الصّورة العاشرة: رسالة فضل الله إلى (بهيج سلامة)

الصّورة العاشرة: رسالة فضل الله إلى (بهيج سلامة)

1- دُعيت في تموز من العام 2010 من قبل مركز أهل البيت (ع) في (مونتريال)، بعد رحيل المرجع السيد فضل الله (رحمه الله)، لإلقاء كلمة بالمناسبة، حيث أقيمَ له حفل تأبينيّ حاشد، كنتُ المتحدّثَ الوحيد فيه – كما تقدَّمت الإشارة في صورة سابقة – وكان من بين الضّيوف الحضور لفيفٌ من الإخوة اللّبنانيّين، الَّذين دعوني – بعد الاستماع إلى الكلمة - لإلقاء كلمة أخرى في أربعينيّة السيّد في مركز الجالية اللبنانيَّة في مونتريال.
2- كنت وقتَ الاحتفال بالأربعين جالساً في أحد المقاعد الأماميَّة، حينما قدّمني عريف الحفل الستينيّ أو السبعينيّ (الحاج بهيج سلامة) الَّذي عرّفني بالقول إنَّني صاحب المجلَّدات الثَّلاثة من كتاب النَّدوة، فقلت له على مسمع من جمهور الحاضرين: الثَّلاثة أصبحوا عشرين يا سيدي! فعقّب بالقول: أنا عندما زرت بيروت أهداني السيّد الأجزاء الثَّلاثة فقط، ولم أعلم أنَّ السلسلة تتابعت بعد ذلك.
3- بعد انتهاء الحفل، دعاني الحاج بهيج إلى اللقاء في اليوم التالي في داره العامرة، قائلاً: عشّاق السيّد فضل الله هنا كثيرون، وأحبّوا – لا سيّما القدامى منهم- أن يجتمعوا بك للحديث عن ذكرياتهم وذكرياتك عن السيّد، فلبَّيت الدعوة، وكنت يومها ( قبل 15 عاماً) أصغرهم سنّاً، وإذا ببعضهم أعضاء في (أسرة التَّآخي) الَّتي أسَّسها السيّد أبو علي بعد قدومه من النجف عالماً مثقَّفاً مفعماً بالحماس، سبقه صيته وسمعة والده السيّد عبد الرؤوف فضل الله (زاد الله في فضل الوالد وما ولد)، وكان على رأسهم وفي مقدَّمهم ( الحاج بهيج سلامة) الَّذي كان هو ورفاقة - أيَّامَ الأسرة - في ريعان شبابهم.
وفيما نتحدَّث – وحديثنا فضل الله - قال الأستاذ بهيج، ما زلت أحتفظ برسالة بخطّ السيّد أبي علي عمرها يقرب من خمسين عاماً، فتهلَّلت للخبر، وقلت له: هاتها أرنيها، ولما اطَّلعت عليها، طلبت منه نسخة مصوّرة عنها، فوافاني بها من ورقتين موقَّعة وممضاة باسم السيّد الَّذي أحفظ خطّه كما أحفظ اسمي.
4- وهنا أحبّ – وأنا أقلّب ألبومي مع السيّد فضل الله – أن أقف عند أمر لافت – لا عند السيّد وحسب، بل لدى العلماء والأدباء والمفكّرين - وهو أنَّ رسائلهم الإخوانيّة البينيّة ليست رسائل عاديّة، ولا هي إخوانيّة بحتة، بل إنَّ بعضها سجال ثقافيّ أو مناظرات أدبيّة، أو مراجات فكريّة، فهي بعضُ تراثهم الفكريّ، بل والإنسانيّ أيضاً، ولذلك أُطلقَ عليها اسم (أدب الرَّسائل). وكم أتمنَّى مخلصاً على أنجال السيّد والعاملين معهم – حفظهم الله ورعاهم- أن يجمعوا هذا التراث في كتاب مستقلّ، باسم (رسائل السيّد فضل الله) أو أيّ اسم مناسب، لا أن تكون أوراقاً في ملحق بكتاب من كتبه، أو الكتب الأخرى الَّتي تتحدَّث عنه.
5- وبالمناسبة، حدَّثني مرّة أخي الأستاذ السيّد محمَّد الحسيني (دام توفيقه)، الَّذي رافق السيّد منذ بدايات تأسيس (حوزة المرتضى)، والَّذي كان مدير (ندوة السَّبت)، أنَّ قلم السيّد (رحمه الله) يسيل ويتدفَّق إذا أراد أن يكتب رسالة إلى أحدهم، وما كانت رسائله – كما أسلفت – إلَّا بعض وهج فكره، ونبضَ وجدانه، ودرساً من دروسه الحركيّة. ولعلّ الرسالة الَّتي بين يديَّ مثال ساطع وبارع عن كيف كان يوظّف السيّد حتَّى الرّسالة توظيفاً حركيّاً، فهو يثني على الجهود الخيّرة العاملة للإسلام، ويشدّ على أيدي الدعاة العاملين الناشطين الحركيّين، ويقدّم لهم تصوّراته وتقييماته لعملهم، ويوصيهم بالوحدة ورصّ الصّفّ، وما يدريني، فلعلَّ الَّذي جعل (الحاج بهيج سلامة) يحتفظ بالرّسالة لنصف قرنٍ من الزمان، ليست محبّة السيّد فقط، ولا لأنَّها لو عرضت في المزاد لبيعت بثمنٍ غال، بل لأنَّها بذاتها وثيقة حركيّة لم يعفُ عليها الزّمان!
6- ليسمح لي الإخوة ببعض التعليقات السريعة على الرسالة الجوابيَّة المؤرَّخة في: 8/10/1385 هجريَّة، أي قبل 62 عاماً من الآن.
في البداية، يُثني السيّد على رسالة الحاج بهيج، الشّابّ العشرينيّ يومها، الَّذي يصفه بالكامل، وعلى (أسلوبها المشرق النَّابض بالحياة، وروحها الحيَّة المشرقة بالطّهر، وعفويّتها المحبّبة الفياضة بالوداعة والحنان).
7- ثمَّ يشيد بـ (روحها الإسلاميّة المنطلقة بالإيمان، والَّتي تمثّل روح الشَّباب الَّذي يعيش وعي الرسالة في داخله، وحركة خطواتها في حياته)، ويصف شباب أسرة التَّآخي – وبهيج سلامة في الطَّليعة منهم - أنهم يمثّلون المجتمع الإسلامي الصَّغير، وهكذا تولد البذرة للمجتمع الإسلامي الكبير الّذي يظلّل حياة الناس بلطف الله وغفرانه، ثمّ تبدأ في النموّ والتفتح والانطلاق في آفاق الله الواسعة.
8- ويعرب له ولشباب التآخي عن حبّه الكبير، فيقول: (ولهذا أحببتكم بكلّ ما في قلبي من طاقة حبّ؛ أحببت الوداعة السَّابحة في عيونكم، المتطلّعة نحو السَّماء، وأحببت الإيمان الخاشع الذي ينحني لعظمة الله، وأحببت الجرأة في الحقّ الَّتي تطبع تصرفاتكم في مجال الدَّعوة بقوَّة وصمود، وأحببت تلك السَّواعد المفتولة الَّتي تتفجَّر قوّةً وطاقةً وحياةً لتندفع بها في خدمة الله)!
9- وأهمّ ما يركّز عليه السيّد الجليل هو (الروح الوحدويَّة)، فيقول: (أحببت هذه الروح الواحدة الَّتي تشدّ بعضكم إلى بعض، وتربط القلوب المتآخية برباط الإيمان، فكنتم مثلاً لقول النبيّ (ص): "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضاً")، ويحذّرهم من تفرقة دعاة السوء والشَّيطان بينهم، لئلَّا يفرّطوا في البنيان الكبير الَّذي بنوه، معتبراً الاستمرار في العمل أمانة الله في أعناقهم. ثمّ يشيد بما أخبروه بنشاطاتهم، داعياً لهم باجتناب الفرقة والاختلاف، وصدق الشَّاعر إذ يقول:
يفنى العبادُ ولا تفنى صنائعُهم فاختر لنفسك ما يحلو به الأثرُ
غداً – بإذن الله – صور متفرّقة
* من صفحته على فايس بوك.
1- دُعيت في تموز من العام 2010 من قبل مركز أهل البيت (ع) في (مونتريال)، بعد رحيل المرجع السيد فضل الله (رحمه الله)، لإلقاء كلمة بالمناسبة، حيث أقيمَ له حفل تأبينيّ حاشد، كنتُ المتحدّثَ الوحيد فيه – كما تقدَّمت الإشارة في صورة سابقة – وكان من بين الضّيوف الحضور لفيفٌ من الإخوة اللّبنانيّين، الَّذين دعوني – بعد الاستماع إلى الكلمة - لإلقاء كلمة أخرى في أربعينيّة السيّد في مركز الجالية اللبنانيَّة في مونتريال.
2- كنت وقتَ الاحتفال بالأربعين جالساً في أحد المقاعد الأماميَّة، حينما قدّمني عريف الحفل الستينيّ أو السبعينيّ (الحاج بهيج سلامة) الَّذي عرّفني بالقول إنَّني صاحب المجلَّدات الثَّلاثة من كتاب النَّدوة، فقلت له على مسمع من جمهور الحاضرين: الثَّلاثة أصبحوا عشرين يا سيدي! فعقّب بالقول: أنا عندما زرت بيروت أهداني السيّد الأجزاء الثَّلاثة فقط، ولم أعلم أنَّ السلسلة تتابعت بعد ذلك.
3- بعد انتهاء الحفل، دعاني الحاج بهيج إلى اللقاء في اليوم التالي في داره العامرة، قائلاً: عشّاق السيّد فضل الله هنا كثيرون، وأحبّوا – لا سيّما القدامى منهم- أن يجتمعوا بك للحديث عن ذكرياتهم وذكرياتك عن السيّد، فلبَّيت الدعوة، وكنت يومها ( قبل 15 عاماً) أصغرهم سنّاً، وإذا ببعضهم أعضاء في (أسرة التَّآخي) الَّتي أسَّسها السيّد أبو علي بعد قدومه من النجف عالماً مثقَّفاً مفعماً بالحماس، سبقه صيته وسمعة والده السيّد عبد الرؤوف فضل الله (زاد الله في فضل الوالد وما ولد)، وكان على رأسهم وفي مقدَّمهم ( الحاج بهيج سلامة) الَّذي كان هو ورفاقة - أيَّامَ الأسرة - في ريعان شبابهم.
وفيما نتحدَّث – وحديثنا فضل الله - قال الأستاذ بهيج، ما زلت أحتفظ برسالة بخطّ السيّد أبي علي عمرها يقرب من خمسين عاماً، فتهلَّلت للخبر، وقلت له: هاتها أرنيها، ولما اطَّلعت عليها، طلبت منه نسخة مصوّرة عنها، فوافاني بها من ورقتين موقَّعة وممضاة باسم السيّد الَّذي أحفظ خطّه كما أحفظ اسمي.
4- وهنا أحبّ – وأنا أقلّب ألبومي مع السيّد فضل الله – أن أقف عند أمر لافت – لا عند السيّد وحسب، بل لدى العلماء والأدباء والمفكّرين - وهو أنَّ رسائلهم الإخوانيّة البينيّة ليست رسائل عاديّة، ولا هي إخوانيّة بحتة، بل إنَّ بعضها سجال ثقافيّ أو مناظرات أدبيّة، أو مراجات فكريّة، فهي بعضُ تراثهم الفكريّ، بل والإنسانيّ أيضاً، ولذلك أُطلقَ عليها اسم (أدب الرَّسائل). وكم أتمنَّى مخلصاً على أنجال السيّد والعاملين معهم – حفظهم الله ورعاهم- أن يجمعوا هذا التراث في كتاب مستقلّ، باسم (رسائل السيّد فضل الله) أو أيّ اسم مناسب، لا أن تكون أوراقاً في ملحق بكتاب من كتبه، أو الكتب الأخرى الَّتي تتحدَّث عنه.
5- وبالمناسبة، حدَّثني مرّة أخي الأستاذ السيّد محمَّد الحسيني (دام توفيقه)، الَّذي رافق السيّد منذ بدايات تأسيس (حوزة المرتضى)، والَّذي كان مدير (ندوة السَّبت)، أنَّ قلم السيّد (رحمه الله) يسيل ويتدفَّق إذا أراد أن يكتب رسالة إلى أحدهم، وما كانت رسائله – كما أسلفت – إلَّا بعض وهج فكره، ونبضَ وجدانه، ودرساً من دروسه الحركيّة. ولعلّ الرسالة الَّتي بين يديَّ مثال ساطع وبارع عن كيف كان يوظّف السيّد حتَّى الرّسالة توظيفاً حركيّاً، فهو يثني على الجهود الخيّرة العاملة للإسلام، ويشدّ على أيدي الدعاة العاملين الناشطين الحركيّين، ويقدّم لهم تصوّراته وتقييماته لعملهم، ويوصيهم بالوحدة ورصّ الصّفّ، وما يدريني، فلعلَّ الَّذي جعل (الحاج بهيج سلامة) يحتفظ بالرّسالة لنصف قرنٍ من الزمان، ليست محبّة السيّد فقط، ولا لأنَّها لو عرضت في المزاد لبيعت بثمنٍ غال، بل لأنَّها بذاتها وثيقة حركيّة لم يعفُ عليها الزّمان!
6- ليسمح لي الإخوة ببعض التعليقات السريعة على الرسالة الجوابيَّة المؤرَّخة في: 8/10/1385 هجريَّة، أي قبل 62 عاماً من الآن.
في البداية، يُثني السيّد على رسالة الحاج بهيج، الشّابّ العشرينيّ يومها، الَّذي يصفه بالكامل، وعلى (أسلوبها المشرق النَّابض بالحياة، وروحها الحيَّة المشرقة بالطّهر، وعفويّتها المحبّبة الفياضة بالوداعة والحنان).
7- ثمَّ يشيد بـ (روحها الإسلاميّة المنطلقة بالإيمان، والَّتي تمثّل روح الشَّباب الَّذي يعيش وعي الرسالة في داخله، وحركة خطواتها في حياته)، ويصف شباب أسرة التَّآخي – وبهيج سلامة في الطَّليعة منهم - أنهم يمثّلون المجتمع الإسلامي الصَّغير، وهكذا تولد البذرة للمجتمع الإسلامي الكبير الّذي يظلّل حياة الناس بلطف الله وغفرانه، ثمّ تبدأ في النموّ والتفتح والانطلاق في آفاق الله الواسعة.
8- ويعرب له ولشباب التآخي عن حبّه الكبير، فيقول: (ولهذا أحببتكم بكلّ ما في قلبي من طاقة حبّ؛ أحببت الوداعة السَّابحة في عيونكم، المتطلّعة نحو السَّماء، وأحببت الإيمان الخاشع الذي ينحني لعظمة الله، وأحببت الجرأة في الحقّ الَّتي تطبع تصرفاتكم في مجال الدَّعوة بقوَّة وصمود، وأحببت تلك السَّواعد المفتولة الَّتي تتفجَّر قوّةً وطاقةً وحياةً لتندفع بها في خدمة الله)!
9- وأهمّ ما يركّز عليه السيّد الجليل هو (الروح الوحدويَّة)، فيقول: (أحببت هذه الروح الواحدة الَّتي تشدّ بعضكم إلى بعض، وتربط القلوب المتآخية برباط الإيمان، فكنتم مثلاً لقول النبيّ (ص): "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضاً")، ويحذّرهم من تفرقة دعاة السوء والشَّيطان بينهم، لئلَّا يفرّطوا في البنيان الكبير الَّذي بنوه، معتبراً الاستمرار في العمل أمانة الله في أعناقهم. ثمّ يشيد بما أخبروه بنشاطاتهم، داعياً لهم باجتناب الفرقة والاختلاف، وصدق الشَّاعر إذ يقول:
يفنى العبادُ ولا تفنى صنائعُهم فاختر لنفسك ما يحلو به الأثرُ
غداً – بإذن الله – صور متفرّقة
* من صفحته على فايس بوك.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية