نبّه الله تعالى المؤمنين إلى ضرورة استعمال بعض المصطلحات بدقّة ومسؤوليّة في تخاطبهم مع النبيّ الأكرم(ص) وغيره، وأمرهم بالتخلّق بأخلاق الإسلام، منعاً للوقوع في كثير من الإيحاءات الباطلة والمساوئ التي تجلب التعقيدات والمشاكل في الحياة. قال تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}[البقرة: 104]. ونرجع إلى تفسير هذه الآية للدّلالة على المعنى والمقصود والاستفادة من دروسها الأخلاقيّة والروحية والاجتماعية، فقد قال العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):
"{يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} ممن التزموا الإيمان في أقوالهم وأفعالهم، {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا} وأمثالها من الكلمات التي قد توحي بمعنى مختلفٍ عن المعنى المقصود، فيوحي بالإساءة من حيث يريد المتكلّم الإحسان، فإنَّ كلمة «راعنا» التي تطلقونها في حديثكم مع النبيّ محمَّد(ص)، لتقصدوا منها معناها الظاهر عندكم في اللّغة العربية، أي راعنا سمعك، بمعنى أعطنا سمعك، واسمع لنا ما نريد أن نسألك عنه، أو انظر في مصالحنا وتدبير أمورنا، فإنَّ اليهود يقصدون بها السبّ، لأنهم يستقونها من الرّعونة، وهي الجهل والحمق، بحسب مدلولها في لغتهم ـ كما يُقال ـ ولكن {وَقُولُواْ انظُرْنَا} أي انظر إلينا أو انتظرنا وتأنَّ علينا، {وَاسْمَعُوا} أيُّها المؤمنون كلام الله بتأمّل وتدبّرٍ وتفكير، لتفهموا مقاصده، ولتعرفوا إيحاءاته، فذلك ما يثبت إيمانكم، وينطلق بكم في خطّ الاستقامة، أمّا الكافرون الذين لا يسمعون كلام الله، وإذا سمعوه أعرضوا عن الانفتاح عليه أو حرّفوه عن مواضعه، فإنهم يسقطون في عذاب الله، {وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} جزاءً لهم على جحودهم وإنكارهم بعد قيام الحجّة عليهم.
وهذه قاعدة إسلامية، توحي للمسلمين في كلّ زمان ومكان بالتدقيق في مداليل الكلمات والمصطلحات التي يستعملونها، ودراسة الآفاق التي يمكن أن تثيرها، في ما لها من مفاهيم ضيّقةٍ أو واسعة لدى النّاس، مما قد يلتقي بالمعنى الإسلامي الأصيل، ومما قد لا يلتقي به، لئلاّ يُساءَ استغلالها من قِبَل الآخرين في مقاصد شرّيرة ضالّةٍ أو كافرةٍ يُراد بها تمييع المفاهيم الإسلامية وإرباكها، كما نلاحظ في بعض الكلمات التي أخذت في حياة النّاس أبعاداً معيّنة لا تنسجم مع التفكير الإسلامي...[تفسير من وحي القرآن، ج 2].
قال الطبرسي في تفسيره في معرض تناوله للآية المباركة: "لما قدم سبحانه نهي اليهود عن السحر، عقبه بالنهي عن إطلاق هذه اللفظة، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}. كان المسلمون يقولون: يا رسول الله راعنا، أي استمع منا، فحرفت اليهود هذه اللفظة، فقالوا يا محمد راعنا، وهم يلحدون إلى الرعونة، يريدون به النقيصة والوقيعة، فلما عوتبوا، قالوا نقول كما يقول المسلمون، فنهى الله عن ذلك بقوله: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا}. وقال قتادة إنها كلمة كانت تقولها اليهود على وجه الاستهزاء. وقال عطا: هي كلمة كانت الأنصار تقولها في الجاهليّة، فنهوا عنها في الإسلام. وقال السدي: كان ذلك كلام يهودي بعينه يقال له رفاعة بن زيد، يريد بذلك الرعونة، فنهي المسلمون عن ذلك. وقال الباقر (عليه السلام): هذه الكلمة سبّ بالعبرانية، إليه كانوا يذهبون. وقيل كان معناه عندهم اسمع لا سمعت. وروي عن الحسن أنه كان يقرأ "راعنا" بالتنوين، وهو شاذ لا يؤخذ به. ومعنى «انظرنا» يحتمل وجوها (أحدها) انتظرنا نفهم ونتبيّن ما تعلمنا. (والآخر) فقّهنا وبين لنا يا محمد. (والثالث) أقبل علينا. ويجوز أن يكون معناه اُنظر إلينا، فحذف حرف الجرّ. وقوله: «واسمعوا» يحتمل أمرين: (أحدهما) أن معناه اقبلوا ما يأمركم به قوله سمع الله لمن حمده وسمع الله دعاءك أي قبله، و(الثاني) أن معناه استمعوا ما يأتيكم به الرسول عن الحسن «للكافرين» بمحمد والقرآن «عذاب أليم»، أي موجع. قال الحسن والضحاك: كل ما في القرآن {يا أيها الذين آمنوا} فإنه نزل بالمدينة". (مجمع البيان للطبرسي، ج1).
كم من كلمات مسيئة ومبطّنة قد يستعملها البعض من أجل توهين فلان أو تحقيره وتصغيره؟ هذه الكلمات التي تبرز المضمون النفسي والداخلي المريض والمعقّد والرخيص لهؤلاء الذين يحاولون الإساءة إلى كرامات الناس ومواقعهم، بأسلوب لا يعبِّر عن أيّ خلق إنساني عبر استخدامهم لكلمات يطلقونها وتسبطن كلّ إساءة.
لا بدّ لنا كمؤمنين من أن ندرس كلماتنا قبل إطلاقها، وأن نراجع أنفسنا جيداً قبل التعبير عما نريد من معنى، حتى لا نقع في كثير من الإساءات من حيث ندري أو لا ندري، لأنّ المسألة أنّ الكلمة مسؤوليّة، وتبرز ما نحمله من مشاعر وحالات نفسيّة لا بدّ من تنقيتها وتصفيتها وجعلها مما يرتضيه الله لنا أن نحمله. فالكلام هو شخصيتنا، ويبرز مقدار مشاعرنا وما نفكّر فيه، وما عليه نفوسنا، وكل ذلك نحن مسؤولون عنه في الدّنيا والآخرة.
نبّه الله تعالى المؤمنين إلى ضرورة استعمال بعض المصطلحات بدقّة ومسؤوليّة في تخاطبهم مع النبيّ الأكرم(ص) وغيره، وأمرهم بالتخلّق بأخلاق الإسلام، منعاً للوقوع في كثير من الإيحاءات الباطلة والمساوئ التي تجلب التعقيدات والمشاكل في الحياة. قال تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}[البقرة: 104]. ونرجع إلى تفسير هذه الآية للدّلالة على المعنى والمقصود والاستفادة من دروسها الأخلاقيّة والروحية والاجتماعية، فقد قال العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):
"{يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} ممن التزموا الإيمان في أقوالهم وأفعالهم، {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا} وأمثالها من الكلمات التي قد توحي بمعنى مختلفٍ عن المعنى المقصود، فيوحي بالإساءة من حيث يريد المتكلّم الإحسان، فإنَّ كلمة «راعنا» التي تطلقونها في حديثكم مع النبيّ محمَّد(ص)، لتقصدوا منها معناها الظاهر عندكم في اللّغة العربية، أي راعنا سمعك، بمعنى أعطنا سمعك، واسمع لنا ما نريد أن نسألك عنه، أو انظر في مصالحنا وتدبير أمورنا، فإنَّ اليهود يقصدون بها السبّ، لأنهم يستقونها من الرّعونة، وهي الجهل والحمق، بحسب مدلولها في لغتهم ـ كما يُقال ـ ولكن {وَقُولُواْ انظُرْنَا} أي انظر إلينا أو انتظرنا وتأنَّ علينا، {وَاسْمَعُوا} أيُّها المؤمنون كلام الله بتأمّل وتدبّرٍ وتفكير، لتفهموا مقاصده، ولتعرفوا إيحاءاته، فذلك ما يثبت إيمانكم، وينطلق بكم في خطّ الاستقامة، أمّا الكافرون الذين لا يسمعون كلام الله، وإذا سمعوه أعرضوا عن الانفتاح عليه أو حرّفوه عن مواضعه، فإنهم يسقطون في عذاب الله، {وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} جزاءً لهم على جحودهم وإنكارهم بعد قيام الحجّة عليهم.
وهذه قاعدة إسلامية، توحي للمسلمين في كلّ زمان ومكان بالتدقيق في مداليل الكلمات والمصطلحات التي يستعملونها، ودراسة الآفاق التي يمكن أن تثيرها، في ما لها من مفاهيم ضيّقةٍ أو واسعة لدى النّاس، مما قد يلتقي بالمعنى الإسلامي الأصيل، ومما قد لا يلتقي به، لئلاّ يُساءَ استغلالها من قِبَل الآخرين في مقاصد شرّيرة ضالّةٍ أو كافرةٍ يُراد بها تمييع المفاهيم الإسلامية وإرباكها، كما نلاحظ في بعض الكلمات التي أخذت في حياة النّاس أبعاداً معيّنة لا تنسجم مع التفكير الإسلامي...[تفسير من وحي القرآن، ج 2].
قال الطبرسي في تفسيره في معرض تناوله للآية المباركة: "لما قدم سبحانه نهي اليهود عن السحر، عقبه بالنهي عن إطلاق هذه اللفظة، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}. كان المسلمون يقولون: يا رسول الله راعنا، أي استمع منا، فحرفت اليهود هذه اللفظة، فقالوا يا محمد راعنا، وهم يلحدون إلى الرعونة، يريدون به النقيصة والوقيعة، فلما عوتبوا، قالوا نقول كما يقول المسلمون، فنهى الله عن ذلك بقوله: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا}. وقال قتادة إنها كلمة كانت تقولها اليهود على وجه الاستهزاء. وقال عطا: هي كلمة كانت الأنصار تقولها في الجاهليّة، فنهوا عنها في الإسلام. وقال السدي: كان ذلك كلام يهودي بعينه يقال له رفاعة بن زيد، يريد بذلك الرعونة، فنهي المسلمون عن ذلك. وقال الباقر (عليه السلام): هذه الكلمة سبّ بالعبرانية، إليه كانوا يذهبون. وقيل كان معناه عندهم اسمع لا سمعت. وروي عن الحسن أنه كان يقرأ "راعنا" بالتنوين، وهو شاذ لا يؤخذ به. ومعنى «انظرنا» يحتمل وجوها (أحدها) انتظرنا نفهم ونتبيّن ما تعلمنا. (والآخر) فقّهنا وبين لنا يا محمد. (والثالث) أقبل علينا. ويجوز أن يكون معناه اُنظر إلينا، فحذف حرف الجرّ. وقوله: «واسمعوا» يحتمل أمرين: (أحدهما) أن معناه اقبلوا ما يأمركم به قوله سمع الله لمن حمده وسمع الله دعاءك أي قبله، و(الثاني) أن معناه استمعوا ما يأتيكم به الرسول عن الحسن «للكافرين» بمحمد والقرآن «عذاب أليم»، أي موجع. قال الحسن والضحاك: كل ما في القرآن {يا أيها الذين آمنوا} فإنه نزل بالمدينة". (مجمع البيان للطبرسي، ج1).
كم من كلمات مسيئة ومبطّنة قد يستعملها البعض من أجل توهين فلان أو تحقيره وتصغيره؟ هذه الكلمات التي تبرز المضمون النفسي والداخلي المريض والمعقّد والرخيص لهؤلاء الذين يحاولون الإساءة إلى كرامات الناس ومواقعهم، بأسلوب لا يعبِّر عن أيّ خلق إنساني عبر استخدامهم لكلمات يطلقونها وتسبطن كلّ إساءة.
لا بدّ لنا كمؤمنين من أن ندرس كلماتنا قبل إطلاقها، وأن نراجع أنفسنا جيداً قبل التعبير عما نريد من معنى، حتى لا نقع في كثير من الإساءات من حيث ندري أو لا ندري، لأنّ المسألة أنّ الكلمة مسؤوليّة، وتبرز ما نحمله من مشاعر وحالات نفسيّة لا بدّ من تنقيتها وتصفيتها وجعلها مما يرتضيه الله لنا أن نحمله. فالكلام هو شخصيتنا، ويبرز مقدار مشاعرنا وما نفكّر فيه، وما عليه نفوسنا، وكل ذلك نحن مسؤولون عنه في الدّنيا والآخرة.