كتابات
16/02/2014

دور الوراثة في بناء شخصيَّة الطّفل

دور الوراثة في بناء شخصيَّة الطّفل

تحدَّث الإسلام عن الفطرة التي تؤدي إلى التوحيد، لولا وجود العوائق الخارجيَّة. أمّا الوراثة، فهي تمثل الاستعدادات التي تحكم الذات لو تُركت في مسارها الطبيعي، ولكن العوامل الخارجيَّة، من تربية وتجارب، تدخل في تكوين الشخصية، بحيث تضعف تأثير الوراثة وتكبتها، ولا تسمح لها بالسّيطرة على كل وجدان الإنسان العقلي والشعوري، فلا تظهر تلك الاستعدادات إلا في حالات ضعف هذا الوجدان بين وقت وآخر.

ومن هنا، أقول إن التربية تكبت الوراثة، ولا أقول إنها تلغيها تماماً، ولكنها تمنع حركيتها في الذات، إلا في حالات الضعف الذي يُسيطر على الإنسان بين وقت وآخر. 

ومن جهة أخرى، فإني لا أتصور أن الطبع يغلب التطبّع دائماً، بل إنّ التطبّع إذا كان خاضعاً لخطة طويلة محكمة، يصنع طبعاً ثانياً، بحيث لا يعود تطبّعاً، بل يتحول إلى طبيعة جديدة، تزيل الطبيعة الأصلية، وتحلّ محلها أو تغطّيها، فلا يكون لتلك الطبيعة أي تأثير في الشخصية.

فنحن نفهم من الحديث: "إنَّ العرق دسّاس"[1]، وغيره من الأحاديث الأخرى المشابهة، كما في حديث: "الخال أحد الضّجيعين"[2]، أنَّ للوراثة دوراً كبيراً في إعطاء القابليات الطَّبيعية التي قد تهيّئ الطفل، سلباً أو إيجاباً، ولكنها لا تشلّ حركته، ولا تلغي دور التّربية التي يُفترض أن تستوعب هذه القابليات.

ورداً على الرأي الذي يقول: إن الصفات الوراثية تمثل عذراً للإنسان، يعفيه من عقاب الله في حال تقصيره في الالتزام بأوامره ونواهيه، نقول: لا بد لنا من ملاحظة مسألة، وهي حجم أسلوب التربية المستعملة وقوته، فإذا كان أسلوب التربية أسلوباً عادياً، يعتمد على نوع من المؤثرات السَّطحية، كأساليب الموعظة والنصيحة والظروف الاجتماعية، فإنَّ الطَّبيعة الوراثيَّة في هذه الحال، تغلب التربية. وهذا ما نلاحظه لدى كثير ممن يعيشون الأجواء الدينية بطريقة سطحية، حيث إنهم وبمجرد التواجد في أجواء تنسجم مع ميولهم الموروثة إلى التحلّل من الالتزام الديني، فإن تلك الميول تطغى وتثور، وتؤثر تأثيراً كبيراً فيهم.

أما إذا فرضنا أن التربية كانت عميقة التأثير في النفس، فيصعب جداً آنذاك إزالتها. لذلك، نجد مثلاً أن التربية في كثير من الحالات، تتغلب على البيئة، كما نجد أن البيئة تقف في أحيان كثيرة حاجزاً أمام تأثير التربية القوي.

خلاصة الفكرة، ليست الوراثة عاملاً أحادياً يتحكّم بصياغة شخصيّة الإنسان، كما القضاء والقدر، بل هي جزء من جملة عوامل داخلية وخارجية، تدخل في تكوين شخصية أي فرد، وهنا، قد يكون عامل الوراثة من القوة، بحيث يتغلّب على العوامل الأخرى أو العكس.

* دنيا الطفل


[1] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 2، ص 1183.

[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 100، ص 237.

تحدَّث الإسلام عن الفطرة التي تؤدي إلى التوحيد، لولا وجود العوائق الخارجيَّة. أمّا الوراثة، فهي تمثل الاستعدادات التي تحكم الذات لو تُركت في مسارها الطبيعي، ولكن العوامل الخارجيَّة، من تربية وتجارب، تدخل في تكوين الشخصية، بحيث تضعف تأثير الوراثة وتكبتها، ولا تسمح لها بالسّيطرة على كل وجدان الإنسان العقلي والشعوري، فلا تظهر تلك الاستعدادات إلا في حالات ضعف هذا الوجدان بين وقت وآخر.

ومن هنا، أقول إن التربية تكبت الوراثة، ولا أقول إنها تلغيها تماماً، ولكنها تمنع حركيتها في الذات، إلا في حالات الضعف الذي يُسيطر على الإنسان بين وقت وآخر. 

ومن جهة أخرى، فإني لا أتصور أن الطبع يغلب التطبّع دائماً، بل إنّ التطبّع إذا كان خاضعاً لخطة طويلة محكمة، يصنع طبعاً ثانياً، بحيث لا يعود تطبّعاً، بل يتحول إلى طبيعة جديدة، تزيل الطبيعة الأصلية، وتحلّ محلها أو تغطّيها، فلا يكون لتلك الطبيعة أي تأثير في الشخصية.

فنحن نفهم من الحديث: "إنَّ العرق دسّاس"[1]، وغيره من الأحاديث الأخرى المشابهة، كما في حديث: "الخال أحد الضّجيعين"[2]، أنَّ للوراثة دوراً كبيراً في إعطاء القابليات الطَّبيعية التي قد تهيّئ الطفل، سلباً أو إيجاباً، ولكنها لا تشلّ حركته، ولا تلغي دور التّربية التي يُفترض أن تستوعب هذه القابليات.

ورداً على الرأي الذي يقول: إن الصفات الوراثية تمثل عذراً للإنسان، يعفيه من عقاب الله في حال تقصيره في الالتزام بأوامره ونواهيه، نقول: لا بد لنا من ملاحظة مسألة، وهي حجم أسلوب التربية المستعملة وقوته، فإذا كان أسلوب التربية أسلوباً عادياً، يعتمد على نوع من المؤثرات السَّطحية، كأساليب الموعظة والنصيحة والظروف الاجتماعية، فإنَّ الطَّبيعة الوراثيَّة في هذه الحال، تغلب التربية. وهذا ما نلاحظه لدى كثير ممن يعيشون الأجواء الدينية بطريقة سطحية، حيث إنهم وبمجرد التواجد في أجواء تنسجم مع ميولهم الموروثة إلى التحلّل من الالتزام الديني، فإن تلك الميول تطغى وتثور، وتؤثر تأثيراً كبيراً فيهم.

أما إذا فرضنا أن التربية كانت عميقة التأثير في النفس، فيصعب جداً آنذاك إزالتها. لذلك، نجد مثلاً أن التربية في كثير من الحالات، تتغلب على البيئة، كما نجد أن البيئة تقف في أحيان كثيرة حاجزاً أمام تأثير التربية القوي.

خلاصة الفكرة، ليست الوراثة عاملاً أحادياً يتحكّم بصياغة شخصيّة الإنسان، كما القضاء والقدر، بل هي جزء من جملة عوامل داخلية وخارجية، تدخل في تكوين شخصية أي فرد، وهنا، قد يكون عامل الوراثة من القوة، بحيث يتغلّب على العوامل الأخرى أو العكس.

* دنيا الطفل


[1] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 2، ص 1183.

[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 100، ص 237.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية