كتابات
19/02/2014

الشخصية الرسالية وقيمة العطاء

الشخصية الرسالية وقيمة العطاء

إنّ الشخصية في تعاملاتها الخاصة والعامة، وانفتاحها على قضايا الحياة والإنسان، تبرز حجمها ودورها، وتعبِّر عن مدى أصالتها وتفاعلها مع قضايا الواقع، ومساهماتها فيه. وخير ما يبرز أصالتها، أن تكون في موقع الفاعل والمؤثّر، بالشكل الإيجابي المنتج الذي يعطي من عناصر القوة لديها للآخرين، لتخدم فلسفة التكامل في الوجود، وتعمل على توازن المجتمع واستقراره، فعندما تعتبر هذه الشخصية ذاتها في موقع المقدّمة في المجتمع، عليها ألا يأخذها إحساسها بالاستعلاء والشعور بالانتفاخ الشخصي إلى منزلقات خطيرة ومنحرفة، بمعنى عدم مشاركتها الفعلية في عملية العطاء والإنتاج، بل البقاء في دائرة التنظير الكلامي المجرّد دون أفعال عملية.

فيد الإنسان عليها أن تمتد إلى كلّ ما يخدم شؤون الناس، فيبادر إلى نزع كل عناصر القلق والتوتر، وما يسيء إلى العلاقات الاجتماعية والروابط الإنسانية، من خلال إطلاق الكلمة الطيبة والموقف الطيّب، الذي لا يثير الانفعالات، ويتسبب بالفوضى والمشاكل، وأن يمتنع عن الفتنة القاتلة لكل أمل في الإصلاح، وأن لا يلجأ إلى الغيبة والنميمة، وإثارة الأحقاد والضغائن، فهذا ما يحرم الحياة من عناصر استقرارها وقوتها، ومن الأرضية الصالحة لإنتاجها على أساس المحبة والانفتاح والعطاء والتكامل.

وهذا ما نراه في وصية الإمام الكاظم(ع) لهشام بن الحكم: "إن خالطت الناس، فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم، إلا كانت يدك العليا عليه، فافعل".

وفي شرحه لهذه النقطة من الوصية، يرى سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، "أن هذه الفقرة من الوصية، تؤكد أن على الإنسان عندما يعيش مع الآخرين، مهما كان انتماؤهم ومهما كانت أوضاعهم، أن يدرس هؤلاء الناس، ما هي حاجاتهم التي يريدون من الآخرين أن يقضوها لهم؟ وحاجات الناس من الناس تتنوع، فقد تكون حاجات علمية، بحيث يعيش معك إنسانٌ ما يخالطك ليستفيد من علمك، وقد تكون حاجات اقتصادية، فيخالطك ليستفيد من مالك، وربما تكون حاجات اجتماعية، فيخالطك ليستفيد من موقع أنك شخصية اجتماعية، تستطيع أن تكون وسيطاً بينه وبين مواقع القرار أو مواقع القوة في المجتمع، لتحقق له ما يريد منهم في أموره العامة أو الخاصة، وقد تكون الحاجة دينية، فيخالطك كي يستفيد منك دينياً، من حيث هو شخص يريد أن يرفع من مستواه الديني، وهكذا..

والقضية التي تركّز عليها هذه الكلمة، هي أنك عليك أن تستجيب لكل ما يحتاج إليك، لتحقق حاجته، ولترفع من مستواه، من موقع كون يدك هي اليد العليا عليه. واليد العليا ـ بحسب المفهوم العام ـ هي اليد المعطية، واليد المبادرة، واليد الخادمة، وبذلك، يكون مظهر علوّ يدك عليه، أن تحسن إليه في كل حاجاته منك".

ويتابع سماحته(رض): "ومن خلال ذلك، نقول إن على الإنسان الذي يملك أي طاقة في المجتمع، أن يتسلّم زمام المبادرة، ليكون في الموقع الأعلى في ذلك المجتمع، لا من خلال ما يعيشه من ضخامة الشخصية في إحساسه بالاستعلاء على الناس، بل ليكون في الموقع الأعلى في تلبية حاجات المجتمع، لأن المعطي يمثّل موقعاً أعلى من المُعطى له في تواصل العطاء فيما بينهما، لأن الذي يحقق الحاجة هو في الموقع المميز ممن يحصل على الحاجة".

وخلاصة تلك الفقرة من وصية الإمام الكاظم(ع) هي: كُن المبادر في مسألة العطاء للناس، لتكون يدك التي تمدّها إلى الناس بالإحسان والعطاء، هي اليد العليا.. وفي هذا توجيه للإنسان إلى أن يبادر لتفجير كل إمكاناته وطاقاته في خدمة حياة الناس وفي تلبية حاجاتهم...".[فكر وثقافة، العدد:390].

فهل نتمثّل قيمة العطاء اليوم في سلوكياتنا مع أنفسنا والمحيط من حولنا؟! سؤال ينبغي أن نطرحه على ذواتنا وعلى الآخرين، لنعرف مدى قربنا وتفاعلنا مع مفاهيم العطاء وقيمة، ومعرفة الشخصية المنتجة الحقيقية والأصيلة، من الشخصية المنتفخة في شعورها وأوضاعها.

إن التركيز على قيمة العطاء والإنتاج الإيجابي، الذي ينعكس بخيره على كل الوجود، لهو من أوجب الواجبات التي ينبغي الإعداد لها بكل قوة وحيوية، وتنميتها كعنصر متجذّر وأساسي من شخصية الأجيال الصاعدة، في مواجهة كل صيحات الفراغ ودعوات التسطيح والتجهيل المنتشرة من هنا وهناك.

وهذه أمانة ومسؤولية يفترض حمل لوائها في كل تفاصيل وجودنا، منعاً من الانحراف والسقوط، فقيمة الحياة هي بمقدار أن تعطي من ذاتك لنفسك وللآخرين، بحيث تمارس الدور الإنساني والحضاري المطلوب.. ويقول الله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ}[الرعد:17].

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


إنّ الشخصية في تعاملاتها الخاصة والعامة، وانفتاحها على قضايا الحياة والإنسان، تبرز حجمها ودورها، وتعبِّر عن مدى أصالتها وتفاعلها مع قضايا الواقع، ومساهماتها فيه. وخير ما يبرز أصالتها، أن تكون في موقع الفاعل والمؤثّر، بالشكل الإيجابي المنتج الذي يعطي من عناصر القوة لديها للآخرين، لتخدم فلسفة التكامل في الوجود، وتعمل على توازن المجتمع واستقراره، فعندما تعتبر هذه الشخصية ذاتها في موقع المقدّمة في المجتمع، عليها ألا يأخذها إحساسها بالاستعلاء والشعور بالانتفاخ الشخصي إلى منزلقات خطيرة ومنحرفة، بمعنى عدم مشاركتها الفعلية في عملية العطاء والإنتاج، بل البقاء في دائرة التنظير الكلامي المجرّد دون أفعال عملية.

فيد الإنسان عليها أن تمتد إلى كلّ ما يخدم شؤون الناس، فيبادر إلى نزع كل عناصر القلق والتوتر، وما يسيء إلى العلاقات الاجتماعية والروابط الإنسانية، من خلال إطلاق الكلمة الطيبة والموقف الطيّب، الذي لا يثير الانفعالات، ويتسبب بالفوضى والمشاكل، وأن يمتنع عن الفتنة القاتلة لكل أمل في الإصلاح، وأن لا يلجأ إلى الغيبة والنميمة، وإثارة الأحقاد والضغائن، فهذا ما يحرم الحياة من عناصر استقرارها وقوتها، ومن الأرضية الصالحة لإنتاجها على أساس المحبة والانفتاح والعطاء والتكامل.

وهذا ما نراه في وصية الإمام الكاظم(ع) لهشام بن الحكم: "إن خالطت الناس، فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم، إلا كانت يدك العليا عليه، فافعل".

وفي شرحه لهذه النقطة من الوصية، يرى سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، "أن هذه الفقرة من الوصية، تؤكد أن على الإنسان عندما يعيش مع الآخرين، مهما كان انتماؤهم ومهما كانت أوضاعهم، أن يدرس هؤلاء الناس، ما هي حاجاتهم التي يريدون من الآخرين أن يقضوها لهم؟ وحاجات الناس من الناس تتنوع، فقد تكون حاجات علمية، بحيث يعيش معك إنسانٌ ما يخالطك ليستفيد من علمك، وقد تكون حاجات اقتصادية، فيخالطك ليستفيد من مالك، وربما تكون حاجات اجتماعية، فيخالطك ليستفيد من موقع أنك شخصية اجتماعية، تستطيع أن تكون وسيطاً بينه وبين مواقع القرار أو مواقع القوة في المجتمع، لتحقق له ما يريد منهم في أموره العامة أو الخاصة، وقد تكون الحاجة دينية، فيخالطك كي يستفيد منك دينياً، من حيث هو شخص يريد أن يرفع من مستواه الديني، وهكذا..

والقضية التي تركّز عليها هذه الكلمة، هي أنك عليك أن تستجيب لكل ما يحتاج إليك، لتحقق حاجته، ولترفع من مستواه، من موقع كون يدك هي اليد العليا عليه. واليد العليا ـ بحسب المفهوم العام ـ هي اليد المعطية، واليد المبادرة، واليد الخادمة، وبذلك، يكون مظهر علوّ يدك عليه، أن تحسن إليه في كل حاجاته منك".

ويتابع سماحته(رض): "ومن خلال ذلك، نقول إن على الإنسان الذي يملك أي طاقة في المجتمع، أن يتسلّم زمام المبادرة، ليكون في الموقع الأعلى في ذلك المجتمع، لا من خلال ما يعيشه من ضخامة الشخصية في إحساسه بالاستعلاء على الناس، بل ليكون في الموقع الأعلى في تلبية حاجات المجتمع، لأن المعطي يمثّل موقعاً أعلى من المُعطى له في تواصل العطاء فيما بينهما، لأن الذي يحقق الحاجة هو في الموقع المميز ممن يحصل على الحاجة".

وخلاصة تلك الفقرة من وصية الإمام الكاظم(ع) هي: كُن المبادر في مسألة العطاء للناس، لتكون يدك التي تمدّها إلى الناس بالإحسان والعطاء، هي اليد العليا.. وفي هذا توجيه للإنسان إلى أن يبادر لتفجير كل إمكاناته وطاقاته في خدمة حياة الناس وفي تلبية حاجاتهم...".[فكر وثقافة، العدد:390].

فهل نتمثّل قيمة العطاء اليوم في سلوكياتنا مع أنفسنا والمحيط من حولنا؟! سؤال ينبغي أن نطرحه على ذواتنا وعلى الآخرين، لنعرف مدى قربنا وتفاعلنا مع مفاهيم العطاء وقيمة، ومعرفة الشخصية المنتجة الحقيقية والأصيلة، من الشخصية المنتفخة في شعورها وأوضاعها.

إن التركيز على قيمة العطاء والإنتاج الإيجابي، الذي ينعكس بخيره على كل الوجود، لهو من أوجب الواجبات التي ينبغي الإعداد لها بكل قوة وحيوية، وتنميتها كعنصر متجذّر وأساسي من شخصية الأجيال الصاعدة، في مواجهة كل صيحات الفراغ ودعوات التسطيح والتجهيل المنتشرة من هنا وهناك.

وهذه أمانة ومسؤولية يفترض حمل لوائها في كل تفاصيل وجودنا، منعاً من الانحراف والسقوط، فقيمة الحياة هي بمقدار أن تعطي من ذاتك لنفسك وللآخرين، بحيث تمارس الدور الإنساني والحضاري المطلوب.. ويقول الله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ}[الرعد:17].

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية