كتابات
03/02/2014

الحجاب ليس تخلّفاً

الحجاب ليس تخلّفاً

يربط الكثيرون، عن قصد وغير قصد، بين حجاب المرأة وتخلّفها، وبالتّالي تخلّف المجتمع الّذي تعيش فيه، إذ يعتبر هؤلاء، وخصوصاً في الغرب، أنّ الحجاب عائق أمام تطوّر المرأة، يمنعها من التقدّم في دروب الحياة، ويحجب طاقتها عن المجتمع، فيرتدّ ذلك عليه جهلاً وتخلّفاً، وهم يربطون بين تخلّف المجتمعات الشّرقيّة وحجاب المرأة، معتبرين أنّه سبب أساس لهذا التخلّف...

هذه الإشكاليّة وغيرها، أجاب عنها سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله في كتاب دنيا المرأة.

الحجاب وبؤس المرأة!!

ـ بفعل انتشار الحجاب في بلدان العالم الثَّالث غالباً، وهي بلاد تعاني الفقر والتخلّف، يربط البعض بين الحجاب وما تعانيه تلك البلدان، فيصبح الحجاب قناعاً لبؤس المرأة ورمزاً لمتاعبها، ووسيلة يعتمدها الفقراء في الدّفاع عن القيم السلفيّة. ما ردّكم على هذه المقولة؟

ـ إنّ العناوين المثارة في هذا المجال، لا تستطيع الدّفاع عن نفسها، فالقول إنّ الحجاب قناع لبؤس المرأة ومتاعبها، كلام يشبه الشّعر المأساويّ، فإذا كان الحجاب قناعاً لبؤس المرأة ومتاعبها، فإنّ كلّ القيم الّتي يؤمن بها الإنسان، وتقف في وجه الحصول على ما يشتهيه، هي قناع لبؤسه.

فاحترام الإنسان للقيم الّتي يؤمن بها في حركته، تفرض قيوداً على تلك الحركة، فتحرمه من بعض ما يشتهي الحصول عليه، ولكنَّ ذلك لا ينتقص من أهميَّة وجود القيم في حياته، لأنَّ وجودها يحقّق للإنسان الفرد والجماعة مكاسب أكثر ديمومة وأهميّة من تلك الّتي يعيق احترام القيم تحقّقها.

كما أنّ كلّ التزام اجتماعيّ يمثّل حالة مأساويّة بالنّسبة إلى الإنسان، إذا ما أراد الحصول على كلّ شيء يحتاجه ويشتهيه في وقت واحد، وكلّ قيمة أخلاقيّة أو اجتماعيّة، كالعفّة والصّدق والمواطنيّة وغيرها، وليس الحجاب فقط، تصبح قناعاً لبؤس الإنسان بهذا المعنى.

 أمّا بخصوص الادّعاء بأنّ الحجاب وسيلة الفقراء للدّفاع عن القيم السلفيّة، فلنا أن نسأل المدّعي: كيف يفسّر حجاب الميسورات وهنَّ كثيرات؟ فنحن نعرف أنّ المرأة في المدينة المتحضّرة في المجتمعات الإسلاميّة، قبل التأثّر بالحضارة الغربيّة، كانت متمسّكة بالحجاب بالدّرجة نفسها لتمسّك المرأة الفقيرة به!

العلاقة بين التخلّف والحجاب

ـ يربط الغربيّون بين الحجاب والتخلّف الّذي تعانيه المجتمعات الشرقيّة، ويعتبرون السفور، في المقابل، مظهر تطوّر في بلادهم. فهل هناك علاقة بين تواجد ظاهرتي التخلّف والحجاب في المجتمع الشّرقيّ، والسّفور والتطوّر التقني في المجتمع الغربي؟

 ـ أنا لا أفهم كيف يكون الحجاب مظهر تخلّف، فالرّجال يحجبون كامل أجسامهم ما عدا رؤوسهم، فهل حجاب الرّجل لكامل جسده بالثّياب يعتبر مظهر تخلّف؟! ليس هناك في الواقع أيّة علاقة بين التخلّف وستر المرأة لجسدها، وبين التقدّم وعدم سترها له، لأنّ التخلّف إنما يتعلّق بكلّ أنواع الحركة الّتي تُسيء إلى وعي الإنسان وإلى علاقته بالآخرين، وإلى نشاطاته في الحياة، فهل ستر المرأة يفعل مثل هذه الأمور? بالتّأكيد ما من عاقل يستطيع أن يقول نعم، لأنّه لا التّجربة ولا الميزان الأخلاقيّ ولا طبائع الأشياء تحكم بذلك، بل العكس قد يكون هو الصّحيح، إذ عندما ينفتح الإنسان على جوٍّ غرائزيّ محموم، فمن شأن ذلك أن يستهلك الكثير من طاقاته في الأمور الّتي لا تنمّي فيه العقل، ولا تشبع في داخله جمال العاطفة والحسّ الإنساني الرّفيع، بل يصبح همّه همّاً استهلاكيّاً خالصاً، حيث ينام وهو يفكّر فيما يستهلك غداً، ويستيقظ وهو على هذه الحال، وإذا ما فكّر وأبدع، فإنّه لا يتجاوز عالم الاستهلاك. هذا في جانب، وفي جانب آخر، فإنّ ثقافة العصر تعتبر الإنسان حرّاً في فعل ما يشاء، والنّساء المحجّبات يعتقدن أنّ الحجاب جزء من التزامهنّ الأخلاقيّ والاجتماعيّ، فلماذا يُعتبر ذلك تخلّفاً؟

في المقابل، إنّ التطوّر التقني الموجود في الغرب لم ينشأ من رفض الحجاب، لأنّ مسألة التطوّر هي من المسائل الّتي تحدثها تحوّلات فكريّة في فهم الكون والحياة وأسرار الطّبيعة ومحاولة صياغة الواقع على شاكلتها، وإيجاد الفرص للنّاس المختصّين أو الّذين يملكون خبرة في هذه المجالات بالتّحديد، وهذا لا علاقة له بأن تلبس المرأة الحجاب أو لا تلبسه، تماماً كما أنّه لا علاقة لطريقة حركة المرأة الّتي تريد المشاركة في صنع الحضارة بذلك، سواء كانت طريقتها طريقة العراة أو كانت طريقتها مغايرة لطريقتهم، وسواء ذهبت عارية الصّدر أو غير عارية، لأنّ مسألة الحجاب، كما تحدّثنا أكثر من مرّة، هي مسألة نسبيّة، فلا فرق بين حجاب الرّأس وحجاب الصّدر، ولا فرق بين الحجاب الكامل أو عدمه، فإذا كنّا نريد مناقشة المسألة من ناحية أخلاقيّة، فلا بدّ من أن نناقش مسألة العري والحجاب من هذه النّاحية، وإلا فإنّ التطوّر التقني رافق الحجاب أيضاً في تاريخنا، فهل معنى ذلك أنّ الالتزام به شرط لخلق التطوّر أيضاً؟

إنّ واقع التخلّف الّذي يعيشه الواقع العربي أو الإسلامي، يرتبط بالجمود العلميّ من جهة، وبالأوضاع السياسيّة الّتي فرضت التخلّف عليه، وأربكت المنطقة كلّها بالحروب والخلافات والمنازعات وما إلى ذلك، وبأنواع الحكم الّتي لم تحترم حريّة الشّعب من جهة أخرى. من هنا، يظهر لنا أنّ الرّبط بين الحجاب وعدمه، وحركة التطوّر وعدمها، ربط اعتباطيّ وساذج، لأنّ للتطوّر أسباباً جوهريّة عميقة ومتنوّعة، منها السياسيّ، ومنها الثقافيّ والتّربويّ والاجتماعيّ، وحتّى العقيديّ والاقتصاديّ...

* من كتاب دنيا المرأة.

يربط الكثيرون، عن قصد وغير قصد، بين حجاب المرأة وتخلّفها، وبالتّالي تخلّف المجتمع الّذي تعيش فيه، إذ يعتبر هؤلاء، وخصوصاً في الغرب، أنّ الحجاب عائق أمام تطوّر المرأة، يمنعها من التقدّم في دروب الحياة، ويحجب طاقتها عن المجتمع، فيرتدّ ذلك عليه جهلاً وتخلّفاً، وهم يربطون بين تخلّف المجتمعات الشّرقيّة وحجاب المرأة، معتبرين أنّه سبب أساس لهذا التخلّف...

هذه الإشكاليّة وغيرها، أجاب عنها سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله في كتاب دنيا المرأة.

الحجاب وبؤس المرأة!!

ـ بفعل انتشار الحجاب في بلدان العالم الثَّالث غالباً، وهي بلاد تعاني الفقر والتخلّف، يربط البعض بين الحجاب وما تعانيه تلك البلدان، فيصبح الحجاب قناعاً لبؤس المرأة ورمزاً لمتاعبها، ووسيلة يعتمدها الفقراء في الدّفاع عن القيم السلفيّة. ما ردّكم على هذه المقولة؟

ـ إنّ العناوين المثارة في هذا المجال، لا تستطيع الدّفاع عن نفسها، فالقول إنّ الحجاب قناع لبؤس المرأة ومتاعبها، كلام يشبه الشّعر المأساويّ، فإذا كان الحجاب قناعاً لبؤس المرأة ومتاعبها، فإنّ كلّ القيم الّتي يؤمن بها الإنسان، وتقف في وجه الحصول على ما يشتهيه، هي قناع لبؤسه.

فاحترام الإنسان للقيم الّتي يؤمن بها في حركته، تفرض قيوداً على تلك الحركة، فتحرمه من بعض ما يشتهي الحصول عليه، ولكنَّ ذلك لا ينتقص من أهميَّة وجود القيم في حياته، لأنَّ وجودها يحقّق للإنسان الفرد والجماعة مكاسب أكثر ديمومة وأهميّة من تلك الّتي يعيق احترام القيم تحقّقها.

كما أنّ كلّ التزام اجتماعيّ يمثّل حالة مأساويّة بالنّسبة إلى الإنسان، إذا ما أراد الحصول على كلّ شيء يحتاجه ويشتهيه في وقت واحد، وكلّ قيمة أخلاقيّة أو اجتماعيّة، كالعفّة والصّدق والمواطنيّة وغيرها، وليس الحجاب فقط، تصبح قناعاً لبؤس الإنسان بهذا المعنى.

 أمّا بخصوص الادّعاء بأنّ الحجاب وسيلة الفقراء للدّفاع عن القيم السلفيّة، فلنا أن نسأل المدّعي: كيف يفسّر حجاب الميسورات وهنَّ كثيرات؟ فنحن نعرف أنّ المرأة في المدينة المتحضّرة في المجتمعات الإسلاميّة، قبل التأثّر بالحضارة الغربيّة، كانت متمسّكة بالحجاب بالدّرجة نفسها لتمسّك المرأة الفقيرة به!

العلاقة بين التخلّف والحجاب

ـ يربط الغربيّون بين الحجاب والتخلّف الّذي تعانيه المجتمعات الشرقيّة، ويعتبرون السفور، في المقابل، مظهر تطوّر في بلادهم. فهل هناك علاقة بين تواجد ظاهرتي التخلّف والحجاب في المجتمع الشّرقيّ، والسّفور والتطوّر التقني في المجتمع الغربي؟

 ـ أنا لا أفهم كيف يكون الحجاب مظهر تخلّف، فالرّجال يحجبون كامل أجسامهم ما عدا رؤوسهم، فهل حجاب الرّجل لكامل جسده بالثّياب يعتبر مظهر تخلّف؟! ليس هناك في الواقع أيّة علاقة بين التخلّف وستر المرأة لجسدها، وبين التقدّم وعدم سترها له، لأنّ التخلّف إنما يتعلّق بكلّ أنواع الحركة الّتي تُسيء إلى وعي الإنسان وإلى علاقته بالآخرين، وإلى نشاطاته في الحياة، فهل ستر المرأة يفعل مثل هذه الأمور? بالتّأكيد ما من عاقل يستطيع أن يقول نعم، لأنّه لا التّجربة ولا الميزان الأخلاقيّ ولا طبائع الأشياء تحكم بذلك، بل العكس قد يكون هو الصّحيح، إذ عندما ينفتح الإنسان على جوٍّ غرائزيّ محموم، فمن شأن ذلك أن يستهلك الكثير من طاقاته في الأمور الّتي لا تنمّي فيه العقل، ولا تشبع في داخله جمال العاطفة والحسّ الإنساني الرّفيع، بل يصبح همّه همّاً استهلاكيّاً خالصاً، حيث ينام وهو يفكّر فيما يستهلك غداً، ويستيقظ وهو على هذه الحال، وإذا ما فكّر وأبدع، فإنّه لا يتجاوز عالم الاستهلاك. هذا في جانب، وفي جانب آخر، فإنّ ثقافة العصر تعتبر الإنسان حرّاً في فعل ما يشاء، والنّساء المحجّبات يعتقدن أنّ الحجاب جزء من التزامهنّ الأخلاقيّ والاجتماعيّ، فلماذا يُعتبر ذلك تخلّفاً؟

في المقابل، إنّ التطوّر التقني الموجود في الغرب لم ينشأ من رفض الحجاب، لأنّ مسألة التطوّر هي من المسائل الّتي تحدثها تحوّلات فكريّة في فهم الكون والحياة وأسرار الطّبيعة ومحاولة صياغة الواقع على شاكلتها، وإيجاد الفرص للنّاس المختصّين أو الّذين يملكون خبرة في هذه المجالات بالتّحديد، وهذا لا علاقة له بأن تلبس المرأة الحجاب أو لا تلبسه، تماماً كما أنّه لا علاقة لطريقة حركة المرأة الّتي تريد المشاركة في صنع الحضارة بذلك، سواء كانت طريقتها طريقة العراة أو كانت طريقتها مغايرة لطريقتهم، وسواء ذهبت عارية الصّدر أو غير عارية، لأنّ مسألة الحجاب، كما تحدّثنا أكثر من مرّة، هي مسألة نسبيّة، فلا فرق بين حجاب الرّأس وحجاب الصّدر، ولا فرق بين الحجاب الكامل أو عدمه، فإذا كنّا نريد مناقشة المسألة من ناحية أخلاقيّة، فلا بدّ من أن نناقش مسألة العري والحجاب من هذه النّاحية، وإلا فإنّ التطوّر التقني رافق الحجاب أيضاً في تاريخنا، فهل معنى ذلك أنّ الالتزام به شرط لخلق التطوّر أيضاً؟

إنّ واقع التخلّف الّذي يعيشه الواقع العربي أو الإسلامي، يرتبط بالجمود العلميّ من جهة، وبالأوضاع السياسيّة الّتي فرضت التخلّف عليه، وأربكت المنطقة كلّها بالحروب والخلافات والمنازعات وما إلى ذلك، وبأنواع الحكم الّتي لم تحترم حريّة الشّعب من جهة أخرى. من هنا، يظهر لنا أنّ الرّبط بين الحجاب وعدمه، وحركة التطوّر وعدمها، ربط اعتباطيّ وساذج، لأنّ للتطوّر أسباباً جوهريّة عميقة ومتنوّعة، منها السياسيّ، ومنها الثقافيّ والتّربويّ والاجتماعيّ، وحتّى العقيديّ والاقتصاديّ...

* من كتاب دنيا المرأة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية