراد منا أن نختار الأسلوب الذي
يحوِّل أعداءنا إلى أصدقاء، وذلك هو قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ
وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصّلت: 34). وهكذا ننفتح على أساس
احترام الإنسان في إنسانيته، سواء كان ممن يتفق معنا، أو يختلف معنا، وذلك هو ما
أكّده القرآن في مخاطبة الآخر على أساس الوقوف على الكلمة السواء، في قوله تعالى: {قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ
بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ}(آل عمران: 64)، وهكذا نقرأ في عهد
الإمام عليّ (ع) إلى مالك الأشتر قوله بأنّ "الناس صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، أو
نظيرٌ لك في الخلق"، فنحن كما نلتقي مع الأخوة في الدين، نلتقي مع النظراء في
الإنسانية في هذا المجال.
وهكذا تتحرّك المسألة على أساس ما نتّفق عليه مع الآخر، والحوار بما نختلف به معه،
هذه الخطوط العامة الكبرى التي يمكن أن تمثّل القاعدة الأولى لخطوط التربية
الإسلاميّة التي لا بدّ للإنسان المسلم، سواء كان في داخل المدرسة أو في داخل
المجتمع، أن يبشّر بها ويأخذ بها.
*حوارات فكرية العام 2005- نشرة أجيال المصطفى.
إنّنا نعتقد أنّ القاعدة التي طرحها الإسلام تقول إن العقل هو الأساس، فبالعقل
نعرف الله، وبالعقل نعرف أنفسنا، وبالعقل نعرف حقائق الأشياء، وبالعقل نعرف حركية
الحياة في ما يتصل بكلّ أوضاعنا العامّة والخاصّة، وهذا هو الذي عبّر عنه الحديث
المأثور: "لمّا خلق الله العقل قال له أقبِل فأقبَل، ثم قال له أدبِر فأدبَر، ثم
قال: وعزّتي وجلالي، ما خلقت خلقاً أعزّ عليّ منك، إيّاك آمر وإيَّاك أنهى، وبك
أثيب وبك أعاقب". وقد ورد الحديث بأنّ "العقل رسول من الداخل، كما أن الرسول عقل من
الخارج".
وعلى ضوء هذا، لا بدّ أن نؤكد في خطوط التربية الإسلامية، أصالة العقل في شخصيّة
الإنسان، لينفتح بالعقل على كل ما يحيط بالحياة، باعتبار أن الإنسان المسلم يحمل في
مسؤوليته قيادة الحياة، وقيادة الإنسان في الحياة، ولا يتحقّق ذلك إلا في أن يبرمج
الإنسان عقله، وينفتح به على حركيّة الواقع، ليخطّط له، ويتعرّف خلفيّاته وأسراره
ومعطياته ونتائجه.
ومن خلال هذه الحركيّة للعقل، لا بدّ أن نلتقي بخطّ العلم، لأنّ العلم هو الذي
ينطلق من العقل ويكوّن العقل، وقد أراد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يأخذ بأسباب
العلم، سواء العلم القائم على التأمّل، أو العلم القائم على التجربة، وقد قال الله
سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ}(الزّمر: 9).
وهكذا نجد أنّ الله يريد للإنسان أن يظلّ في حركة تصاعدية في عملية إنتاج العلم
واستظهاره، وذلك هو قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} (طه: 114)، ونحن
نقرأ أيضاً كلمة الإمام عليّ (ع): "قيمة كلِّ امرىءٍ ما يحسنه".
وعليه، لا بدّ في خطوط التربية الإسلامية، أن نعيش الناس الذين نلتقيهم ونتحمّل
مسؤوليتهم، من خلال قاعدة الاعتراف بالآخر، باعتبار أنّه إذا كان من حقنا أن نختلف
مع الآخر، فمن حقّ الآخر أن يختلف معنا، كما علينا أن نؤكِّد في التربية الإسلاميّة
قبول الآخر وفكره وجوداً وانتماءً، لا بمعنى الالتزام بذلك، بل بمعنى أن نعيش معه
كما يعيش معنا، في عمليّة تفاعل وحوار يبسِّط فيه كلّ واحد منهما وجهة نظره للآخر،
لأننا نعتقد أنّ مسألة الاعتراف بالآخر التي تنفتح على مسألة الحوار معه، هي التي
يمكن أن تؤصّل الفكرة وتؤكِّدها، باعتبار أنّ الحوار سوف ينتهي إلى التفاهم أو إلى
اللّقاء في هذا المجال، ونحن نعرف أنه "لا مقدّسات في الحوار"، فالله حاور إبليس
كما حاور الملائكة، والقرآن الكريم حاور الكافرين كما حاور المؤمنين، لأنّ مسألة
الحوار هي مسألة تحريك الفكرة في عمليّة التفاعل أو في عمليّة التفاهم في هذا
المجال، ونحن نعتقد أنّ الذين يرفضون الحوار يخافون الحوار، لأنهم قد يخافون أن
يأخذوا ما التزموا به، نتيجة أنّ الحوار قد كشف خطأهم في هذا المجال.
لذلك نقول إنّ "الحقيقة هي بنت الحوار"، فعلينا أن نعلّم الطالب في المدرسة كيف
يكون الإنسان المحاور، سواء في القضايا الفكريّة أو في القضايا الحياتيّة في كل
تنوّعاتها، في الجانب السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي وما إلى ذلك.
ولعلّ من خطوط التربية الإسلاميّة أيضاً، قضية الإيمان بحركية القضايا والمشاكل
التي تسود، أن يحلّها الإنسان بالرفق لا بالعنف، لأن الرفق هو الذي يمكن أن يحقق
إنسانية الإنسان في إنسانية الآخر، وله الدور الأكبر في عملية الدعوة وفي عملية
الإقناع، ونحن نعرف أن الرفق الذي يمثل حركة العقل الهادئ والأسلوب الهادئ والكلمة
الهادئة، هو الذي يمكن لنا من خلاله أن نحرّك القضية في اتجاه إقناع الآخر أو
اقتناعنا من خلال الآخر، لأنّ العنف قد يضغط على الإنسان الآخر، ولكن لا يستطيع أن
يحقق اقتناعاً، لأنّ هناك فرقاً بين أن تُسكت الشخص وبين أن تقنعه.
إننا كمسلمين يريد الإسلام منّا أن نبحث عن كلّ الوسائل التي يقتنع بها الإنسان
الآخر، ولذلك ركّز الله سبحانه وتعالى في كتابه على القول بالتي هي أحسن، والجدال
بالتي هي أحسن، وعلى الدفع بالتي هي أحسن، حتى إنّه أراد منا أن نختار الأسلوب الذي
يحوِّل أعداءنا إلى أصدقاء، وذلك هو قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ
وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصّلت: 34). وهكذا ننفتح على أساس
احترام الإنسان في إنسانيته، سواء كان ممن يتفق معنا، أو يختلف معنا، وذلك هو ما
أكّده القرآن في مخاطبة الآخر على أساس الوقوف على الكلمة السواء، في قوله تعالى: {قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ
بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ}(آل عمران: 64)، وهكذا نقرأ في عهد
الإمام عليّ (ع) إلى مالك الأشتر قوله بأنّ "الناس صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، أو
نظيرٌ لك في الخلق"، فنحن كما نلتقي مع الأخوة في الدين، نلتقي مع النظراء في
الإنسانية في هذا المجال.
وهكذا تتحرّك المسألة على أساس ما نتّفق عليه مع الآخر، والحوار بما نختلف به معه،
هذه الخطوط العامة الكبرى التي يمكن أن تمثّل القاعدة الأولى لخطوط التربية
الإسلاميّة التي لا بدّ للإنسان المسلم، سواء كان في داخل المدرسة أو في داخل
المجتمع، أن يبشّر بها ويأخذ بها.
*حوارات فكرية العام 2005- نشرة أجيال المصطفى.