و{وَذَا النُّونِ}، وهو يونس بن متَّى الذي نُسب إلى النّون، وهو الحوت،
لالتقامه إيّاه، فأرسله الله إلى مائة ألف أو يزيدون، فلبث فيهم مدّة طويلة،
فتمرّدوا عليه، ولم يؤمنوا به، فدعا الله عليهم، وخرج من بينهم، فتابوا، فرفع الله
عنهم العذاب.
وهكذا يريد الله أن يحدِّثنا عنه، {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِب}، كما توحي به بعض
التفاسير، من خلال الشعور بخيبة الأمل في ما بذله من جهدٍ كبير لهدايتهم، وما عاناه
من آلام ومشاكل في المدّة التي قضاها بينهم، فكان محكوماً بجوّ الدّاعية الذي يشعر
بأنّ مهمّته قد انتهت من دون أن ينجح في الوصول إلى نتائج كبيرة. فانفصل عنها في
حالة انفعالٍ وغضب إزاء الذين شاركوا في هذا الفشل...
فالتقمه الحوت، بعد أن وقعت القرعة عليه، وعاش في ظلمات البحر وجوف الحوت وظلمات
الهمّ والغمّ، وانفتحت أمامه من جديد آفاق إيمانه الواسع، فعاش روحيّته مع الله في
ابتهال وخشوع، وبدأ يتذكّر لطف الله به، ورحمته له، ورعايته وتكريمه إيَّاه من خلال
ما اختصّه به من رسالته، وما سهّل له من سبل الحياة، وهداه إليه من وسائلها، وكيف
خرج من دون أن يستأذن الله في ذلك، أو ينتظر ما يحدث لقومه، فانطلقت صرخته المثقلة
بالهمّ الكبير الروحي والرّسالي والذاتي، من كلّ أعماقه، في استغاثة عميقة بالله
وحده، ولا سيّما في مثل ظروفه التي لا يملك أحد فيها أن يقدِّم إليه شيئاً.
{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ أَنتَ} فلا ملجأ لأيّ هاربٍ أو
ضائعٍ أو حائر إلّا إليك، ولا ملاذ إلّا أنت، فأنت القادر على كلّ شيء، والرّحيم
لكلّ مخلوق، والعليم بكلّ الخفايا، والمهيمن على الأمر كلّه، والغافر لكلّ ذنب،
والمستجيب لكلّ داع، والمغيث لكلّ ملهوف، والمفرِّج عن كلّ مهموم ومكروب… وليس لي
غيرك أسأله كشف ضرّي، والنظر في أمري، فأنت ربي وسيّدي ومولاي وملاذي في كلّ الأمور.
{سُبْحَانَكَ}، إذ يختزن قلبي وعقلي ووجداني الإحساس بعظمتك في كلّ مواقع العظمة في
مجالات التصوّر، وفي حركة القدرة في الواقع، في مظاهر الخلق والإبداع، فيتحوّل ذلك
إلى تسبيحٍ منفتح خاشعٍ مبتهلٍ إلى الله، {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، فقد
ظلمت نفسي في تحرّكي، أو تقصيري في سبيل الدّعوة، من غير قصد، ولا عمد، وها أنذا ـ
يا ربّ ـ راجع إليك بكلّ قلبي وعقلي وحياتي، لتتقبّلني بكلّ لطفك ورضوانك ورحمتك...
*من تفسير "من وحي القرآن".
و{وَذَا النُّونِ}، وهو يونس بن متَّى الذي نُسب إلى النّون، وهو الحوت،
لالتقامه إيّاه، فأرسله الله إلى مائة ألف أو يزيدون، فلبث فيهم مدّة طويلة،
فتمرّدوا عليه، ولم يؤمنوا به، فدعا الله عليهم، وخرج من بينهم، فتابوا، فرفع الله
عنهم العذاب.
وهكذا يريد الله أن يحدِّثنا عنه، {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِب}، كما توحي به بعض
التفاسير، من خلال الشعور بخيبة الأمل في ما بذله من جهدٍ كبير لهدايتهم، وما عاناه
من آلام ومشاكل في المدّة التي قضاها بينهم، فكان محكوماً بجوّ الدّاعية الذي يشعر
بأنّ مهمّته قد انتهت من دون أن ينجح في الوصول إلى نتائج كبيرة. فانفصل عنها في
حالة انفعالٍ وغضب إزاء الذين شاركوا في هذا الفشل...
فالتقمه الحوت، بعد أن وقعت القرعة عليه، وعاش في ظلمات البحر وجوف الحوت وظلمات
الهمّ والغمّ، وانفتحت أمامه من جديد آفاق إيمانه الواسع، فعاش روحيّته مع الله في
ابتهال وخشوع، وبدأ يتذكّر لطف الله به، ورحمته له، ورعايته وتكريمه إيَّاه من خلال
ما اختصّه به من رسالته، وما سهّل له من سبل الحياة، وهداه إليه من وسائلها، وكيف
خرج من دون أن يستأذن الله في ذلك، أو ينتظر ما يحدث لقومه، فانطلقت صرخته المثقلة
بالهمّ الكبير الروحي والرّسالي والذاتي، من كلّ أعماقه، في استغاثة عميقة بالله
وحده، ولا سيّما في مثل ظروفه التي لا يملك أحد فيها أن يقدِّم إليه شيئاً.
{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ أَنتَ} فلا ملجأ لأيّ هاربٍ أو
ضائعٍ أو حائر إلّا إليك، ولا ملاذ إلّا أنت، فأنت القادر على كلّ شيء، والرّحيم
لكلّ مخلوق، والعليم بكلّ الخفايا، والمهيمن على الأمر كلّه، والغافر لكلّ ذنب،
والمستجيب لكلّ داع، والمغيث لكلّ ملهوف، والمفرِّج عن كلّ مهموم ومكروب… وليس لي
غيرك أسأله كشف ضرّي، والنظر في أمري، فأنت ربي وسيّدي ومولاي وملاذي في كلّ الأمور.
{سُبْحَانَكَ}، إذ يختزن قلبي وعقلي ووجداني الإحساس بعظمتك في كلّ مواقع العظمة في
مجالات التصوّر، وفي حركة القدرة في الواقع، في مظاهر الخلق والإبداع، فيتحوّل ذلك
إلى تسبيحٍ منفتح خاشعٍ مبتهلٍ إلى الله، {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، فقد
ظلمت نفسي في تحرّكي، أو تقصيري في سبيل الدّعوة، من غير قصد، ولا عمد، وها أنذا ـ
يا ربّ ـ راجع إليك بكلّ قلبي وعقلي وحياتي، لتتقبّلني بكلّ لطفك ورضوانك ورحمتك...
*من تفسير "من وحي القرآن".