كتابات
02/06/2020

هل يستقيم إيمان بلا تقوى؟!

هل يستقيم إيمان بلا تقوى؟!

يختصر القرآن الكريم للإنسان حركته في الحياة التي تقرّبه إلى الله وترفع درجته عنده سبحانه، فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب: 70 ـ 71]..

فهناك في الخطاب القرآني كلمةٌ تتّصل بحركة الإنسان في الحياة، من حيث انسجامها مع طاعة الله وابتعادها عن معصية الله، وهناك كلمة أخرى تتّصل بالخطّ الذي يركّز الإنسان عليه قولَه، ممّا يتّصل بشؤون العقيدة والشريعة، وشؤون العلاقات الإنسانيّة، عندما يريد الإنسان أن يعبّر عن فكره ورأيه، وأن يحرّك الكلمة لتفعل فعلها في حياة النّاس.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ} والنداءات التي تنطلق في القرآن بـ (يا أيُّها الذين آمنوا) ترمي إلى توعية النّاس وتنبيههم، بأنّ ما يخاطبهم الله به، له علاقةٌ بالإيمان، بحيث إِنّ الإنسان إذا لم يأخذ بذلك، فكأنّه لم يأخذ بالإيمان ولم يسر على خطِّه.. والتقوى تمثّل حركة الإيمان الذي يتجسَّد في واقع الإنسان.

فالإيمان بالله في عمقه وامتداده يمثّل الامتداد في خطِّ الله، ويمثّل شعور الإنسان بحضوره ورقابته سبحانه عليه، بحيث يحسّ بوجود الله معه كما لو كان يراه، ويحسّ أيضاً بحضور الله معه، أكثر من إحساسه بحضور الناس معه، ولذلك جاء في الحديث: "اعبد الله كأنَّك تراهُ، فإنْ لم تكُن تراه فإنَّه يراك". وعلى هذا، فإحساس الإنسان بوجود الأشياء من حوله، هو إحساسٌ بوجود الله سبحانه، فهو لا يستطيع أن يتصوَّر سماءً وأرضاً وجبالاً وأنهاراً وسهولاً وبحاراً وأشجاراً تصوّراً مفصولاً عن تصوّره لله سبحانه، لأنَّ وجود الكون يمثِّل ظلَّ وجود الله سبحانه، فالله سبحانه هو الحقيقة، وكلّ الكون هو أثر وجوده تعالى.

ومن هنا، فإنَّ الله لا يريد لنا أن يكون الإيمان عندنا مجرَّد فكرة في العقل أو كلمة في اللّسان، بل أن يكون حضوراً في العقل والقلب والحركة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الأنفال: 2]. ومثل هذا الإيمان يفتح حياة الإنسان على التقوى، لأنَّ التقوى تمثّل شعور الإنسان برقابة الله عليه، فالإنسان الذي يتَّقي الله، يخافه ويحسب حسابه، وحساب الوقوف بين يديه ومساءلته له.

وعلى هذا، فالمؤمن بالله عليه أن يمارس الحياة من خلال المسؤوليّة، ويتحرّك فيها ليبتغيَ الوسيلة إليه، ولا بدَّ له أن يقرن الإيمان مع التقوى، لأنَّ إيماناً بلا تقوى لا معنى له، وما يصدق الفكرة هو العمل، فعلامة الصّدق في الفكر والإيمان هي العمل.

تعصي الإلهَ وأنتَ تُظهرُ حُبَّهُ              هذا لعمُرك في الفعالِ بديعُ

لو كان حُبُّك صادقاً لأطعتَهُ               إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ

وقد ورد عن الإمام الصّادق (ع) أنّه قال، وهو يجيب سائلاً عن جماعة من النّاس يقولون: إنّنا نخاف النّار ونرجو الجنّة، قال (ع): "كذبوا، ليسوا براجين ولا خائفين، مَنْ رجا شيئاً طلبه، ومَنْ خاف من شيءٍ هرب منه". فإذا كنت تطلب الجنّة، فعليك أن تطلب الجنّة بكلِّ ما يمهّد الطريق إليها، وإذا كنت تخاف من النّار، فعليك أن تهرب من كلِّ ما يدفعك إليها، أمّا أن تخاف النار وترجو الجنّة، وتعمل كلَّ ما فيه معصية لله، فإنَّك تكون كمثل من خاطبهم أمير المؤمنين عليٌّ (ع): "أبمثل هذه الأعمال تريدون أن تجاوروا اللهَ في دار قدسه؟! هيهات! لا يُخدَعُ اللهُ عن جنّته". فالجنّة لا تُوهَب مجّاناً "الجنّة محفوفة بالمكاره، والنار محفوفة بالشّهوات".

ولذا، كان الخطاب القرآني {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ}.. راقبوا الله في كلِّ أعمالكم، فإذا رأيتم واجباً فافعلوه، وإذا رأيتم حراماً فاتركوه، وإذا رأيتم شبهةً فقفوا عندها، فإنَّ الوقوف عند الشّبهة خيرٌ من الاقتحام في الهَلَكة {وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}، ليكن قولكم قولَ الصّواب والحقِّ والعدل، لأنّ السّداد في القول، يعني استقامة القول على الخطّ الذي يرتبط بالحقيقة والواقع، وبالنّتائج الكبرى التي يرتفع بها مستوى الإنسان في الدّنيا والآخرة.

لذلك، لا تكن كلماتك كلمات انفعاليّة أو ارتجاليّة، أو كلمات طائرة في الهواء، تلقي الكلمة كيفما طرأت على فكرك.

فكِّر أوّلاً فيما يمكن أن تثيره الكلمة في حياة النّاس من إيحاءات سلبيّة أو إيجابيّة، وفكّر في معنى الكلمة ومضمونها؛ هل تعطي هذه الكلمة معنىً يرتبط بالله وبمصلحة الإنسان، وبما يحبّه الله للحياة، أم لا؟ لتكن كلمتُك الكلمةَ التي تبني ولا تهدم، والكلمة التي توحِّد ولا تفرِّق.. لتكن كلمتك الكلمة التي تهدي ولا تضلّ، والكلمة التي تؤكّد الحقّ وتتنكّر للباطل، الكلمة التي تؤكّد العدل وترفض الظلم، لأنَّ كلمتك جزء من عملك.

وقد ورد عن أمير المؤمنين عليّ (ع) أنّه قال: "مَنْ لم يحسب كلامه من عمله، كثرت خطاياه"، فإذا لم تركّز على كلماتك، فإنَّ أخطاءك تكثُر. ولذا، فإنَّ عليّاً (ع) يعطي الإنسان إيحاءً بطبيعة حركة الكلمات في موقفه من الله تعالى، فقد رأى إنساناً يتكلّم كثيراً، قال له: "يا هذا، إنَّك تُملي على كاتبيك ـ وفي رواية على حافظيك ـ كتاباً إلى ربِّك". فكلماتك هي عبارةٌ عن رسائل ترسلها إلى ربِّك.

فأنت عندما تشتم، فذلك رسالةٌ منك إلى الله، وهكذا عندما تفحش في القول، أو تشهد شهادة زور، أو تؤيّد إنساناً يريد الله منك أن ترفضه، وترفض إنساناً يريد الله منك أن تؤيّده وتقف معه.. إنَّ هذه رسائل يوميّة تكتبها إلى الله {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 18]. فالكلمات التي تطلقها، هي تقارير يوميّة يقدّمها الملكان عنك إلى الله سبحانه.. فكيف تواجه المسألة؟ وإذا كنت تخجل من النّاس عندما يسمعونك تشتم زوجتك أو أولادك أو جيرانك أو مَنْ هم تحت يديك من عمّال وما شاكل، وتستحي أن يسمعوك متلبّساً بالكلام البذيء أو الفاحش، ألاَ يجدر بك أن تستحيَ من الله في ذلك؟

فلنتعلّم قول الكلمة المركّزة {وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}، ولنعش الكلمة المنطلقة من موقع الفكر، ومن حسابات المسؤوليّة، الكلمة التي لها دور في بناء المجتمع والحياة، الكلمة المسدّدة والبعيدة من الخطأ والانحراف.

وهكذا، يريد الله للمجتمع المسلم، والفرد المسلم، والأُمَّة المسلمة، أن يكون قولها في كلِّ خطاباتها وحركاتها، القول السّديد الذي ينتج الخير ولا ينتج الشرّ، فإذا ما فعلتم ذلك {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}، باعتبار أنَّ الأعمال عادةً تختزن بعض الخلل بنسب معيّنة، فإذا كنتم تتّقون الله وتقولون القول السّديد، فإنَّ الله يتمِّم لكم أعمالكم الصالحة، ويتقبّلها كما لو أنَّها تامّة، فإذا تقبَّل الله العمل كعمل صالح وكامل، فإنَّ الله يعطيكم الأجرَ الكبير والعظيم الذي تستحقّونه، {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}. فالتقوى وإنْ جاءت متأخّرة، فإنّها سببٌ من أسباب غفران الذّنوب المتقدّمة.. فإذا عصى الإنسان فيما مضى وأسرف على نفسه، ولكن عاد وأحسن عمله واتّقى الله وأصلح طريقه، فإنَّ الله يغفر له ذنوبه بعد أن عاش عمق التّوبة في حركته {وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. وللإنسان أن يتصوّر عظمة الفوز في رضوان الله ونعيمه ورحمته {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}[فصّلت: 31].

*من كتاب "من عرفان القرآن".

يختصر القرآن الكريم للإنسان حركته في الحياة التي تقرّبه إلى الله وترفع درجته عنده سبحانه، فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب: 70 ـ 71]..

فهناك في الخطاب القرآني كلمةٌ تتّصل بحركة الإنسان في الحياة، من حيث انسجامها مع طاعة الله وابتعادها عن معصية الله، وهناك كلمة أخرى تتّصل بالخطّ الذي يركّز الإنسان عليه قولَه، ممّا يتّصل بشؤون العقيدة والشريعة، وشؤون العلاقات الإنسانيّة، عندما يريد الإنسان أن يعبّر عن فكره ورأيه، وأن يحرّك الكلمة لتفعل فعلها في حياة النّاس.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ} والنداءات التي تنطلق في القرآن بـ (يا أيُّها الذين آمنوا) ترمي إلى توعية النّاس وتنبيههم، بأنّ ما يخاطبهم الله به، له علاقةٌ بالإيمان، بحيث إِنّ الإنسان إذا لم يأخذ بذلك، فكأنّه لم يأخذ بالإيمان ولم يسر على خطِّه.. والتقوى تمثّل حركة الإيمان الذي يتجسَّد في واقع الإنسان.

فالإيمان بالله في عمقه وامتداده يمثّل الامتداد في خطِّ الله، ويمثّل شعور الإنسان بحضوره ورقابته سبحانه عليه، بحيث يحسّ بوجود الله معه كما لو كان يراه، ويحسّ أيضاً بحضور الله معه، أكثر من إحساسه بحضور الناس معه، ولذلك جاء في الحديث: "اعبد الله كأنَّك تراهُ، فإنْ لم تكُن تراه فإنَّه يراك". وعلى هذا، فإحساس الإنسان بوجود الأشياء من حوله، هو إحساسٌ بوجود الله سبحانه، فهو لا يستطيع أن يتصوَّر سماءً وأرضاً وجبالاً وأنهاراً وسهولاً وبحاراً وأشجاراً تصوّراً مفصولاً عن تصوّره لله سبحانه، لأنَّ وجود الكون يمثِّل ظلَّ وجود الله سبحانه، فالله سبحانه هو الحقيقة، وكلّ الكون هو أثر وجوده تعالى.

ومن هنا، فإنَّ الله لا يريد لنا أن يكون الإيمان عندنا مجرَّد فكرة في العقل أو كلمة في اللّسان، بل أن يكون حضوراً في العقل والقلب والحركة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الأنفال: 2]. ومثل هذا الإيمان يفتح حياة الإنسان على التقوى، لأنَّ التقوى تمثّل شعور الإنسان برقابة الله عليه، فالإنسان الذي يتَّقي الله، يخافه ويحسب حسابه، وحساب الوقوف بين يديه ومساءلته له.

وعلى هذا، فالمؤمن بالله عليه أن يمارس الحياة من خلال المسؤوليّة، ويتحرّك فيها ليبتغيَ الوسيلة إليه، ولا بدَّ له أن يقرن الإيمان مع التقوى، لأنَّ إيماناً بلا تقوى لا معنى له، وما يصدق الفكرة هو العمل، فعلامة الصّدق في الفكر والإيمان هي العمل.

تعصي الإلهَ وأنتَ تُظهرُ حُبَّهُ              هذا لعمُرك في الفعالِ بديعُ

لو كان حُبُّك صادقاً لأطعتَهُ               إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ

وقد ورد عن الإمام الصّادق (ع) أنّه قال، وهو يجيب سائلاً عن جماعة من النّاس يقولون: إنّنا نخاف النّار ونرجو الجنّة، قال (ع): "كذبوا، ليسوا براجين ولا خائفين، مَنْ رجا شيئاً طلبه، ومَنْ خاف من شيءٍ هرب منه". فإذا كنت تطلب الجنّة، فعليك أن تطلب الجنّة بكلِّ ما يمهّد الطريق إليها، وإذا كنت تخاف من النّار، فعليك أن تهرب من كلِّ ما يدفعك إليها، أمّا أن تخاف النار وترجو الجنّة، وتعمل كلَّ ما فيه معصية لله، فإنَّك تكون كمثل من خاطبهم أمير المؤمنين عليٌّ (ع): "أبمثل هذه الأعمال تريدون أن تجاوروا اللهَ في دار قدسه؟! هيهات! لا يُخدَعُ اللهُ عن جنّته". فالجنّة لا تُوهَب مجّاناً "الجنّة محفوفة بالمكاره، والنار محفوفة بالشّهوات".

ولذا، كان الخطاب القرآني {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ}.. راقبوا الله في كلِّ أعمالكم، فإذا رأيتم واجباً فافعلوه، وإذا رأيتم حراماً فاتركوه، وإذا رأيتم شبهةً فقفوا عندها، فإنَّ الوقوف عند الشّبهة خيرٌ من الاقتحام في الهَلَكة {وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}، ليكن قولكم قولَ الصّواب والحقِّ والعدل، لأنّ السّداد في القول، يعني استقامة القول على الخطّ الذي يرتبط بالحقيقة والواقع، وبالنّتائج الكبرى التي يرتفع بها مستوى الإنسان في الدّنيا والآخرة.

لذلك، لا تكن كلماتك كلمات انفعاليّة أو ارتجاليّة، أو كلمات طائرة في الهواء، تلقي الكلمة كيفما طرأت على فكرك.

فكِّر أوّلاً فيما يمكن أن تثيره الكلمة في حياة النّاس من إيحاءات سلبيّة أو إيجابيّة، وفكّر في معنى الكلمة ومضمونها؛ هل تعطي هذه الكلمة معنىً يرتبط بالله وبمصلحة الإنسان، وبما يحبّه الله للحياة، أم لا؟ لتكن كلمتُك الكلمةَ التي تبني ولا تهدم، والكلمة التي توحِّد ولا تفرِّق.. لتكن كلمتك الكلمة التي تهدي ولا تضلّ، والكلمة التي تؤكّد الحقّ وتتنكّر للباطل، الكلمة التي تؤكّد العدل وترفض الظلم، لأنَّ كلمتك جزء من عملك.

وقد ورد عن أمير المؤمنين عليّ (ع) أنّه قال: "مَنْ لم يحسب كلامه من عمله، كثرت خطاياه"، فإذا لم تركّز على كلماتك، فإنَّ أخطاءك تكثُر. ولذا، فإنَّ عليّاً (ع) يعطي الإنسان إيحاءً بطبيعة حركة الكلمات في موقفه من الله تعالى، فقد رأى إنساناً يتكلّم كثيراً، قال له: "يا هذا، إنَّك تُملي على كاتبيك ـ وفي رواية على حافظيك ـ كتاباً إلى ربِّك". فكلماتك هي عبارةٌ عن رسائل ترسلها إلى ربِّك.

فأنت عندما تشتم، فذلك رسالةٌ منك إلى الله، وهكذا عندما تفحش في القول، أو تشهد شهادة زور، أو تؤيّد إنساناً يريد الله منك أن ترفضه، وترفض إنساناً يريد الله منك أن تؤيّده وتقف معه.. إنَّ هذه رسائل يوميّة تكتبها إلى الله {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 18]. فالكلمات التي تطلقها، هي تقارير يوميّة يقدّمها الملكان عنك إلى الله سبحانه.. فكيف تواجه المسألة؟ وإذا كنت تخجل من النّاس عندما يسمعونك تشتم زوجتك أو أولادك أو جيرانك أو مَنْ هم تحت يديك من عمّال وما شاكل، وتستحي أن يسمعوك متلبّساً بالكلام البذيء أو الفاحش، ألاَ يجدر بك أن تستحيَ من الله في ذلك؟

فلنتعلّم قول الكلمة المركّزة {وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}، ولنعش الكلمة المنطلقة من موقع الفكر، ومن حسابات المسؤوليّة، الكلمة التي لها دور في بناء المجتمع والحياة، الكلمة المسدّدة والبعيدة من الخطأ والانحراف.

وهكذا، يريد الله للمجتمع المسلم، والفرد المسلم، والأُمَّة المسلمة، أن يكون قولها في كلِّ خطاباتها وحركاتها، القول السّديد الذي ينتج الخير ولا ينتج الشرّ، فإذا ما فعلتم ذلك {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}، باعتبار أنَّ الأعمال عادةً تختزن بعض الخلل بنسب معيّنة، فإذا كنتم تتّقون الله وتقولون القول السّديد، فإنَّ الله يتمِّم لكم أعمالكم الصالحة، ويتقبّلها كما لو أنَّها تامّة، فإذا تقبَّل الله العمل كعمل صالح وكامل، فإنَّ الله يعطيكم الأجرَ الكبير والعظيم الذي تستحقّونه، {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}. فالتقوى وإنْ جاءت متأخّرة، فإنّها سببٌ من أسباب غفران الذّنوب المتقدّمة.. فإذا عصى الإنسان فيما مضى وأسرف على نفسه، ولكن عاد وأحسن عمله واتّقى الله وأصلح طريقه، فإنَّ الله يغفر له ذنوبه بعد أن عاش عمق التّوبة في حركته {وَمَن يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. وللإنسان أن يتصوّر عظمة الفوز في رضوان الله ونعيمه ورحمته {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}[فصّلت: 31].

*من كتاب "من عرفان القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية