كتابات
10/01/2020

الوحي حالة تؤكّد معنى العقل

الوحي حالة تؤكّد معنى العقل

من الطبيعي أنّ الإنسان عندما يتحرك بإنسانيّته من خلال ما يملكه من آلية الوصول إلى الحقيقة أو الفكرة أو القناعات، لا بدّ له أن ينطلق في المسألة من خلال النظرة العقلية المجرّدة، أي الدليل العقلي التجريدي الذي يختلف المختلفون في طبيعته، باعتباره أداة للمعرفة، أو من خلال حركته التجريبيّة التي تثير أيضاً بعض الجدل في طبيعة كونها وسيلة مطلقة للمعرفة، فالإنسان يمارس معرفة الأشياء من خلال حواسّه ومن خلال حركة فكره، ولكن ربما يعيش الإنسان في فكره بعض الآفاق الغامضة أو الضبابيّة، أو يكون في حالة لا يملك فيها كلّ المفردات أو الوسائل التي تقوده إلى المعرفة.

ففي هذه الحال، يأتي دور الوحي ليقول له: استعمل فكرك، {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، استعمل تجربتك، وذلك من خلال الآيات التي تقول {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}، وتتحدث عن قراءة التاريخ وعن حركة الإنسان {انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، ثم تقول له إنّ هناك أشياء لا تدركها، نحن نحدّثك عن الجنّة وعن النّار وعن الروح، ونحدّثك عن بعض غيب الله وما إلى ذلك.

عندما يكتشف الوحي لك العالم الّذي لا تملك الطريق إلى معرفته، فإنّه يعينك على امتداد المعرفة في المنطقة الضبابيّة، التي لولا الوحي لبقيت جامدة أمامها، ويمكن أن يُطِلُّ بك على بعض الأشياء التي قد يعاون الوحي فيها العقل على استكمال مفرداته.. وبذلك، فإن الوحي الذي انطلق في وعيك كوسيلة للمعرفة، لن ينطلق من حالة ضبابيّة في عقلك، بل من القناعة أنه يمثل الحقيقة، لأنه لا بدّ أن نستدل على الوحي بأدلته.

لذلك، كان الإيمان بالنبي ينطلق من حالة عقليّة، حتى لو كان مضمون ما يتحدث به النبيّ غير خاضع للعقل، لكن أن يكون النبيّ نبياً لا بدّ أن أنطلق من حالة عقليّة لإثبات نبوّته، أن يكون القرآن وحياً لا بدّ أن أثبت ذلك بطريقة وبأخرى.. ومن هنا، كان التحدي الذي طرحه القرآن بالتّأكيد أنه لا يمكن إلا أن يكون من عند الله، هو أحد الأدلة العقليّة لإثبات أن القرآن وحي.

لذلك، لا بدّ لنا في الإيمان بأنّ الوحي وحي من أدلّة تكوِّن قناعاتنا العقليّة، حتى لو كان مضمون الوحي غير عقليّ، تماماً كما نلاحظه في المعرفة الذاتيّة، وهذا تقريب للفكرة ليس إلا.. إنّ الناس الذين صعدوا إلى القمر وتحدّثوا إلينا، لو كانوا لا يملكون الآلات المصوّرة، أو أنهم لم يستطيعوا أن يصوّروا كل شيء، فإننا عندما نؤمن بصدقهم ووعيهم، نستطيع أن نقبل منهم ما أخبروا به حتى لو كان يمثّل منطقة لا نستطيع أن نحسّها، أو أنّنا لا نملك أية وسيلة لنعرف طبيعتها، لكن إيماننا بصدقهم ووعيهم لما يتكلّمون عنه يجعلنا نعلم أنه هو الحقيقة.

إذاً، الوحي ليس حالة في اللامعقول، بل هو حالة في العقل تؤكّد معناه، وبذلك ننفتح على مضمونه الذي لا نملك وسيلة إليه، باعتبار أنه يمثّل الوسيلة التي تقودنا إلى ما لا نملك الوسيلة إليه، وبهذا لا يكون الإيمان أمراً فوق العقل، بل يتحرّك من خلال العقل، في دراسة النصّ في إيحاءاته ومدلولاته وآفاقه، في داخل حركة عقليّة الاجتهاد لا بعيداً منها.

*من كتاب "خطاب الإسلاميّين والمستقبل".

من الطبيعي أنّ الإنسان عندما يتحرك بإنسانيّته من خلال ما يملكه من آلية الوصول إلى الحقيقة أو الفكرة أو القناعات، لا بدّ له أن ينطلق في المسألة من خلال النظرة العقلية المجرّدة، أي الدليل العقلي التجريدي الذي يختلف المختلفون في طبيعته، باعتباره أداة للمعرفة، أو من خلال حركته التجريبيّة التي تثير أيضاً بعض الجدل في طبيعة كونها وسيلة مطلقة للمعرفة، فالإنسان يمارس معرفة الأشياء من خلال حواسّه ومن خلال حركة فكره، ولكن ربما يعيش الإنسان في فكره بعض الآفاق الغامضة أو الضبابيّة، أو يكون في حالة لا يملك فيها كلّ المفردات أو الوسائل التي تقوده إلى المعرفة.

ففي هذه الحال، يأتي دور الوحي ليقول له: استعمل فكرك، {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، استعمل تجربتك، وذلك من خلال الآيات التي تقول {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}، وتتحدث عن قراءة التاريخ وعن حركة الإنسان {انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، ثم تقول له إنّ هناك أشياء لا تدركها، نحن نحدّثك عن الجنّة وعن النّار وعن الروح، ونحدّثك عن بعض غيب الله وما إلى ذلك.

عندما يكتشف الوحي لك العالم الّذي لا تملك الطريق إلى معرفته، فإنّه يعينك على امتداد المعرفة في المنطقة الضبابيّة، التي لولا الوحي لبقيت جامدة أمامها، ويمكن أن يُطِلُّ بك على بعض الأشياء التي قد يعاون الوحي فيها العقل على استكمال مفرداته.. وبذلك، فإن الوحي الذي انطلق في وعيك كوسيلة للمعرفة، لن ينطلق من حالة ضبابيّة في عقلك، بل من القناعة أنه يمثل الحقيقة، لأنه لا بدّ أن نستدل على الوحي بأدلته.

لذلك، كان الإيمان بالنبي ينطلق من حالة عقليّة، حتى لو كان مضمون ما يتحدث به النبيّ غير خاضع للعقل، لكن أن يكون النبيّ نبياً لا بدّ أن أنطلق من حالة عقليّة لإثبات نبوّته، أن يكون القرآن وحياً لا بدّ أن أثبت ذلك بطريقة وبأخرى.. ومن هنا، كان التحدي الذي طرحه القرآن بالتّأكيد أنه لا يمكن إلا أن يكون من عند الله، هو أحد الأدلة العقليّة لإثبات أن القرآن وحي.

لذلك، لا بدّ لنا في الإيمان بأنّ الوحي وحي من أدلّة تكوِّن قناعاتنا العقليّة، حتى لو كان مضمون الوحي غير عقليّ، تماماً كما نلاحظه في المعرفة الذاتيّة، وهذا تقريب للفكرة ليس إلا.. إنّ الناس الذين صعدوا إلى القمر وتحدّثوا إلينا، لو كانوا لا يملكون الآلات المصوّرة، أو أنهم لم يستطيعوا أن يصوّروا كل شيء، فإننا عندما نؤمن بصدقهم ووعيهم، نستطيع أن نقبل منهم ما أخبروا به حتى لو كان يمثّل منطقة لا نستطيع أن نحسّها، أو أنّنا لا نملك أية وسيلة لنعرف طبيعتها، لكن إيماننا بصدقهم ووعيهم لما يتكلّمون عنه يجعلنا نعلم أنه هو الحقيقة.

إذاً، الوحي ليس حالة في اللامعقول، بل هو حالة في العقل تؤكّد معناه، وبذلك ننفتح على مضمونه الذي لا نملك وسيلة إليه، باعتبار أنه يمثّل الوسيلة التي تقودنا إلى ما لا نملك الوسيلة إليه، وبهذا لا يكون الإيمان أمراً فوق العقل، بل يتحرّك من خلال العقل، في دراسة النصّ في إيحاءاته ومدلولاته وآفاقه، في داخل حركة عقليّة الاجتهاد لا بعيداً منها.

*من كتاب "خطاب الإسلاميّين والمستقبل".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية