كتابات
10/12/2019

بطلان فكرة أن الكون الصدفة

بطلان فكرة أن الكون الصدفة

لو وقفنا قليلاً عند ما يسمى بـ «تطور المادة»، وفكرنا في إمكان هذا التطور من طريق المصادفة، لوجدنا أن المصادفة كسبب لخلق وإيجاد الكائنات الحية وسائر الموجودات، لا يمكن للعقل أن يقبلها أو يبني واقعاً عليها.

ولقد تقدّمت دراسة نظرية المصادفة والاحتمال من الوجهة الرياضيّة تقدّماً كبيراً، حتى أصبحنا قادرين على التنبّؤ بحدوث بعض الظواهر التي نقول إنها تحدث بالمصادفة، والتي لا نستطيع أن نفسر ظهورها بطريقة أخرى، وقد صرنا بفضل تقدم هذه الدراسات، قادرين على التمييز بين ما يمكن أن يحدث بطريق المصادفة، وما يستحيل حدوثه بهذه الطريقة، ولننظر الآن إلى الدور الذي تستطيع ان تلعبه المصادفة في نشأة الحياة:

إن البروتينات من المركبات الأساسية في جميع الخلايا الحية، وهي تتكون من خمسة عناصر هي: الكاربون، والهيدروجين، والنيتروجين، والأوكسجين، والكبريت، ويبلغ عدد الذرات في الجزي‏ء البروتيني الواحد 40 ألف ذرة، ولما كان عدد العناصر الكيمياوية في الطبيعة قد تجاوز المائة، وهي موزعة توزيعاً عشوائيّاً، فإن احتمال اجتماع هذه العناصر الخمسة لكي تكوّن جزئيّاً واحداً من جزئيات البروتين، يمكن حسابه لمعرفة كمية المادة التي ينبغي أن تخلط خلطاً مستمراً لكي تؤلف هذا الجزي‏ء، ثم لمعرفة طول الفترة الزمنية اللازمة لكي يحدث هذا الاجتماع بين ذرات الجزي‏ء الواحد .

وقد قام العالم الرياضي السويسري «تشالزيوجين» بحساب هذه العوامل جميعاً، فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزئي بروتيني واحد إلا بنسبة «1» إلى رقم «10» مضروباً في نفسه «160» مرة، وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبير عنه بكلمات. وينبغي أن تكون كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالمصادفة، بحيث ينتج جزئي‏ واحد أكثر مما يتسع له كل هذا الكون بملايين المرات، ويتطلب تكوين هذا الجزي‏ء على سطح الأرض وحدها عن طريق المصادفة بلايين لا تحصى من السنوات، قدَّرها العالم السويسري المارّ الذكر بأنها «10» مضروبة في نفسها «243» مرّة من السنين.

ولو تنزّلنا عن ذلك كلّه إلى جزئي «الهيموغلوبين» الذي يلوّن الدم باللون الأحمر- وهو ما اعتبره العلماء من أبسط أنواع البروتينات تركيباً، لوجدناه يحتوي على ما يزيد عن «600» ذرة كاربون متحدة، بما لا يقلّ عن مائة ذرة هيدروجين وما يزيد عن مائتي ذرة نيتروجين ومثلها من الأوكسجين، ويحتوي جسم الإنسان على «25» تريليون كرة دموية؛ أي الرقم «25»، وإلى يمينه «18» صفراً.

ويقول عالم الكيمياء الدكتور بوهلر: عندما يطبق الإنسان قوانين المصادفة لمعرفة مدى احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر في الطبيعة، مثل تكون جزئي واحد من جزئيات البروتين من العناصر التي تدخل في تركيبه، فإننا نجد أن عمر الأرض الذي يقدر بما يقرب من ثلاثة بلايين من السنين أو أكثر، لا يعتبر زمناً كافياً لحدوث هذه الظاهرة وتكوين هذا الجزي‏ء عن طريق المصادفة.

ومع ذلك كله، فإن البروتينات ليست في واقعها سوى موادّ كيماوية عديمة الحياة، ولا تدبّ فيها الحياة إلا عندما يحلّ فيها ذلك السّرّ العجيب الذي لا نعلم كنهه أبداً.

إن المواد الأساسية التي تدخل في بناء الموادّ العضوية هي الهيدروجين والأوكسجين والكربون، مع كميات قليلة من النيتروجين والعناصر الأخرى.

ولا بد أن تجتمع ملايين من هذه الذرات حتى تتكوّن أبسط الكائنات الحية. فإذا نظرنا إلى الأنواع الأخرى التي هي اكبر حجماً واشد تعقيداً، فان احتمال تآلف ذراتها على اساس المصادفة المحض، يقل الى درجة لا يتصورها العقل، بل يرفض الاقرار بها وبتفسير وجود كل شيء بموجبها.

إن قصدي من هذه المعالجة للصدفة، هو ان أبين للقارئ بطريقة علمية واضحة، تلك الحدود الضيقة التي يمكن للحياة بينها ان توجد على الارض، وان اثبت بالبرهان الواقعي ان جميع مقومات الحياة الحقيقية ما كان يمكن ان توجد على كوكب واحد في وقت واحد بمجرد الصدفة

اننا اذا نظرنا - بإمعان- الى العالم المادي، من الذرات المتناهية في الصغر الى المجرات المتناهية في العظم، وجدنا كل شيء يجري بقوانين وبحساب و انضباط.

حتى الالكترون، لا ينتقل من مدار الى مدار في فلك النواة، الا اذا اعطى او اخذ حزماً من الطاقة تساوي مقادير انتقاله، وكأنه مسافر لا يستطيع ان يستقل واسطة لسفره الا اذا دفع ثمن التذكرة.

وميلاد النجوم وموتها له قوانين واسباب .وحركة الكواكب في دولاب الجاذبية لها معادلة. وتحول المادة الى طاقة وتحول جسم الشمس الى نور له معادلة. وانتقال النور له سرعة معينة .وكل موجة لها طول ولها ذبذبة ولها سرعة. كما ان كل معدن له طيف وله خطوط امتصاص مميزة يعرف بها في جهاز المطياف.

وبذلك يصبح الكون كله وكأنه جدول من القوانين المنضبطة الصريحة التي لا غشّ فيها ولا خداع.

إن حجم الكرة الارضية و بعدها عن الشمس، ودرجة حرارة الشمس واشعتها الباعثة للحياة، وسمك قشرة الارض، وكمية الماء، ومقدار ثاني اوكسيد الكاربون، وحجم النتروجين، وظهور الانسان وبقاءه على قيد الحياة، كلّ أولاء تدلّ على خروج النظام من الفوضى، وعلى التصميم والقصد. كما تدل على أنه طبقاً للقوانين الحسابية الصارمة، ما كان يمكن حدوث كل ذلك مصادفةً في وقت واحد على كوكب واحد مرة في بليون مرة.

وضرب الماديون القائلون بالصدفة مثلاً لادعائهم فقالوا:

"لو أن صندوقاً من الحروف الأبجدية أعيد تنضيده مئات المرات وألوف المرات وملايين المرات على امتداد الزمان الذي لا تحصره السنون ولا القرون، فلا مانع- حينئذٍ- أن تسفر هذه التنضيدات في مرة من المرات عن قصيدة من الشعر المنظوم، ولا عمل في اتفاق حروفها على هذه الصورة لغير المصادفة الواحدة التي تعرض بين ملايين الملايين من المصادفات، وهكذا الكون المادي في اضطرابه المتشتت الذي تعرض له جميع المصادفات الممكنة في العقول، فلا مانع في العقل- حسب زعمهم- أن تسفر مصادفة منها عن نظام كهذا النظام وتكوين كهذا التكوين في عالم الجماد او في عالم الحياة".

ولمناقشة قولهم هذا، نرجع الى المثل الذي ضربوه لنجد فيه الفروض التالية:

1- وجود الحروف المتناسبة التي يمكن ان يتكون منها الشعر، بحيث لا ينقص منها حرف واحد ولا يزيد.

2- وجود قوة تتولى التنسيق والتنضيد.

3- استمرار تلك القوة على التنضيد من دون توقف في الأثناء.

4- وجود فهم كامل لدى تلك القوة يوقف حركة تنضيد الحروف عند الانتهاء الى قصيدة الشعر.

وفي كل واحد من هذه الفروض الأربعة مناقشة، بل دليل على فساد هذا الادعاء.

أما في (الاول) فنتساءل: كيف وجدت الحروف المشار إليها لنقوم بتنضيدها؟ وكيف تقسمت المادة الى أجزاء متنوعة ينتج من اجتماعها مثل هذه النتيجة؟ ثم كيف كان لهذا التنويع قابلية الاتحاد على وجه مفهوم؟!

وأما في (الثاني) فنتساءل كذلك: وعلى فرض وجود قوة تتولى التنسيق وتقوم بمهام التنضيد، هل يصحّ عقلاً ان تكون الحروف نفسها مصدر هذه القوة، بحيث تحرك نفسها بنفسها؟

واما في (الثالث) فنتساءل كذلك: وعلى فرض وجود قوة بين الحروف، كيف تستمر هذه القوة في التنضيد على كل الاحتمالات ولا تقف في الاثناء؟ وهل لديها الإدراك المطلوب‏ الذي يدفعها الى الاستمرار إحساساً بضرورته؟!

*واما في (الرابع)، فلا بد لنا من التساؤل أيضاً: كيف نفرض ان الوصول في التنضيد الى حين حصول القصيدة يستلزم الوقوف عندها؟ ولماذا لا تستمر القوة في التنضيد بعد الوصول الى قصيدة الشعر ليسرع إليها الخلل وتعم فيها الفوضى قبل ان تنتظم ثانية وثالثة ورابعة؟ وما هي القوة التي امسكت بلجام هذه الحركة عند هذا الحدّ من تنضيدها المستمر؟!

{إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}[فاطر: 41].

إن هذه المناقشة تدلنا بوضوح على ان ما فرض أساساً لهذه الشبهة، لا يسنده منطق ولا يعترف بصحته عقل، وان جميع هذه الفروض التي فرضوها ترجع بالنتيجة الى الدلالة على ضرورة وجود قوة ازلية خالدة عاقلة هي التي أوجدت الكون وأوجدت القوى المنساقة لشؤونه بلا أي فوضى أو اضطراب أو صدفة.

ولتوضيح فساد الصدفة نقول:

ان ظهور الحياة في المادة الصماء يلزم العقل بالأخذ بأحد شيئين لا ثالث لهما:

1- فإما ان تكون الحياة خاصة من خواص المادة ملازمة لها، فلا تحتاج الى خالق مريد.

2- أو أنها من صنع خالق مدبر مريد.

فإذا قلنا بكونها خاصة من خواص المادة، لزمنا القول بأن المادة أزلية أبدية لا تحد بأول ولا آخر، وانها موجودة منذ الأزل بكل خصائصها، وان خصائصها ملازمة لها، سواء كانت في هذا المكان من الكون أو ذلك المكان.

وإذاً، فلا معنى لظهور الحياة في كوكب دون كوكب، وفي زمان دون زمان، ولا معنى لبقاء خصائص الحياة كلها بلا عمل ولا أثر ملايين الملايين من السنين، ثم تظهر بعد ذلك في زمان يحسب تاريخه بآلاف أو مئات من الألوف. ولماذا تأجل ظهور الحياة كل هذا الزمان الذي لا يمكن حده و حصره مع وجود كل الخصائص منذ الأزل؟!

واذا كانت الحياة أزلية لأنها من خواص المادة الازلية- حسب الفرض- فلماذا جاءت صدفة ثم دامت؟ واين كانت في تلك الآماد البعيدة حتى تظهر صدفة وبلا اي قصد إليها وإرادة لها؟.

وعلى هذا، فلا بد لنا من الانتهاء الى الأخذ بالأمر الثاني، وهو ان ظهور الحياة في المادة الصماء كان من صنع خالق أزلي مريد يعلم ما أراد، واختار له الزمان الذي يريده والمكان الذي يريد، فأوجد هذا الكون وما فيه، في الوقت الذي اختاره، والموضع الذي شاءت حكمته تعيينه وانتقاءه.

*من كتاب "أصول الدين".

لو وقفنا قليلاً عند ما يسمى بـ «تطور المادة»، وفكرنا في إمكان هذا التطور من طريق المصادفة، لوجدنا أن المصادفة كسبب لخلق وإيجاد الكائنات الحية وسائر الموجودات، لا يمكن للعقل أن يقبلها أو يبني واقعاً عليها.

ولقد تقدّمت دراسة نظرية المصادفة والاحتمال من الوجهة الرياضيّة تقدّماً كبيراً، حتى أصبحنا قادرين على التنبّؤ بحدوث بعض الظواهر التي نقول إنها تحدث بالمصادفة، والتي لا نستطيع أن نفسر ظهورها بطريقة أخرى، وقد صرنا بفضل تقدم هذه الدراسات، قادرين على التمييز بين ما يمكن أن يحدث بطريق المصادفة، وما يستحيل حدوثه بهذه الطريقة، ولننظر الآن إلى الدور الذي تستطيع ان تلعبه المصادفة في نشأة الحياة:

إن البروتينات من المركبات الأساسية في جميع الخلايا الحية، وهي تتكون من خمسة عناصر هي: الكاربون، والهيدروجين، والنيتروجين، والأوكسجين، والكبريت، ويبلغ عدد الذرات في الجزي‏ء البروتيني الواحد 40 ألف ذرة، ولما كان عدد العناصر الكيمياوية في الطبيعة قد تجاوز المائة، وهي موزعة توزيعاً عشوائيّاً، فإن احتمال اجتماع هذه العناصر الخمسة لكي تكوّن جزئيّاً واحداً من جزئيات البروتين، يمكن حسابه لمعرفة كمية المادة التي ينبغي أن تخلط خلطاً مستمراً لكي تؤلف هذا الجزي‏ء، ثم لمعرفة طول الفترة الزمنية اللازمة لكي يحدث هذا الاجتماع بين ذرات الجزي‏ء الواحد .

وقد قام العالم الرياضي السويسري «تشالزيوجين» بحساب هذه العوامل جميعاً، فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزئي بروتيني واحد إلا بنسبة «1» إلى رقم «10» مضروباً في نفسه «160» مرة، وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبير عنه بكلمات. وينبغي أن تكون كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالمصادفة، بحيث ينتج جزئي‏ واحد أكثر مما يتسع له كل هذا الكون بملايين المرات، ويتطلب تكوين هذا الجزي‏ء على سطح الأرض وحدها عن طريق المصادفة بلايين لا تحصى من السنوات، قدَّرها العالم السويسري المارّ الذكر بأنها «10» مضروبة في نفسها «243» مرّة من السنين.

ولو تنزّلنا عن ذلك كلّه إلى جزئي «الهيموغلوبين» الذي يلوّن الدم باللون الأحمر- وهو ما اعتبره العلماء من أبسط أنواع البروتينات تركيباً، لوجدناه يحتوي على ما يزيد عن «600» ذرة كاربون متحدة، بما لا يقلّ عن مائة ذرة هيدروجين وما يزيد عن مائتي ذرة نيتروجين ومثلها من الأوكسجين، ويحتوي جسم الإنسان على «25» تريليون كرة دموية؛ أي الرقم «25»، وإلى يمينه «18» صفراً.

ويقول عالم الكيمياء الدكتور بوهلر: عندما يطبق الإنسان قوانين المصادفة لمعرفة مدى احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر في الطبيعة، مثل تكون جزئي واحد من جزئيات البروتين من العناصر التي تدخل في تركيبه، فإننا نجد أن عمر الأرض الذي يقدر بما يقرب من ثلاثة بلايين من السنين أو أكثر، لا يعتبر زمناً كافياً لحدوث هذه الظاهرة وتكوين هذا الجزي‏ء عن طريق المصادفة.

ومع ذلك كله، فإن البروتينات ليست في واقعها سوى موادّ كيماوية عديمة الحياة، ولا تدبّ فيها الحياة إلا عندما يحلّ فيها ذلك السّرّ العجيب الذي لا نعلم كنهه أبداً.

إن المواد الأساسية التي تدخل في بناء الموادّ العضوية هي الهيدروجين والأوكسجين والكربون، مع كميات قليلة من النيتروجين والعناصر الأخرى.

ولا بد أن تجتمع ملايين من هذه الذرات حتى تتكوّن أبسط الكائنات الحية. فإذا نظرنا إلى الأنواع الأخرى التي هي اكبر حجماً واشد تعقيداً، فان احتمال تآلف ذراتها على اساس المصادفة المحض، يقل الى درجة لا يتصورها العقل، بل يرفض الاقرار بها وبتفسير وجود كل شيء بموجبها.

إن قصدي من هذه المعالجة للصدفة، هو ان أبين للقارئ بطريقة علمية واضحة، تلك الحدود الضيقة التي يمكن للحياة بينها ان توجد على الارض، وان اثبت بالبرهان الواقعي ان جميع مقومات الحياة الحقيقية ما كان يمكن ان توجد على كوكب واحد في وقت واحد بمجرد الصدفة

اننا اذا نظرنا - بإمعان- الى العالم المادي، من الذرات المتناهية في الصغر الى المجرات المتناهية في العظم، وجدنا كل شيء يجري بقوانين وبحساب و انضباط.

حتى الالكترون، لا ينتقل من مدار الى مدار في فلك النواة، الا اذا اعطى او اخذ حزماً من الطاقة تساوي مقادير انتقاله، وكأنه مسافر لا يستطيع ان يستقل واسطة لسفره الا اذا دفع ثمن التذكرة.

وميلاد النجوم وموتها له قوانين واسباب .وحركة الكواكب في دولاب الجاذبية لها معادلة. وتحول المادة الى طاقة وتحول جسم الشمس الى نور له معادلة. وانتقال النور له سرعة معينة .وكل موجة لها طول ولها ذبذبة ولها سرعة. كما ان كل معدن له طيف وله خطوط امتصاص مميزة يعرف بها في جهاز المطياف.

وبذلك يصبح الكون كله وكأنه جدول من القوانين المنضبطة الصريحة التي لا غشّ فيها ولا خداع.

إن حجم الكرة الارضية و بعدها عن الشمس، ودرجة حرارة الشمس واشعتها الباعثة للحياة، وسمك قشرة الارض، وكمية الماء، ومقدار ثاني اوكسيد الكاربون، وحجم النتروجين، وظهور الانسان وبقاءه على قيد الحياة، كلّ أولاء تدلّ على خروج النظام من الفوضى، وعلى التصميم والقصد. كما تدل على أنه طبقاً للقوانين الحسابية الصارمة، ما كان يمكن حدوث كل ذلك مصادفةً في وقت واحد على كوكب واحد مرة في بليون مرة.

وضرب الماديون القائلون بالصدفة مثلاً لادعائهم فقالوا:

"لو أن صندوقاً من الحروف الأبجدية أعيد تنضيده مئات المرات وألوف المرات وملايين المرات على امتداد الزمان الذي لا تحصره السنون ولا القرون، فلا مانع- حينئذٍ- أن تسفر هذه التنضيدات في مرة من المرات عن قصيدة من الشعر المنظوم، ولا عمل في اتفاق حروفها على هذه الصورة لغير المصادفة الواحدة التي تعرض بين ملايين الملايين من المصادفات، وهكذا الكون المادي في اضطرابه المتشتت الذي تعرض له جميع المصادفات الممكنة في العقول، فلا مانع في العقل- حسب زعمهم- أن تسفر مصادفة منها عن نظام كهذا النظام وتكوين كهذا التكوين في عالم الجماد او في عالم الحياة".

ولمناقشة قولهم هذا، نرجع الى المثل الذي ضربوه لنجد فيه الفروض التالية:

1- وجود الحروف المتناسبة التي يمكن ان يتكون منها الشعر، بحيث لا ينقص منها حرف واحد ولا يزيد.

2- وجود قوة تتولى التنسيق والتنضيد.

3- استمرار تلك القوة على التنضيد من دون توقف في الأثناء.

4- وجود فهم كامل لدى تلك القوة يوقف حركة تنضيد الحروف عند الانتهاء الى قصيدة الشعر.

وفي كل واحد من هذه الفروض الأربعة مناقشة، بل دليل على فساد هذا الادعاء.

أما في (الاول) فنتساءل: كيف وجدت الحروف المشار إليها لنقوم بتنضيدها؟ وكيف تقسمت المادة الى أجزاء متنوعة ينتج من اجتماعها مثل هذه النتيجة؟ ثم كيف كان لهذا التنويع قابلية الاتحاد على وجه مفهوم؟!

وأما في (الثاني) فنتساءل كذلك: وعلى فرض وجود قوة تتولى التنسيق وتقوم بمهام التنضيد، هل يصحّ عقلاً ان تكون الحروف نفسها مصدر هذه القوة، بحيث تحرك نفسها بنفسها؟

واما في (الثالث) فنتساءل كذلك: وعلى فرض وجود قوة بين الحروف، كيف تستمر هذه القوة في التنضيد على كل الاحتمالات ولا تقف في الاثناء؟ وهل لديها الإدراك المطلوب‏ الذي يدفعها الى الاستمرار إحساساً بضرورته؟!

*واما في (الرابع)، فلا بد لنا من التساؤل أيضاً: كيف نفرض ان الوصول في التنضيد الى حين حصول القصيدة يستلزم الوقوف عندها؟ ولماذا لا تستمر القوة في التنضيد بعد الوصول الى قصيدة الشعر ليسرع إليها الخلل وتعم فيها الفوضى قبل ان تنتظم ثانية وثالثة ورابعة؟ وما هي القوة التي امسكت بلجام هذه الحركة عند هذا الحدّ من تنضيدها المستمر؟!

{إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}[فاطر: 41].

إن هذه المناقشة تدلنا بوضوح على ان ما فرض أساساً لهذه الشبهة، لا يسنده منطق ولا يعترف بصحته عقل، وان جميع هذه الفروض التي فرضوها ترجع بالنتيجة الى الدلالة على ضرورة وجود قوة ازلية خالدة عاقلة هي التي أوجدت الكون وأوجدت القوى المنساقة لشؤونه بلا أي فوضى أو اضطراب أو صدفة.

ولتوضيح فساد الصدفة نقول:

ان ظهور الحياة في المادة الصماء يلزم العقل بالأخذ بأحد شيئين لا ثالث لهما:

1- فإما ان تكون الحياة خاصة من خواص المادة ملازمة لها، فلا تحتاج الى خالق مريد.

2- أو أنها من صنع خالق مدبر مريد.

فإذا قلنا بكونها خاصة من خواص المادة، لزمنا القول بأن المادة أزلية أبدية لا تحد بأول ولا آخر، وانها موجودة منذ الأزل بكل خصائصها، وان خصائصها ملازمة لها، سواء كانت في هذا المكان من الكون أو ذلك المكان.

وإذاً، فلا معنى لظهور الحياة في كوكب دون كوكب، وفي زمان دون زمان، ولا معنى لبقاء خصائص الحياة كلها بلا عمل ولا أثر ملايين الملايين من السنين، ثم تظهر بعد ذلك في زمان يحسب تاريخه بآلاف أو مئات من الألوف. ولماذا تأجل ظهور الحياة كل هذا الزمان الذي لا يمكن حده و حصره مع وجود كل الخصائص منذ الأزل؟!

واذا كانت الحياة أزلية لأنها من خواص المادة الازلية- حسب الفرض- فلماذا جاءت صدفة ثم دامت؟ واين كانت في تلك الآماد البعيدة حتى تظهر صدفة وبلا اي قصد إليها وإرادة لها؟.

وعلى هذا، فلا بد لنا من الانتهاء الى الأخذ بالأمر الثاني، وهو ان ظهور الحياة في المادة الصماء كان من صنع خالق أزلي مريد يعلم ما أراد، واختار له الزمان الذي يريده والمكان الذي يريد، فأوجد هذا الكون وما فيه، في الوقت الذي اختاره، والموضع الذي شاءت حكمته تعيينه وانتقاءه.

*من كتاب "أصول الدين".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية