كتابات
06/12/2014

مسائل حول الإرهاب والتنمية والسّلطة

مسائل حول الإرهاب والتنمية والسّلطة

أكَّد سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، في هذا الحوار، أنَّ الإسلام واحد، ولكن هناك فهم متنوّع وممارسة متنوّعة له، مشيراً إلى أن الغرب يعمل على أن لا تكون هناك أية قوة للعالم الإسلامي أو للعالم العربي، داعياً إلى البحث عن الإسلام الأصيل في كلِّ هذا الركام، لا أن نفرض الركام على الإسلام...

الإسلام بين السّلطة والتَّقديس

* كيف يمكن الخروج من هذه الحالة المستمرَّة بين إسلام يشرعن للسّلطة، وإسلام يعيش جانب الانزواء على هامش المجتمع والسلطة، وبين إسلام يحاكم التاريخ، وإسلام لا يزال أسير قيادات هذا التاريخ وقدسيّتها وتقديسها؟

- ليست المسألة أنّ هناك أكثر من إسلام، ولكن المسألة أنّ أكثر المسلمين يحاولون أن يوظّفوا الإسلام في خدمة أطماعهم وخصوصياتهم. هؤلاء وعَّاظ السلاطين، الذين إذا احتاج السلطان إلى فتوى بالحرب، أعلنوا الجهاد، وإذا احتاج إلى فتوى بالسلم، تحدّثوا عن الصلح، والصلح خير. هؤلاء الذين يحاولون أن يمنحوا الشرعية لسلطان جائر أو لثقافة منحرفة ينشأ عنها عدة إسلامات. إنَّ الإسلام واحد، ولكن هناك فهم متنوّع للإسلام، وممارسة متنوّعة له. لذلك، علينا أن نبحث عن الإسلام الأصيل في كلِّ هذا الركام، لا أن نفرض الركام على الإسلام.

ضعف الإنتاج البحثي العربي

* أمام كلِّ هذه التحدّيات التي تواجه عالمنا العربي والإسلامي، كم نحن بحاجة إلى مراكز للأبحاث والبحث العلمي، في وقتٍ تقدَّمت إسرائيل علينا، وهي تنفق 35% من ميزانيّتها على هذا النوع من الأبحاث؟

- المشكلةُ، أنَّ لإسرائيل قضيَّةً تنفتحُ على اليهوديّة في العالم، سواء كانت اليهودية الثقافيّة أو السياسيّة أو الاقتصادية وما إلى ذلك. ولذلك، فكَّر الإسرائيليّون في أن يوجِّهوا حركتهم في العالم على أساس أن يجعلوا من أنفسهم حاجةً للدول، فالكثير من الدّول في العالم أصبحت في حاجة إلى إسرائيل في الكثير من الأمور العسكرية والعلمية. أما نحن، فإنهم يحتاجوننا كسوق استهلاكية، هم يحتاجون إلى أسواقنا لتصريف منتجاتهم، وإسرائيل تعمل على أن تجعل أسواقهم العسكرية والعلمية، سوقاً لمنتجاتها العسكرية والعلمية في هذا المجال.

المسألة هي أن إسرائيل فكَّرت كأمّة، وإن ناقش الكثيرون من علماء الاجتماع في كونها أمّةً، لكنّ الإسرائيليين فكّروا كأمَّة، وحوّلوا اليهودية إلى قومية، وعملوا على أن يوزّعوا تجمّعاتهم في العالم، بحيث يمسكون المفاصل الاقتصادية والإعلامية والسياسية في هذا البلد أو ذاك. ولهذا، نعلم أنَّ اليهود في فرنسا يمثِّلون في الأكثر 600 ألف، والمسلمين يمثِّلون على الأقلّ خمسة ملايين، ولكنّ فرنسا تجامل السياسة الإسرائيلية، ولا تجامل السياسة الإسلامية، إذا صحَّ التعبير.

صحيح أن الإسرائيليين أعداؤنا، لكن في إسرائيل، هناك شعب تخاف حكومته منه، بينما نحن شعوب نخاف من حكوماتنا، وهذا هو الفرق بيننا وبينهم.

مشكلة الدعوة

* لقد تحدثتم عن الإرهاب من الناحية الدينية، وأنا أظن أنه مشكلة سياسية، وليس مشكلة دينية مغلَّفة بالدين، فلم يحدث أنهم تكلموا عن الإرهاب قبل العام 1992، عندما ظهرت فكرة صدام الحضارات، التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والبحث عن عدو جديد لمقارعته، وتوجيه سهام الحقد والقوة العسكرية إليه، فوجدوا في الإسلام هذا العدوّ، وما شاهدوه اليوم هو مشكلة بين المسلمين والإسلام في الدرجة الأولى، والسبب هو الفهم الخاطئ من قبل معظم المسلمين للإسلام. في سنة 1817، ذكر الشاعر الألماني الكبير Leté، في إحدى رسائله: آجلاً أم عاجلاً سنبشّر بإسلام، ولكن هذا التبشير الذي كان يجب أن يقوم به المسلمون، لم يحدث. وفي العام 1900، صرَّح جورج بن لارسن، أن القارة الأوروبية ستكون في نهاية القرن العشرين إسلامية بمعظمها، ولكن ذلك لم يحدث. فهناك تقصير من جانب اللاهوتيين المسلمين، في أن يبيّنوا أنَّ المسلم يتعرَّض لإرهاب تمارسه السلطة على الإنسان العربي والمسلم، وتمنعه من التعبير عن آرائه، والإرهاب خارجي سببه الأقوياء.

وقد عبّر عن هذا الإرهاب بالإرهاب الإسلامي، لكي ينفذوا من خلاله إلى قضية محاربة الإرهاب. فهل الإرهاب بالفعل من عمل مسلمين ملتزمين؟ وهناك قضية أخرى، فبعد خروج كلينتون من الرئاسة، ألقى محاضرة في إحدى الجامعات، وبدأها بالآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]. الكل صفَّق له، ولكن عندنا سألوه عن مصدر هذا الكلام، قال لهم إن القرآن الكريم هو المصدر، فحذفت هذه الآية من المحاضرة عندما نشرت. المشكلة في الواقع، هي مشكلة يتحمَّل اللاهوتيّون المسلمون المسؤولية الكبرى في نشوئها ومعالجتها، لأن الشعب العربي والشعب المسلم، ما زال يعيش تحت السيطرة اللاهوتية.

- أنا أرى أنَّ المسألة الدينية تداخلت مع المسألة السياسية، وخصوصاً في ذهن هؤلاء الذين اجتمعوا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في الحلف الأطلسي، وقالوا إنَّ العدوّ الجديد هو الإسلام، من خلال أن الإسلام كما ينفتح على اللاهوت، إذا صحَّ التعبير _ وهو تعبير غير إسلامي _ ينفتح على الحياة، وينفتح على العدالة والحرية وقضايا الإنسان.

ولذلك، فإنّهم لا يفرِّقون في الإسلام بين المسألة الدينية والمسألة السياسية، ولا سيّما أنّ الحركات الإسلامية التي انطلقت، كانت تنفتح على المسألة السياسية كما تنفتح على المسألة الدينية. أمَّا مسألة أن علماء الدين يتحمَّلون المسؤولية، فأنا أعتقد أن هذا تبسيط للمسألة. إنَّ التجزيئية عندنا في العالم العربي والعالم الإسلامي، هي التي أضاعت علينا الخطوط التي توصلنا إلى فهم المشكلة. المسألة ليست أن هذه الجماعة أو تلك تتحمل المسؤولية أو لا تتحمّلها، إذ إنَّ كل هذا التاريخ الذي عشنا فيه، وكل هذه الفوضى الثقافية والأمنية والسياسية التي عشناها، إضافةً إلى التراكمات التي جاءت من الخارج بفعل الاستعمار وغيرها، كلها مسؤولة عن هذا الضياع الذي نعيشه. ولذلك، علينا أن نبدأ الطريق، ولو من خلال الخطوة الأولى التي تستطيع أن تصل إلى الألف ميل.

تحصّن الغرب من الإسلام

* هل الاتّهام الدوليّ لما يقوم به أيُّ شخصٍ عربي أو مسلم، بأنه عمل إرهابي، ودون أيِّ دليل على الفعل، سوى أن الفاعل عربي، هو نوع من التحصين القوي من قبل الغرب، مقابل قوة إيمان المسلمين بالاستشهاد، بغية إضعاف هذه القوة، أو هي حملة صليبية عنيفة موجودة في نفس الغرب، وبقوّة، قد تدفعهم إلى منع الإنسان من إسلامه بالعنف والإرهاب؟ هل المسألة أن الغرب يحصّن نفسه ضدّ الإسلام القويّ بالإيمان، والذي يتهدّده، ولذلك، يستبق هذا الإسلام القوي في قوته، بضربه قبل أن يصبح قوياً؟

- من الطبيعي جداً أن هناك استراتيجية غربية، ولا أقصد الإنسان الغربي، أقصد الإدارات الغربية التي تريد أن تجتاح العالم الإسلامي من أجل مصالحها، كما صرّح الأميركيون في احتلالهم للعراق. هناك مشكلة موجودة في الغرب، وهي أنهم يعملون على أن لا تكون هناك أية قوة للعالم الإسلامي أو للعالم العربي. ولعلَّ هذا ما نراه في الجدل والضغط الكبير على إيران في المشروع النووي، لأنهم لا يريدون لإيران حتى أن تملك الخبرة النووية التي تصنع بها مشروعها النووي السلمي. وهم غير مستعدّين لأن يناقشوا مجرَّد مناقشة مسألة امتلاك إسرائيل مئات القنابل النووية.

إنهم عندما يتحدثون الآن عن الفلسطينيين أو اللبنانيين، أو عن أي فريق من الفرق التي تعمل على أساس أن تحرِّر أرضها وتحرر بلدها، يرون أن هذه الفئات تمثل مظهر القوّة التي تتحدى الموت. ومن هنا، كانت مشكلتهم في قضية الذين يقومون بالعمليات الاستشهادية. إننا نستقبل بين وقت وآخر الكثير من الباحثين البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين، وهم يسألون عن معنى الشهادة، وكيف يفكر الاستشهادي. إنهم يريدون أن يدرسوا عمق هذا الإنسان الذي يتحدَّى الموت، وهم الذين يخوّفوننا بالموت. إنهم يحاولون أن يتحدثوا عن هؤلاء بأنهم إرهابيون لأنهم يقتلون المدنيين، لكنهم يفرّغون الجو من الظروف الطبيعية التي ينطلق بها هؤلاء الذين لا يملكون ما يملكه الإسرائيليون من كل ما أعطتهم أميركا من السلاح.

ولذلك، لا يجدون إلا أنفسهم وأجسادهم في هذا المجال. إن هناك مشكلة، أنَّ الفلسطينيين وقبلهم أيضاً اللبنانيّون، لم يكونوا يقومون بالعمليّات الاستشهادية لأن لديهم مزاج الشهادة كما يقولون، أو لأنّ هناك نوعاً من أنواع غسل الدماغ، ولكنهم يجدون أنهم يواجهون حرباً لا يملكون أيَّ سلاح في مواجهتها، وهنا يبكي الأميركيون وغيرهم على المدنيين الذي يسقطون. ونحن لا نشجّع على قتل المدنيين بشكل تلقائي، ولقد استنكرنا ما حدث في 11 أيلول، لأنني لا أؤمن أنَّ هذه عمليات استشهادية، بل هي عمليات انتحارية. ولكن المسألة أن هناك حالة حرب في هذا المقام، وكما أن اليهود يقتلون المدنيين، فهم يحتاجون إلى أن يدافعوا عن أنفسهم، وقد كنت أقول لبعض الصحافيين الأميركيين: ماذا تقولون عن هيروشيما وناكازاكي اللتين قتل فيهما مئتا ألف مدني ياباني، هل هذا عمل إرهابي أو عمل مبرر؟ إذا برَّرتم هذا فبرّروا ذاك، ونحن لا نبرّر ذاك.

* أسئلة وأجوبة أعقبت محاضرة لسماحته (رض).

أكَّد سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، في هذا الحوار، أنَّ الإسلام واحد، ولكن هناك فهم متنوّع وممارسة متنوّعة له، مشيراً إلى أن الغرب يعمل على أن لا تكون هناك أية قوة للعالم الإسلامي أو للعالم العربي، داعياً إلى البحث عن الإسلام الأصيل في كلِّ هذا الركام، لا أن نفرض الركام على الإسلام...

الإسلام بين السّلطة والتَّقديس

* كيف يمكن الخروج من هذه الحالة المستمرَّة بين إسلام يشرعن للسّلطة، وإسلام يعيش جانب الانزواء على هامش المجتمع والسلطة، وبين إسلام يحاكم التاريخ، وإسلام لا يزال أسير قيادات هذا التاريخ وقدسيّتها وتقديسها؟

- ليست المسألة أنّ هناك أكثر من إسلام، ولكن المسألة أنّ أكثر المسلمين يحاولون أن يوظّفوا الإسلام في خدمة أطماعهم وخصوصياتهم. هؤلاء وعَّاظ السلاطين، الذين إذا احتاج السلطان إلى فتوى بالحرب، أعلنوا الجهاد، وإذا احتاج إلى فتوى بالسلم، تحدّثوا عن الصلح، والصلح خير. هؤلاء الذين يحاولون أن يمنحوا الشرعية لسلطان جائر أو لثقافة منحرفة ينشأ عنها عدة إسلامات. إنَّ الإسلام واحد، ولكن هناك فهم متنوّع للإسلام، وممارسة متنوّعة له. لذلك، علينا أن نبحث عن الإسلام الأصيل في كلِّ هذا الركام، لا أن نفرض الركام على الإسلام.

ضعف الإنتاج البحثي العربي

* أمام كلِّ هذه التحدّيات التي تواجه عالمنا العربي والإسلامي، كم نحن بحاجة إلى مراكز للأبحاث والبحث العلمي، في وقتٍ تقدَّمت إسرائيل علينا، وهي تنفق 35% من ميزانيّتها على هذا النوع من الأبحاث؟

- المشكلةُ، أنَّ لإسرائيل قضيَّةً تنفتحُ على اليهوديّة في العالم، سواء كانت اليهودية الثقافيّة أو السياسيّة أو الاقتصادية وما إلى ذلك. ولذلك، فكَّر الإسرائيليّون في أن يوجِّهوا حركتهم في العالم على أساس أن يجعلوا من أنفسهم حاجةً للدول، فالكثير من الدّول في العالم أصبحت في حاجة إلى إسرائيل في الكثير من الأمور العسكرية والعلمية. أما نحن، فإنهم يحتاجوننا كسوق استهلاكية، هم يحتاجون إلى أسواقنا لتصريف منتجاتهم، وإسرائيل تعمل على أن تجعل أسواقهم العسكرية والعلمية، سوقاً لمنتجاتها العسكرية والعلمية في هذا المجال.

المسألة هي أن إسرائيل فكَّرت كأمّة، وإن ناقش الكثيرون من علماء الاجتماع في كونها أمّةً، لكنّ الإسرائيليين فكّروا كأمَّة، وحوّلوا اليهودية إلى قومية، وعملوا على أن يوزّعوا تجمّعاتهم في العالم، بحيث يمسكون المفاصل الاقتصادية والإعلامية والسياسية في هذا البلد أو ذاك. ولهذا، نعلم أنَّ اليهود في فرنسا يمثِّلون في الأكثر 600 ألف، والمسلمين يمثِّلون على الأقلّ خمسة ملايين، ولكنّ فرنسا تجامل السياسة الإسرائيلية، ولا تجامل السياسة الإسلامية، إذا صحَّ التعبير.

صحيح أن الإسرائيليين أعداؤنا، لكن في إسرائيل، هناك شعب تخاف حكومته منه، بينما نحن شعوب نخاف من حكوماتنا، وهذا هو الفرق بيننا وبينهم.

مشكلة الدعوة

* لقد تحدثتم عن الإرهاب من الناحية الدينية، وأنا أظن أنه مشكلة سياسية، وليس مشكلة دينية مغلَّفة بالدين، فلم يحدث أنهم تكلموا عن الإرهاب قبل العام 1992، عندما ظهرت فكرة صدام الحضارات، التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والبحث عن عدو جديد لمقارعته، وتوجيه سهام الحقد والقوة العسكرية إليه، فوجدوا في الإسلام هذا العدوّ، وما شاهدوه اليوم هو مشكلة بين المسلمين والإسلام في الدرجة الأولى، والسبب هو الفهم الخاطئ من قبل معظم المسلمين للإسلام. في سنة 1817، ذكر الشاعر الألماني الكبير Leté، في إحدى رسائله: آجلاً أم عاجلاً سنبشّر بإسلام، ولكن هذا التبشير الذي كان يجب أن يقوم به المسلمون، لم يحدث. وفي العام 1900، صرَّح جورج بن لارسن، أن القارة الأوروبية ستكون في نهاية القرن العشرين إسلامية بمعظمها، ولكن ذلك لم يحدث. فهناك تقصير من جانب اللاهوتيين المسلمين، في أن يبيّنوا أنَّ المسلم يتعرَّض لإرهاب تمارسه السلطة على الإنسان العربي والمسلم، وتمنعه من التعبير عن آرائه، والإرهاب خارجي سببه الأقوياء.

وقد عبّر عن هذا الإرهاب بالإرهاب الإسلامي، لكي ينفذوا من خلاله إلى قضية محاربة الإرهاب. فهل الإرهاب بالفعل من عمل مسلمين ملتزمين؟ وهناك قضية أخرى، فبعد خروج كلينتون من الرئاسة، ألقى محاضرة في إحدى الجامعات، وبدأها بالآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]. الكل صفَّق له، ولكن عندنا سألوه عن مصدر هذا الكلام، قال لهم إن القرآن الكريم هو المصدر، فحذفت هذه الآية من المحاضرة عندما نشرت. المشكلة في الواقع، هي مشكلة يتحمَّل اللاهوتيّون المسلمون المسؤولية الكبرى في نشوئها ومعالجتها، لأن الشعب العربي والشعب المسلم، ما زال يعيش تحت السيطرة اللاهوتية.

- أنا أرى أنَّ المسألة الدينية تداخلت مع المسألة السياسية، وخصوصاً في ذهن هؤلاء الذين اجتمعوا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في الحلف الأطلسي، وقالوا إنَّ العدوّ الجديد هو الإسلام، من خلال أن الإسلام كما ينفتح على اللاهوت، إذا صحَّ التعبير _ وهو تعبير غير إسلامي _ ينفتح على الحياة، وينفتح على العدالة والحرية وقضايا الإنسان.

ولذلك، فإنّهم لا يفرِّقون في الإسلام بين المسألة الدينية والمسألة السياسية، ولا سيّما أنّ الحركات الإسلامية التي انطلقت، كانت تنفتح على المسألة السياسية كما تنفتح على المسألة الدينية. أمَّا مسألة أن علماء الدين يتحمَّلون المسؤولية، فأنا أعتقد أن هذا تبسيط للمسألة. إنَّ التجزيئية عندنا في العالم العربي والعالم الإسلامي، هي التي أضاعت علينا الخطوط التي توصلنا إلى فهم المشكلة. المسألة ليست أن هذه الجماعة أو تلك تتحمل المسؤولية أو لا تتحمّلها، إذ إنَّ كل هذا التاريخ الذي عشنا فيه، وكل هذه الفوضى الثقافية والأمنية والسياسية التي عشناها، إضافةً إلى التراكمات التي جاءت من الخارج بفعل الاستعمار وغيرها، كلها مسؤولة عن هذا الضياع الذي نعيشه. ولذلك، علينا أن نبدأ الطريق، ولو من خلال الخطوة الأولى التي تستطيع أن تصل إلى الألف ميل.

تحصّن الغرب من الإسلام

* هل الاتّهام الدوليّ لما يقوم به أيُّ شخصٍ عربي أو مسلم، بأنه عمل إرهابي، ودون أيِّ دليل على الفعل، سوى أن الفاعل عربي، هو نوع من التحصين القوي من قبل الغرب، مقابل قوة إيمان المسلمين بالاستشهاد، بغية إضعاف هذه القوة، أو هي حملة صليبية عنيفة موجودة في نفس الغرب، وبقوّة، قد تدفعهم إلى منع الإنسان من إسلامه بالعنف والإرهاب؟ هل المسألة أن الغرب يحصّن نفسه ضدّ الإسلام القويّ بالإيمان، والذي يتهدّده، ولذلك، يستبق هذا الإسلام القوي في قوته، بضربه قبل أن يصبح قوياً؟

- من الطبيعي جداً أن هناك استراتيجية غربية، ولا أقصد الإنسان الغربي، أقصد الإدارات الغربية التي تريد أن تجتاح العالم الإسلامي من أجل مصالحها، كما صرّح الأميركيون في احتلالهم للعراق. هناك مشكلة موجودة في الغرب، وهي أنهم يعملون على أن لا تكون هناك أية قوة للعالم الإسلامي أو للعالم العربي. ولعلَّ هذا ما نراه في الجدل والضغط الكبير على إيران في المشروع النووي، لأنهم لا يريدون لإيران حتى أن تملك الخبرة النووية التي تصنع بها مشروعها النووي السلمي. وهم غير مستعدّين لأن يناقشوا مجرَّد مناقشة مسألة امتلاك إسرائيل مئات القنابل النووية.

إنهم عندما يتحدثون الآن عن الفلسطينيين أو اللبنانيين، أو عن أي فريق من الفرق التي تعمل على أساس أن تحرِّر أرضها وتحرر بلدها، يرون أن هذه الفئات تمثل مظهر القوّة التي تتحدى الموت. ومن هنا، كانت مشكلتهم في قضية الذين يقومون بالعمليات الاستشهادية. إننا نستقبل بين وقت وآخر الكثير من الباحثين البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين، وهم يسألون عن معنى الشهادة، وكيف يفكر الاستشهادي. إنهم يريدون أن يدرسوا عمق هذا الإنسان الذي يتحدَّى الموت، وهم الذين يخوّفوننا بالموت. إنهم يحاولون أن يتحدثوا عن هؤلاء بأنهم إرهابيون لأنهم يقتلون المدنيين، لكنهم يفرّغون الجو من الظروف الطبيعية التي ينطلق بها هؤلاء الذين لا يملكون ما يملكه الإسرائيليون من كل ما أعطتهم أميركا من السلاح.

ولذلك، لا يجدون إلا أنفسهم وأجسادهم في هذا المجال. إن هناك مشكلة، أنَّ الفلسطينيين وقبلهم أيضاً اللبنانيّون، لم يكونوا يقومون بالعمليّات الاستشهادية لأن لديهم مزاج الشهادة كما يقولون، أو لأنّ هناك نوعاً من أنواع غسل الدماغ، ولكنهم يجدون أنهم يواجهون حرباً لا يملكون أيَّ سلاح في مواجهتها، وهنا يبكي الأميركيون وغيرهم على المدنيين الذي يسقطون. ونحن لا نشجّع على قتل المدنيين بشكل تلقائي، ولقد استنكرنا ما حدث في 11 أيلول، لأنني لا أؤمن أنَّ هذه عمليات استشهادية، بل هي عمليات انتحارية. ولكن المسألة أن هناك حالة حرب في هذا المقام، وكما أن اليهود يقتلون المدنيين، فهم يحتاجون إلى أن يدافعوا عن أنفسهم، وقد كنت أقول لبعض الصحافيين الأميركيين: ماذا تقولون عن هيروشيما وناكازاكي اللتين قتل فيهما مئتا ألف مدني ياباني، هل هذا عمل إرهابي أو عمل مبرر؟ إذا برَّرتم هذا فبرّروا ذاك، ونحن لا نبرّر ذاك.

* أسئلة وأجوبة أعقبت محاضرة لسماحته (رض).

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية