مختارات
13/03/2016

السيّد وانفجار بئر العبد

السيّد وانفجار بئر العبد

بعد الغزو الصّهيوني للبنان العام 1982، دخل العالم العربيّ عامّة، وفلسطين ولبنان خاصّة، مرحلة جديدة سماها البعض مرحلة العصر الإسرائيليّ، محاولاً فرض اتفاقيَّة "سلام" على لبنان، تحت ظلال الحراب والبنادق والدّبّابات الأميركية الصّنع، فارضاً تشكيل وفد لبنانيّ مصغّر للاجتماع به في خلدة، لفرض شروطه، وكانت أهمّ نتائجها سلخ لبنان عن عالمه العربيّ، وترسيخ الحالة الشاذّة التي كانت قائمةً على جزءٍ من الجنوب اللّبنانيّ المحتلّ في العام 1978، وفتح بوابة حدوديّة سميت "الجدار الطيّب"، لتبادل البضائع وإعطاء تصاريح للّبنانيّين والفلسطينيّين الراغبين بزيارة فلسطين المحتلّة.

في الوقت ذاته، كان هناك من يجهّز لانطلاق عصرٍ آخر هو عصر العمليات الفدائية، لإفشال مخطّطات العدوّ، العسكريّة منها والسياسيّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة، وبدأت عمليّات المقاومة الوطنية والإسلامية تتزايد يوماً بعد يوم، من بيروت العاصمة إلى كلّ لبنان، وبخاصَّة المناطق المحرّرة التي كانت دائماً الخزّان البشري للمقاومة الفلسطينيَّة واللبنانيّة من الشمال والبقاع، لما يتمتّع به أهلها من مزايا الإقدام والشجاعة والشهامة ونصرة المحروم والمظلوم من أرضه وفي أرضه.

ما بين العام 1982 وعام التحرير الأوّل العام 1985، كانت هناك أصوات تصدح في دعم المقاومة ومدّها بالدعم المعنويّ والماديّ والسياسيّ، ومن هذه الأصوات، كان صوت السيّد محمد حسين فضل الله(رحمه الله)، ولذلك كان هناك من يعمل سراً لإسكات صوته بعد الاعتصام الشّهير في مسجد الإمام الرّضا في 17/5/1983، وكان السيّد فضل الله أحد أبرز المشاركين فيه.

استمرَّت المكائد صنيعة الحقد على جميع الدّاعمين لشتّى أنواع العمل المقاوم في فلسطين ولبنان، وولّدت الأفكار الخبيثة إعداد مشروع عمليّة حيكت خيوطها جيداً في الولايات المتّحدة الأميركيّة بين المخابرات المركزية الأميركيّة والسعودي بندر بن سلطان، وشارك فيها عدة أشخاص لبنانيّين، ونسوا تماماً أنَّ للمسجد والمصلّين ربٌّ يحميهم، وكان تنفيذ الجريمة بعد ظهر يوم الجمعة في 8 آذار من العام 1985، ارتفع فيها أكثر من ثمانين شهيداً و240 جريحاً معظمهم من النّساء، ومردّ ذلك إلى أنَّ فترة ما بعد صلاة الجمعة كانت مخصّصةً لهنّ، للإجابة عن الأسئلة والاستفتاءات حول المرأة في الفقه الإسلاميّ.

ما بين المنزل المتواضع للسيّد فضل الله والمسجد، حوالى 500 متر في خطّ متوازٍ، وقد تحوَّلت بفعل الانفجار الضّخم إلى ركام لم يسلم منه البشر والشّجر والحجر، من شدّة عصف الانفجار الَّذي تردَّدت أصداؤه في الضّاحية الجنوبيّة والعاصمة بيروت، وبدأ المحبّون بالتّقاطر إلى منطقة بئر العبد من كلّ حدبٍ وصوب، للاطمئنان إلى السيِّد والأقارب والجيران. وفي لحظةٍ عجز الكثيرون عن وصفها بدقّة، خرج السيّد فضل الله مطمئِناً ومطمئنّاً إلى أحبّائه وجيرانه وأقاربه، وعلت الأصوات بالتّكبير والحمد، وتحوَّلت منطقة الانفجار إلى مظاهر مؤيّدة لنهج المقاومة وسيِّد الدّاعمين لها.

منذ بداية الثّمانينات، كنت محافظاً على صلاة الجمعة بإمامة السيّد فضل الله، وبعد التعرّف إلى الشّيخ ماهر حمود، عضو تجمّع العلماء المسلمين سابقاً، ورئيس اتحاد علماء المقاومة حالياً، انقسم حضوري إلى صلاة الجمعة بين مسجد الإمام الرّضا ومسجد الحوري في الجامعة العربيّة. وبعد سماع خبر وقوع الانفجار، توجَّهت مع الشّيخ حمود إلى منزل السيّد فضل الله، وكان اللّقاء الشخصي الأوّل، ما زاد احترامي وإعجابي بشخصه الكريم، لما رأيت من قوّةٍ وصلابةٍ في الموقف بعد محاولة الاغتيال مباشرةً، وهي للمناسبة ليست الأولى. وفي طريق العودة، سمعت من الشّيخ حمود موقفاً قال فيه: "لقد ازداد يقيني بالنّصر على العدوّ الصّهيوني ومن معه بفعل دماء الشّهداء وعذابات الجرحى".

تفاصيل هذه الجريمة الّتي جاءت بعد أقلّ من شهر من التّحرير الأوّل في شهر شباط من العام 1985، ذكرها الكاتب الأميركي بوب وود وورد، واسمه الحقيقيّ روبرت بيشور وودرد، في كتابه: "الحجاب ـ الحروب السريّة للمخابرات الأميركيّة بين العامين 1981 و 1987"، يؤكّد فيه، نقلاً عن الوثائق الأميركيّة التي حصل عليها، "أنَّ بندر بن سلطان حوَّل مبلغ 3 ملايين دولار أميركيّ إلى حساب مصرفيّ سريّ في سويسرا، لتمويل عمليّة اغتيال السيّد فضل الله بعد الاتّفاق عليها بين الطّرفين الأميركيّ ـ السّعوديّ"، ويشير الكاتب الأميركي الشَّهير إلى أنَّ بندر أصيب بمغصٍ في معدته عندما فشلت العمليَّة. ترى هل تؤكّد أحداث اليوم أخبار الأمس؟!

المصدر: موقع إنباء الإخباري

*إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

بعد الغزو الصّهيوني للبنان العام 1982، دخل العالم العربيّ عامّة، وفلسطين ولبنان خاصّة، مرحلة جديدة سماها البعض مرحلة العصر الإسرائيليّ، محاولاً فرض اتفاقيَّة "سلام" على لبنان، تحت ظلال الحراب والبنادق والدّبّابات الأميركية الصّنع، فارضاً تشكيل وفد لبنانيّ مصغّر للاجتماع به في خلدة، لفرض شروطه، وكانت أهمّ نتائجها سلخ لبنان عن عالمه العربيّ، وترسيخ الحالة الشاذّة التي كانت قائمةً على جزءٍ من الجنوب اللّبنانيّ المحتلّ في العام 1978، وفتح بوابة حدوديّة سميت "الجدار الطيّب"، لتبادل البضائع وإعطاء تصاريح للّبنانيّين والفلسطينيّين الراغبين بزيارة فلسطين المحتلّة.

في الوقت ذاته، كان هناك من يجهّز لانطلاق عصرٍ آخر هو عصر العمليات الفدائية، لإفشال مخطّطات العدوّ، العسكريّة منها والسياسيّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة، وبدأت عمليّات المقاومة الوطنية والإسلامية تتزايد يوماً بعد يوم، من بيروت العاصمة إلى كلّ لبنان، وبخاصَّة المناطق المحرّرة التي كانت دائماً الخزّان البشري للمقاومة الفلسطينيَّة واللبنانيّة من الشمال والبقاع، لما يتمتّع به أهلها من مزايا الإقدام والشجاعة والشهامة ونصرة المحروم والمظلوم من أرضه وفي أرضه.

ما بين العام 1982 وعام التحرير الأوّل العام 1985، كانت هناك أصوات تصدح في دعم المقاومة ومدّها بالدعم المعنويّ والماديّ والسياسيّ، ومن هذه الأصوات، كان صوت السيّد محمد حسين فضل الله(رحمه الله)، ولذلك كان هناك من يعمل سراً لإسكات صوته بعد الاعتصام الشّهير في مسجد الإمام الرّضا في 17/5/1983، وكان السيّد فضل الله أحد أبرز المشاركين فيه.

استمرَّت المكائد صنيعة الحقد على جميع الدّاعمين لشتّى أنواع العمل المقاوم في فلسطين ولبنان، وولّدت الأفكار الخبيثة إعداد مشروع عمليّة حيكت خيوطها جيداً في الولايات المتّحدة الأميركيّة بين المخابرات المركزية الأميركيّة والسعودي بندر بن سلطان، وشارك فيها عدة أشخاص لبنانيّين، ونسوا تماماً أنَّ للمسجد والمصلّين ربٌّ يحميهم، وكان تنفيذ الجريمة بعد ظهر يوم الجمعة في 8 آذار من العام 1985، ارتفع فيها أكثر من ثمانين شهيداً و240 جريحاً معظمهم من النّساء، ومردّ ذلك إلى أنَّ فترة ما بعد صلاة الجمعة كانت مخصّصةً لهنّ، للإجابة عن الأسئلة والاستفتاءات حول المرأة في الفقه الإسلاميّ.

ما بين المنزل المتواضع للسيّد فضل الله والمسجد، حوالى 500 متر في خطّ متوازٍ، وقد تحوَّلت بفعل الانفجار الضّخم إلى ركام لم يسلم منه البشر والشّجر والحجر، من شدّة عصف الانفجار الَّذي تردَّدت أصداؤه في الضّاحية الجنوبيّة والعاصمة بيروت، وبدأ المحبّون بالتّقاطر إلى منطقة بئر العبد من كلّ حدبٍ وصوب، للاطمئنان إلى السيِّد والأقارب والجيران. وفي لحظةٍ عجز الكثيرون عن وصفها بدقّة، خرج السيّد فضل الله مطمئِناً ومطمئنّاً إلى أحبّائه وجيرانه وأقاربه، وعلت الأصوات بالتّكبير والحمد، وتحوَّلت منطقة الانفجار إلى مظاهر مؤيّدة لنهج المقاومة وسيِّد الدّاعمين لها.

منذ بداية الثّمانينات، كنت محافظاً على صلاة الجمعة بإمامة السيّد فضل الله، وبعد التعرّف إلى الشّيخ ماهر حمود، عضو تجمّع العلماء المسلمين سابقاً، ورئيس اتحاد علماء المقاومة حالياً، انقسم حضوري إلى صلاة الجمعة بين مسجد الإمام الرّضا ومسجد الحوري في الجامعة العربيّة. وبعد سماع خبر وقوع الانفجار، توجَّهت مع الشّيخ حمود إلى منزل السيّد فضل الله، وكان اللّقاء الشخصي الأوّل، ما زاد احترامي وإعجابي بشخصه الكريم، لما رأيت من قوّةٍ وصلابةٍ في الموقف بعد محاولة الاغتيال مباشرةً، وهي للمناسبة ليست الأولى. وفي طريق العودة، سمعت من الشّيخ حمود موقفاً قال فيه: "لقد ازداد يقيني بالنّصر على العدوّ الصّهيوني ومن معه بفعل دماء الشّهداء وعذابات الجرحى".

تفاصيل هذه الجريمة الّتي جاءت بعد أقلّ من شهر من التّحرير الأوّل في شهر شباط من العام 1985، ذكرها الكاتب الأميركي بوب وود وورد، واسمه الحقيقيّ روبرت بيشور وودرد، في كتابه: "الحجاب ـ الحروب السريّة للمخابرات الأميركيّة بين العامين 1981 و 1987"، يؤكّد فيه، نقلاً عن الوثائق الأميركيّة التي حصل عليها، "أنَّ بندر بن سلطان حوَّل مبلغ 3 ملايين دولار أميركيّ إلى حساب مصرفيّ سريّ في سويسرا، لتمويل عمليّة اغتيال السيّد فضل الله بعد الاتّفاق عليها بين الطّرفين الأميركيّ ـ السّعوديّ"، ويشير الكاتب الأميركي الشَّهير إلى أنَّ بندر أصيب بمغصٍ في معدته عندما فشلت العمليَّة. ترى هل تؤكّد أحداث اليوم أخبار الأمس؟!

المصدر: موقع إنباء الإخباري

*إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية