كتابات
18/02/2014

أصالة أسلوب الدّعوة وتميّزه

أصالة أسلوب الدّعوة وتميّزه

قد يكون من بين القضايا الأساسيّة الّتي نواجهها في حركة العمل الإسلامي، قضية الأسلوب العملي في العرض والنقد والمواجهة الإعلاميّة في مجال الصراع، لأن للأسلوب الدور الكبير في نجاح الفكرة أو فشلها، من حيث انسجامه مع المؤثرات التي تهيمن على ميدان المعركة، وابتعاده عن سلبيات الصراع، وتجسيده لأصالة الفكرة واستقلالها، فلا تخضع لوجوه وأقنعة مستعارة تلبسها في حالات الاهتزاز الاجتماعيّ، لتحارب أعداءها من خلال شخصيّات الآخرين، فتؤدّي إلى نتائج عكسيّة تمحو أصالتها، وتجعلها عرضة للارتباك أمام الأفكار الطّارئة التي طبعت أساليب الآخرين بطابعها المميّز.

أهميّة الأسلوب العمليّ

ولهذا، فإنّنا نؤكّد أن يستمدّ العمل الإسلامي أسلوبه في العرض وفي النقد والمواجهة الإعلاميّة، من واقع التفكير الإسلامي، ونظرته إلى الكون والحياة، وخصائصه المميّزة في مرونة الحركة وحيويّتها، الّتي تأخذ لكلّ موقف عدّته، وتعمل على أن تواجه الواقع بمقتضياته ومناسباته الواقعيّة، انطلاقاً من مفهوم "الحكمة" الّذي دعا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل:125)، فإنّ هذا المفهوم يلتقي بالمفهوم البلاغي للكلام الّذي هو "مطابقة الكلام لمقتضى الحال"، فيعطي لكل حالة مقتضاها، ويضع كلّ كلام في موقعه من الواقع، فتتغيّر الأساليب تبعاً لتغيّر المقتضيات، وتتنوّع المقتضيات تبعاً لتغيّر الواقع...

الأسلوب الخاطئ في المواجهة

إن تأكيدنا هذا الجانب من أصالة الأسلوب وتميّزة عن أساليب المبادئ الأخرى، يرجع إلى مواجهة الممارسات الخاطئة التي يمارسها بعض العاملين في سبيل الله، في أسلوب المواجهة النّاقدة لبعض المبادئ التي نختلف معها في واقع العقيدة والشريعة، وذلك كما في أساليب محاربة "الشيوعية"، فإنّنا نختلف مع هذه العقيدة في جذورها الفلسفيّة القائمة على إنكار وجود الله، وكلّ ما تؤمن به الأديان مما يعيش خارج نطاق الطبيعة، وتنطلق خلافاتنا معها ابتداءً من القواعد الفكريّة الّتي ركّزت عليها نظريتها وقوانينها، من المادية الديالكتيكية، إلى المادية التاريخية، انتهاءً بالنظام القانوني والحركي الّذي يتفرع عن النظرية، من أساليب الاشتراكية وطرق تطبيقها، إلى واقع الشيوعية كمرحلة أخيرة في وصول النظرية إلى نهاية المطاف..

ولا بدّ لأسلوب العمل النقدي من أن يضع تصميمه وتخطيطه على أساس مواجهة الجانب الفلسفي والجانب الفكري والجانب التشريعيّ أو القانونيّ، ليبقى الأسلوب في مستوى الفكرة، وينطلق من واقع التفكير الإسلامي، بعيداً عن أيّ إثارة للواقع الجغرافي الذي ولدت فيه الفكرة أو نشأت في أحضانه، من حيث تصنيف الفكرة كبضاعة وطنية أو قومية، أو أجنبية مستوردة، كما يحاول البعض ممن يفكّرون في المبادئ على أساس أن تكون نابعةً من تراب الوطن ومن تراثه وحضارته في الإطار الوطني الإقليمي، أو تكون منطلقة من الواقع القومي الحضاري، أن يجعلوا ذلك الشّرط الوحيد لقبول المبادئ أو مناقشتها قبل التّسليم بها.. ولذلك، كان الشّعار المطروح ضدّ الشيوعيّة في بدايات الصّراع، أنّها من "المبادئ المستوردة" الّتي لم تنبت في أرض الوطن، بل كانت نتاج أرض غريبة، وظروف غريبة...

وقد يعلّق هؤلاء على هذه الفكرة، أنّها قد تصلح لبلاد أخرى، كالبلاد التي نشأت فيها، ولكنّها لا تصلح لبلادنا وأمّتنا التي تملك من تراثها وحضارتها وتقاليدها ما يبعدها عن الالتقاء بأمثال هذه العقيدة الغريبة المستوردة.. وقد سار كثير من الدعاة المسلمين في هذا الاتجاه في محاربتهم للشيوعية، من دون التفات إلى مدلول هذا الشعار وانعكاسه على طبيعة الفكرة الناقدة، ونحن نرفض طرح مثل هذا الشعار..

أوّلاً، لأنّنا نعتقد أن العقائد والمبادئ والقوانين المنبثقة عنها، لا تخضع لمقاييس الحدود الجغرافية، بل تخضع لمقياس الحقّ والباطل من جهة، ولمصالح الإنسان ومنافعه أو خسائره ومضارّه من جهة أخرى.

أمّا التراث والحضارة والتّقاليد، فليست لها أية قيمة إذا اصطدمت مع قضية الحق أو مع مصالح الإنسان الحيويّة.. فإنّ الإسلام لا يحترم تراث الآباء والأجداد إذا كان على خلاف الحقّ، لأنّ علاقة الإنسان بآبائه وأجداده، لا تمثّل أيّ معنى كبير في حال الاصطدام بالحقيقة الكبيرة في الحياة.. ولولا هذا، لأمكننا أن نخضع كلّ أمّة لحضارتها القديمة ولتراثها التاريخيّ، ولما استطعنا أن نطرح الرّسالات والمبادئ العالميّة الإنسانيّة في أفكار واحدة وخطوات واحدة وأهداف واحدة..

ويبقى للقضايا الإقليمية والقومية واللّونية بعض ثقافتها وتقاليدها وأوضاعها المستمدّة من طبيعة الأفق المحدود..

وثانياً، إنّ هذا الشعار لا يمانع من الاعتراف بهذا المبدأ في البلاد التي تتناسب مع فلسفته وقوانينه، وتنسجم مع أفكاره وأجوائه، أو في المناطق التي ولد فيها ونما في أرضها ومجتمعها، أما نحن، فنرى أنه لا يمكن الاعتراف به وإقراره في أيّ بلد من البلدان، لأنه لا يتفق مع الأسس الحقيقية لقضايا الإنسان ومصالحه من وجهة نظرنا، كما أنّ الفكرة نفسها ترفض الاعتراف بالإطار الضيّق المحدود الذي يُراد لها وضعها فيه، لأنّها تعتبر نفسها رسالة عالميّة أمميّة. وعلى هذا الأساس، فإن الأسلوب الذي يضع الفكرة في هذا الإطار، ويستخدم هذا الشعار في قضيّة الصّراع، يبتعد عن الأصالة الإسلامية، ويرتبط بقواعد فكرية غير إسلامية، فلا يجوز للدّاعية المسلم أن يمارسه في دعوته.

لماذا تأكيد إسلاميّة الأسلوب؟

إننا نشعر بضرورة تأكيد جانب الأصالة الإسلاميّة في الأسلوب العملي، انطلاقاً من الواقع الّذي يحكم العمل في ميدان الصّراع، لأنّ الساحة قد تجمع اتجاهات كثيرة تلتقي ضدّ هدف واحد، وقد يتعاظم دور البعض من هذه الاتجاهات في حركة الصّراع، بحيث يطبعه بطابعه ويخضعه لطريقة تفكيره. وتبقى الاتجاهات الّتي تملك الدّور الثانويّ الخاضع لعوامل الضّعف الذاتيّ، تتلمّس الطريق من خلال خطوات الفريق الأوّل، فتتأثّر بخطواته تلقائياً، كما ألمحنا إليه في مثالنا المتقدّم الّذي يحاول فيه الكثيرون أن يأخذوا من الكتب الّتي تصدرها دوائر الاستخبارات الأمريكيّة والأوروبيّة، الأساليب العمليّة في نقد الشيوعيّة على الطّريقة التي تتبناها هذه الدوائر، من دون أن ينتبهوا إلى ما في داخلها من عوامل الانحراف الفكريّ والعمليّ.

إنّنا نريد أن نؤكّد أنّ صراعنا مع الشيوعيّة صراع فكريّ، يخضع للعوامل الفكريّة لا لشيء آخر، فعلينا أن نحافظ على سلامة الفكرة في حالة الصّراع، كما نحافظ عليها في خارجه...

*  من "خطوات على طريق الإسلام"


قد يكون من بين القضايا الأساسيّة الّتي نواجهها في حركة العمل الإسلامي، قضية الأسلوب العملي في العرض والنقد والمواجهة الإعلاميّة في مجال الصراع، لأن للأسلوب الدور الكبير في نجاح الفكرة أو فشلها، من حيث انسجامه مع المؤثرات التي تهيمن على ميدان المعركة، وابتعاده عن سلبيات الصراع، وتجسيده لأصالة الفكرة واستقلالها، فلا تخضع لوجوه وأقنعة مستعارة تلبسها في حالات الاهتزاز الاجتماعيّ، لتحارب أعداءها من خلال شخصيّات الآخرين، فتؤدّي إلى نتائج عكسيّة تمحو أصالتها، وتجعلها عرضة للارتباك أمام الأفكار الطّارئة التي طبعت أساليب الآخرين بطابعها المميّز.

أهميّة الأسلوب العمليّ

ولهذا، فإنّنا نؤكّد أن يستمدّ العمل الإسلامي أسلوبه في العرض وفي النقد والمواجهة الإعلاميّة، من واقع التفكير الإسلامي، ونظرته إلى الكون والحياة، وخصائصه المميّزة في مرونة الحركة وحيويّتها، الّتي تأخذ لكلّ موقف عدّته، وتعمل على أن تواجه الواقع بمقتضياته ومناسباته الواقعيّة، انطلاقاً من مفهوم "الحكمة" الّذي دعا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل:125)، فإنّ هذا المفهوم يلتقي بالمفهوم البلاغي للكلام الّذي هو "مطابقة الكلام لمقتضى الحال"، فيعطي لكل حالة مقتضاها، ويضع كلّ كلام في موقعه من الواقع، فتتغيّر الأساليب تبعاً لتغيّر المقتضيات، وتتنوّع المقتضيات تبعاً لتغيّر الواقع...

الأسلوب الخاطئ في المواجهة

إن تأكيدنا هذا الجانب من أصالة الأسلوب وتميّزة عن أساليب المبادئ الأخرى، يرجع إلى مواجهة الممارسات الخاطئة التي يمارسها بعض العاملين في سبيل الله، في أسلوب المواجهة النّاقدة لبعض المبادئ التي نختلف معها في واقع العقيدة والشريعة، وذلك كما في أساليب محاربة "الشيوعية"، فإنّنا نختلف مع هذه العقيدة في جذورها الفلسفيّة القائمة على إنكار وجود الله، وكلّ ما تؤمن به الأديان مما يعيش خارج نطاق الطبيعة، وتنطلق خلافاتنا معها ابتداءً من القواعد الفكريّة الّتي ركّزت عليها نظريتها وقوانينها، من المادية الديالكتيكية، إلى المادية التاريخية، انتهاءً بالنظام القانوني والحركي الّذي يتفرع عن النظرية، من أساليب الاشتراكية وطرق تطبيقها، إلى واقع الشيوعية كمرحلة أخيرة في وصول النظرية إلى نهاية المطاف..

ولا بدّ لأسلوب العمل النقدي من أن يضع تصميمه وتخطيطه على أساس مواجهة الجانب الفلسفي والجانب الفكري والجانب التشريعيّ أو القانونيّ، ليبقى الأسلوب في مستوى الفكرة، وينطلق من واقع التفكير الإسلامي، بعيداً عن أيّ إثارة للواقع الجغرافي الذي ولدت فيه الفكرة أو نشأت في أحضانه، من حيث تصنيف الفكرة كبضاعة وطنية أو قومية، أو أجنبية مستوردة، كما يحاول البعض ممن يفكّرون في المبادئ على أساس أن تكون نابعةً من تراب الوطن ومن تراثه وحضارته في الإطار الوطني الإقليمي، أو تكون منطلقة من الواقع القومي الحضاري، أن يجعلوا ذلك الشّرط الوحيد لقبول المبادئ أو مناقشتها قبل التّسليم بها.. ولذلك، كان الشّعار المطروح ضدّ الشيوعيّة في بدايات الصّراع، أنّها من "المبادئ المستوردة" الّتي لم تنبت في أرض الوطن، بل كانت نتاج أرض غريبة، وظروف غريبة...

وقد يعلّق هؤلاء على هذه الفكرة، أنّها قد تصلح لبلاد أخرى، كالبلاد التي نشأت فيها، ولكنّها لا تصلح لبلادنا وأمّتنا التي تملك من تراثها وحضارتها وتقاليدها ما يبعدها عن الالتقاء بأمثال هذه العقيدة الغريبة المستوردة.. وقد سار كثير من الدعاة المسلمين في هذا الاتجاه في محاربتهم للشيوعية، من دون التفات إلى مدلول هذا الشعار وانعكاسه على طبيعة الفكرة الناقدة، ونحن نرفض طرح مثل هذا الشعار..

أوّلاً، لأنّنا نعتقد أن العقائد والمبادئ والقوانين المنبثقة عنها، لا تخضع لمقاييس الحدود الجغرافية، بل تخضع لمقياس الحقّ والباطل من جهة، ولمصالح الإنسان ومنافعه أو خسائره ومضارّه من جهة أخرى.

أمّا التراث والحضارة والتّقاليد، فليست لها أية قيمة إذا اصطدمت مع قضية الحق أو مع مصالح الإنسان الحيويّة.. فإنّ الإسلام لا يحترم تراث الآباء والأجداد إذا كان على خلاف الحقّ، لأنّ علاقة الإنسان بآبائه وأجداده، لا تمثّل أيّ معنى كبير في حال الاصطدام بالحقيقة الكبيرة في الحياة.. ولولا هذا، لأمكننا أن نخضع كلّ أمّة لحضارتها القديمة ولتراثها التاريخيّ، ولما استطعنا أن نطرح الرّسالات والمبادئ العالميّة الإنسانيّة في أفكار واحدة وخطوات واحدة وأهداف واحدة..

ويبقى للقضايا الإقليمية والقومية واللّونية بعض ثقافتها وتقاليدها وأوضاعها المستمدّة من طبيعة الأفق المحدود..

وثانياً، إنّ هذا الشعار لا يمانع من الاعتراف بهذا المبدأ في البلاد التي تتناسب مع فلسفته وقوانينه، وتنسجم مع أفكاره وأجوائه، أو في المناطق التي ولد فيها ونما في أرضها ومجتمعها، أما نحن، فنرى أنه لا يمكن الاعتراف به وإقراره في أيّ بلد من البلدان، لأنه لا يتفق مع الأسس الحقيقية لقضايا الإنسان ومصالحه من وجهة نظرنا، كما أنّ الفكرة نفسها ترفض الاعتراف بالإطار الضيّق المحدود الذي يُراد لها وضعها فيه، لأنّها تعتبر نفسها رسالة عالميّة أمميّة. وعلى هذا الأساس، فإن الأسلوب الذي يضع الفكرة في هذا الإطار، ويستخدم هذا الشعار في قضيّة الصّراع، يبتعد عن الأصالة الإسلامية، ويرتبط بقواعد فكرية غير إسلامية، فلا يجوز للدّاعية المسلم أن يمارسه في دعوته.

لماذا تأكيد إسلاميّة الأسلوب؟

إننا نشعر بضرورة تأكيد جانب الأصالة الإسلاميّة في الأسلوب العملي، انطلاقاً من الواقع الّذي يحكم العمل في ميدان الصّراع، لأنّ الساحة قد تجمع اتجاهات كثيرة تلتقي ضدّ هدف واحد، وقد يتعاظم دور البعض من هذه الاتجاهات في حركة الصّراع، بحيث يطبعه بطابعه ويخضعه لطريقة تفكيره. وتبقى الاتجاهات الّتي تملك الدّور الثانويّ الخاضع لعوامل الضّعف الذاتيّ، تتلمّس الطريق من خلال خطوات الفريق الأوّل، فتتأثّر بخطواته تلقائياً، كما ألمحنا إليه في مثالنا المتقدّم الّذي يحاول فيه الكثيرون أن يأخذوا من الكتب الّتي تصدرها دوائر الاستخبارات الأمريكيّة والأوروبيّة، الأساليب العمليّة في نقد الشيوعيّة على الطّريقة التي تتبناها هذه الدوائر، من دون أن ينتبهوا إلى ما في داخلها من عوامل الانحراف الفكريّ والعمليّ.

إنّنا نريد أن نؤكّد أنّ صراعنا مع الشيوعيّة صراع فكريّ، يخضع للعوامل الفكريّة لا لشيء آخر، فعلينا أن نحافظ على سلامة الفكرة في حالة الصّراع، كما نحافظ عليها في خارجه...

*  من "خطوات على طريق الإسلام"

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية