الحياة الدّنيا متاع الغرور

الحياة الدّنيا متاع الغرور

الآن نعود إلى الدّنيا، وما هي صفاتها.

{اعْلَمُوا} اعلموا، تيقّنوا من خلال التفكير والدراسة وملاحقة الحياة في كلِّ أحداثها ومراحلها وطبيعتها، ما هي صورة الحياة الدنيا في العمق؟

{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ}. وتتطوّر "الألعاب" حسب تطوّر العصر، فنرى بعضاً من الرجال تأنّث، وبعضاً تذكّر، ويظهر التفاخر بين الناس، هذا يدّعي بأنّه صاحب المجد الرفيع، وذاك يفخر بالنسب العظيم، وذلك يعلن اعتزازه بكثرة المال والأولاد {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} يتفاخرون على طريقة "صاحب الجنّتين" {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً}[الكهف: 34] وكانت نتيجة افتخاره {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً}[الكهف: 42].

الدّنيا في سطحها سائرة على هذا الأساس، والنّاس عادةً يهتمّون بالسطح ويصرفون نظرهم عن العمق.. وما الدّنيا فيما لو أردنا المقارنة؟ {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}، ليس المقصود بكلمة الكفّار، الجاحدين في مقابل المؤمنين.. الكفّار يعني الفلاحين، لأنّ الكفر لغويّاً هو الستر، والفلّاح يستر البذرة بأن يجعلها في عمق الأرض ويضع التراب فوقها. لذا، سُمّي الكافر كافراً لأنّه يستر الحقّ، مثلما يستر الفلّاح البذرة {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} فأعجب الفلاحين {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً}، فهذه الخضرة في النبات، وهذا التنوّع في الأشجار والأثمار، لا يبقى على حاله، يأتي الخريف فتتساقط وتصفرّ {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً}، يتفتَّت ويتحطّم على الأرض.. وحال النبات حال الإنسان، يبدأ جنيناً، ثمّ طفلاً، وبعدها شابّاً، ثم ينتقل إلى الكهولة والشيخوخة، فالموت.

هذه هي الدّنيا، وماذا في الآخرة {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} لمن كفر وانحرف عن خطّ الله {وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ}. تستطيع أن تحصل على الرضوان، إذا كان لعبك ولهوك وزينتك حلالاً، وإذا كان فخرك بالحقّ، وتكاثرك بالعمل الصالح والخدمات والمشاريع العامّة، وهكذا تستطيع أن تحصل على الجنّة، أمّا إذا كان لهوك حراماً، وزينتك حراماً، وتفاخرك بالباطل، فإنَّ العذاب الشّديد بانتظارك {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[الحديد: 20]، فهي متاع الخداع، لأنّه مَنْ هو الذي صفت له الحياة الدّنيا، أو خلّد فيها واستراح؟! ففي الحديث: "مَنْ كانت مطيّته اللّيل والنّهار، فإنّه يُسار به وإنْ كان واقفاً".

وهكذا العمر يمشي وأنتَ واقف، لأنَّ لكلّ شيءٍ حركته، وللعمر حركته. ولذلك، يجب على الشباب أن يستغلّوا الفرصة، فالشباب قوّة وحيويّة وعزيمة وصلابة، فليكن لديكم شباب العمل وشباب الطاعة وشباب الجنّة.

وتراكضوا خيلَ الشّباب وبادروا           أن تُسْتَردَّ فإنّهنَّ عَوَارِ

فالحياة كما أخذت آباءكم وأجدادكم ستأخذكم، فلا تغترّوا بها، وانظروا إليها نظركم إلى رحلة تقطعونها لتهيّئوا لمرحلةٍ جديدة.

وعلى هذا {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} انزلوا إلى ساحة السباق، وليس سباق الخيل، بل السباق نحو الهدف، وهو رضى الله تعالى، لتحصلوا على مغفرته {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ}. وليس هنا العرض مقابل الطول، حتّى يُقال: إذا كان عرضها عرض السموات والأرض، فكم يبلغ طولها؟ المقصود بالعَرْض هنا، السّعة، أي أنَّ سعة هذه الجنّة كسعة السموات والأرض {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ}، لهؤلاء الذين آمنوا بعقولهم وألسنتهم وحركة أجسادهم، كما شرحنا ذلك في بداية البحث.

 {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد: 21] فالمغفرة والجنّة فضلٌ من أفضال الله، يتفضّل به على مَنْ يشاء من عباده الذين وفّقهم للإيمان والطاعة.

*من كتاب "من عرفان القرآن".

الآن نعود إلى الدّنيا، وما هي صفاتها.

{اعْلَمُوا} اعلموا، تيقّنوا من خلال التفكير والدراسة وملاحقة الحياة في كلِّ أحداثها ومراحلها وطبيعتها، ما هي صورة الحياة الدنيا في العمق؟

{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ}. وتتطوّر "الألعاب" حسب تطوّر العصر، فنرى بعضاً من الرجال تأنّث، وبعضاً تذكّر، ويظهر التفاخر بين الناس، هذا يدّعي بأنّه صاحب المجد الرفيع، وذاك يفخر بالنسب العظيم، وذلك يعلن اعتزازه بكثرة المال والأولاد {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} يتفاخرون على طريقة "صاحب الجنّتين" {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً}[الكهف: 34] وكانت نتيجة افتخاره {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً}[الكهف: 42].

الدّنيا في سطحها سائرة على هذا الأساس، والنّاس عادةً يهتمّون بالسطح ويصرفون نظرهم عن العمق.. وما الدّنيا فيما لو أردنا المقارنة؟ {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}، ليس المقصود بكلمة الكفّار، الجاحدين في مقابل المؤمنين.. الكفّار يعني الفلاحين، لأنّ الكفر لغويّاً هو الستر، والفلّاح يستر البذرة بأن يجعلها في عمق الأرض ويضع التراب فوقها. لذا، سُمّي الكافر كافراً لأنّه يستر الحقّ، مثلما يستر الفلّاح البذرة {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} فأعجب الفلاحين {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً}، فهذه الخضرة في النبات، وهذا التنوّع في الأشجار والأثمار، لا يبقى على حاله، يأتي الخريف فتتساقط وتصفرّ {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً}، يتفتَّت ويتحطّم على الأرض.. وحال النبات حال الإنسان، يبدأ جنيناً، ثمّ طفلاً، وبعدها شابّاً، ثم ينتقل إلى الكهولة والشيخوخة، فالموت.

هذه هي الدّنيا، وماذا في الآخرة {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} لمن كفر وانحرف عن خطّ الله {وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ}. تستطيع أن تحصل على الرضوان، إذا كان لعبك ولهوك وزينتك حلالاً، وإذا كان فخرك بالحقّ، وتكاثرك بالعمل الصالح والخدمات والمشاريع العامّة، وهكذا تستطيع أن تحصل على الجنّة، أمّا إذا كان لهوك حراماً، وزينتك حراماً، وتفاخرك بالباطل، فإنَّ العذاب الشّديد بانتظارك {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[الحديد: 20]، فهي متاع الخداع، لأنّه مَنْ هو الذي صفت له الحياة الدّنيا، أو خلّد فيها واستراح؟! ففي الحديث: "مَنْ كانت مطيّته اللّيل والنّهار، فإنّه يُسار به وإنْ كان واقفاً".

وهكذا العمر يمشي وأنتَ واقف، لأنَّ لكلّ شيءٍ حركته، وللعمر حركته. ولذلك، يجب على الشباب أن يستغلّوا الفرصة، فالشباب قوّة وحيويّة وعزيمة وصلابة، فليكن لديكم شباب العمل وشباب الطاعة وشباب الجنّة.

وتراكضوا خيلَ الشّباب وبادروا           أن تُسْتَردَّ فإنّهنَّ عَوَارِ

فالحياة كما أخذت آباءكم وأجدادكم ستأخذكم، فلا تغترّوا بها، وانظروا إليها نظركم إلى رحلة تقطعونها لتهيّئوا لمرحلةٍ جديدة.

وعلى هذا {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} انزلوا إلى ساحة السباق، وليس سباق الخيل، بل السباق نحو الهدف، وهو رضى الله تعالى، لتحصلوا على مغفرته {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ}. وليس هنا العرض مقابل الطول، حتّى يُقال: إذا كان عرضها عرض السموات والأرض، فكم يبلغ طولها؟ المقصود بالعَرْض هنا، السّعة، أي أنَّ سعة هذه الجنّة كسعة السموات والأرض {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ}، لهؤلاء الذين آمنوا بعقولهم وألسنتهم وحركة أجسادهم، كما شرحنا ذلك في بداية البحث.

 {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد: 21] فالمغفرة والجنّة فضلٌ من أفضال الله، يتفضّل به على مَنْ يشاء من عباده الذين وفّقهم للإيمان والطاعة.

*من كتاب "من عرفان القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية