هناك فريقٌ من الناس يعيش اللاوعي في حياته: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ}[يونس: 42].
بعض الناس يستمعون القول، ولكنَّ السّمع عندهم يحتاج إلى أمرين، يحتاج إلى أن تدخل الكلمة في الأذن بشكلٍ واضح، وإلى العقل بشكلٍ واضح. ولو فرضنا أنَّ إنساناً لا يملك وعياً، فلو دخل كُلُّ ضجيج الدنيا أذنَه، فإنَّه لا يفقه شيئاً، فلا يفهم الكلمات التي يسمعها بمجرّد ضجيج الأصوات في أُذنيه، لأنّه لم يسمع الكلمة من خلال انفتاح عقله على هذه الكلمة. فالأذن تسمع، تأخذ الصدى، والعقل يأخذ الفكرة.. ومن خلال الصدى الذي يدخل السمع، والوعي الذي ينطلق فيه العقل لاستيعاب الفكرة التي يتضمّنها الكلام، فإنَّ الإنسان عندها يفهم ما يسمع.
ولكنَّ بعض الناس قد يسمعون الكلام، ولكنّهم لا يعقلون شيئاً، لأنَّ صَمَماً عقلياً تحكَّم بهم، وإنْ كانوا يملكون سمعاً حسيّاً شكلياً.
وعلى هذا، فإنَّ بعض الناس ـــ وحسب تعبير الآية ـــ من الذين يستمعون كأنَّهم لا يسمعون، وحالهم حال الإنسان الأصمّ الذي لا يسمع، فإذا كانت قيمة السماع بالوعي، وباعتباره طريقاً إلى العقل، فالذي يسمع ولا يعقل أو يفكِّر هو كمن لا يسمع، لأنَّ قيمة الكلمة عندما تدخل إلى الأذن، أن تتحوَّل إلى فكرة يعيها العقل، ولذا يقول سبحانه: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ}. هؤلاء بمنزلة الصمُّ الذين لا يسمعون، لأنَّهم لم يستمعوا إليك [إلى النبيّ (ص)] سماع وعي، إنَّما استمعوا إليك سماع لهو ولا مبالاة، فلذلك لا قيمة لاستماعهم إليك.
وكما السمع كذلك النظر {وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ}. قيمة النظر أنّه يعطينا الفكرة من خلال الصورة، وما توحيه لك الصورة من أفكار وأسرار وظواهر. فالذي ينظر ولا يرى إلا الصورة تنطبع في عينيه وحسب، ولا تدخل إلى عقله، فأيُّ فَرْقٍ بينه وبين الأعمى؟ فهو يعيش غيبوبةً عقلية، وإنْ كانت عيناه تُبصران الأشياء والصّور، فالنظر إنّما يكون طريقاً للمعرفة بواسطة العقل، فتُنقل الصورة بواسطة النظر إلى العقل الذي يُحَلِّلها ويستنتج منها الجوانب الفكريّة {أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ}[يونس: 43]. فكيف يُطلَب من أعمى البصر أن ينظر إلى الأشياء؟ كذلك كيف يُطلَب من أعمى القلب أن يعيَ حقيقة الأشياء؟ فإذا كان الإنسان أعمى القلب، فإنَّه لا يستفيد شيئاً من عينيه {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحجّ: 46]. الله تعالى فَتَحَ للإنسان أبواب المعرفة والحركة، وأعطاه العقل والتجربة والحسّ والإرادة، والوسائل التي يستطيع أن يتحرَّك بها في الحياة، ورَسَمَ له الخطط، حتّى إذا ما أخذ بما خطَّط الله له، ممّا يهديه سواء السّبيل، فقد أخذ بما يحصل عليه من نتائج إيجابيّة، وإذا رفض ذلك، فإنَّه يرفض ما فيه صلاحه.
فالله سبحانه يترك الإنسان لاختياره، فهو يحمل في شخصيّته جنّته أو يحمل ناره، لذلك عليه أن يتحمَّل مسؤوليّة نفسه، فهو مَنْ يتحرّك لنفع نفسه أو لضررها. وعلى هذا، فالنّاس هم الذين يظلمون أنفسهم، {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس: 44]، لأنّهم يتورّطون بالسير في الطرق التي تؤدّي بهم إلى عذاب الله وسخطه.
*من كتاب "حركة النبوّة في مواجهة الانحراف".

هناك فريقٌ من الناس يعيش اللاوعي في حياته: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ}[يونس: 42].
بعض الناس يستمعون القول، ولكنَّ السّمع عندهم يحتاج إلى أمرين، يحتاج إلى أن تدخل الكلمة في الأذن بشكلٍ واضح، وإلى العقل بشكلٍ واضح. ولو فرضنا أنَّ إنساناً لا يملك وعياً، فلو دخل كُلُّ ضجيج الدنيا أذنَه، فإنَّه لا يفقه شيئاً، فلا يفهم الكلمات التي يسمعها بمجرّد ضجيج الأصوات في أُذنيه، لأنّه لم يسمع الكلمة من خلال انفتاح عقله على هذه الكلمة. فالأذن تسمع، تأخذ الصدى، والعقل يأخذ الفكرة.. ومن خلال الصدى الذي يدخل السمع، والوعي الذي ينطلق فيه العقل لاستيعاب الفكرة التي يتضمّنها الكلام، فإنَّ الإنسان عندها يفهم ما يسمع.
ولكنَّ بعض الناس قد يسمعون الكلام، ولكنّهم لا يعقلون شيئاً، لأنَّ صَمَماً عقلياً تحكَّم بهم، وإنْ كانوا يملكون سمعاً حسيّاً شكلياً.
وعلى هذا، فإنَّ بعض الناس ـــ وحسب تعبير الآية ـــ من الذين يستمعون كأنَّهم لا يسمعون، وحالهم حال الإنسان الأصمّ الذي لا يسمع، فإذا كانت قيمة السماع بالوعي، وباعتباره طريقاً إلى العقل، فالذي يسمع ولا يعقل أو يفكِّر هو كمن لا يسمع، لأنَّ قيمة الكلمة عندما تدخل إلى الأذن، أن تتحوَّل إلى فكرة يعيها العقل، ولذا يقول سبحانه: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ}. هؤلاء بمنزلة الصمُّ الذين لا يسمعون، لأنَّهم لم يستمعوا إليك [إلى النبيّ (ص)] سماع وعي، إنَّما استمعوا إليك سماع لهو ولا مبالاة، فلذلك لا قيمة لاستماعهم إليك.
وكما السمع كذلك النظر {وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ}. قيمة النظر أنّه يعطينا الفكرة من خلال الصورة، وما توحيه لك الصورة من أفكار وأسرار وظواهر. فالذي ينظر ولا يرى إلا الصورة تنطبع في عينيه وحسب، ولا تدخل إلى عقله، فأيُّ فَرْقٍ بينه وبين الأعمى؟ فهو يعيش غيبوبةً عقلية، وإنْ كانت عيناه تُبصران الأشياء والصّور، فالنظر إنّما يكون طريقاً للمعرفة بواسطة العقل، فتُنقل الصورة بواسطة النظر إلى العقل الذي يُحَلِّلها ويستنتج منها الجوانب الفكريّة {أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ}[يونس: 43]. فكيف يُطلَب من أعمى البصر أن ينظر إلى الأشياء؟ كذلك كيف يُطلَب من أعمى القلب أن يعيَ حقيقة الأشياء؟ فإذا كان الإنسان أعمى القلب، فإنَّه لا يستفيد شيئاً من عينيه {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحجّ: 46]. الله تعالى فَتَحَ للإنسان أبواب المعرفة والحركة، وأعطاه العقل والتجربة والحسّ والإرادة، والوسائل التي يستطيع أن يتحرَّك بها في الحياة، ورَسَمَ له الخطط، حتّى إذا ما أخذ بما خطَّط الله له، ممّا يهديه سواء السّبيل، فقد أخذ بما يحصل عليه من نتائج إيجابيّة، وإذا رفض ذلك، فإنَّه يرفض ما فيه صلاحه.
فالله سبحانه يترك الإنسان لاختياره، فهو يحمل في شخصيّته جنّته أو يحمل ناره، لذلك عليه أن يتحمَّل مسؤوليّة نفسه، فهو مَنْ يتحرّك لنفع نفسه أو لضررها. وعلى هذا، فالنّاس هم الذين يظلمون أنفسهم، {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس: 44]، لأنّهم يتورّطون بالسير في الطرق التي تؤدّي بهم إلى عذاب الله وسخطه.
*من كتاب "حركة النبوّة في مواجهة الانحراف".