مقالات
01/11/2025

إلى الشَّباب في الغرب: الحفاظ على الأصالة في زمن الانبهار

إلى الشَّباب في الغرب: الحفاظ على الأصالة في زمن الانبهار

حديثي مع الشَّباب الَّذين قد يتطلّعون إلى الاستغراق في عالم الغرب، كما لو كان هو الجنّة الموعودة الَّتي تحقّق له أطيب الأحلام، إنَّ عليكم أن تفكِّروا في أصالتكم الفكريَّة والعمليَّة المتمثّلة في أصالتكم الإنسانيَّة في الثّبات على الخطّ الإسلاميّ في حركتكم في الحياة.
ولست أقصد بالأصالة أن تأخذوا بالماضي جملةً وتفصيلاً، بل أقصد بها أن تؤكّدوا إسلامكم في أيّ انفتاح على كلّ ما هو جديد في الفكر والسّلوك، لأنَّ الجديد ليس هو جديد العصر ليقول قائل لكم إنَّ على الإنسان أن يعيش عصره في كلّ تطوّراته الفكريَّة، حتَّى لا يكون متخلّفاً عن واقع المعاصرة بما يمكن أن يجعله غريباً بين النَّاس، لأنَّ الأفكار القديمة أو الجديدة هي صنع الإنسان لا صنع الزَّمن، فقد يخضع النَّاس لفكر معيَّن بفعل القوى الَّتي تملك السَّيطرة على الواقع، وتفرضه على الحياة، من دون أن يكون للحياة أيّ دور في إنتاجه بفعل التطوّر.
وفي ضوء هذا، فإنَّ من الضّروريّ أن تدخلوا في عمليَّة مقارنة - إذا كنتم في موقع الموضوعيَّة الفكريَّة - بين الفكر الإسلامي الَّذي تنتمون إليه في التزامكم بالإسلام، وبين الفكر الشَّائع لدى الناس بفعل عوامل القوّة الَّتي فرضته على الواقع، فقد تجدون في الإسلام فكراً متقدّماً منفتحاً على المصالح الإنسانيَّة الحقيقيَّة، وتكتشفون في الفكر المعاصر فكراً متخلّفاً بعيداً من الواقعيَّة في معالجة مشاكل الإنسان المتعدّد الأبعاد حيث المادّة والرّوح.
إنّ المعاصرة في معناها الحيوي الإنساني ليست شيئاً في حركة الزمن في المضمون، بل هي شيء في حركة الإنسان في إنتاج إنسانيته في قضاياه ومشاكله وأوضاعه.. فلتكن لكم إرادتكم الفكريَّة في اختيار الفكر الذي تلتزمونه بوعي وانفتاح، بعيداً من كلّ الانفعالات المجتمعيَّة التي تضغط على الإنسان بفعل الأجواء العاطفيَّة الَّتي تستلب فكره بطريقة (العقل الجمعيّ) الَّذي يفقد الإنسان معه استقلاله الفكريّ وخياره الحرّ في الاتجاه العمليّ.
إنَّ الأصالة تمثل الجذور العميقة في إنسانيَّة الإنسان في الفكر الأصيل المنطلق من الله ورسوله الَّذي ينفتح على الزمن كلّه والحياة كلّها، فلا يخضع للماضي والحاضر والمستقبل في حدوده الزّمنيَّة.
أمَّا المعاصرة، فهي الانفتاح على العصر في حاجات الإنسان وقضاياه الحقيقيَّة في أبعادها المتنوّعة، بحيث يتمثّل الإنسان فيها حياته بشكل متوازن، من حيث التزامه بإسلامه، وانفتاحه على قضايا عصره، من خلال وعيه لهذا وذاك في اجتهاداته الفكريَّة، ووعيه الروحيّ لما يملك من عناصر الاجتهاد والوعي الَّذي يؤهّله ليدخل في حوار مع الفكر الآخر ومع الإنسان الآخر.
وإذا كان الغرب يمثّل القوة العمليَّة الكبيرة والتقدّم التكنولوجي الواسع، فإنّ علينا أن نفرّق بين مفردات العلم في حركة الحضارة، ومفردات الخطوط الفكرية والسلوكية في طريقة الإنسان في علاقته بالله وبنفسه وبالحياة، فلا نرى في النموّ المعرفي والعلمي دليلاً على صحّة المنهج الفكري في قضايا العقيدة والأخلاق والسلوك، وفي معاني الرّوح والوجدان، بل يجب دراسة كلّ قضية بحسب عناصرها الذاتية وتأثيراتها الحيوية في الواقع في خط الحقيقة.
ثمّ لا بدَّ من دراسة مسألة الحريات الإنسانية في أكثر من جانب، فلا يجوز الانفتاح عليها من البعد الواحد الَّذي يمثّل الحالة الفردية للإنسان، بل لا بدّ من التأمل الواعي للجانب الفردي والمجتمعي والعنصر المادي والروحي، إضافةً إلى الانتباه إلى حقيقة إيمانيَّة واحدة، وهي أن الإنسان من خَلْقِ الله، وعليه أن يتحرّك من موقع إرادة الله في حركته في الحياة، وفي إدارة شؤون نفسه وشؤون الأرض، ما يجعل القضية مرتبطة بعلاقة الإنسان بربه وبنفسه وبالناس من حوله، وبالأرض التي يتحرَّك عليها في واقعها البيئيّ والتنمويّ، وفي المخلوقات الحيَّة أو النَّامية الموجودة على ظهرها، لتكون الحريَّة مسؤولة عن ذلك كلّه، لأنّ الإنسان ليس هو المخلوق الوحيد الَّذي يعيش المأساة في تقييد حرّيّته، فللمأساة أكثر من موقع في مفردات النظام الكوني، الأمر الَّذي يفرض عليه أن لا يعيش معنى المأساة انفعالاً في ذاته الَّتي تبكي من الحرمان الذاتيّ، بل يعيش معها وعياً لكلّ حاجات ما حوله ومن حوله إضافةً إلى حاجاته، فالكون ليس إنساناً وحده، بل هو حيوان ونبات وبحر وبرّ وسهل وجبل، ومفردات متنوّعة هنا وهناك، وكلّ واحدة من هذه تتطلّب من الأخرى أن تتكامل معها في واقع الوجود، وأن لا تتجاوزها لتسقط كلّ أوضاعها الخاصَّة والعامَّة.
وهناك جوانب أخرى لا يتّسع المجال للحديث عنها، ولكنّني أختصر الحديث في كلمة واحدة، هي أنّ الشَّباب ليس لذّةً وشهوةً وانفعالاً وأحلاماً سعيدة، بل هو مسؤوليَّة وجوديَّة ترتبط بالوجود كلّه، وإنسانيَّة تتّصل بالإنسان كلّه، وروحيَّة تنفتح على الله وعلى الدّنيا والآخرة، لتفكّر في ذلك كلّه، ولتحصل على سلامة المصير في كلّ أبعاده الدنيويَّة والأخرويّة.

* من كتاب "الهجرة والاغتراب".
 
 
حديثي مع الشَّباب الَّذين قد يتطلّعون إلى الاستغراق في عالم الغرب، كما لو كان هو الجنّة الموعودة الَّتي تحقّق له أطيب الأحلام، إنَّ عليكم أن تفكِّروا في أصالتكم الفكريَّة والعمليَّة المتمثّلة في أصالتكم الإنسانيَّة في الثّبات على الخطّ الإسلاميّ في حركتكم في الحياة.
ولست أقصد بالأصالة أن تأخذوا بالماضي جملةً وتفصيلاً، بل أقصد بها أن تؤكّدوا إسلامكم في أيّ انفتاح على كلّ ما هو جديد في الفكر والسّلوك، لأنَّ الجديد ليس هو جديد العصر ليقول قائل لكم إنَّ على الإنسان أن يعيش عصره في كلّ تطوّراته الفكريَّة، حتَّى لا يكون متخلّفاً عن واقع المعاصرة بما يمكن أن يجعله غريباً بين النَّاس، لأنَّ الأفكار القديمة أو الجديدة هي صنع الإنسان لا صنع الزَّمن، فقد يخضع النَّاس لفكر معيَّن بفعل القوى الَّتي تملك السَّيطرة على الواقع، وتفرضه على الحياة، من دون أن يكون للحياة أيّ دور في إنتاجه بفعل التطوّر.
وفي ضوء هذا، فإنَّ من الضّروريّ أن تدخلوا في عمليَّة مقارنة - إذا كنتم في موقع الموضوعيَّة الفكريَّة - بين الفكر الإسلامي الَّذي تنتمون إليه في التزامكم بالإسلام، وبين الفكر الشَّائع لدى الناس بفعل عوامل القوّة الَّتي فرضته على الواقع، فقد تجدون في الإسلام فكراً متقدّماً منفتحاً على المصالح الإنسانيَّة الحقيقيَّة، وتكتشفون في الفكر المعاصر فكراً متخلّفاً بعيداً من الواقعيَّة في معالجة مشاكل الإنسان المتعدّد الأبعاد حيث المادّة والرّوح.
إنّ المعاصرة في معناها الحيوي الإنساني ليست شيئاً في حركة الزمن في المضمون، بل هي شيء في حركة الإنسان في إنتاج إنسانيته في قضاياه ومشاكله وأوضاعه.. فلتكن لكم إرادتكم الفكريَّة في اختيار الفكر الذي تلتزمونه بوعي وانفتاح، بعيداً من كلّ الانفعالات المجتمعيَّة التي تضغط على الإنسان بفعل الأجواء العاطفيَّة الَّتي تستلب فكره بطريقة (العقل الجمعيّ) الَّذي يفقد الإنسان معه استقلاله الفكريّ وخياره الحرّ في الاتجاه العمليّ.
إنَّ الأصالة تمثل الجذور العميقة في إنسانيَّة الإنسان في الفكر الأصيل المنطلق من الله ورسوله الَّذي ينفتح على الزمن كلّه والحياة كلّها، فلا يخضع للماضي والحاضر والمستقبل في حدوده الزّمنيَّة.
أمَّا المعاصرة، فهي الانفتاح على العصر في حاجات الإنسان وقضاياه الحقيقيَّة في أبعادها المتنوّعة، بحيث يتمثّل الإنسان فيها حياته بشكل متوازن، من حيث التزامه بإسلامه، وانفتاحه على قضايا عصره، من خلال وعيه لهذا وذاك في اجتهاداته الفكريَّة، ووعيه الروحيّ لما يملك من عناصر الاجتهاد والوعي الَّذي يؤهّله ليدخل في حوار مع الفكر الآخر ومع الإنسان الآخر.
وإذا كان الغرب يمثّل القوة العمليَّة الكبيرة والتقدّم التكنولوجي الواسع، فإنّ علينا أن نفرّق بين مفردات العلم في حركة الحضارة، ومفردات الخطوط الفكرية والسلوكية في طريقة الإنسان في علاقته بالله وبنفسه وبالحياة، فلا نرى في النموّ المعرفي والعلمي دليلاً على صحّة المنهج الفكري في قضايا العقيدة والأخلاق والسلوك، وفي معاني الرّوح والوجدان، بل يجب دراسة كلّ قضية بحسب عناصرها الذاتية وتأثيراتها الحيوية في الواقع في خط الحقيقة.
ثمّ لا بدَّ من دراسة مسألة الحريات الإنسانية في أكثر من جانب، فلا يجوز الانفتاح عليها من البعد الواحد الَّذي يمثّل الحالة الفردية للإنسان، بل لا بدّ من التأمل الواعي للجانب الفردي والمجتمعي والعنصر المادي والروحي، إضافةً إلى الانتباه إلى حقيقة إيمانيَّة واحدة، وهي أن الإنسان من خَلْقِ الله، وعليه أن يتحرّك من موقع إرادة الله في حركته في الحياة، وفي إدارة شؤون نفسه وشؤون الأرض، ما يجعل القضية مرتبطة بعلاقة الإنسان بربه وبنفسه وبالناس من حوله، وبالأرض التي يتحرَّك عليها في واقعها البيئيّ والتنمويّ، وفي المخلوقات الحيَّة أو النَّامية الموجودة على ظهرها، لتكون الحريَّة مسؤولة عن ذلك كلّه، لأنّ الإنسان ليس هو المخلوق الوحيد الَّذي يعيش المأساة في تقييد حرّيّته، فللمأساة أكثر من موقع في مفردات النظام الكوني، الأمر الَّذي يفرض عليه أن لا يعيش معنى المأساة انفعالاً في ذاته الَّتي تبكي من الحرمان الذاتيّ، بل يعيش معها وعياً لكلّ حاجات ما حوله ومن حوله إضافةً إلى حاجاته، فالكون ليس إنساناً وحده، بل هو حيوان ونبات وبحر وبرّ وسهل وجبل، ومفردات متنوّعة هنا وهناك، وكلّ واحدة من هذه تتطلّب من الأخرى أن تتكامل معها في واقع الوجود، وأن لا تتجاوزها لتسقط كلّ أوضاعها الخاصَّة والعامَّة.
وهناك جوانب أخرى لا يتّسع المجال للحديث عنها، ولكنّني أختصر الحديث في كلمة واحدة، هي أنّ الشَّباب ليس لذّةً وشهوةً وانفعالاً وأحلاماً سعيدة، بل هو مسؤوليَّة وجوديَّة ترتبط بالوجود كلّه، وإنسانيَّة تتّصل بالإنسان كلّه، وروحيَّة تنفتح على الله وعلى الدّنيا والآخرة، لتفكّر في ذلك كلّه، ولتحصل على سلامة المصير في كلّ أبعاده الدنيويَّة والأخرويّة.

* من كتاب "الهجرة والاغتراب".
 
 
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية