كتابات
01/06/2020

نريد مجتمعا مفكّرًا

نريد مجتمعا مفكّرًا

إنَّ الاتجاه السّائد في مجتمعنا، هو الاتجاه الذي يطلبُ من الإنسان أن يُقْفِلَ عقله، ويدعوه إلى الطّاعة دون تفكير، والتبعيّة دون ملاحظة، علماً أنَّ الله تعالى هو الذي يملك أن يُطاع دون تفكير، لأنه الخير كلّه، والنبيّ (ص) والأئمة (ع) هم الذين يملكون أن يقولوا للنّاس أطيعوا الله دون تفكير {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: 7]، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: 36].

إنّنا نريد مجتمعاً مفكِّراً وفَهِمَاً لما يدور حوله، ومنتقداً نقداً موضوعيّاً بنّاءً حتّى للقيادات من حوله، نقداً غير هدّامٍ ولا مزعزع للخطِّ والمسيرة الإنسانيّة، بل نقداً تفسيريّاً وتوضيحيّاً للانطلاق بالمجتمع والأمَّة إلى أرقى مستوياتها.

ولهذا، نرفض مجتمع "رفع الأصابع" والموافقة على كلّ شيء دون إعمالٍ للعقل والتّدبير والسؤال والفهم. وهذا هو النّهج الذي خطّهُ عليٌّ (ع)، وهو الإمام المعصوم ـ لا بل فوق العصمة ـ حيث يقولُ: "فَلاَ تَكُفّوا عَنْ مقال بِحَقّ، أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْل"، فما تملكونه عليَّ تحدَّثوا فيه، وهو الحاكم الّذي يُتابعُ، "وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَلاَ الْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ، أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ". فمن لا يطيق أن يُقالَ له إنّك أخطأت أو ظلمت، لا يمكنه أن يعمل بالعدل ويحكم به إذا كان لا يتحمَّلُ الكلمة. أفليسَ ما نعيشه في واقعنا الإسلاميّ كُلّه؛ الدّيني، والسياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، هو عبادة الشخصية التي لا يمكن أن توجِّه إليها كلمةً تُصوِّبُ أو تهدف للتصويب؟ فالرئيس أو القائد هو المفكِّر، فلا كلام ولا نقد، لأنّ ذلك سوف يستدعي الرّجم بالحجارة والإزالة عن موقع القرار أو المسؤوليّة، وهذا نوعٌ من أنواع العبادة، لأنّ في ذلك استعباداً لفكرك وعقلك وإنسانيّتك.

أفليس في تاريخ النبيّ (ص) أنهم كانوا يتقبّلون السّؤال البسيط والمعقّد، وهم المعصومون الذين ما ردّوا إنساناً بحجّة أنّه يجب أن يتّبعهم دون سؤالٍ أو تفسيرٍ أو شرحٍ؟! حتّى ورد عن الباقر (ع)، أنّه كان إذا أعطى حكماً لأصحابه أو فكرةً، طلب أن يسألوه عن مصدرها في كتابِ اللهِ، وهو الإمام المفترضُ الطّاعة وحجّة الله تعالى على خلقه.. قال (ع): "إذا حدّثتكم بشيء، فاسألوني عن كتاب الله".

لقد أراد الإمام أن يُربّي الأمَّة على ألّا تقبل شيئاً دون دليل، وتعليمها على التفكير وتحريك العقل الذي هو الحجّة البالغة، لأنّ كلّ عملٍ يقوم به المرء، يستدعي منه الاستعداد للدّفاع عن الأسس والمقوّمات التي قام عليها عمله، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[النّحل: 111].

وإذا ما تعوَّدت الأمَّة على التّفكير وعدم تجميد العقل، وعدم القبول بشيء دون الاقتناع به ومعرفته، فإنَّ أحداً لا يستطيع حكم الأمّة كما يشاء، ولا مصادرتها قراراً ومسؤوليّةً وديكتاتوريّةً وخضوعاً.

هذا هو شرقُنا الذي نربّي فيه الشّعب على الخضوع للقول والفعل، فلا اعتراض ولا إشارة، حتّى صار الشّرق أشبه بحكم الجبابرة والآلهة. والكارثة أنَّ الناس صارت في هذه الفوضى والحكم الديكتاتوري، تنتقِدُ أحكام الله والرُّسل، ولكنّها لا تملك أن تنتقد قراراً لحاكمٍ أو ملكٍ أو رئيسٍ أو زعيمٍ أو قائدٍ سياسيّ أو دينيّ نافذٍ.

لقد قبلت الأمّة أن يكون أفرادها عبيداً، لأنَّ العبودية تتمثَّلُ بهذا المعنى الذي يوجِبُ علينا تغيير نمط حياتنا التي نعيشها في ظِلِّ أنظمةٍ متخلِّفة وظالمة، ومجتمعات جاهلة وظالمة ومستبدّة.

إنّ القرآن يدعونا إلى مخاطبة أهل الكتاب بالكلمة السّواء: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً}[آل عمران: 64]، وكلمةُ السّواء هي مواقع اللّقاء بيننا وبين الآخرين، حيثُ أُمِرْنا بالاتّفاق على القاعدة المشتركة، والحوار في ما اختلفنا به مع النّاس، والقاعدة المشتركة هي {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ}، فلا يكون الإنسان ربّاً لإنسانٍ آخر، بمعنى أن يتعامل المرءُ مع الآخر كما يتعاملُ المربوبُ مع ربِّه، لأنّ الربوبيّة لا تنطلق فقط من قول الإنسان للآخر: أنتَ ربّي!

لقد بيّن أميرُ المؤمنين عليٌّ (ع) هذه الحالة بِدُرِّ كلامه ـ وكلامُ عليٍّ كُلُّهُ دُرّ ـ "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حًرّاً". فإذا ما خلقك الله حُرّاً، فلماذا تتنازل عن حريّتك في العقل والقلب والإرادة والموقف، لتستعبد نفسك أمام الآخرين؟! ولتبتعد عن جوّ التّوحيد الإلهيّ، وتدخل في أكثر من شركٍ مع الله تعالى؟!

*من كتاب "في رحاب رسالة الحقوق".

إنَّ الاتجاه السّائد في مجتمعنا، هو الاتجاه الذي يطلبُ من الإنسان أن يُقْفِلَ عقله، ويدعوه إلى الطّاعة دون تفكير، والتبعيّة دون ملاحظة، علماً أنَّ الله تعالى هو الذي يملك أن يُطاع دون تفكير، لأنه الخير كلّه، والنبيّ (ص) والأئمة (ع) هم الذين يملكون أن يقولوا للنّاس أطيعوا الله دون تفكير {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: 7]، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: 36].

إنّنا نريد مجتمعاً مفكِّراً وفَهِمَاً لما يدور حوله، ومنتقداً نقداً موضوعيّاً بنّاءً حتّى للقيادات من حوله، نقداً غير هدّامٍ ولا مزعزع للخطِّ والمسيرة الإنسانيّة، بل نقداً تفسيريّاً وتوضيحيّاً للانطلاق بالمجتمع والأمَّة إلى أرقى مستوياتها.

ولهذا، نرفض مجتمع "رفع الأصابع" والموافقة على كلّ شيء دون إعمالٍ للعقل والتّدبير والسؤال والفهم. وهذا هو النّهج الذي خطّهُ عليٌّ (ع)، وهو الإمام المعصوم ـ لا بل فوق العصمة ـ حيث يقولُ: "فَلاَ تَكُفّوا عَنْ مقال بِحَقّ، أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْل"، فما تملكونه عليَّ تحدَّثوا فيه، وهو الحاكم الّذي يُتابعُ، "وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَلاَ الْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ، أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ". فمن لا يطيق أن يُقالَ له إنّك أخطأت أو ظلمت، لا يمكنه أن يعمل بالعدل ويحكم به إذا كان لا يتحمَّلُ الكلمة. أفليسَ ما نعيشه في واقعنا الإسلاميّ كُلّه؛ الدّيني، والسياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، هو عبادة الشخصية التي لا يمكن أن توجِّه إليها كلمةً تُصوِّبُ أو تهدف للتصويب؟ فالرئيس أو القائد هو المفكِّر، فلا كلام ولا نقد، لأنّ ذلك سوف يستدعي الرّجم بالحجارة والإزالة عن موقع القرار أو المسؤوليّة، وهذا نوعٌ من أنواع العبادة، لأنّ في ذلك استعباداً لفكرك وعقلك وإنسانيّتك.

أفليس في تاريخ النبيّ (ص) أنهم كانوا يتقبّلون السّؤال البسيط والمعقّد، وهم المعصومون الذين ما ردّوا إنساناً بحجّة أنّه يجب أن يتّبعهم دون سؤالٍ أو تفسيرٍ أو شرحٍ؟! حتّى ورد عن الباقر (ع)، أنّه كان إذا أعطى حكماً لأصحابه أو فكرةً، طلب أن يسألوه عن مصدرها في كتابِ اللهِ، وهو الإمام المفترضُ الطّاعة وحجّة الله تعالى على خلقه.. قال (ع): "إذا حدّثتكم بشيء، فاسألوني عن كتاب الله".

لقد أراد الإمام أن يُربّي الأمَّة على ألّا تقبل شيئاً دون دليل، وتعليمها على التفكير وتحريك العقل الذي هو الحجّة البالغة، لأنّ كلّ عملٍ يقوم به المرء، يستدعي منه الاستعداد للدّفاع عن الأسس والمقوّمات التي قام عليها عمله، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[النّحل: 111].

وإذا ما تعوَّدت الأمَّة على التّفكير وعدم تجميد العقل، وعدم القبول بشيء دون الاقتناع به ومعرفته، فإنَّ أحداً لا يستطيع حكم الأمّة كما يشاء، ولا مصادرتها قراراً ومسؤوليّةً وديكتاتوريّةً وخضوعاً.

هذا هو شرقُنا الذي نربّي فيه الشّعب على الخضوع للقول والفعل، فلا اعتراض ولا إشارة، حتّى صار الشّرق أشبه بحكم الجبابرة والآلهة. والكارثة أنَّ الناس صارت في هذه الفوضى والحكم الديكتاتوري، تنتقِدُ أحكام الله والرُّسل، ولكنّها لا تملك أن تنتقد قراراً لحاكمٍ أو ملكٍ أو رئيسٍ أو زعيمٍ أو قائدٍ سياسيّ أو دينيّ نافذٍ.

لقد قبلت الأمّة أن يكون أفرادها عبيداً، لأنَّ العبودية تتمثَّلُ بهذا المعنى الذي يوجِبُ علينا تغيير نمط حياتنا التي نعيشها في ظِلِّ أنظمةٍ متخلِّفة وظالمة، ومجتمعات جاهلة وظالمة ومستبدّة.

إنّ القرآن يدعونا إلى مخاطبة أهل الكتاب بالكلمة السّواء: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً}[آل عمران: 64]، وكلمةُ السّواء هي مواقع اللّقاء بيننا وبين الآخرين، حيثُ أُمِرْنا بالاتّفاق على القاعدة المشتركة، والحوار في ما اختلفنا به مع النّاس، والقاعدة المشتركة هي {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ}، فلا يكون الإنسان ربّاً لإنسانٍ آخر، بمعنى أن يتعامل المرءُ مع الآخر كما يتعاملُ المربوبُ مع ربِّه، لأنّ الربوبيّة لا تنطلق فقط من قول الإنسان للآخر: أنتَ ربّي!

لقد بيّن أميرُ المؤمنين عليٌّ (ع) هذه الحالة بِدُرِّ كلامه ـ وكلامُ عليٍّ كُلُّهُ دُرّ ـ "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حًرّاً". فإذا ما خلقك الله حُرّاً، فلماذا تتنازل عن حريّتك في العقل والقلب والإرادة والموقف، لتستعبد نفسك أمام الآخرين؟! ولتبتعد عن جوّ التّوحيد الإلهيّ، وتدخل في أكثر من شركٍ مع الله تعالى؟!

*من كتاب "في رحاب رسالة الحقوق".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية