أنْ نتحدّث عن الطبّ والدّين، قد يبدو لأوّل وهلة حديثاً عن شيئين لا علاقة كبيرة بينهما أبداً؛ العلاقة متينة، وذلك عندما نفهم أنّ الدّين جاء لخدمة الإنسان، وأنّ الطبّ هو المعلم الّذي يتحرَّك من أجل الإنسان.
فالدين ليس مجرّد حالة روحيّة تنفتح على الغيب، وتعيش في التجريد لتجعل الإنسان في غيبوبة عن الواقع، كما يُخيَّل إلى الكثيرين عندما يصفون الدين بأنّه حالة روحيّة، وعندما يصفون المقامات الدينيّة بأنّها مقامات روحيّة، تماماً كما لو أردنا أن نعزل الدين عن الحياة وعن الإنسان في حركيّته الإنسانيّة.
لا نريد أن نخوضَ في الجدل الذي يتحدّث به الكثيرون من الناس عن علاقة الدين بالسياسة، ولكنْ هناك شيءٌ أساس يجب أن نفهمه، وهو أنّ الدين جاء من أجل أن يجعل حياة الإنسان أفضل، وحياة الإنسان ليست هي المفاهيم التجريديّة التي يحلّق فيها في الفراغ، ولكن هي التي تتّصل بالإنسان، عقلاً، وقلباً، وجسداً. والدين لم يتنكَّر للجسد، الجسد هو حقيقة، وعندما نتحدَّث عن روح تتفاعل مع الجسد، فلتعطي الجسد أحاسيسه ومشاعره وتحرِّك القيمة حتّى في حاجاته.
فالمسألة الدينية تتّصل بحياة الإنسان، وعندما يحدّثنا الدين عن الجنّة، يُجرِّب أن يجعل الأرض جنّةً يتدرّب فيها الإنسان على أخلاقية الجنّة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}، ويتدرَّب على الحالة الصحيّة التي يعيشها الإنسان في الجنّة التي لا مرض فيها، وما إلى ذلك.. حتّى إنّ حاجات الإنسان في المفهوم الديني الأصيل، ليست شيئاً يخجل منه الإنسان، فليس ضدّ القيمة أن تعيش حاجاتك، أو أن تمارسها.. فدور الدين عندما يتحدَّث عن ضوابط هذه الحاجات، فلأنّه يريد أن يحرس هذه الحاجات من الفوضى، ويريد أن يحرّكها، لا لكي تستغرق في زاوية واحدة من زوايا حركتها في الجسد، بل يريد أن يقول للحاجة، إنَّها حاجة في الجسد، قد تتنافر في بعض الحالات مع حاجات أجساد الآخرين، وعندما تتحرَّك حاجات أجساد الآخرين، فهناك نظام مجتمع الآخرين وتطلُّعاته...
الإسلام يهتمّ بالجسد من حيث اهتمامه بالحياة، وله نظرة حول طبيعة هذه الحياة، حول بداياتها ونهاياتها، وحول ما يربط البداية بالنهاية، من خلال تركيزه لأحكامه في عالَم الحِلِيّة والحرمة على أساس حماية الحياة في حركيّتها فيما بين البداية والنّهاية، كما في حال التّزاحم بين حياة وحياة، وبالحفاظ على طاقة في مقابل طاقة أخرى.
إنَّنا نتصوَّر أنّ رسالة الإسلام هي رسالة الطبّ في حماية الحياة الإنسانية، وإذا كان الإسلام يتجاوز المسألة إلى الجوانب الأخرى الاجتماعيّة أو السياسيّة أو ما إلى هنالك، فإنّه يبقى في حركة الحياة عندما يحارب، ومع الطبّ عندما يسالم، وعندما يعيش الحياة الطبيعيّة.
الطبّ جاء لخدمة الإنسان، ولم يأتِ الإنسان لخدمة الطبّ من حيث الموضوعيّة في المسألة، وهكذا الدين جاء لخدمة الإنسان، لأنَّ الدّين ليس شيئاً نخدمه، إنّه شيء نعيشه.. والطبّ ليس شيئاً نخدمه كوثن، ولكنّه شيء يتحرّك في حياتنا ونغتني به.
وهناك نقطة أخرى، وهي أنّ الإسلام في تشريعاته يحتاج فيها إلى الطبّ، فالطبّ يحدّد للأحكام الشرعيّة موضوعاتها، لأنَّ هناك أحكاماً تتّصل بمفاهيم الموت والحياة، وأحكاماً تتّصل بما هو الأهمّ والمهمّ في الحاجات الإنسانيّة، وأحكاماً يبحث فيها الإسلام عن حدود الموضوعات التي يمكن لنا أن نعيها، لنعرف انطباق هذا الحكم على هذا الموضوع وعدم انطباقه.
ومن هنا، فإنَّ الطبّ قد يكون مرجعاً للدين في كثير من موضوعاته، وهذا ما يجعلنا نشعر بضرورة أن تكون هناك علاقة عضويّة بين الدائرة الدينية في المسألة العلمية الفقهية وبين الدائرة الطبيّة.. لذلك، لا يجوز للفقهاء أن يُفتوا في أشياء لا يملكون خبرة في موضوعاتها، تماماً كما لا يفتي الأطبّاء في أشياء لا يملكون الخبرة في مصادرها من الناحية الفقهيّة.
* من كتاب "للإنسان والحياة".

أنْ نتحدّث عن الطبّ والدّين، قد يبدو لأوّل وهلة حديثاً عن شيئين لا علاقة كبيرة بينهما أبداً؛ العلاقة متينة، وذلك عندما نفهم أنّ الدّين جاء لخدمة الإنسان، وأنّ الطبّ هو المعلم الّذي يتحرَّك من أجل الإنسان.
فالدين ليس مجرّد حالة روحيّة تنفتح على الغيب، وتعيش في التجريد لتجعل الإنسان في غيبوبة عن الواقع، كما يُخيَّل إلى الكثيرين عندما يصفون الدين بأنّه حالة روحيّة، وعندما يصفون المقامات الدينيّة بأنّها مقامات روحيّة، تماماً كما لو أردنا أن نعزل الدين عن الحياة وعن الإنسان في حركيّته الإنسانيّة.
لا نريد أن نخوضَ في الجدل الذي يتحدّث به الكثيرون من الناس عن علاقة الدين بالسياسة، ولكنْ هناك شيءٌ أساس يجب أن نفهمه، وهو أنّ الدين جاء من أجل أن يجعل حياة الإنسان أفضل، وحياة الإنسان ليست هي المفاهيم التجريديّة التي يحلّق فيها في الفراغ، ولكن هي التي تتّصل بالإنسان، عقلاً، وقلباً، وجسداً. والدين لم يتنكَّر للجسد، الجسد هو حقيقة، وعندما نتحدَّث عن روح تتفاعل مع الجسد، فلتعطي الجسد أحاسيسه ومشاعره وتحرِّك القيمة حتّى في حاجاته.
فالمسألة الدينية تتّصل بحياة الإنسان، وعندما يحدّثنا الدين عن الجنّة، يُجرِّب أن يجعل الأرض جنّةً يتدرّب فيها الإنسان على أخلاقية الجنّة {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}، ويتدرَّب على الحالة الصحيّة التي يعيشها الإنسان في الجنّة التي لا مرض فيها، وما إلى ذلك.. حتّى إنّ حاجات الإنسان في المفهوم الديني الأصيل، ليست شيئاً يخجل منه الإنسان، فليس ضدّ القيمة أن تعيش حاجاتك، أو أن تمارسها.. فدور الدين عندما يتحدَّث عن ضوابط هذه الحاجات، فلأنّه يريد أن يحرس هذه الحاجات من الفوضى، ويريد أن يحرّكها، لا لكي تستغرق في زاوية واحدة من زوايا حركتها في الجسد، بل يريد أن يقول للحاجة، إنَّها حاجة في الجسد، قد تتنافر في بعض الحالات مع حاجات أجساد الآخرين، وعندما تتحرَّك حاجات أجساد الآخرين، فهناك نظام مجتمع الآخرين وتطلُّعاته...
الإسلام يهتمّ بالجسد من حيث اهتمامه بالحياة، وله نظرة حول طبيعة هذه الحياة، حول بداياتها ونهاياتها، وحول ما يربط البداية بالنهاية، من خلال تركيزه لأحكامه في عالَم الحِلِيّة والحرمة على أساس حماية الحياة في حركيّتها فيما بين البداية والنّهاية، كما في حال التّزاحم بين حياة وحياة، وبالحفاظ على طاقة في مقابل طاقة أخرى.
إنَّنا نتصوَّر أنّ رسالة الإسلام هي رسالة الطبّ في حماية الحياة الإنسانية، وإذا كان الإسلام يتجاوز المسألة إلى الجوانب الأخرى الاجتماعيّة أو السياسيّة أو ما إلى هنالك، فإنّه يبقى في حركة الحياة عندما يحارب، ومع الطبّ عندما يسالم، وعندما يعيش الحياة الطبيعيّة.
الطبّ جاء لخدمة الإنسان، ولم يأتِ الإنسان لخدمة الطبّ من حيث الموضوعيّة في المسألة، وهكذا الدين جاء لخدمة الإنسان، لأنَّ الدّين ليس شيئاً نخدمه، إنّه شيء نعيشه.. والطبّ ليس شيئاً نخدمه كوثن، ولكنّه شيء يتحرّك في حياتنا ونغتني به.
وهناك نقطة أخرى، وهي أنّ الإسلام في تشريعاته يحتاج فيها إلى الطبّ، فالطبّ يحدّد للأحكام الشرعيّة موضوعاتها، لأنَّ هناك أحكاماً تتّصل بمفاهيم الموت والحياة، وأحكاماً تتّصل بما هو الأهمّ والمهمّ في الحاجات الإنسانيّة، وأحكاماً يبحث فيها الإسلام عن حدود الموضوعات التي يمكن لنا أن نعيها، لنعرف انطباق هذا الحكم على هذا الموضوع وعدم انطباقه.
ومن هنا، فإنَّ الطبّ قد يكون مرجعاً للدين في كثير من موضوعاته، وهذا ما يجعلنا نشعر بضرورة أن تكون هناك علاقة عضويّة بين الدائرة الدينية في المسألة العلمية الفقهية وبين الدائرة الطبيّة.. لذلك، لا يجوز للفقهاء أن يُفتوا في أشياء لا يملكون خبرة في موضوعاتها، تماماً كما لا يفتي الأطبّاء في أشياء لا يملكون الخبرة في مصادرها من الناحية الفقهيّة.
* من كتاب "للإنسان والحياة".