مرّت في الأيام القليلة الماضية، الذكرى السنوية السادسة لرحيل المرجع الديني اللبناني السيد محمد حسين فضل الله، فأقيمت سلسلة من الأنشطة والمؤتمرات في لبنان، وعلى الصعيدين العربي والإسلامي، إحياءً لذكراه، ومن أجل إعادة التذكير بمشروعه الوحدوي والإصلاحي والتجديدي.
فهل لا يزال هذا المشروع قائماً؟ وهل يمكن الاستفادة من التراث الذي تركه، والمؤسَّسات التي أقامها من أجل مواجهة التحدّيات المختلفة التي يعاني منها اليوم العالم العربي والإسلاميّ، ولا سيّما في ظلّ انتشار الفتنة المذهبيّة والتطرّف والعنف؟
من أجل الإجابة عن هذين السؤالين، لا بدّ بدايةً من إعادة تحديد أهمّ الأفكار والطروحات التي قام عليها مشروع العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله طيلة السنوات الستّين التي تصدّى خلالها للمسؤوليّات الدينية والفقهية والاجتماعية والإسلامية الحركية.
فقد ركّز فضل الله (مواليد العام 1935)، طيلة الفترة الممتدّة من العام 1950 (بداية تصدّيه للعمل الديني)، وحتى العام 2010 (تاريخ رحيله)، على عدّة عناوين أساسيّة في مشروعه الإسلامي الإصلاحي، ومنها: تجديد الفقه والفكر الدّيني، وإعادة ربط الفقه بالواقع المعاش، إعادة النظر بالتراث والموروثات الدينيّة، ورفض كلّ ما يسيء إلى الوحدة الإسلاميّة، أو يتناقض مع القرآن والعقل، العمل من أجل حماية الوحدة الإسلاميّة ومواجهة كلّ ما يساهم في الفتنة المذهبيّة، تعزيز دور المرأة والشّباب في الواقع الإسلامي، دعم المقاومة وكلّ مشروع إسلامي وحدوي، عصرنة الخطاب الديني، اعتماد الحوار مع الآخر للوصول إلى الحقيقة، رفض احتكار الحقيقة والعلم من أية جهة، تعزيز إنسانية الإنسان، ورفض تسلّط المؤسّسات الدينية أو الحزبية أو الاستبدادية الخارجيّة أو الداخلية، مواجهة المشاريع الاستكبارية ورفض الاستعانة بالخارج لمواجهة الظلم الداخلي، تطوير دور المرجعيات الدينيّة وتحويل المرجعية الدينية إلى مؤسسة متطوّرة ومعاصرة، اعتماد العلم في العديد من القضايا الفقهية وتأويل النص الديني، إلى غير ذلك من العناوين والأفكار التي تميَّز بها مشروعه، والّتي حوّلها لاحقاً إلى مؤسّسات وهيئات واقعية انتشرت في لبنان والعالم العربي والإسلامي، بحيث تحوَّل السيِّد فضل الله إلى مرجعية دينية وإسلامية تتجاوز الأطر المذهبية والحزبية، وحتى الطائفية والجغرافية.
وبعد مرور ستّ سنوات على رحيله، ها هي مؤسّسات السيد فضل الله تواصل النهج الذي اعتمده، حيث يتولى نجله العلامة السيّد علي فضل الله، مع عدد كبير من العلماء والكوادر والشخصيات اللبنانية والعربية والإسلامية، متابعة هذا المشروع الإصلاحي والوحدوي، رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها، في ظلّ الأزمات المستشرية، وتصاعد الخطاب المذهبي والتقسيمي والعنفي في المنطقة.
وقد تعرّض السيد فضل الله ومشروعه لحملة قاسية من الغلاة في الواقع الشيعي، كما أنه ووجه بحملة قاسية من بعض الجهات المحلية والإقليمية والدولية من أجل إفشال مشروعه، وتعرّض لعدة محاولات اغتيال، أبرزها المحاولة التي جرت في العام 1985 من قبل المخابرات الأميركية، وبالتعاون مع جهات محلية وعربية.
لكن رغم كلّ هذه الضغوط، لايزال هذا المشروع يشكّل خشبة الخلاص للخروج من الأزمة القائمة التي يواجهها العالم العربي والإسلامي اليوم، قد يكون صحيحاً أنّ غياب فضل الله الذاتي قد أفقد المشروع الإصلاحيّ والوحدويّ قوّةً دافعة وفاعلة في السّاحة الإسلاميّة، لكنّ وجود المؤسّسات التي رعاها، ووجود العديد من الهيئات والقوى والشّخصيّات التي تحمل روح هذا المشروع ومبادئه وأفكاره، يشكّل فرصة جديدة ومستمرّة لمتابعة هذا النهج الوحدوي والتجديدي.
وإذا كانت القوى والحركات الإسلاميّة لم تستفد بالشّكل الكامل والكبير من فرصة وجود شخصيّة إصلاحيّة كبيرة مثل السيّد فضل الله، من أجل حماية المشروع الإسلاميّ من التشظّي والتفتيت والحصار، فإنّ الفرصة لا تزال قائمةً من خلال متابعة هذه المسيرة، عبر تحويل الأفكار والطروحات إلى مؤسَّسات مستمرّة تحمل هذا المشروع، كي يبقى خشبة الخلاص من الأزمة التي يمرّ بها اليوم عالمنا العربي والإسلامي.
موقع عربي 21
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

مرّت في الأيام القليلة الماضية، الذكرى السنوية السادسة لرحيل المرجع الديني اللبناني السيد محمد حسين فضل الله، فأقيمت سلسلة من الأنشطة والمؤتمرات في لبنان، وعلى الصعيدين العربي والإسلامي، إحياءً لذكراه، ومن أجل إعادة التذكير بمشروعه الوحدوي والإصلاحي والتجديدي.
فهل لا يزال هذا المشروع قائماً؟ وهل يمكن الاستفادة من التراث الذي تركه، والمؤسَّسات التي أقامها من أجل مواجهة التحدّيات المختلفة التي يعاني منها اليوم العالم العربي والإسلاميّ، ولا سيّما في ظلّ انتشار الفتنة المذهبيّة والتطرّف والعنف؟
من أجل الإجابة عن هذين السؤالين، لا بدّ بدايةً من إعادة تحديد أهمّ الأفكار والطروحات التي قام عليها مشروع العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله طيلة السنوات الستّين التي تصدّى خلالها للمسؤوليّات الدينية والفقهية والاجتماعية والإسلامية الحركية.
فقد ركّز فضل الله (مواليد العام 1935)، طيلة الفترة الممتدّة من العام 1950 (بداية تصدّيه للعمل الديني)، وحتى العام 2010 (تاريخ رحيله)، على عدّة عناوين أساسيّة في مشروعه الإسلامي الإصلاحي، ومنها: تجديد الفقه والفكر الدّيني، وإعادة ربط الفقه بالواقع المعاش، إعادة النظر بالتراث والموروثات الدينيّة، ورفض كلّ ما يسيء إلى الوحدة الإسلاميّة، أو يتناقض مع القرآن والعقل، العمل من أجل حماية الوحدة الإسلاميّة ومواجهة كلّ ما يساهم في الفتنة المذهبيّة، تعزيز دور المرأة والشّباب في الواقع الإسلامي، دعم المقاومة وكلّ مشروع إسلامي وحدوي، عصرنة الخطاب الديني، اعتماد الحوار مع الآخر للوصول إلى الحقيقة، رفض احتكار الحقيقة والعلم من أية جهة، تعزيز إنسانية الإنسان، ورفض تسلّط المؤسّسات الدينية أو الحزبية أو الاستبدادية الخارجيّة أو الداخلية، مواجهة المشاريع الاستكبارية ورفض الاستعانة بالخارج لمواجهة الظلم الداخلي، تطوير دور المرجعيات الدينيّة وتحويل المرجعية الدينية إلى مؤسسة متطوّرة ومعاصرة، اعتماد العلم في العديد من القضايا الفقهية وتأويل النص الديني، إلى غير ذلك من العناوين والأفكار التي تميَّز بها مشروعه، والّتي حوّلها لاحقاً إلى مؤسّسات وهيئات واقعية انتشرت في لبنان والعالم العربي والإسلامي، بحيث تحوَّل السيِّد فضل الله إلى مرجعية دينية وإسلامية تتجاوز الأطر المذهبية والحزبية، وحتى الطائفية والجغرافية.
وبعد مرور ستّ سنوات على رحيله، ها هي مؤسّسات السيد فضل الله تواصل النهج الذي اعتمده، حيث يتولى نجله العلامة السيّد علي فضل الله، مع عدد كبير من العلماء والكوادر والشخصيات اللبنانية والعربية والإسلامية، متابعة هذا المشروع الإصلاحي والوحدوي، رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها، في ظلّ الأزمات المستشرية، وتصاعد الخطاب المذهبي والتقسيمي والعنفي في المنطقة.
وقد تعرّض السيد فضل الله ومشروعه لحملة قاسية من الغلاة في الواقع الشيعي، كما أنه ووجه بحملة قاسية من بعض الجهات المحلية والإقليمية والدولية من أجل إفشال مشروعه، وتعرّض لعدة محاولات اغتيال، أبرزها المحاولة التي جرت في العام 1985 من قبل المخابرات الأميركية، وبالتعاون مع جهات محلية وعربية.
لكن رغم كلّ هذه الضغوط، لايزال هذا المشروع يشكّل خشبة الخلاص للخروج من الأزمة القائمة التي يواجهها العالم العربي والإسلامي اليوم، قد يكون صحيحاً أنّ غياب فضل الله الذاتي قد أفقد المشروع الإصلاحيّ والوحدويّ قوّةً دافعة وفاعلة في السّاحة الإسلاميّة، لكنّ وجود المؤسّسات التي رعاها، ووجود العديد من الهيئات والقوى والشّخصيّات التي تحمل روح هذا المشروع ومبادئه وأفكاره، يشكّل فرصة جديدة ومستمرّة لمتابعة هذا النهج الوحدوي والتجديدي.
وإذا كانت القوى والحركات الإسلاميّة لم تستفد بالشّكل الكامل والكبير من فرصة وجود شخصيّة إصلاحيّة كبيرة مثل السيّد فضل الله، من أجل حماية المشروع الإسلاميّ من التشظّي والتفتيت والحصار، فإنّ الفرصة لا تزال قائمةً من خلال متابعة هذه المسيرة، عبر تحويل الأفكار والطروحات إلى مؤسَّسات مستمرّة تحمل هذا المشروع، كي يبقى خشبة الخلاص من الأزمة التي يمرّ بها اليوم عالمنا العربي والإسلامي.
موقع عربي 21
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.