كتابات
03/02/2014

مراحل التَّربية الأساسيَّة للطفل

مراحل التَّربية الأساسيَّة للطفل

يحدّد الحديث الشَّريف: "دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح، وإلا فلا خير فيه"[1]، وأمثاله، مراحل التربية الأساسية لكلّ إنسان، ابتداءً من الطّفولة وحتى مرحلة الرّشد.

تتحدَّد مرحلة الطّفولة الأولى بسبع سنين أو ست سنوات، وهي المرحلة التي يُترك فيها الطّفل ليكتشف كل ما حوله بنفسه. وكأن الغرض من ذلك، أن يعيش تجربته بنفسه، دون مساعدة الآخر، ففي ذلك تأصيل لفطرته بحسب ما أودعه الله فيه من خصائص.

في المرحلة التالية، يأتي دور التربية من الخارج، فيباشر المربي إثارة القضايا المتصلة بالمعرفة أمام الطّفل، وتركيز المفاهيم في ذهنه، بحيث يتعرف إلى طبيعة الأشياء، من خلال ما أطلق عليها من أسمائها، فتتفاعل في عقله المادة الآتية من الخارج مع العناصر الموجودة في داخله.

ثم تبدأ عملية التأديب والتوجيه وتعلّم الواجبات، في المرحلة الثالثة؛ مرحلة إعداد الطفل لما يراد له أن يقوم به من مسؤوليات، فقد ورد في حديث آخر، بصيغة أخرى: "الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلَّم الكتاب سبع سنين، ويتعلَّم الحلال والحرام سبع سنين"[2]. وهذا يفرض في المرحلة الثالثة، أن يترجم الطفل المعلومات والخبرات إلى سلوك سليم ينسجم مع ما يهدف إليه الآباء من تأصيل للمفاهيم الإلهية المختلفة في نفسه.

أما العبارة الواردة في نهاية الحديث: "فإن أفلح، وإلا فلا خير فيه"، فهي بحاجة إلى الكثير من التأمّل، إذ ربما يكون المقصود بهذه العبارة، أنَّ هذه المراحل هي مراحل تأسيسيَّة لشخصيَّة الإنسان، بمعنى أنه إذا لم تتعمّق في داخله على مدى إحدى وعشرين سنة، المبادئ والمفاهيم، وفشلت التربية في تهيئته وإعداده للحياة، دون أن يكون لذلك الفشل مبررات خارجية ساهمت في حدوثه، فمن الصعب جداً أن يفلح بعد ذلك، ما يحملنا إلى الاعتقاد بأنَّ الانحراف ينشأ عن إهمال هذه المراحل، وفعالية العوامل الخارجية الأخرى، التي تتحدى عناصر التربية. وكأن الحديث الشريف يريد القول، إن إعطاء هذه المراحل الثلاث حقّها من الرعاية، كفيل بتثبيت شخصية الإنسان على خط النمو السليم، الَّذي يشكّل قاعدة للفلاح في حياته. فإذا انحرف بعد ذلك، فبسبب العوارض الخارجية، وليس بسبب القصور في تربيته.

فالواحد والعشرون عاماً، هي المرحلة التي يتحمَّل فيها الأهل، والأب بشكلٍ خاص، مسؤوليّة التربية حتى بداية مرحلة الرشد. أما بعد ذلك، فلا يبقى الأب أو الأم وحدهما مسؤولين عن الطفل، بل يصبح المجتمع بكل مؤسساته مسؤولين عنه، بدءاً من المدارس والجامعات والمساجد والجمعيات إلخ... إذاً، على الأبوين رعاية الولد بتوفير كل الظروف الصحية الملائمة التي تجعل منه إنساناً منفتحاً على الخير في المستقبل، خلال المراحل الأولى من عمره بشكل خاص.

من جهة أخرى، أعطى الإسلام الإنسان منهجاً للوصول إلى المعرفة عبر التفكير والتجربة؛ تجربة الآخر أو تجربته هو نفسه. لذلك، قال لنا: ربوا أولادكم، وأحسنوا تربيتهم، وترك التفاصيل لنا، ربما أعطى بعض المفردات كنموذج، (استخدام وسائل الحس للوصول إلى معرفة عظمة الله تعالى)، لأن هذه الأمور هي من المسائل التي يصعب معها وضع خط بياني تفصيلي يستوعب كل تبدلات الحياة على مدى الزمن، باعتبار أن الأداة التي تمثل تطوراً في بعض المراحل، تصبح متخلّفة في زمن لاحق. لذا، من غير المجدي تحديد الأدوات وتأطيرها، فعلى سبيل المثال، ومع استخدام الكتاب، كان الإنسان بحاجة إلى سنين طويلة كي يتمكَّن من الوصول إلى بدايات المعرفة، بينما الآن، ومع ثورة الاتصالات التي تجتاح العالم، أصبح الإنسان يختصر الكثير من الجهود للوصول إلى المعرفة، باستخدام وسائل إيضاح متنوّعة في تقنيات متطورة.

فالإسلام أعطى العناوين الكبيرة لبناء الشخصية، وترك للتجربة الإنسانية أن تلاحق هذه العناوين في حركتها على الأرض، وذلك ضمن الإمكانات، والقابليات، والتطور الثقافي والنفسي للإنسان بشكل عام.

 * المصدر: دنيا الطفل


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 15، ص 194.

[2] المصدر نفسه، ج 17، ص 331.

يحدّد الحديث الشَّريف: "دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح، وإلا فلا خير فيه"[1]، وأمثاله، مراحل التربية الأساسية لكلّ إنسان، ابتداءً من الطّفولة وحتى مرحلة الرّشد.

تتحدَّد مرحلة الطّفولة الأولى بسبع سنين أو ست سنوات، وهي المرحلة التي يُترك فيها الطّفل ليكتشف كل ما حوله بنفسه. وكأن الغرض من ذلك، أن يعيش تجربته بنفسه، دون مساعدة الآخر، ففي ذلك تأصيل لفطرته بحسب ما أودعه الله فيه من خصائص.

في المرحلة التالية، يأتي دور التربية من الخارج، فيباشر المربي إثارة القضايا المتصلة بالمعرفة أمام الطّفل، وتركيز المفاهيم في ذهنه، بحيث يتعرف إلى طبيعة الأشياء، من خلال ما أطلق عليها من أسمائها، فتتفاعل في عقله المادة الآتية من الخارج مع العناصر الموجودة في داخله.

ثم تبدأ عملية التأديب والتوجيه وتعلّم الواجبات، في المرحلة الثالثة؛ مرحلة إعداد الطفل لما يراد له أن يقوم به من مسؤوليات، فقد ورد في حديث آخر، بصيغة أخرى: "الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلَّم الكتاب سبع سنين، ويتعلَّم الحلال والحرام سبع سنين"[2]. وهذا يفرض في المرحلة الثالثة، أن يترجم الطفل المعلومات والخبرات إلى سلوك سليم ينسجم مع ما يهدف إليه الآباء من تأصيل للمفاهيم الإلهية المختلفة في نفسه.

أما العبارة الواردة في نهاية الحديث: "فإن أفلح، وإلا فلا خير فيه"، فهي بحاجة إلى الكثير من التأمّل، إذ ربما يكون المقصود بهذه العبارة، أنَّ هذه المراحل هي مراحل تأسيسيَّة لشخصيَّة الإنسان، بمعنى أنه إذا لم تتعمّق في داخله على مدى إحدى وعشرين سنة، المبادئ والمفاهيم، وفشلت التربية في تهيئته وإعداده للحياة، دون أن يكون لذلك الفشل مبررات خارجية ساهمت في حدوثه، فمن الصعب جداً أن يفلح بعد ذلك، ما يحملنا إلى الاعتقاد بأنَّ الانحراف ينشأ عن إهمال هذه المراحل، وفعالية العوامل الخارجية الأخرى، التي تتحدى عناصر التربية. وكأن الحديث الشريف يريد القول، إن إعطاء هذه المراحل الثلاث حقّها من الرعاية، كفيل بتثبيت شخصية الإنسان على خط النمو السليم، الَّذي يشكّل قاعدة للفلاح في حياته. فإذا انحرف بعد ذلك، فبسبب العوارض الخارجية، وليس بسبب القصور في تربيته.

فالواحد والعشرون عاماً، هي المرحلة التي يتحمَّل فيها الأهل، والأب بشكلٍ خاص، مسؤوليّة التربية حتى بداية مرحلة الرشد. أما بعد ذلك، فلا يبقى الأب أو الأم وحدهما مسؤولين عن الطفل، بل يصبح المجتمع بكل مؤسساته مسؤولين عنه، بدءاً من المدارس والجامعات والمساجد والجمعيات إلخ... إذاً، على الأبوين رعاية الولد بتوفير كل الظروف الصحية الملائمة التي تجعل منه إنساناً منفتحاً على الخير في المستقبل، خلال المراحل الأولى من عمره بشكل خاص.

من جهة أخرى، أعطى الإسلام الإنسان منهجاً للوصول إلى المعرفة عبر التفكير والتجربة؛ تجربة الآخر أو تجربته هو نفسه. لذلك، قال لنا: ربوا أولادكم، وأحسنوا تربيتهم، وترك التفاصيل لنا، ربما أعطى بعض المفردات كنموذج، (استخدام وسائل الحس للوصول إلى معرفة عظمة الله تعالى)، لأن هذه الأمور هي من المسائل التي يصعب معها وضع خط بياني تفصيلي يستوعب كل تبدلات الحياة على مدى الزمن، باعتبار أن الأداة التي تمثل تطوراً في بعض المراحل، تصبح متخلّفة في زمن لاحق. لذا، من غير المجدي تحديد الأدوات وتأطيرها، فعلى سبيل المثال، ومع استخدام الكتاب، كان الإنسان بحاجة إلى سنين طويلة كي يتمكَّن من الوصول إلى بدايات المعرفة، بينما الآن، ومع ثورة الاتصالات التي تجتاح العالم، أصبح الإنسان يختصر الكثير من الجهود للوصول إلى المعرفة، باستخدام وسائل إيضاح متنوّعة في تقنيات متطورة.

فالإسلام أعطى العناوين الكبيرة لبناء الشخصية، وترك للتجربة الإنسانية أن تلاحق هذه العناوين في حركتها على الأرض، وذلك ضمن الإمكانات، والقابليات، والتطور الثقافي والنفسي للإنسان بشكل عام.

 * المصدر: دنيا الطفل


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 15، ص 194.

[2] المصدر نفسه، ج 17، ص 331.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية