الصّورة السَّادسة: الأيَّام الصَّفراء!

الصّورة السَّادسة: الأيَّام الصَّفراء!

1- الأيَّام – بصفتها صفحات الزَّمن - بريئة وحياديّة، وإذا اصفرّت، فلأنَّ بعضَ النَّاس يصبغونها بهذا اللَّون، والأصفرُ كناية عن الشّحوب، والمرض، وفقر الدَّم، وربما الجفاف أيضاً.
ففي أيَّام نضوب الوعي، وضحالة النظرة، وسُقم التقييم، وانتشار المغالطات، تتحوَّل أيَّام النَّاس إلى خريفيّة يغلبُ عليها الأصفر! فتتناسل -على نحو أميبيّ - الأفكارُ الصَّفراء، والأوراقُ الصَّفراء، والقصائدُ المسفّة الصَّفراء.
2- يوم ثارت ثائرةُ ثوَّار المنابر، والمخافر، والعساكر، والمساطر، والدَّفاتر، على "ضلع الزهراء (ع)" نسي الَّذين اتهموا مريمَ بعفّتها أنها كانت مثلَ العفَّة الأعلى، ويوم سُجن يوسف بجريمة لم يرتكبها، شطبوا على تاريخ نزاهته وأدانوه بـ (تهمة) هو بريء منها براءةَ الذّئب من دمه، وتناسى الَّذين نعتوا النبيَّ بالكذب أنَّه كان إلى الأمس القريب (الصَّادق الأمين)، وكذلك يفعلُ أبناءُ اللَّحظة!
3- بعد سماعي بخبر وفاة السيّد أبي علي (تغمَّده الله بفيض الرَّحمة)، كنتُ أُعزّي رفيقَ دربٍ من رفاقه الحركيّين عبرَ الهاتف، أعني الدكتور السيّد طالب الرفاعي (دام عزّه)، فقال لي بالحرف: أنا أعرف السيّد محمَّد حسين وهو ابن عشر سنوات، ومنذ ذلك الوقت، اِطرح أوقات النوم، فلا تجد لدى السيّد فضل الله إلَّا العمل للإسلام!
4- فأيُّ القولين أقبل أو أصدّق: شهادة شاهد على العصر السيّد الرفاعي، أم من أفتى بأنَّ السيّد فضل الله (ضالّ مضلّ)، أم من راح يقطّع أوصال الكلام، أم من يسوّد الصَّفحات، ويصفّر المنشورات؟
5- دُعيتُ بعد رحيله (رض) إلى (مونتريال) بكندا لإلقاء كلمة في حفل تأبيني عراقيّ حاشد حضره لفيف من الإخوة اللّبنانيّين كنتُ المتحدّثَ الوحيدَ فيه، وختامُه مجلس تعزية. قلت لهم رافعاً يدي إنَّني كتبت عشرات آلاف الصَّفحات من (ندوة السَّبت) بهذه اليد الشَّاهدة، فما رأيت أوفى من السيّد لمدرسة أهل البيت (ع)، وأنَّ كثيراً مما يتداوله ويتناقله الأفّاكون باطلٌ مزوّرٌ ولا صحَّة له. وكنت اصطحبتُ معي كتابَ (جنَّة المأوى) للإمام محمَّد حسين كاشف الغطاء (رحمه الله) الَّذي يتحفّظ فيه عن مسألة كسر الضّلع، وقلت: قبل نصف قرن مما طرحه أو عرض له السيّد فضل الله، هذا هو كاشف الغطاء، وهو من هو، وهذا رأيه، وقرأت النّصَّ، فلماذا سكتوا عن كاشف الغطاء، وجيَّشوا الجيوش ضدّ فضل الله الَّذي لم يكن أوَّلَ من تحفّظ؟!
6- بعد انتهاء كلمتي التي استغرقت الساعة أو يزيد، جاءني طالبٌ سعوديّ دراسات عليا يدرس في كندا، قال: هل تأذن لي بالكتاب، قلت تفضّل، وكنت أشرت إلى موضع الاستشهاد، فانتحى جانباً وقرأ النّصّ كاملاً، ثمَّ جاءني وقال: جزاك الله خيراً، رفعت غشاوة عن عينيّ!
7- في تلك الأيَّام الصَّفراء، وفي زيارة لسيّدنا الجليل أبي محسن (عبد الله الغريفي) (دامت بركاته)، نقل لي الآتي: سمعتُ أنَّ أستاذاً عراقيّاً في إحدى الحوزات العلميّة بقمّ قد شنَّ هجوماً على السيّد، وبحكم المعرفة، هاتفته وسألته: هل قرأت ما قاله السيّد أبو علي ، فإذا به يقول لي: لا لم أقرأ، بل تناهى إلى سمعي، فيقول السيّد تعجَّبت، وقلت له: منذ متى كنَّا نحكم على المسموعات؟ إذا كان هذا حالنا أهل العلم، فما بالنا بمن ليس له حظّ من العلم؟!
8- في تلك الأيَّام الصَّفراء، تحدّث السيد فضلُ الله في ندوةٍ من ندوات السَّبت في ذكرى ولادة الإمام عليّ (ع)، وذكر معاناة عليّ (ع) المريرة مع أمَّته، وكم كان يتأوَّه ويتألَّم من حالة الجزر المعرفيّ لدى فصيل وقطاع واسعين من النَّاس، وختم بالقول: كنّا نقرأ عليّاً في شكواه المتكرّرة من ظلم ذوي القربى ومن مريديه وأتباعه، وهو مَنْ هو، حتَّى ابتُلِينا ببعض ما ابتُلِيَ به، ونحن لا نساوي تراب أقدام عليّ!
9- في تلك الأيَّام الصَّفراء، قرَّرتُ أن أزوره في محلّ إقامته خلف مقام السيّدة زينب (ع)، والَّذي يقرب من (حوزة المرتضى) لأطيّب خاطره، كنَّا نجلس وحدنا في حديقة المنزل، ابتدأتهُ بالقول: سيّدنا، نحن منك نستمدّ الوعي، والعزيمة، والثَّبات، وما أظنُّ أنَّ ما يحصل ينالُ من بأسكم وتمسّككم بخطّكم الَّذي يقدّره ويحترمه البعيد قبل القريب، ولكنَّني أحبّ أن أحكي لك حكاية من الواقع، لا لأطيّب خاطرك، بل لأطيّب خاطري.
10- قلت له إنَّ الشَّاعر (نزار قباني) قبل نكسة حزيران 1967، كان يُعرَف بشاعر المرأة، وبعد النَّكسة، استلّ حسام قلمه، وراح يكتب شعراً ثورياً لا يقلّ جودةً عن وجدانيَّاته، فاستثار بذلك حسد الحاسدين وكيد الكائدين، فكتب بعضهم في الصَّفحة الأدبيَّة من صحيفة عراقيَّة (أفبعدَ أن أفسدتنا)؟! يهاجم فيه نزاراً، ويعتبره سبباً من أسباب النَّكسة، فالتقت إحدى الصحف بنزار، وسألته عمّن يثيرون الزوابع بوجهه، فما زاد أن قال: "هولاء كالأقزام، يتسلَّقون على أكتاف العمالقة، حتَّى يراهم النَّاس"!
11- تبسَّم السيّد، وقال: أمَّا أنا فأقول، كما قال ذلك الشَّاعر اللّبنانيّ:
يقولون!
ماذا يقولون؟
دعهُم يقولون!!
12- تعالى الصّياح – وأعفُّ عن استخدام الكلمة البديلة – من حوله، ومرَّت قافلة السيّد وهو مرفوع الهامة والقامة، يمارس مهامه، ويضطلع بمسؤوليَّاته، ويزاول دوره، حتَّى قال بملء فم الجرأة والحقّ: لن أتخلَّى عن مسؤوليَّتي في توعيتكم، حتَّى لو رجموني بالحجارة!
الصَّورة السَّابعة: وصحبناه في حملة الحجّ!
* من صفحته على فايس بوك.
1- الأيَّام – بصفتها صفحات الزَّمن - بريئة وحياديّة، وإذا اصفرّت، فلأنَّ بعضَ النَّاس يصبغونها بهذا اللَّون، والأصفرُ كناية عن الشّحوب، والمرض، وفقر الدَّم، وربما الجفاف أيضاً.
ففي أيَّام نضوب الوعي، وضحالة النظرة، وسُقم التقييم، وانتشار المغالطات، تتحوَّل أيَّام النَّاس إلى خريفيّة يغلبُ عليها الأصفر! فتتناسل -على نحو أميبيّ - الأفكارُ الصَّفراء، والأوراقُ الصَّفراء، والقصائدُ المسفّة الصَّفراء.
2- يوم ثارت ثائرةُ ثوَّار المنابر، والمخافر، والعساكر، والمساطر، والدَّفاتر، على "ضلع الزهراء (ع)" نسي الَّذين اتهموا مريمَ بعفّتها أنها كانت مثلَ العفَّة الأعلى، ويوم سُجن يوسف بجريمة لم يرتكبها، شطبوا على تاريخ نزاهته وأدانوه بـ (تهمة) هو بريء منها براءةَ الذّئب من دمه، وتناسى الَّذين نعتوا النبيَّ بالكذب أنَّه كان إلى الأمس القريب (الصَّادق الأمين)، وكذلك يفعلُ أبناءُ اللَّحظة!
3- بعد سماعي بخبر وفاة السيّد أبي علي (تغمَّده الله بفيض الرَّحمة)، كنتُ أُعزّي رفيقَ دربٍ من رفاقه الحركيّين عبرَ الهاتف، أعني الدكتور السيّد طالب الرفاعي (دام عزّه)، فقال لي بالحرف: أنا أعرف السيّد محمَّد حسين وهو ابن عشر سنوات، ومنذ ذلك الوقت، اِطرح أوقات النوم، فلا تجد لدى السيّد فضل الله إلَّا العمل للإسلام!
4- فأيُّ القولين أقبل أو أصدّق: شهادة شاهد على العصر السيّد الرفاعي، أم من أفتى بأنَّ السيّد فضل الله (ضالّ مضلّ)، أم من راح يقطّع أوصال الكلام، أم من يسوّد الصَّفحات، ويصفّر المنشورات؟
5- دُعيتُ بعد رحيله (رض) إلى (مونتريال) بكندا لإلقاء كلمة في حفل تأبيني عراقيّ حاشد حضره لفيف من الإخوة اللّبنانيّين كنتُ المتحدّثَ الوحيدَ فيه، وختامُه مجلس تعزية. قلت لهم رافعاً يدي إنَّني كتبت عشرات آلاف الصَّفحات من (ندوة السَّبت) بهذه اليد الشَّاهدة، فما رأيت أوفى من السيّد لمدرسة أهل البيت (ع)، وأنَّ كثيراً مما يتداوله ويتناقله الأفّاكون باطلٌ مزوّرٌ ولا صحَّة له. وكنت اصطحبتُ معي كتابَ (جنَّة المأوى) للإمام محمَّد حسين كاشف الغطاء (رحمه الله) الَّذي يتحفّظ فيه عن مسألة كسر الضّلع، وقلت: قبل نصف قرن مما طرحه أو عرض له السيّد فضل الله، هذا هو كاشف الغطاء، وهو من هو، وهذا رأيه، وقرأت النّصَّ، فلماذا سكتوا عن كاشف الغطاء، وجيَّشوا الجيوش ضدّ فضل الله الَّذي لم يكن أوَّلَ من تحفّظ؟!
6- بعد انتهاء كلمتي التي استغرقت الساعة أو يزيد، جاءني طالبٌ سعوديّ دراسات عليا يدرس في كندا، قال: هل تأذن لي بالكتاب، قلت تفضّل، وكنت أشرت إلى موضع الاستشهاد، فانتحى جانباً وقرأ النّصّ كاملاً، ثمَّ جاءني وقال: جزاك الله خيراً، رفعت غشاوة عن عينيّ!
7- في تلك الأيَّام الصَّفراء، وفي زيارة لسيّدنا الجليل أبي محسن (عبد الله الغريفي) (دامت بركاته)، نقل لي الآتي: سمعتُ أنَّ أستاذاً عراقيّاً في إحدى الحوزات العلميّة بقمّ قد شنَّ هجوماً على السيّد، وبحكم المعرفة، هاتفته وسألته: هل قرأت ما قاله السيّد أبو علي ، فإذا به يقول لي: لا لم أقرأ، بل تناهى إلى سمعي، فيقول السيّد تعجَّبت، وقلت له: منذ متى كنَّا نحكم على المسموعات؟ إذا كان هذا حالنا أهل العلم، فما بالنا بمن ليس له حظّ من العلم؟!
8- في تلك الأيَّام الصَّفراء، تحدّث السيد فضلُ الله في ندوةٍ من ندوات السَّبت في ذكرى ولادة الإمام عليّ (ع)، وذكر معاناة عليّ (ع) المريرة مع أمَّته، وكم كان يتأوَّه ويتألَّم من حالة الجزر المعرفيّ لدى فصيل وقطاع واسعين من النَّاس، وختم بالقول: كنّا نقرأ عليّاً في شكواه المتكرّرة من ظلم ذوي القربى ومن مريديه وأتباعه، وهو مَنْ هو، حتَّى ابتُلِينا ببعض ما ابتُلِيَ به، ونحن لا نساوي تراب أقدام عليّ!
9- في تلك الأيَّام الصَّفراء، قرَّرتُ أن أزوره في محلّ إقامته خلف مقام السيّدة زينب (ع)، والَّذي يقرب من (حوزة المرتضى) لأطيّب خاطره، كنَّا نجلس وحدنا في حديقة المنزل، ابتدأتهُ بالقول: سيّدنا، نحن منك نستمدّ الوعي، والعزيمة، والثَّبات، وما أظنُّ أنَّ ما يحصل ينالُ من بأسكم وتمسّككم بخطّكم الَّذي يقدّره ويحترمه البعيد قبل القريب، ولكنَّني أحبّ أن أحكي لك حكاية من الواقع، لا لأطيّب خاطرك، بل لأطيّب خاطري.
10- قلت له إنَّ الشَّاعر (نزار قباني) قبل نكسة حزيران 1967، كان يُعرَف بشاعر المرأة، وبعد النَّكسة، استلّ حسام قلمه، وراح يكتب شعراً ثورياً لا يقلّ جودةً عن وجدانيَّاته، فاستثار بذلك حسد الحاسدين وكيد الكائدين، فكتب بعضهم في الصَّفحة الأدبيَّة من صحيفة عراقيَّة (أفبعدَ أن أفسدتنا)؟! يهاجم فيه نزاراً، ويعتبره سبباً من أسباب النَّكسة، فالتقت إحدى الصحف بنزار، وسألته عمّن يثيرون الزوابع بوجهه، فما زاد أن قال: "هولاء كالأقزام، يتسلَّقون على أكتاف العمالقة، حتَّى يراهم النَّاس"!
11- تبسَّم السيّد، وقال: أمَّا أنا فأقول، كما قال ذلك الشَّاعر اللّبنانيّ:
يقولون!
ماذا يقولون؟
دعهُم يقولون!!
12- تعالى الصّياح – وأعفُّ عن استخدام الكلمة البديلة – من حوله، ومرَّت قافلة السيّد وهو مرفوع الهامة والقامة، يمارس مهامه، ويضطلع بمسؤوليَّاته، ويزاول دوره، حتَّى قال بملء فم الجرأة والحقّ: لن أتخلَّى عن مسؤوليَّتي في توعيتكم، حتَّى لو رجموني بالحجارة!
الصَّورة السَّابعة: وصحبناه في حملة الحجّ!
* من صفحته على فايس بوك.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية