محاضرات
18/10/2023

تكوين الوعي وتشخيص العدو

4 ربيع الثّاني 1445هـ
تكوين الوعي وتشخيص العدو

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[آل عمران: 100-101].
تتعرَّض هاتان الآيتان لمسألة هي من أهمّ المسائل التي يُمكن أن تعترض الإنسان المؤمن في التزاماته، وخصوصاً على المستوى الإيماني الدّيني، حيث يعرض القرآن الكريم ضرورة أن يحذر المؤمنون من كلّ المحاولات التي يقوم بها أعداء دينهم لإضلالهم عنه وحرفهم عن التزامهم، وذلك عن طريق إثارة الرواسب القديمة الكامنة في الأعماق، كالعصبيّة العائليّة والقبليّة والعشائريّة التي تجعل الأساس للعائلة والقبيلة والعشيرة، بحيث يغدو الإسلام مجرَّد حالة طارئة لا تمثِّل أيَّ قوّة ضابطة أو محرّكة للإنسان في الاتجاه السَّليم.
وربَّما نجد الكثير من نماذج صانعي الفتن في الواقع الَّذي يعيشه المسلمون، في ما يريد الكافرون والضالّون أن يثيروه بين المسلمين من خلافات قائمة على العصبيَّة العائليَّة والقوميَّة والإقليميَّة والمذهبيَّة، فيعملون على استثارة كلّ عناصر الإثارة في الماضي والحاضر، من أجل خلق حالةٍ نفسيَّة متوتّرة، توحي بالحقد، وتنذر بالشرّ، وتقود إلى التصادم والتنازع، في خطّةٍ خبيثةٍ تؤدّي إلى تمزّق المسلمين وتفرّقهم، والوصول إلى مواقع الخطر على عزَّتهم وكرامتهم وأصالتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية.
وفي هذا الجوّ، تتحرّك الآيتان لتفتحا عيون المسلمين، في كلِّ زمانٍ ومكان، على أن يحدِّدوا أعداءهم في العقيدة والسياسة والاقتصاد والأمن، وفي سائر مجالات الحياة، وأن يتعرّفوا طبيعة مخطَّطاتهم، وطبيعة الظروف الموضوعيَّة المتحرّكة على السَّاحة، ونوعيَّة القوى المحيطة بهم، والأساليب التي تحرّكها لتضليل المسيرة الإسلاميَّة، إلى جانب معرفتهم بالأسس التي تحميهم من كلِّ هذه المخطَّطات، وذلك بتأكيد نقاط القوَّة لتنميتها وتحريكها في خطِّ المواجهة الصَّعبة، ودراسة نقاط الضَّعف لأجل السَّيطرة عليها، وتحويلها من موقع المعاناة إلى نقاط قوَّة، سواء كانت تلك النقاط فكريَّة أو شعوريَّة أو عمليَّة، ليستطيعوا، من خلال ذلك، الانفتاح على القواعد الثَّابتة التي تحفظ لهم وحدتهم، وتصون لهم دينهم الحقّ، عندما يعرفون سبيل الاعتصام بالله الَّذي يهديهم إلى الصِّراط المستقيم. وبذلك نعرف أنَّ السَّذاجة الفكريَّة، والبساطة العمليَّة اللَّتين تدفعان المسلم إلى الاستسلام لخطط العدوّ من خلال الغفلة عن طبيعته، ليستا من خُلق المسلم الذي يريده الإسلام واعياً للحقّ والفكر والطريق والمجتمع الَّذي من حوله، في كلّ ما لديه من سلبيَّات وإيجابيَّات.
هذا الأمر يفرض على المسلمين أن يتحرّكوا، في كلِّ زمن، ليرتفعوا إلى مستوى المرحلة التاريخيَّة للأمَّة التي تفرض علينا التحرّك في خطّ الوعي الذي يرصد القوى المختلفة، لئلا يختلط علينا الأعداء بالأصدقاء، على أساس انفعالٍ طارئ، أو مشاعر حادّة، أو نظرة خاطئة في تقييم الواقع والنّاس.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ} بالله ورسوله، فعاش الإيمان في وجدانهم فكراً وعقيدةً ومفاهيم منفتحة على الله والإنسان والكون والحياة، وتَحرَّك في قلوبهم عاطفةً متَّصلة بالمشاعر الروحيَّة الخيّرة في حركتها في الجانب الإنساني من علاقة الإنسان المسلم بالآخرين، وانطلق في سلوكهم حركةً مستقيمةً في خطِّ القيم الروحيَّة الإنسانيَّة على صعيد الواقع العملي في الدائرة الأخلاقيَّة العامّة.
{إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ}، وهو الفريق الحاقد المعقّد، الذي يُلاحق تطوّر الدعوة الإسلاميَّة في اتجاه شموليّتها للسَّاحة، بالعمل على تخريب كلّ الأوضاع، وتعقيد كلّ الأعمال، وإثارة كلِّ المشاكل في وجه الإسلام وأهله، ما يجعل من استجابتكم لهذا الفريق، وإطاعتكم لتوجيهاته ونصائحه، استجابةً للضَّلال والانحراف الذي يجرّكم إلى الابتعاد عن الصِّراط المستقيم، لأنَّ كلَّ هدفهم في كلِّ مخطَّطاتهم، أن {يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، ليضعفوا الإسلام بخروج المؤمنين به من الانتماء إليه، ولينفِّسوا عن عقدتهم الذاتيَّة تجاهكم، وإن كانوا لا يواجهونكم بالدَّعوة إلى الكفر في البداية بشكلٍ مباشر، بل يطرحون أمامكم بعض القضايا الجانبيَّة التي تدخل في عداد الأمور المرتبطة بالعلاقات الاجتماعيَّة والعصبيَّات العائليَّة، ما يجعلكم تأمنون الخطر على إيمانكم في البداية. ولكن عليكم أن تعرفوا، أنَّ ذلك يمثِّل الخطَّة الدَّقيقة التي تتدرَّج في خطوطها لتأخذكم على حين غرَّة، لتصل بكم في نهاية الأمر إلى الوقوع في حبائلهم، والسقوط في مخطَّطاتهم، في انحرافكم عن خطِّ الإيمان إلى الكفر.
ثُمَّ تأتي الآية الثَّانية لتثير الإنكار في صيغة الاستفهام، فتتساءل: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}، لتوجِّه المؤمنين إلى عدم الانفصال عن القرآن في مفاهيمه ودلائله وبراهينه وخططه للحياة، وعدم الابتعاد عن الارتباط بقيادتهم الرساليَّة الواعية التي تفتح لهم أبواب الإيمان في ما تفتح لهم من أبواب العلم بالله وبرسالته وشرائعه، فإنَّ ذلك هو السَّبيل إلى الثبات على المبدأ، والشعور بقوّة المواقف وأصالتها.
وإذا أردنا أن نستوحي الفكرة العامّة من هذه الفقرة من الآية، فإنَّنا نلخِّص ذلك في نقطتين تمثّلان القاعدة الثابتة الأصيلة في وسيلة المحافظة على تماسك الأمَّة في عقيدتها أمام مخطَّطات الأعداء، وهما: الارتباط بالفكرة من خلال مصادرها النقيَّة الأصيلة، والارتباط بالقيادة المخلصة الرساليَّة في تخطيطها العملي لحركة الفكرة للحياة، لأنَّ الفكرة وحدها لا تستطيع حماية مسيرة الأمَّة من الانزلاق والانحراف، بل هي بحاجة إلى قيادة تحرّك الفكرة في الخطِّ السَّليم، كما أنَّ القيادة لا تستطيع القيام بدورها الأصيل إذا لـم تكن القاعدة سائرة في خطِّ الفكرة ومؤمنة بقيمتها الفكريَّة والروحيَة في الطريق الطويل.
{وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ}، وذلك بالتمسّك بكتابه ورسوله ورسالته، والانفتاح عليه بالإخلاص والتَّقوى والاستقامة في خطِّه، والوقوف بقوّة في مواجهة التحدّيات الكبرى التي تواجه قضايا المصير، من أجل ردِّ التحدّيات بمثلها، وإطلاق التحدّي في وجه الكفر والاستكبار، وهو الموقف الذي يفرضه الانتماء إلى الإسلام في الفكر والعمل، {فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، لأنَّ الله هو الحقّ، وما يدعون من دونه الباطل. ولذلك فإنَّ الاعتصام به يشير إلى التمسّك بكلّ المفاهيم التي أوحاها إلى رسوله، والسَّير مع كلّ الشرائع التي شرّعها للنّاس على لسانه، والتحرّك نحو كلّ الأهداف الكبيرة في الحياة التي أراد للإنسان أن يسير عليها من خلال وسائله الطاهرة النظيفة، وبذلك تستقيم للإنسان الرؤية الواضحة، والمنهج المحدَّد، والهدف الكبير الذي يبدأ من الله وينتهي إليه، فلا يبقى لديه أيّ شكّ أو ريب أو انحراف، بل هو الطَّريق المستقيم الذي لا عِوَجَ فيه ولا التواء.
وفي هذا الجوّ، نفهم أنَّ الاعتصام بالله ليس كلمةً تُقال، ولكنَّه فكرٌ وخطٌّ وموقفٌ وهدفٌ يحكم حياة الإنسان في مجالاتها الفكريَّة والعمليَّة؛ فإنَّ الإنسان الذي لا يعتصم بالله، يبقى عُرضةً للانحراف، وينساق في الخطوط المتنوّعة والأهواء التي يثيرها الشَّيطان وجنوده في قلب الإنسان.
 
* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[آل عمران: 100-101].
تتعرَّض هاتان الآيتان لمسألة هي من أهمّ المسائل التي يُمكن أن تعترض الإنسان المؤمن في التزاماته، وخصوصاً على المستوى الإيماني الدّيني، حيث يعرض القرآن الكريم ضرورة أن يحذر المؤمنون من كلّ المحاولات التي يقوم بها أعداء دينهم لإضلالهم عنه وحرفهم عن التزامهم، وذلك عن طريق إثارة الرواسب القديمة الكامنة في الأعماق، كالعصبيّة العائليّة والقبليّة والعشائريّة التي تجعل الأساس للعائلة والقبيلة والعشيرة، بحيث يغدو الإسلام مجرَّد حالة طارئة لا تمثِّل أيَّ قوّة ضابطة أو محرّكة للإنسان في الاتجاه السَّليم.
وربَّما نجد الكثير من نماذج صانعي الفتن في الواقع الَّذي يعيشه المسلمون، في ما يريد الكافرون والضالّون أن يثيروه بين المسلمين من خلافات قائمة على العصبيَّة العائليَّة والقوميَّة والإقليميَّة والمذهبيَّة، فيعملون على استثارة كلّ عناصر الإثارة في الماضي والحاضر، من أجل خلق حالةٍ نفسيَّة متوتّرة، توحي بالحقد، وتنذر بالشرّ، وتقود إلى التصادم والتنازع، في خطّةٍ خبيثةٍ تؤدّي إلى تمزّق المسلمين وتفرّقهم، والوصول إلى مواقع الخطر على عزَّتهم وكرامتهم وأصالتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية.
وفي هذا الجوّ، تتحرّك الآيتان لتفتحا عيون المسلمين، في كلِّ زمانٍ ومكان، على أن يحدِّدوا أعداءهم في العقيدة والسياسة والاقتصاد والأمن، وفي سائر مجالات الحياة، وأن يتعرّفوا طبيعة مخطَّطاتهم، وطبيعة الظروف الموضوعيَّة المتحرّكة على السَّاحة، ونوعيَّة القوى المحيطة بهم، والأساليب التي تحرّكها لتضليل المسيرة الإسلاميَّة، إلى جانب معرفتهم بالأسس التي تحميهم من كلِّ هذه المخطَّطات، وذلك بتأكيد نقاط القوَّة لتنميتها وتحريكها في خطِّ المواجهة الصَّعبة، ودراسة نقاط الضَّعف لأجل السَّيطرة عليها، وتحويلها من موقع المعاناة إلى نقاط قوَّة، سواء كانت تلك النقاط فكريَّة أو شعوريَّة أو عمليَّة، ليستطيعوا، من خلال ذلك، الانفتاح على القواعد الثَّابتة التي تحفظ لهم وحدتهم، وتصون لهم دينهم الحقّ، عندما يعرفون سبيل الاعتصام بالله الَّذي يهديهم إلى الصِّراط المستقيم. وبذلك نعرف أنَّ السَّذاجة الفكريَّة، والبساطة العمليَّة اللَّتين تدفعان المسلم إلى الاستسلام لخطط العدوّ من خلال الغفلة عن طبيعته، ليستا من خُلق المسلم الذي يريده الإسلام واعياً للحقّ والفكر والطريق والمجتمع الَّذي من حوله، في كلّ ما لديه من سلبيَّات وإيجابيَّات.
هذا الأمر يفرض على المسلمين أن يتحرّكوا، في كلِّ زمن، ليرتفعوا إلى مستوى المرحلة التاريخيَّة للأمَّة التي تفرض علينا التحرّك في خطّ الوعي الذي يرصد القوى المختلفة، لئلا يختلط علينا الأعداء بالأصدقاء، على أساس انفعالٍ طارئ، أو مشاعر حادّة، أو نظرة خاطئة في تقييم الواقع والنّاس.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ} بالله ورسوله، فعاش الإيمان في وجدانهم فكراً وعقيدةً ومفاهيم منفتحة على الله والإنسان والكون والحياة، وتَحرَّك في قلوبهم عاطفةً متَّصلة بالمشاعر الروحيَّة الخيّرة في حركتها في الجانب الإنساني من علاقة الإنسان المسلم بالآخرين، وانطلق في سلوكهم حركةً مستقيمةً في خطِّ القيم الروحيَّة الإنسانيَّة على صعيد الواقع العملي في الدائرة الأخلاقيَّة العامّة.
{إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ}، وهو الفريق الحاقد المعقّد، الذي يُلاحق تطوّر الدعوة الإسلاميَّة في اتجاه شموليّتها للسَّاحة، بالعمل على تخريب كلّ الأوضاع، وتعقيد كلّ الأعمال، وإثارة كلِّ المشاكل في وجه الإسلام وأهله، ما يجعل من استجابتكم لهذا الفريق، وإطاعتكم لتوجيهاته ونصائحه، استجابةً للضَّلال والانحراف الذي يجرّكم إلى الابتعاد عن الصِّراط المستقيم، لأنَّ كلَّ هدفهم في كلِّ مخطَّطاتهم، أن {يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، ليضعفوا الإسلام بخروج المؤمنين به من الانتماء إليه، ولينفِّسوا عن عقدتهم الذاتيَّة تجاهكم، وإن كانوا لا يواجهونكم بالدَّعوة إلى الكفر في البداية بشكلٍ مباشر، بل يطرحون أمامكم بعض القضايا الجانبيَّة التي تدخل في عداد الأمور المرتبطة بالعلاقات الاجتماعيَّة والعصبيَّات العائليَّة، ما يجعلكم تأمنون الخطر على إيمانكم في البداية. ولكن عليكم أن تعرفوا، أنَّ ذلك يمثِّل الخطَّة الدَّقيقة التي تتدرَّج في خطوطها لتأخذكم على حين غرَّة، لتصل بكم في نهاية الأمر إلى الوقوع في حبائلهم، والسقوط في مخطَّطاتهم، في انحرافكم عن خطِّ الإيمان إلى الكفر.
ثُمَّ تأتي الآية الثَّانية لتثير الإنكار في صيغة الاستفهام، فتتساءل: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}، لتوجِّه المؤمنين إلى عدم الانفصال عن القرآن في مفاهيمه ودلائله وبراهينه وخططه للحياة، وعدم الابتعاد عن الارتباط بقيادتهم الرساليَّة الواعية التي تفتح لهم أبواب الإيمان في ما تفتح لهم من أبواب العلم بالله وبرسالته وشرائعه، فإنَّ ذلك هو السَّبيل إلى الثبات على المبدأ، والشعور بقوّة المواقف وأصالتها.
وإذا أردنا أن نستوحي الفكرة العامّة من هذه الفقرة من الآية، فإنَّنا نلخِّص ذلك في نقطتين تمثّلان القاعدة الثابتة الأصيلة في وسيلة المحافظة على تماسك الأمَّة في عقيدتها أمام مخطَّطات الأعداء، وهما: الارتباط بالفكرة من خلال مصادرها النقيَّة الأصيلة، والارتباط بالقيادة المخلصة الرساليَّة في تخطيطها العملي لحركة الفكرة للحياة، لأنَّ الفكرة وحدها لا تستطيع حماية مسيرة الأمَّة من الانزلاق والانحراف، بل هي بحاجة إلى قيادة تحرّك الفكرة في الخطِّ السَّليم، كما أنَّ القيادة لا تستطيع القيام بدورها الأصيل إذا لـم تكن القاعدة سائرة في خطِّ الفكرة ومؤمنة بقيمتها الفكريَّة والروحيَة في الطريق الطويل.
{وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ}، وذلك بالتمسّك بكتابه ورسوله ورسالته، والانفتاح عليه بالإخلاص والتَّقوى والاستقامة في خطِّه، والوقوف بقوّة في مواجهة التحدّيات الكبرى التي تواجه قضايا المصير، من أجل ردِّ التحدّيات بمثلها، وإطلاق التحدّي في وجه الكفر والاستكبار، وهو الموقف الذي يفرضه الانتماء إلى الإسلام في الفكر والعمل، {فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، لأنَّ الله هو الحقّ، وما يدعون من دونه الباطل. ولذلك فإنَّ الاعتصام به يشير إلى التمسّك بكلّ المفاهيم التي أوحاها إلى رسوله، والسَّير مع كلّ الشرائع التي شرّعها للنّاس على لسانه، والتحرّك نحو كلّ الأهداف الكبيرة في الحياة التي أراد للإنسان أن يسير عليها من خلال وسائله الطاهرة النظيفة، وبذلك تستقيم للإنسان الرؤية الواضحة، والمنهج المحدَّد، والهدف الكبير الذي يبدأ من الله وينتهي إليه، فلا يبقى لديه أيّ شكّ أو ريب أو انحراف، بل هو الطَّريق المستقيم الذي لا عِوَجَ فيه ولا التواء.
وفي هذا الجوّ، نفهم أنَّ الاعتصام بالله ليس كلمةً تُقال، ولكنَّه فكرٌ وخطٌّ وموقفٌ وهدفٌ يحكم حياة الإنسان في مجالاتها الفكريَّة والعمليَّة؛ فإنَّ الإنسان الذي لا يعتصم بالله، يبقى عُرضةً للانحراف، وينساق في الخطوط المتنوّعة والأهواء التي يثيرها الشَّيطان وجنوده في قلب الإنسان.
 
* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية