مختارات
14/04/2016

نهج علي وثقافة اللّعن

نهج علي وثقافة اللّعن
  عندما نريد أن نلتحق بمدرسة عليّ(ع)، فإننا نلتحق بمدرسة الإسلام، فعليّ يريدنا أن نعيش في رحاب الله عزّ وجلَّ. وأن ننشأ في مدرسة عليّ، وننهل من روح عليّ، يعني أن نتحمّل المسؤوليّة في كلّ أبعادها، أن نكون الأمّ الَّتي تحتضن ابنها ويرقّ قلبها عليه، وإن كان عاقّاً بها، لأنّ تشيّع عليّ يعني نضج الفكر في عمق العقل والوجدان.

  وما يهمّنا هنا، هو موقف عليّ(ع) من السّبّ واللّعن، لأننا نرتقي ونسمو كلَّما التزمنا بنهجه، لأنّ ثقافة التعرّض للآخرين هي ثقافة جاهليَّة، وليست ثقافة إسلاميَّة، فقد شكا رجل لرسول الله(ص) أبا ذرّ، أنّه يعيّره بأمّه أنها أعجميّة، فلقيه رسول الله(ص) فقال له: "يا أبا ذرّ، إنّك امرؤ فيك الجاهليّة"1، والإسلام جاء لينتشلنا من الجاهليَّة، فالتَّعيير والانتقاص من النّاس بسبب انتمائهم ونسبهم، لا يتناسب مع الشّريعة السّمحاء الَّتي أتت لتتمّم مكارم الأخلاق، وتبني مجتمعاً صالحاً يحترم الآخر مهما كان انتماؤه ونسبه، وميزان التفريق هو التقوى.

  ربما من نلعنه ونشتمه هو خارج ومطرود من الرّحمة الإلهيّة ومحروم منها، فأهل الشّام مثلاً قد خرجوا على خليفة المسلمين وأمير المؤمنين بإجماع المسلمين، فهل هؤلاء لا يستحقّون اللعن!؟ ومن يدخل الأمة في الحروب ويتسبّب بقتل صحابة رسول الله، ألا يستحقّ اللعن!؟ وهم الّذين كانوا يسبون علياً على منابرهم عشرات السنين، لماذا لا نلعنهم ونلعن كل من آذى رسول الله وأهل بيته(ع)؟ وهل كان أهل البيت يلعنون ويشتمون أعداءهم؟! يقول العلامة الحلّي: "أدب أئمّة أهل البيت(ع) وشيعتهم ليس هو اللّعن والسّبّ"2، ولنرَ ما يقول عليّ(ع) في هذا المجال.

  لمّا أراد عليّ(ع) المسير إلى أهل الشّام، دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار، فحمد الله وأثنى عليه وقال: "أمّا بعد، فإنّكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، مباركو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى عدوّنا وعدوكم، فأشيروا علينا برأيكم". فجعلوا يقومون واحداً بعد واحد، ويبذلون الطّاعة والنّصر3. وبعدها، خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران البراءة من أهل الشّام ويلعنان، فأرسل إليهم عليّ أن كفّا عمّا يبلغني عنكما، فأتياه فقالا: "يا أمير المؤمنين، ألسنا محقّين؟ قال: بلى. قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين، تشتمون وتتبرّؤون، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم، فقلتم: اللّهمّ من سيرتهم كذا وكذا، ومن عملهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، ولو قلتم مكان لعنكم إيّاهم وبراءتكم منهم: اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحقّ منهم من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به، كان هذا أحبّ إليّ وخيراً لكم. فقالا: يا أمير المؤمنين، نقبل عظتك، ونتأدَّب بأدبك"4.

   هذه فتوى بخطّ أمير المؤمنين(ع) وإمضائه لكلّ شيعته ومحبّيه على مدى الزّمن، أن لا ينتهجوا منهج اللّعن والشّتم، فهم لم يلعنوا ويشتموا أمام أهل الشّام علناً، بل كان ذلك بينهم، ورغم ذلك نهاهم عليّ عن ذلك، فكيف بمن يخرج على الفضائيّات ويكتب، ويدخل في جدال على أساس اللّعن والشّتم والسبّ مع من يختلف معه؟! يا ترى هل هؤلاء ملتزمون بنهج عليّ؟! ما أكثر المتغنّين باسم علي والمتبنّين الدّفاع عنه وهم أبعد النّاس عن نهجه ومدرسته! فعلينا أن نترفَّع عن اللّعن والسبّ، وإن كنّا نعتقد أنّنا على حقّ وهم على باطل، وكم أدخلتنا هذه الثّقافة في أتون الحرب والشقاق، وكنّا سبباً في تنفير الكثير من المسلمين عن مدرسة عليّ وآله، ولكنّنا لو ذكرنا أفعالهم وأعمالهم لكان أصوب وأبلغ!

  ما تكليفنا تجاه من ظلم أهل البيت(ع)؟
  إنَّ تكليفنا تجاه من ظلم الإمام عليّاً وأهل بيته، قد حدَّده لنا الإمام، عندما قال: ".. ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم"، أن نبيّن للنّاس ظلامة أهل البيت(ع)، من خلال ما تحرَّك فيه أعداؤهم من ظلمٍ تجاههم، وأن نعرّي كلّ ما يتغطّون به من زيف، حتى يعرف النّاس حقيقتهم، فنحن لن نستطيع أن نفتح العقول قبل أن نفتح القلوب، فعندما نخلق حاجزاً بينناً وبين المسلمين الَّذين لم يطّلعوا على ما أصاب أهل البيت(ع)، من خلال التعرّض للشّخصيّات الّتي يعتبرونها تحمل شيئاً من القداسة، فإنّنا لن نستطيع أن نبيّن لهم ما حلَّ بآل بيت رسول الله(ص)، ولأنَّ ثقافة القرآن الكريم لم تدعُ إلى التعرّض والنّيل من الّذين يختلفون معنا، بل أن ندفع بالّتي هي أحسن، وأن ننفتح عليهم، وأن ندعوهم للبحث معاً عن الحقيقة، من دون أن نشعرهم بأنّنا نملك الحقيقة المطلقة، وأنهم في موقع الضّلال والخطأ، هكذا نستطيع أن نجعل العالم ينفتح على أهل البيت، وأن يعيش فكرهم، وينتهج نهجهم، ويبتعد عن عدوّهم.

  نهج عليّ من نهج رسول الله(ص)
  في الحديث عن رسول الله(ص): "إنّي لم أُبْعث لعّاناً، وإنَّما بُعِثْت رحمة"5، وفي حديثٍ آخر عنه(ص): "لا يكون المؤمن لعّاناً"6، واللَّعن في القرآن الكريم موجَّه على نحو العنوان العامّ، وليس إلى الأشخاص، لأنَّ القضيَّة ليست قضيَّة شخصيَّة في هذا المجال، بل هي مسألة مبدأ، قال تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}7، وقال: {إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً}8، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}9.

  فحقيقة اللّعن القرآنيّ هو اللَّعن العمليّ، أن نتحرَّك في مواجهة الظلم، وأن ننصر المظلومين والمستضعفين، وأن لا نظلم أنفسنا من خلال ابتعادنا عن الله عزَّ وجلَّ، فاللَّعن ليس لقلقة لسان تقال، ولعلَّ البعض يلعن الظّالم، وهو عند الله من الظّالمين، ويلعن الشَّخصيَّة الفلانيَّة، ويحشر يوم القيامة معها، لأنّه تحرّك في ما تحركت فيه، ولم يكن أقلّ ظلماً منها.

  إذاً، فاللّعن على المستوى اللّفظيّ لا يتناسب مع شخصيَّة الإنسان المؤمن، بل نتعلَّم من رسول الله(ص) الرّحمة حتى مع الّذين يعيشون الظّلم، وليكن شعارنا مقتبساً من شعاره حين دخل مكّة المكرّمة فاتحاً: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة"، فنحن لا توجد لدينا مشكلة مع الشخص في ذاته، بل مشكلتنا مع أفعاله، فلعننا وتبرّينا ليس لشخصه بل لفعله، فربما يرجع ويتوب الله عليه، ولا يكون في دائرة اللّعن، فنفتح معه قنوات التواصل، ويكون واحداً منا، وقد زال منه ما أوجب الابتعاد عنه أو إقصاءه ولعنه، وهذا ما نتعلَّمه من دعاء الأمير(ع): "ولو قلتم... اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحقّ منهم من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به، كان هذا أحبَّ إليَّ وخيراً لكم". إذاً، لنعِش ثقافة الدّعاء لمن ضلَّ عن الحقّ، ولنحقن الدّماء، ولنصلح ذات البين، لأنَّنا جميعاً يجمعنا الدّين، فهذه هي وصيّة عليّ لشيعته، ويحب أن يراهم هكذا، لأنَّ في ذلك خيراً لهم وللإسلام.

  وينقل عن الإمام الباقر(ع) أنّه قال: "إنَّ في التّوراة مكتوباً فيما ناجى الله تعالى به موسى(ع)، قال له: يا موسى، اكتم مكنون سرّي في سريرتك، وأظهر في علانيتك المداراة عني لعدوّي وعدوّك من خلقي، ولا تستسبّ لي عندهم بإظهارك مكنون سرّي، فتشرك عدوّي وعدوّك في سبّي"10، فليس كلّ ما يكون في القلب يستحقّ أن يخرج عن طريق اللّسان، بل لنكتم ولنبتعد عن كلّ ما لا يرتقي مع المؤمن المنتمي إلى مدرسة عليّ(ع)، فعليّ يكلّفنا تكليفاً شرعيّاً أن نكون الأتقياء الذين يحملون ورعاً وروحانيّةً لا تلتقي معها ثقافة الشّتم واللّعن، ولندعُ بالهداية ومعرفة الحقّ، ولنحقن دماء المسلمين، فهذا هو ما يحبّه عليّ(ع).
  
   *إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

1  ميزان الحكمة، محمد الرّيشهري، ج 3، ص 2213.
2  قواعد الأحكام، ج 1، ص 121.
3  أعيان الشّيعة، السيّد محسن الأمين، ج 4، ص 572.
4  وقعة صفّين، نصر بن مزاحم المنقريي، ج 1، ص 103.
5  ميزان الحكمة، ج 4، ص 2784).
6  المصدر نفسه، ج 10، ص 272).
7  [هود: 18].
8  [الأحزاب: 64].
9  [الأحزاب: 57].
10  مستدرك الوسائل، الميرزا النّوري، ج 12، ص307.
  عندما نريد أن نلتحق بمدرسة عليّ(ع)، فإننا نلتحق بمدرسة الإسلام، فعليّ يريدنا أن نعيش في رحاب الله عزّ وجلَّ. وأن ننشأ في مدرسة عليّ، وننهل من روح عليّ، يعني أن نتحمّل المسؤوليّة في كلّ أبعادها، أن نكون الأمّ الَّتي تحتضن ابنها ويرقّ قلبها عليه، وإن كان عاقّاً بها، لأنّ تشيّع عليّ يعني نضج الفكر في عمق العقل والوجدان.

  وما يهمّنا هنا، هو موقف عليّ(ع) من السّبّ واللّعن، لأننا نرتقي ونسمو كلَّما التزمنا بنهجه، لأنّ ثقافة التعرّض للآخرين هي ثقافة جاهليَّة، وليست ثقافة إسلاميَّة، فقد شكا رجل لرسول الله(ص) أبا ذرّ، أنّه يعيّره بأمّه أنها أعجميّة، فلقيه رسول الله(ص) فقال له: "يا أبا ذرّ، إنّك امرؤ فيك الجاهليّة"1، والإسلام جاء لينتشلنا من الجاهليَّة، فالتَّعيير والانتقاص من النّاس بسبب انتمائهم ونسبهم، لا يتناسب مع الشّريعة السّمحاء الَّتي أتت لتتمّم مكارم الأخلاق، وتبني مجتمعاً صالحاً يحترم الآخر مهما كان انتماؤه ونسبه، وميزان التفريق هو التقوى.

  ربما من نلعنه ونشتمه هو خارج ومطرود من الرّحمة الإلهيّة ومحروم منها، فأهل الشّام مثلاً قد خرجوا على خليفة المسلمين وأمير المؤمنين بإجماع المسلمين، فهل هؤلاء لا يستحقّون اللعن!؟ ومن يدخل الأمة في الحروب ويتسبّب بقتل صحابة رسول الله، ألا يستحقّ اللعن!؟ وهم الّذين كانوا يسبون علياً على منابرهم عشرات السنين، لماذا لا نلعنهم ونلعن كل من آذى رسول الله وأهل بيته(ع)؟ وهل كان أهل البيت يلعنون ويشتمون أعداءهم؟! يقول العلامة الحلّي: "أدب أئمّة أهل البيت(ع) وشيعتهم ليس هو اللّعن والسّبّ"2، ولنرَ ما يقول عليّ(ع) في هذا المجال.

  لمّا أراد عليّ(ع) المسير إلى أهل الشّام، دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار، فحمد الله وأثنى عليه وقال: "أمّا بعد، فإنّكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، مباركو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير إلى عدوّنا وعدوكم، فأشيروا علينا برأيكم". فجعلوا يقومون واحداً بعد واحد، ويبذلون الطّاعة والنّصر3. وبعدها، خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران البراءة من أهل الشّام ويلعنان، فأرسل إليهم عليّ أن كفّا عمّا يبلغني عنكما، فأتياه فقالا: "يا أمير المؤمنين، ألسنا محقّين؟ قال: بلى. قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين، تشتمون وتتبرّؤون، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم، فقلتم: اللّهمّ من سيرتهم كذا وكذا، ومن عملهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، ولو قلتم مكان لعنكم إيّاهم وبراءتكم منهم: اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحقّ منهم من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به، كان هذا أحبّ إليّ وخيراً لكم. فقالا: يا أمير المؤمنين، نقبل عظتك، ونتأدَّب بأدبك"4.

   هذه فتوى بخطّ أمير المؤمنين(ع) وإمضائه لكلّ شيعته ومحبّيه على مدى الزّمن، أن لا ينتهجوا منهج اللّعن والشّتم، فهم لم يلعنوا ويشتموا أمام أهل الشّام علناً، بل كان ذلك بينهم، ورغم ذلك نهاهم عليّ عن ذلك، فكيف بمن يخرج على الفضائيّات ويكتب، ويدخل في جدال على أساس اللّعن والشّتم والسبّ مع من يختلف معه؟! يا ترى هل هؤلاء ملتزمون بنهج عليّ؟! ما أكثر المتغنّين باسم علي والمتبنّين الدّفاع عنه وهم أبعد النّاس عن نهجه ومدرسته! فعلينا أن نترفَّع عن اللّعن والسبّ، وإن كنّا نعتقد أنّنا على حقّ وهم على باطل، وكم أدخلتنا هذه الثّقافة في أتون الحرب والشقاق، وكنّا سبباً في تنفير الكثير من المسلمين عن مدرسة عليّ وآله، ولكنّنا لو ذكرنا أفعالهم وأعمالهم لكان أصوب وأبلغ!

  ما تكليفنا تجاه من ظلم أهل البيت(ع)؟
  إنَّ تكليفنا تجاه من ظلم الإمام عليّاً وأهل بيته، قد حدَّده لنا الإمام، عندما قال: ".. ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم"، أن نبيّن للنّاس ظلامة أهل البيت(ع)، من خلال ما تحرَّك فيه أعداؤهم من ظلمٍ تجاههم، وأن نعرّي كلّ ما يتغطّون به من زيف، حتى يعرف النّاس حقيقتهم، فنحن لن نستطيع أن نفتح العقول قبل أن نفتح القلوب، فعندما نخلق حاجزاً بينناً وبين المسلمين الَّذين لم يطّلعوا على ما أصاب أهل البيت(ع)، من خلال التعرّض للشّخصيّات الّتي يعتبرونها تحمل شيئاً من القداسة، فإنّنا لن نستطيع أن نبيّن لهم ما حلَّ بآل بيت رسول الله(ص)، ولأنَّ ثقافة القرآن الكريم لم تدعُ إلى التعرّض والنّيل من الّذين يختلفون معنا، بل أن ندفع بالّتي هي أحسن، وأن ننفتح عليهم، وأن ندعوهم للبحث معاً عن الحقيقة، من دون أن نشعرهم بأنّنا نملك الحقيقة المطلقة، وأنهم في موقع الضّلال والخطأ، هكذا نستطيع أن نجعل العالم ينفتح على أهل البيت، وأن يعيش فكرهم، وينتهج نهجهم، ويبتعد عن عدوّهم.

  نهج عليّ من نهج رسول الله(ص)
  في الحديث عن رسول الله(ص): "إنّي لم أُبْعث لعّاناً، وإنَّما بُعِثْت رحمة"5، وفي حديثٍ آخر عنه(ص): "لا يكون المؤمن لعّاناً"6، واللَّعن في القرآن الكريم موجَّه على نحو العنوان العامّ، وليس إلى الأشخاص، لأنَّ القضيَّة ليست قضيَّة شخصيَّة في هذا المجال، بل هي مسألة مبدأ، قال تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}7، وقال: {إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً}8، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}9.

  فحقيقة اللّعن القرآنيّ هو اللَّعن العمليّ، أن نتحرَّك في مواجهة الظلم، وأن ننصر المظلومين والمستضعفين، وأن لا نظلم أنفسنا من خلال ابتعادنا عن الله عزَّ وجلَّ، فاللَّعن ليس لقلقة لسان تقال، ولعلَّ البعض يلعن الظّالم، وهو عند الله من الظّالمين، ويلعن الشَّخصيَّة الفلانيَّة، ويحشر يوم القيامة معها، لأنّه تحرّك في ما تحركت فيه، ولم يكن أقلّ ظلماً منها.

  إذاً، فاللّعن على المستوى اللّفظيّ لا يتناسب مع شخصيَّة الإنسان المؤمن، بل نتعلَّم من رسول الله(ص) الرّحمة حتى مع الّذين يعيشون الظّلم، وليكن شعارنا مقتبساً من شعاره حين دخل مكّة المكرّمة فاتحاً: "اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان الحرمة"، فنحن لا توجد لدينا مشكلة مع الشخص في ذاته، بل مشكلتنا مع أفعاله، فلعننا وتبرّينا ليس لشخصه بل لفعله، فربما يرجع ويتوب الله عليه، ولا يكون في دائرة اللّعن، فنفتح معه قنوات التواصل، ويكون واحداً منا، وقد زال منه ما أوجب الابتعاد عنه أو إقصاءه ولعنه، وهذا ما نتعلَّمه من دعاء الأمير(ع): "ولو قلتم... اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحقّ منهم من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به، كان هذا أحبَّ إليَّ وخيراً لكم". إذاً، لنعِش ثقافة الدّعاء لمن ضلَّ عن الحقّ، ولنحقن الدّماء، ولنصلح ذات البين، لأنَّنا جميعاً يجمعنا الدّين، فهذه هي وصيّة عليّ لشيعته، ويحب أن يراهم هكذا، لأنَّ في ذلك خيراً لهم وللإسلام.

  وينقل عن الإمام الباقر(ع) أنّه قال: "إنَّ في التّوراة مكتوباً فيما ناجى الله تعالى به موسى(ع)، قال له: يا موسى، اكتم مكنون سرّي في سريرتك، وأظهر في علانيتك المداراة عني لعدوّي وعدوّك من خلقي، ولا تستسبّ لي عندهم بإظهارك مكنون سرّي، فتشرك عدوّي وعدوّك في سبّي"10، فليس كلّ ما يكون في القلب يستحقّ أن يخرج عن طريق اللّسان، بل لنكتم ولنبتعد عن كلّ ما لا يرتقي مع المؤمن المنتمي إلى مدرسة عليّ(ع)، فعليّ يكلّفنا تكليفاً شرعيّاً أن نكون الأتقياء الذين يحملون ورعاً وروحانيّةً لا تلتقي معها ثقافة الشّتم واللّعن، ولندعُ بالهداية ومعرفة الحقّ، ولنحقن دماء المسلمين، فهذا هو ما يحبّه عليّ(ع).
  
   *إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

1  ميزان الحكمة، محمد الرّيشهري، ج 3، ص 2213.
2  قواعد الأحكام، ج 1، ص 121.
3  أعيان الشّيعة، السيّد محسن الأمين، ج 4، ص 572.
4  وقعة صفّين، نصر بن مزاحم المنقريي، ج 1، ص 103.
5  ميزان الحكمة، ج 4، ص 2784).
6  المصدر نفسه، ج 10، ص 272).
7  [هود: 18].
8  [الأحزاب: 64].
9  [الأحزاب: 57].
10  مستدرك الوسائل، الميرزا النّوري، ج 12، ص307.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية