لا تتبِعوا خطوات الشيطان(*)

لا تتبِعوا خطوات الشيطان(*)

لا تتبِعوا خطوات الشيطان(*)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {... وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ*إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168 ـــ 169] وقال سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ*وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس: 60 ـــ 61] في أكثر من آية يحدّثنا الله عن الشيطان في بدء الخليقة، يحدّثنا الله عن إبليس الذي هو النموذج الغيبيّ للشيطان وكيف أخرج أبوينا من الجنّة في خداعه، الذي كان يتحدّث فيه إليهما بأسلوب النصيحة، وقال لهما: إنّي لكما من الناصحين، ولكنّه كان يخفي في داخله معنى، يريد من خلاله أن يوقعهما في البعد عن إرادة الله.
وقد أرادنا الله أن نكون واعين لهذه المسألة {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} [الأعراف : 27].
وحدَّثنا الله في سورة الأعراف عن الشيطان، عندما أمهله الله إلى يوم الوقت المعلوم وأنظره وأمدَّه في حياته، وقف أمام الله وقال له {...لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ*ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16 ـــ 17] وهكذا أرادنا الله أن نكون حذرين من كلّ تسويلاته وتهويلاته ومن كلّ تزيينه وحيله وخدعه، وأرادنا دائماً في كلّ أمر أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن نستحضر دائماً في نفوسنا كلّ مواقعه وكلّ جنوده وكلّ حيله وكلّ خدعه وكلّ أمانيه وغروره وخيله ورجاله وشركه وأحزابه وأتباعه.. وفي كلّ دعاء علَّمنا الله أن نستعيذ من الشيطان، وأرادنا في الأدعية أن نستحضر كلّ المواقع وكلّ الوسائل وكلّ المجتمعات وكلّ القيادات التي يتحرّك فيها الشيطان، على أساس أنّها مواقعه وعلى أساس أنّ هؤلاء جنوده، لأنّه حدّثنا عن جنود الشياطين وجنود إبليس أجمعين.
لماذا ذلك؟ لأنّ الله يريد أن يثير في وعينا الداخلي، في عقلنا وفي مشاعرنا وفي مواقعنا، أراد الله أن يثير فينا، أنّ هناك معركة دائمة مستمرّة بيننا وبين الشيطان، لأنَّ الشيطان أصرّ على أن لا ندخل الجنّة التي أخرجنا منها، أصرَّ على ألاّ نعبد الله لنكون قريبين منه. لقد تعقَّد من تقريب الله لآدم باعتباره مظهر الإنسان الذي جعله الله خليفته في الأرض، وتحوّلت هذه العقدة إلى أن رفض السجود له من موقع العصبية {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [صـ : 76] ومن خلال هذه العقدة عمل على أن يستغلّ بساطة آدم وعدم دخوله في تجربة تجعله واعياً لما يدبّر له، فأخرجه من الجنّة.
الشيطان عدوّ
ثمّ بعد ذلك، أعلن أنّه يريد أن يكيد لكلّ أبنائه ولكلّ الناس الذين يتناسلون منه في كلّ المجالات، فهو ـــ في ما يصوّره لنا القرآن ـــ هو شخصية معقّدة من الإنسان، تدفعه عقدته إلى أن يمنع الإنسان من أن يكون قريباً من الله، ليمنعه من دخول الجنّة. وهذا ما عبَّر الله عنه في كتابه المجيد {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر : 6].
ولقد حدَّثنا الله في القرآن الكريم أنّ هناك شياطين الإنس وشياطين الجنّ، كما ذكر الله في بعض آياته {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً...} [الأنعام : 112] بمعنى أنّهم يجتمعون من أجل أن يرتّبوا الكلمات التي تثير الحقد والفتن والأضغان والشرور في ما بين الناس.
وهكذا رأينا الله في سورة الناس، يدعو كلّ شخص إلى الاستعاذة بالله من هؤلاء الذين يوسوسون للنّاس ويربكون تفكيرهم ويضلّلون مشاعرهم وعواطفهم وينحرفون بهم إلى الطريق الذي يؤدّي إلى النار {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ*مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ*مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ} [الناس: 1 ـــ 6] يعني هناك من يوسوس للإنسان في صدره، ليثير فيه الأجواء التي تنحرف به عن الخطّ المستقيم.
لذلك أراد الله منك أن تقرأ هذه السورة، عندما تعيش مع رفاقك ومع أصدقائك ومع أقربائك ومع كلّ الناس الذين تتعامل معهم ويتعاملون معك، لتنتبه إلى أنّه من الممكن أن يكون هناك وسواس خنّاس في داخل هؤلاء، فلا تستسلم لأصحابك كلّهم فتقبل كلّ ما يقولون، ولا تستسلم لأقربائك فتوافق على كلّ ما يقرّرونه، ولا تعمل على أن تغمض عينيك عمّا حولك لتتبع كلّ ما يخطِّطون.لأنّ من الممكن أن يكون هناك وسواس خنّاس في المجتمع ولا يعرفه الإنسان، لذلك لا بدّ أن تكون حذراً في المجتمع إلاّ مَن ثبت عندك أمانته وصدقه وإيمانه.
لو أنّك عرفت أنّ هناك عدواً لك فهل تقف موقف الاسترخاء؛ أم أنّك تحتاط لنفسك؟ من الطبيعي عندما تعرف أنّ هناك عدواً يريد أن يقتلك أو يريد أن يقضيَ على مصالحك، سواء في المواقع السياسية أو التجارية أو الثقافية أو الاجتماعية أو الأمنية، فإنّك كإنسان تحتاط لنفسك في كلّ مواقع الاحتياط، ولا تستسلم للواقع من حولك حتّى تستطيع أن تكتشفه.
وهكذا عملية الاستعاذة من الوسواس الخنّاس هي أسلوب قرآني، يريد الله من الإنسان أن يثق بربّه ويستجير به ممّا لا يعلم، وأن يكون واعياً لا يواجه ما حوله بعقلية ساذجة وبسيطة.
هناك فرق بين أن تكون طيّب القلب طاهراً، وبين أن تكون ساذج العقل. كن الإنسان الذي يحسب حساب كلّ الكلمات التي يسمعها، وحسابات كلّ المواقف التي يريد أن يقفها، وحسابات كلّ الأوضاع التي يعيشها الآخرون. كن الإنسان الحذر وانفتح بقلبك الطيّب على الناس، ولكن لا تدع أحداً يستغلّ طيبتك، من أجل أن يتحرّك لأهداف الشرّ أو من أجل أن يستغلّك ويستغلّ موقفك بما لا يرضي الله.
هذا هو الخطّ؛ أن تكون واعياً أمام خطوات الشيطان، سواء كان شيطان الإنس أو شيطان الجنّ. كيف نتعرّف على خطوات الشيطان أو نتعرَّف على الشيطان؟ ما هو الخطّ إذا أردنا أن نميِّز بين حالة شيطانية أو حالة غير شيطانية، لأنَّ الله يقول: {... وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 168]؟ كيف نستطيع أن نتعرَّف على خطوات الشيطان؟ {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء...} [البقرة: 169] السوء هو كلّ سيّئة من السيّئات، التي تسيء إلى حياة الناس في واقعهم الفردي أو الاجتماعي، في السياسة والاقتصاد والحرب والسلم وما إلى ذلك. والفحشاء هي الأعمال التي تتعدَّى الحدود التي وضعها الله للأشياء. فقد تكون فحشاً في مسألة العرض أو في السياسة أو في الاجتماع {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] يعني أن تنسبوا إلى الله حكماً لم يشرّعه، أو كلمة لم يقلها، أو مفهوماً لم ينزله في رسالاته وفي شرائعه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ...} [النور : 21]، الذي هو كلّ ما حرَّمه الله في الحياة، ممّا يتّصل بحياة الناس الفردية أو الاجتماعية.
الالتزام بشرع الله
كيف نحدِّد الأمور في مفردات حياتنا التحديد الأساسي؟ نحدِّدها بأن نرجع إلى الشريعة {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ*وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس: 60 ـــ 61] عبادة الله طاعته، طاعة الله أن تلتزم بأوامر الله فتفعلها، وتواجه نواهيه فتتركها. معنى ذلك أنّ أيّ محرم تفعله في مأكل أو في مشرب أو في لعب أو في علاقة أو في موقف، فإنَّ ذلك يعتبر من خطوات الشيطان، لأنّه ممّا حرَّمه الله، الذي هو من المنكر والسّوء، فأنتَ عندما تفعل ذلك فإنّما تكون قد اتّبعت خطوات الشيطان.
أعطيكم مثلاً من القرآن، عندما يتحدّث الله سبحانه وتعالى عن موضوع الخمر والميسر أي القمار {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90 ـــ 91]. هل تتركون هذه الأمور أو هذا السير؟ إذاً الله يقول لنا: إنَّ من يشرب الخمر فقد عَبَدَ الشيطان وأطاعه والتزم أمره، وكذلك من يلعب القمار فقد عَبَدَ الشيطان وأطاعه والتزم أمره، أيضاً من يحقّق وسائل الشيطان في إثارة العداوة والبغضاء بين الناس، فإنّه يكون قد أطاع الشيطان وعبده، ومن يصدّ الناس ويشغلهم ويلهيهم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهو يتحرّك في خطّ الشيطان. وهكذا في كلّ المجالات العملية، ما يتعلَّق منها بالأكل الحرام والشرب الحرام واللّبس الحرام واللّعب الحرام واللّهو الحرام والعلاقة الحرام والموقف الحرام.
إذاً، عندما يقول لك الله هذا ما أُريد، فإنَّ هذه إرادة الله. وعندما تجد مواقع ما حرَّمه الله فإنَّ هذا ما يريده الشيطان.
لهذا لن تستطيعوا أن تعلموا أعمال الشيطان، إلاّ عندما تعرفوا أحكام الله في حلاله وفي حرامه، حتّى تستطيعوا أن تميِّزوا بين الحلال والحرام، ولن تستطيعوا ذلك إلاّ إذا رجعتم إلى الأُمناء على حلال الله وحرامه، ممّن يملكون علم الإسلام، ووعي الإسلام في الواقع، لأنَّ المسألة النظرية في هذا المجال لا تكفي. بعض الناس قد يقولون كلمات الحقّ ولكنّهم يريدون به الباطل، كما واجه الخوارج الإمام عليّ (عليه السلام) عندما دخل في التحكيم من خلال الظروف الصعبة في معركة صفّين، قالوا له لا حكم إلاّ لله قال لهم: صحيح، لا حكم إلاّ لله، لكنّها كلمة حقّ يريدون بها باطلاً. إنّهم يقولونها، ولكنّهم يطبّقونها تطبيقاً سيّئاً، ليعتبروا أنّ ما حدث في التحكيم هو خلاف حكم الله والمسألة ليست كذلك.
ولهذا لاحظنا أنّ الإمام (عليه السلام)، عندما رفع عمرو بن العاص المصاحف، قال لهم: نحن أعرف منهم بالمصاحف، نحن قاتلناهم حتّى يؤمنوا بالشّعار ولكن في كثيرٍ من الأحيان، يكون الشعار برّاقاً يرضي كثيراً من الناس الطيّبين، ولكن قد يكون التطبيق سيّئاً. لهذا لا بدّ في مسألة تحريك الحلال والحرام في حياة الناس وتطبيقها على واقع الحياة، لا بدّ من أن يكون الإنسان عارفاً بالواقع حتّى يستطيع أن يدرسه، ليعرف كيف يطبّق الحكم الشرعي على الواقع، ولا بدّ أن يكون بصيراً بأهل زمانه، ليعرّف الناس على واقعهم في ما يراد لهم أن يحرِّكوه في الواقع.
ولهذا جاء في الحديث: أنّ وليّ أمر المسلمين لا بدّ أن يكون عارفاً بصيراً بأهل زمانه، لا يكفي أن يكون إنساناً عارفاً بالأحكام، بل لا بدّ أن يكون عارفاً بحركة الأحكام في الواقع، ليعرف كيف ينظّم حياة الناس، وكيف يمكن له أن يحميَ المسلمين والمستضعفين من الكلمات، التي قد يكون ظاهرها حقّاً ولكنّ باطنها في خطّ الباطل.
لهذا لا بدّ للحاكم الذي يدير حياة الناس ويتحرّك فيها من أن يملك وعياً فقهياً، ليعرف أحكام الله، كما لا بدّ له أن يتمتَّع بوعي سياسي واجتماعي، ليعرف كيف تتحرّك أحكام الله في الحياة.
وهكذا نجد أنّنا في كلّ مسيرتنا الإسلامية، لا بدّ لنا من أن ندقّق في جانب التطبيق، كما ندقّق في جانب النظرية، ولا بدّ من أن نعرف مواقع حكم الله في الأرض، كما نعرف مواقع حكمه في الكتاب والسُنّة.
ومن هنا كان لا بدّ من أن يكون الذين يلتزمون أمور المسلمين واعين وعياً حياتياً عامّاً، حتى لا يخدعهم الناس، ولا يضلّلوهم، وحتّى لا يُستغلُّوا على أساس ما يقدّم لهم من أشياء ومن أوضاع.

وعي الواقع ضرورة
في تاريخنا الإسلامي عشنا مشاكل كثيرة من خلال بعض العلماء، سواء في العراق أو في إيران أو في غيرهما من بلاد العالم الإسلامي، الذين لا يشكّ الناس في طيبتهم وإخلاصهم وطهارتهم. لكنَّ مشكلتهم أنّهم كانوا معزولين عن الواقع، لا يستطيعون أن يدركوا الواقع، فجاءهم المستعمرون من خلال بعض الأوضاع التي كانت تعيش في دائرتهم، على أساس أنّهم جاؤوا منقذين في الوقت الذي جاؤوا فيه مستعمرين، لأنَّ هؤلاء الطيّبين لم يستطيعوا أن يكتشفوا عمق اللّعبة السياسية التي تحرّك فيها المستعمرون ولم يستطيعوا أن يفهموا طبيعة اللّغة التي يتكلّم بها المستعمرون، ولهذا استطاع المستعمرون أن يستغلُّوا هذه الطيبة في اتّجاه مصالحهم.
ولعلَّ الجوّ الثقافيّ الذي أراد أن يخدّر الأُمّة، حاول أن يبيّن للناس أنّ الإنسان يكون عالِماً موثوقاً بقدر ما يكون ساذجاً وبقدر ما يكون بعيداً عن أمور الناس وحياتهم وبعيداً عن فهم الواقع والحياة. ولكنَّ الله علَّمنا أنّ علينا أن نقتديَ بالعالِم العامل، الذي لا يكون هناك مَن هو أفضل منه، وهو رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). وقد قال الله لنا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب : 21]. رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان يعرف كلّ مجتمعه، وكان يخاطب كلّ إنسان بما يعرف أنّه يصل به إلى القناعة، وكان يحرّك الأمور من خلال دراسته لعمقها لا لسطحها، كان لا يدخل حرباً إلاّ بعد أن يحسب حسابها، وكان لا يواجه مشكلة إلاّ ويدرسها دراسة تامّة. كان أعرف الناس بالناس، وكان قريباً في الحياة، لقد دخل رسول الله حياة الناس كلّهم، وكان يعمل على أن يطّلع عليها. وكان القرآن يثقّفه ثقافة سياسية، فيثقّف المسلمين من خلاله عندما كان يُحدّثه عن المشركين، كيف يتحرّكون، وكيف يجب أن يتحرّك معهم، وكان يحدّثه عن اليهود وكيف يواجه مؤامراتهم، ويحدّثه عن نفسيّاتهم وتاريخهم وأوضاعهم وأساليبهم، وعن النصارى ويميّز بينهم وبين اليهود. هكذا كان يستفيد من كلّ ما قال الله حتّى قال: "أدَّبَني ربّي فأحسن تأديبي"(1). وكان يثقّف المسلمين ليصنع عندهم وعياً سياسياً. في بعض الحالات، كان المسلمون يستسلمون بفعل الطيبة. كان اليهود يعيشون في مجتمع المدينة والمسلمون يشترون ويبتاعون منهم، وكانوا يتصادقون وربّما يستسلمون لهم ويعطونهم أسرارهم. فأنزل الله في ذلك آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران : 118] وهؤلاء لا تحبُّونهم ولا يحبُّونكم، {... وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران : 119] وهكذا كان القرآن يعطي المسلمين وعياً سياسياً، أن ادرسوا الناس من حولكم في كلّ أوضاعهم السياسية والاجتماعية، حتى تستطيعوا أن تتعرَّفوا على الواقع، ولا تستسلموا إليهم، عندما تعرفون أنّ واقعهم عدواني.
هذه المسألة من المسائل الأساسية التي يريدها الله من علماء المسلمين ومن المسلمين أنفسهم. ولهذا لا بدّ من أن يكون الإنسان المسلم واعياً للواقع، فقد يصبر لكثير من الأوضاع من أجل قضية، وقد يجمد كثيراً من الشعارات لمصلحة الشعار الأكبر.
الركون إلى العدو
نحن نعرف مثلاً في بلادنا الإسلامية والعربية بشكلٍ عام، أنّ كلّ طائفة من الطوائف تختزن في داخلها المشاعر الذاتية تجاه الرموز التي تؤمن بها في التاريخ أو في الواقع، وقد تتّخذ لنفسها مشاعر عدائية ضدّ طائفةٍ أخرى ـــ نجد ذلك في المسلمين وفي غير المسلمين ـــ وهنا عندما يحمل الإنسان المشاعر الملتهبة في موقعه الطائفي ضدّ طائفة أخرى، فإنّه إذا لم يكن واعياً فسيأتي الآخرون ليحرِّكوا المشاعر الطائفية السلبية لديه أو لدى الطائفة الأخرى. وهذا ما عانيناه في بلادنا الإسلامية في كلّ الحروب التي حدثت بين السُنّة والشيعة، ذلك أنّ التاريخ غذَّى السُّنّة بأحقاد وأكملها الواقع، كما غذَّى الشيعة بأحقاد وأكملها الواقع. وتأتي بريطانيا للشيعة تارّةً وتقول لهم: إنّا معكم، السُّنّة يسيؤون إليكم ونحن نريد أن ننصركم عليهم. وعندما يجدون أنّ بريطانيا معهم فمن الطبيعي أنّ ذلك يشعرهم بالقوّة لالتزامهم بمواقفهم العصبيّة. وتأتي أيضاً بريطانيا ـــ عندما كانت سيّدة المنطقة ـــ لتقول للسُنّة: إنّ الشيعة يسبّون ويشتمون، تعالوا نحاصرهم ونضيّق عليهم من خلالكم. وهكذا استطاع الاستعمار أن يصنع مصالح سنيّة، يجد السُّنّة فيها أنّ الشيعة يريدون أن يقفوا أمامها، ومصالح شيعية يرى الشيعة أنّ السنّة يريدون أن يقفوا أمامها، مع أنّنا نعرف أنّ بريطانيا لا تخلص للإسلام أبداً، وأنّها لا يهمّها السنّة والشيعة إلاّ من خلال المشاعر والتوتُّرات التي تحرّكها، لتحمي مصالحها عندما تشغل المسلمين بعضهم ببعض.
هنا الواعون من المسلمين يقولون للمستعمرين ـــ في السابق للبريطانيين، وفي الحاضر للأميركيين، الذين يمارسون استعماراً جديداً غير مباشر ـــ يقولون لهم كما قال عليّ (عليه السلام) "لأسلمنَّ ما سَلِمَت أمور المسلمين"(1). المسألة كيف تسلم قضايا المسلمين، وكيف تسلم أمورهم. لأنَّ الواعين يعرفون أنّ بريطانيا أو أميركا أو فرنسا أو أيّة دولة من هذه الدول، التي تعمل على مصادرة حريّات المسلمين وأمنهم واقتصادهم وثقافتهم، يعرفون أنّ هذه الدول تمثّل الشيطان في المفهوم القرآني، لأنَّ الشيطان دوره أن يزرع العداوة والبغضاء، وأن يأمر بالسوء والفحشاء، وأن يقود الناس إلى عذاب السعير في الدنيا والآخرة. لهذا فإنَّ الواعين لا ينخدعون بأساليبه ووسائله، وإنّما يقولون كما قال عليّ (عليه السلام)، عندما كانت الحرب مشتعلة مع معاوية في صفّين، وجاءه من يقول إنّ ملك الروم قد يستغلّ هذه الحرب، حتّى يهجم على بلاد المسلمين، فقال: عندها نكون أنا ومعاوية عليه. هذه الخلافات داخلية، ولكن عندما تكون المسألة مسألة المسلمين، فنكون أنا ومعاوية عليه. هذا هو الوعي، بينما يندفع الناس في اللّعبة الطائفية ويستغرقون فيها، ليهيِّئوا للاستعمار الأجواء التي تساعده على أن يعمّق مواقعه ويركّز مواقفه ويهدم مصالحنا من حيث لا يدرون. هم طيّبون، ولكن طيّبون لا عن وعي، طاهرون لا عن فهم في مسألة اللّعبة السياسية، لهذا فالذي يريد أن يتسلَّم أمور المسلمين في أيّ موقع، لا بدّ أن يكون واعياً للّعبة السياسية والاجتماعية والثقافية. وإلاّ فعليه أن ينسحب، لأنّه عندما يضع نفسه في موقع لا يستطيع أن يديره فإنّه يسيء إلى الموقع نفسه. ولهذا يجب أن نواجهه في كلّ القضايا العامّة. وهذا ما يجب أن تعيه الأُمّة في كلّ مواردها وكلّ مصادرها في الحياة.
الاستخبارات وبثّ الفتن ـــ الفتنة بين الشيعة
في هذا الخطّ، نريد أن نقترب من واقعنا أكثر، سواء كان الواقع محليّاً أو إقليمياً أو دولياً. في الواقع المحلي هناك "همروجة" في حياة الناس ـــ ولاسيّما في جبل عامل العزيز وهو بلد العلم والجهاد والتحدّي لكلّ المشاريع الاستعمارية ـــ إذ يحاول الكثيرون أن ينفخوا في النار التي أوقدوها، ليثيروا الجوّ من خلال كلمات أو انفعالات أو ممارسات. وتأتي جماعات إلى هنا لتحرّك القضية في هذا الاتجاه، حتّى عاش الناس وضعاً غير طبيعي في هذا المجال، وبدأت المسائل والأوضاع تتحرّك في الخارج عند أجهزة المخابرات الأميركية والأوروبية وأجهزة المخابرات اللبنانية الرسمية والحزبية وأجهزة المخابرات العربية، وبدأ جمع الحطب وأعواد الثقاب بحجّة أنّه قد حدثت هناك حرب مسيحية إسلامية وحرب شيعية سنيّة أو سنيّة درزية. وبقيت المسألة الأخيرة، هؤلاء الشيعة كبروا أكثر من اللازم، وأصبحوا يشكِّلون خطراً على المعادلة، وأصبحوا ثوريين أكثر من اللازم، وأصبحوا إسلاميين أكثر ممّا نريدهم. لهذا تعالوا إلى الحرب الشيعية ـــ الشيعية. هكذا نواجه أجهزة الإعلام التي تكذب كثيراً وتحاول أن تثير الأعصاب والمشاعر، سواء كانت إذاعات أو صحفاً ومجلات. نريد قبل الدخول في تحليل الأمور أن نقول: تلك أمانيّكم، لن تحدث هناك حرب شيعية. إنّنا بأجمعنا مهما اختلفت الأساليب أو الأفكار السياسية، سننزل جميعاً إلى الأرض لنمنع ذلك كلّه، ونحن نعمل في الليل والنهار على ألاّ يكون ذلك، وسوف لن يكون إنْ شاء الله. هذا ما نقوله لكلّ الذين يراهنون على حرب شيعية ـــ شيعية: ستخسرون الرهان إنْ شاء الله. ثم نريد أن نقول لكلّ أهلنا وأخوتنا وللنّاس كافّة وللمسؤولين أينما كانوا وفي أيّ طرف وُجِدوا: لا تطيعوا أحداً في أيّ موقع من مواقع القتال، أسقطوا كلّ القيادات التي تريد أن يقاتل بعضهم بعضاً، أسقطوهم، واعزلوهم، تمرَّدوا على كلّ الأوامر التي توجَّه إليكم عندما يُراد لكم أن تُقاتِلوا إخوانكم. إنّنا نقولها من موقع مسؤوليتنا الشرعية، لكلّ أبنائنا في حركة أمل وفي حزب الله، لا يجوز شرعاً أن يحمل إنسان مؤمن سلاحاً على إنسان مؤمن، القاتل والمقتول في النار. ونريد أن يسمعها كلّ شبابنا في الجنوب في هذه الدائرة أو في تلك كما نريد أن يسمعها شبابنا هنا. إذا كان هناك في الساحة مَن استطاع الشياطين أن يضلّلوه ويجعلوه يعمل مع أيّ جهاز مخابرات، سواء إسرائيلية أو أميركية أو أيّ دولة مضادّة للإسلام والمسلمين، فعلينا أن نحاصره ونطوّقه ونجعله بعيداً عن مواقعنا.
لا يجوز القتال من أجل ضابط جاسوس
لن نتحدّث طائفياً، عندما نتحدّث عن الوقوف ضدّ حرب الشيعة والشيعة، فقد وقفنا قبل ذلك ضدّ حرب الشيعة والسُّنّة، ولكنّنا نريد أن نقولها لكلّ الشباب المؤمن: أنتم خزّان الجهاد في هذا البلد، وأنتم الساحة التي تقاتل "إسرائيل"، لا يجوز أن يكون هناك قتال بين السُنّة والشيعة من أجل ضابط أميركي. بعض الأخوة يقولون إنّها مسألة الأمن في الجنوب. نحن مع أمن الجنوب لأنَّ الجنوب بدون أمن لا يستطيع أن يقاتل "إسرائيل"، لكن نريد أن ندرس المسألة بهدوء. لا نعرف مَن هم الخاطفون بشكلٍ دقيق، المنظّمات التي تعمل بهذا الأسلوب هي منظّمات لا تعمل بالدوائر السياسية المطروحة في العلن، ولكنّها منظّمات لها خطّ ثوري خاص، ثمّ علينا أن نميّز بين جهة تعيش في الجنوب من قوّات دولية أو غير دولية، جهة تعمل من أجل أن تؤدّيَ مهمّاتها بشكلٍ معقول وطبيعي، وبين جهة تتّخذ من موقعها في المؤسّسات الدولية غطاءً للعمل بكلّ جهودها، في سبيل أن تتحرّك لمصلحة المخابرات الأميركية أو الأوروبية، للتخطيط للسيطرة على الجنوب لحساب أميركا و"إسرائيل". إذا كانت المسألة كذلك فكيف تقولون إنَّ التعرّض لهؤلاء، بقطع النظر عن الأسلوب، يعتبر ضدّ الأمن أو مع الأمن؟ "وَشَهِدَ شاهدٌ من أهله"، نحن لا نعرف هذا الضابط الأميركي، لكن جريدة "الواشنطن بوست" قالت: إنّه ضابط كان يعمل ليجمع المعلومات لحساب أميركا و"إسرائيل" عن حزب الله، شغله مراقب في الهدنة، وهو ليس من القوات الدولية. بل إنّه من الأشخاص الذين لهم دورٌ كبير في المسألة العسكرية الأميركية ويختزن أسراراً تؤثّر على كثير من أوضاع المنطقة. حتّى إِنَّ "ريغان" اليوم يصرّح بأنّ هذا الشخص لن يفشي الأسرار الموجودة عنده تجاه الأوضاع المتعلّقة بـــ "إسرائيل" وبغيرها. كيف ننظر إلى هذه المسألة، وعندنا معلومات سابقة بأنّ بعض ضبّاط القوات الدولية عملاء ـــ ولسنا هنا بصدد تحريك مسألة القوات الدولية ومسألة الوقوف ضدّها، قد نختلف مع الآخرين في فائدتها الكبيرة ولكن لسنا في وارد أن يقف أحد ضدّها ـــ لكن نحن نعرف أنّ بعض فصائل القوّة الدولية من الدول الكبرى في الجنوب، كانت تذهب إلى كلّ قرية من قرى منطقة صور وتدخل كلّ منطقة وتستخبر كم يوجد فيها من حزب الله ومن حركة أمل ومن عناصر كامل الأسعد، وهذه العائلة وعلاقتها مع هذه العائلة؟ وما إلى ذلك من معلومات. ما دخل القوّات الدولية بهذا العمل؟ لماذا ندفن رأسنا كالنعامة؟ هل نقول كما قال الشاعر:
يا ضيفنا لو جئتنا لَوَجَدْتنا نحنُ الضيوف وأنتَ ربُّ المنزلِ
يجب أن يبقى الضيف ضيفاً، بشرط أن يحفظ حقوق المضيف. لهذا نحن نقول: إنّه يجب أن يكون هناك وعي، نحن لا نريد أن ندخل في معركة مع القوات الدولية، ولا حتى مع المراقبين الدوليين، مع العلم بأنَّ المراقبين وُجِدوا لا ليراقبوا "إسرائيل" كيف تقوم بالاعتداء على الجنوب، ولكن ليراقبوا المجاهدين كيف يحاولون أن يضربوا اليهود. أصل سياسة المراقبين كانت القيام بهذه المهمة. عندما تصل المسألة إلى هذا المجال، يجب أن نعيد النظر بدراستنا للموضوع، وبهذا أنا أقول لكلّ الأخوة ليدرسوا هذه الأمور بالعمق، لأنَّ إطلاق هذه الأمور والتحاور فيها من خلال الصحف أو من خلال الحفلات، لا يؤدّي إلى نتيجة، لأنَّ كلّ فريق يسجّل نقطة على الفريق الثاني. الحوار العميق الذي يحفظ للبلد أمنه ويحفظ للأمن الأمن الجهادي كما الأمن الاجتماعي والسياسي، يحفظه من كلّ المؤامرات التي يصبو إليها المستعمرون. عندما تقول "الواشنطن بوست" إنّه يتجسَّس فهل ندافع عنه ونقول إنّه ليس جاسوساً؟ ثمّ ما عمل المراقبين الدوليين في منطقة صور، وشغلهم يجب أن يكون على الحدود؟ لماذا يأتون إلى القرى؟ لا نريد أن ندخل في جدل قانوني في هذا الموضوع، لكن نريد أن نقول: إنَّ علينا أن نواجه القضايا بوعي عميق، لأنَّ معركتنا مع "إسرائيل" ليست بالرصاص فحسب، وإنّما بالأمن أيضاً، لأنَّ "إسرائيل" تحاول أن تدخل في صفوفنا لتزرع جواسيسها في داخلنا وفي واقعنا. ريغان صرَّح في وقتٍ من الأوقات بأنّنا، إن لم نستطع أن نوقف هؤلاء المتطرّفين، فإنّنا سوف ندخل إلى مواقعهم من خلال المخابرات.
متفجّرة بئر العبد كانت عملية مخابراتية أميركية ـــ إسرائيلية ـــ لبنانية بتمويل سعودي، وهذا يعني أنّ عمل المخابرات ليس أخذ المعلومات فقط، بل هي عملية منسّقة ومرتّبة باتّجاه قتل المؤمنين والمؤمنات.
يجب أن نواجه هذه المسألة من خلال طبيعتها الواقعية. نحن ذكرنا أنّ هذه المنظّمات، التي تعمل في الخفاء تنطلق في الساحة الكبيرة الاقليمية والدولية. لهذا، كلّ أساليب الدَّهم والحواجز من الصعب جداً أن تحلّ هذه المسألة، لا بدّ أن تدرس المسألة بواقعية. وإذا كان الجميع يُبرّئون أميركا من عمليات الخطف فإنّنا نلاحظ أنّ أميركا تقوم رسمياً بعمليات الخطف، من خطف فواز يونس؟ كيف تمّت العملية؟ إنّهم أوكلوا إلى بعض مخابراتهم أمر خطفه من المياه الإقليمية اللبنانية إلى المياه الدولية. وهم على لسان بعض قضاتهم ومحاميهم يعترفون بأنَّ الاعترافات أخذت منه بالقوّة ولا تزال تؤخذ بالقوّة، وأخذوه إلى أميركا وأوحوا للعالم بأنّهم استطاعوا أن يقبضوا على أحد المسؤولين عن خطف الطائرة. هل هذه عملية خطف أم لا؟ لماذا لم يتبرَّع الكثيرون في العالم ويقولوا هذه عملية خطف وقرصنة؟ لأنَّ هذا لبناني وليس أميركياً، واللبناني سعره بالليرة اللبنانية، والأميركي سعره بالدولار. لماذا يقولون إنّه مطلوب للعدالة الأميركية باعتبار أنّه أساء إلى الأميركيين؟ هذه المنظّمات تقول أيضاً إنّ (هيغنز) مطلوب للعدالة الاستضعافية. الأمر ذاته؛ هذا أسلوب، وذاك أسلوب لماذا نفرّق بين أسلوب ابن الست وابن الجارية، أم أنّ ضخامة الهيبة الأميركية تجعل الجميع ينحنون أمامها؟!
ابن الست وابن الجارية
المسألة لا بدّ لها من وعي، لأنَّ القوم يعملون لمصلحة "إسرائيل"، هذا كلامهم، شولتس منذ أن جاء إلى المنطقة قال: الأساس هو ضمان أمن "إسرائيل"؛ وريغان يتحدّث عن الانتفاضة الفلسطينية بأنّها حالة شغب، وأنّها جاءت من إرهابيين في الخارج. طبعاً شولتس، الذي يريد أن يسوّق مشروعه، يعتبر أنّ الفلسطينيين يعانون من إحباط من جهة وضعهم الداخلي والاحتلال، واليوم تبرَّعوا بالقول إنّه لا يوجد فرق بين كلام شولتس وكلام ريغان. وشولتس هنا يحتاج لأن يقدّم للعالم العربي عواطف ـــ والعرب أغلب شعرهم عاطفي، ويحبُّون الحديث العاطفي ـــ إنّها أعمال شغب، وهو نفسه يقول إنّ عمل المجاهدين الأفغان ضدّ روسيا جهاد، أيّ فرق بين هذا وذاك؟ إذا كان هؤلاء يعملون لتحرير بلادهم، فهؤلاء أيضاً يعملون لتحرير بلادهم. لكن لأنَّ المسألة هذه تخصّ "إسرائيل" فأميركا مستعدّة لأن تضرب كلّ المصالح في المنطقة على أساس مصلحة "إسرائيل"، وعندما سئل لماذا لم تحتجّ على قتل الجنود الإسرائيليين الأطفال والشيوخ والنساء، وعلى تدمير هؤلاء الناس، ارتبك لأنّك لا يريد أن يدين "إسرائيل". وإذا كانت المسألة هي هذه، فكيف نستطيع أن نحترم هذه الإدارة، وكيف نستطيع أن نحترم رموزها وممثّليها؟ وكيف يمكننا مع هؤلاء الذين ينظرون إلى أعمال مجاهدينا وهم يعيشون مسألة الحريّة على أنّها مسألة شغب، وأنّها أعمال إرهاب؟ إنّه لا يطيق أن يفهم أنّ من الممكن أن يقوم فلسطيني في الداخل ضدّ الهيمنة الإسرائيلية، لا يريد أن يعطيَ "إسرائيل" دور الدولة، التي تقمع الذين يريدون أن يحافظوا على مكانهم ووجودهم. هذا هو الخطّ الأميركي في المنطقة؛ إنّه يريد أن يقتلنا وأن يدمّرنا.
العمل على محاصرة الجمهورية الإسلامية
إنّ الخطّ الأميركي يعمل الآن في العالم، على أساس أن يطوّق الجمهورية الإسلامية في إيران، ويفرض عليها العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.. ولكن نقول: هم يتكلَّمون عن المخطوفين بأنّهم أبرياء، فكيف يُعاقَب الأبرياء بذنب المجرم؟ لو أنّ السلطة الإيرانية الآن، كما يعبّرون، كانت غير بريئة فكيف يجوز لهم أن يحاصروا الشعب الإيراني كلّه، ألاَ يكون هذا أخذ البريء بذنب غير البريء؟ أيّ فرق بين هذا وذاك، أو كما يقول الشاعر:
قتلُ امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تغتفرْ وقتلُ شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نظرْ
إيران لم تطلب منهم إلاّ أن يدينوا النظام العراقي باعتدائه على إيران وهجومه عليها، وأن يرغموه على إعلان وقف إطلاق النار. لكنّهم ليسوا مستعدّين لذلك، لأنّهم إذا أدانوا العراق فهم يدينون أنفسهم، لأنّهم أيّدوه ودعموه بكلّ الدعم السياسي والعسكري وما إلى ذلك. ولهذا يجب أن نواجه هذه الأمور بعقلٍ منفتح، لأنَّ المسيرة طويلة، فأميركا لا يمكن أن تترك هذه المنطقة إلاّ بعد أن تحوّلها إلى مزرعة أميركية بالكامل. ومعنى أن تكون المنطقة أميركية هو أن تكون المنطقة إسرائيلية وأن تسيطر "إسرائيل" على كلّ مقدّرات البلد، على أساس أنّ هناك مصالح استراتيجية بين أميركا و"إسرائيل". وإذا كانت هناك خلافات بين أميركا و"إسرائيل" في بعض القضايا التكتيكيّة، فليست هناك اختلافات في الأمور وفي القضايا الاستراتيجية. إذا كانت أميركا تؤمن بالحريّة وتضع نصب الحريّة في قلب واشنطن، فلماذا لا تدعو "إسرائيل" بصراحة وتجمع مجلس الأمن لينفّذ عقوبات حقيقيّة ضدّها، وتبدأ هي بتنفيذ هذه العقوبات؟!
لماذا لا تقف أميركا وتواجه "إسرائيل" وتطلب لها عقوبات من مجلس الأمن، لتنسحب "إسرائيل" من الضفّة الغربية والقطاع وتترك الفلسطينيين يدبّرون أنفسهم بأيديهم؟ لماذا لا تواجه أميركا "إسرائيل" بالانسحاب من جبل عامل والبقاع الغربيّ من لبنان؟ هل هناك وضع قانوني يسمح "لإسرائيل" بأن تبقى هنا أو تبقى هناك أم أنّ مسألة الحريّة مسألة مختلفة المواقع؟ فإذا كانت مسألة حريّتنا فإنّها قضية فيها نظر، وأمّا إذا كانت حريّة الآخرين ممّن يرتبطون بالمصالح الأميركية، فالمسألة عند ذلك تخضع لكلّ حقوق الإنسان.
الأمم المتحدة منحازة
إنّنا نريد أن نقول للأمم المتحدة: إذا أردتم أن يفتح الناس قلوبهم لمؤسّساتكم الدولية فعليكم أن لا تدخلوا الأميركيين في هذه المؤسّسات، لأنّ الناس لا يستطيعون أن يثقوا بالمؤسّسات التي يديرها أميركيون، لأنّ الأميركيين يعملون ضدّ مصلحة الشعوب ولمصلحة استراتيجيّتهم بأسلوب المخابرات تارّة، والسياسة تارة أخرى. وفي المناسبة يحاول كثير من وسائل الإعلام أن يضع مسألة خطف موظّفي الأونروا في دائرة الإسلاميين، لأنَّ هناك إحراجاً في هذه المسألة. إنّنا من خلال معلوماتنا الدقيقة نعرف أنّ هذه القضية تعيش في دائرة بعض الفصائل الفلسطينية، هناك معلومات دقيقة مئة في المئة، ولكنّهم أرادوا أن يتخفَّفوا من الإحراج فأطلقوا التصريحات في هذا الاتجاه، لأنَّ السوق سوق الاتّهامات الموجّهة للإسلاميين في أيّ شيء الذين أصبحوا المسؤولين عن أيّة عمليّة إرهابية أو عملية خطف والكلّ يتبرَّع بذلك بدون تحقيق.
إنّنا نريد أن نؤكّد من خلال مسؤوليتنا الشرعية أنّ المسألة ظلم، وليست مسألة حقيقية لأنَّ المعلومات دقيقة في هذا المجال.

دعوة إلى التعقّل والوعي
نتوجَّه إلى كلّ إخواننا في الجنوب وندعوهم إلى أن يجلسوا معاً، ليواجهوا هذه المسائل بعقلية سياسية أمنية واعية في إطار الشرع، لأنّه لا يجوز لنا أن ندخل بيوت الناس بالقوّة، ولا يجوز لنا أن نستعمل القوّة إلاّ في دائرة محدودة جداً، وإلاّ في عناوين شرعية محدودة جداً.
إنّنا نريد أن نقول للجميع {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا...} [آل عمران : 103]. فلا تعودوا إلى ذلك لأنَّ عذاب الله شديد {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1 ـــ 2].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين


لا تتبِعوا خطوات الشيطان(*)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {... وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ*إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168 ـــ 169] وقال سبحانه وتعالى في آيةٍ أخرى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ*وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس: 60 ـــ 61] في أكثر من آية يحدّثنا الله عن الشيطان في بدء الخليقة، يحدّثنا الله عن إبليس الذي هو النموذج الغيبيّ للشيطان وكيف أخرج أبوينا من الجنّة في خداعه، الذي كان يتحدّث فيه إليهما بأسلوب النصيحة، وقال لهما: إنّي لكما من الناصحين، ولكنّه كان يخفي في داخله معنى، يريد من خلاله أن يوقعهما في البعد عن إرادة الله.
وقد أرادنا الله أن نكون واعين لهذه المسألة {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} [الأعراف : 27].
وحدَّثنا الله في سورة الأعراف عن الشيطان، عندما أمهله الله إلى يوم الوقت المعلوم وأنظره وأمدَّه في حياته، وقف أمام الله وقال له {...لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ*ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16 ـــ 17] وهكذا أرادنا الله أن نكون حذرين من كلّ تسويلاته وتهويلاته ومن كلّ تزيينه وحيله وخدعه، وأرادنا دائماً في كلّ أمر أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن نستحضر دائماً في نفوسنا كلّ مواقعه وكلّ جنوده وكلّ حيله وكلّ خدعه وكلّ أمانيه وغروره وخيله ورجاله وشركه وأحزابه وأتباعه.. وفي كلّ دعاء علَّمنا الله أن نستعيذ من الشيطان، وأرادنا في الأدعية أن نستحضر كلّ المواقع وكلّ الوسائل وكلّ المجتمعات وكلّ القيادات التي يتحرّك فيها الشيطان، على أساس أنّها مواقعه وعلى أساس أنّ هؤلاء جنوده، لأنّه حدّثنا عن جنود الشياطين وجنود إبليس أجمعين.
لماذا ذلك؟ لأنّ الله يريد أن يثير في وعينا الداخلي، في عقلنا وفي مشاعرنا وفي مواقعنا، أراد الله أن يثير فينا، أنّ هناك معركة دائمة مستمرّة بيننا وبين الشيطان، لأنَّ الشيطان أصرّ على أن لا ندخل الجنّة التي أخرجنا منها، أصرَّ على ألاّ نعبد الله لنكون قريبين منه. لقد تعقَّد من تقريب الله لآدم باعتباره مظهر الإنسان الذي جعله الله خليفته في الأرض، وتحوّلت هذه العقدة إلى أن رفض السجود له من موقع العصبية {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [صـ : 76] ومن خلال هذه العقدة عمل على أن يستغلّ بساطة آدم وعدم دخوله في تجربة تجعله واعياً لما يدبّر له، فأخرجه من الجنّة.
الشيطان عدوّ
ثمّ بعد ذلك، أعلن أنّه يريد أن يكيد لكلّ أبنائه ولكلّ الناس الذين يتناسلون منه في كلّ المجالات، فهو ـــ في ما يصوّره لنا القرآن ـــ هو شخصية معقّدة من الإنسان، تدفعه عقدته إلى أن يمنع الإنسان من أن يكون قريباً من الله، ليمنعه من دخول الجنّة. وهذا ما عبَّر الله عنه في كتابه المجيد {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر : 6].
ولقد حدَّثنا الله في القرآن الكريم أنّ هناك شياطين الإنس وشياطين الجنّ، كما ذكر الله في بعض آياته {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً...} [الأنعام : 112] بمعنى أنّهم يجتمعون من أجل أن يرتّبوا الكلمات التي تثير الحقد والفتن والأضغان والشرور في ما بين الناس.
وهكذا رأينا الله في سورة الناس، يدعو كلّ شخص إلى الاستعاذة بالله من هؤلاء الذين يوسوسون للنّاس ويربكون تفكيرهم ويضلّلون مشاعرهم وعواطفهم وينحرفون بهم إلى الطريق الذي يؤدّي إلى النار {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ*مَلِكِ النَّاسِ*إِلَهِ النَّاسِ*مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ*مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ} [الناس: 1 ـــ 6] يعني هناك من يوسوس للإنسان في صدره، ليثير فيه الأجواء التي تنحرف به عن الخطّ المستقيم.
لذلك أراد الله منك أن تقرأ هذه السورة، عندما تعيش مع رفاقك ومع أصدقائك ومع أقربائك ومع كلّ الناس الذين تتعامل معهم ويتعاملون معك، لتنتبه إلى أنّه من الممكن أن يكون هناك وسواس خنّاس في داخل هؤلاء، فلا تستسلم لأصحابك كلّهم فتقبل كلّ ما يقولون، ولا تستسلم لأقربائك فتوافق على كلّ ما يقرّرونه، ولا تعمل على أن تغمض عينيك عمّا حولك لتتبع كلّ ما يخطِّطون.لأنّ من الممكن أن يكون هناك وسواس خنّاس في المجتمع ولا يعرفه الإنسان، لذلك لا بدّ أن تكون حذراً في المجتمع إلاّ مَن ثبت عندك أمانته وصدقه وإيمانه.
لو أنّك عرفت أنّ هناك عدواً لك فهل تقف موقف الاسترخاء؛ أم أنّك تحتاط لنفسك؟ من الطبيعي عندما تعرف أنّ هناك عدواً يريد أن يقتلك أو يريد أن يقضيَ على مصالحك، سواء في المواقع السياسية أو التجارية أو الثقافية أو الاجتماعية أو الأمنية، فإنّك كإنسان تحتاط لنفسك في كلّ مواقع الاحتياط، ولا تستسلم للواقع من حولك حتّى تستطيع أن تكتشفه.
وهكذا عملية الاستعاذة من الوسواس الخنّاس هي أسلوب قرآني، يريد الله من الإنسان أن يثق بربّه ويستجير به ممّا لا يعلم، وأن يكون واعياً لا يواجه ما حوله بعقلية ساذجة وبسيطة.
هناك فرق بين أن تكون طيّب القلب طاهراً، وبين أن تكون ساذج العقل. كن الإنسان الذي يحسب حساب كلّ الكلمات التي يسمعها، وحسابات كلّ المواقف التي يريد أن يقفها، وحسابات كلّ الأوضاع التي يعيشها الآخرون. كن الإنسان الحذر وانفتح بقلبك الطيّب على الناس، ولكن لا تدع أحداً يستغلّ طيبتك، من أجل أن يتحرّك لأهداف الشرّ أو من أجل أن يستغلّك ويستغلّ موقفك بما لا يرضي الله.
هذا هو الخطّ؛ أن تكون واعياً أمام خطوات الشيطان، سواء كان شيطان الإنس أو شيطان الجنّ. كيف نتعرّف على خطوات الشيطان أو نتعرَّف على الشيطان؟ ما هو الخطّ إذا أردنا أن نميِّز بين حالة شيطانية أو حالة غير شيطانية، لأنَّ الله يقول: {... وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 168]؟ كيف نستطيع أن نتعرَّف على خطوات الشيطان؟ {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء...} [البقرة: 169] السوء هو كلّ سيّئة من السيّئات، التي تسيء إلى حياة الناس في واقعهم الفردي أو الاجتماعي، في السياسة والاقتصاد والحرب والسلم وما إلى ذلك. والفحشاء هي الأعمال التي تتعدَّى الحدود التي وضعها الله للأشياء. فقد تكون فحشاً في مسألة العرض أو في السياسة أو في الاجتماع {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] يعني أن تنسبوا إلى الله حكماً لم يشرّعه، أو كلمة لم يقلها، أو مفهوماً لم ينزله في رسالاته وفي شرائعه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ...} [النور : 21]، الذي هو كلّ ما حرَّمه الله في الحياة، ممّا يتّصل بحياة الناس الفردية أو الاجتماعية.
الالتزام بشرع الله
كيف نحدِّد الأمور في مفردات حياتنا التحديد الأساسي؟ نحدِّدها بأن نرجع إلى الشريعة {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ*وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس: 60 ـــ 61] عبادة الله طاعته، طاعة الله أن تلتزم بأوامر الله فتفعلها، وتواجه نواهيه فتتركها. معنى ذلك أنّ أيّ محرم تفعله في مأكل أو في مشرب أو في لعب أو في علاقة أو في موقف، فإنَّ ذلك يعتبر من خطوات الشيطان، لأنّه ممّا حرَّمه الله، الذي هو من المنكر والسّوء، فأنتَ عندما تفعل ذلك فإنّما تكون قد اتّبعت خطوات الشيطان.
أعطيكم مثلاً من القرآن، عندما يتحدّث الله سبحانه وتعالى عن موضوع الخمر والميسر أي القمار {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90 ـــ 91]. هل تتركون هذه الأمور أو هذا السير؟ إذاً الله يقول لنا: إنَّ من يشرب الخمر فقد عَبَدَ الشيطان وأطاعه والتزم أمره، وكذلك من يلعب القمار فقد عَبَدَ الشيطان وأطاعه والتزم أمره، أيضاً من يحقّق وسائل الشيطان في إثارة العداوة والبغضاء بين الناس، فإنّه يكون قد أطاع الشيطان وعبده، ومن يصدّ الناس ويشغلهم ويلهيهم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهو يتحرّك في خطّ الشيطان. وهكذا في كلّ المجالات العملية، ما يتعلَّق منها بالأكل الحرام والشرب الحرام واللّبس الحرام واللّعب الحرام واللّهو الحرام والعلاقة الحرام والموقف الحرام.
إذاً، عندما يقول لك الله هذا ما أُريد، فإنَّ هذه إرادة الله. وعندما تجد مواقع ما حرَّمه الله فإنَّ هذا ما يريده الشيطان.
لهذا لن تستطيعوا أن تعلموا أعمال الشيطان، إلاّ عندما تعرفوا أحكام الله في حلاله وفي حرامه، حتّى تستطيعوا أن تميِّزوا بين الحلال والحرام، ولن تستطيعوا ذلك إلاّ إذا رجعتم إلى الأُمناء على حلال الله وحرامه، ممّن يملكون علم الإسلام، ووعي الإسلام في الواقع، لأنَّ المسألة النظرية في هذا المجال لا تكفي. بعض الناس قد يقولون كلمات الحقّ ولكنّهم يريدون به الباطل، كما واجه الخوارج الإمام عليّ (عليه السلام) عندما دخل في التحكيم من خلال الظروف الصعبة في معركة صفّين، قالوا له لا حكم إلاّ لله قال لهم: صحيح، لا حكم إلاّ لله، لكنّها كلمة حقّ يريدون بها باطلاً. إنّهم يقولونها، ولكنّهم يطبّقونها تطبيقاً سيّئاً، ليعتبروا أنّ ما حدث في التحكيم هو خلاف حكم الله والمسألة ليست كذلك.
ولهذا لاحظنا أنّ الإمام (عليه السلام)، عندما رفع عمرو بن العاص المصاحف، قال لهم: نحن أعرف منهم بالمصاحف، نحن قاتلناهم حتّى يؤمنوا بالشّعار ولكن في كثيرٍ من الأحيان، يكون الشعار برّاقاً يرضي كثيراً من الناس الطيّبين، ولكن قد يكون التطبيق سيّئاً. لهذا لا بدّ في مسألة تحريك الحلال والحرام في حياة الناس وتطبيقها على واقع الحياة، لا بدّ من أن يكون الإنسان عارفاً بالواقع حتّى يستطيع أن يدرسه، ليعرف كيف يطبّق الحكم الشرعي على الواقع، ولا بدّ أن يكون بصيراً بأهل زمانه، ليعرّف الناس على واقعهم في ما يراد لهم أن يحرِّكوه في الواقع.
ولهذا جاء في الحديث: أنّ وليّ أمر المسلمين لا بدّ أن يكون عارفاً بصيراً بأهل زمانه، لا يكفي أن يكون إنساناً عارفاً بالأحكام، بل لا بدّ أن يكون عارفاً بحركة الأحكام في الواقع، ليعرف كيف ينظّم حياة الناس، وكيف يمكن له أن يحميَ المسلمين والمستضعفين من الكلمات، التي قد يكون ظاهرها حقّاً ولكنّ باطنها في خطّ الباطل.
لهذا لا بدّ للحاكم الذي يدير حياة الناس ويتحرّك فيها من أن يملك وعياً فقهياً، ليعرف أحكام الله، كما لا بدّ له أن يتمتَّع بوعي سياسي واجتماعي، ليعرف كيف تتحرّك أحكام الله في الحياة.
وهكذا نجد أنّنا في كلّ مسيرتنا الإسلامية، لا بدّ لنا من أن ندقّق في جانب التطبيق، كما ندقّق في جانب النظرية، ولا بدّ من أن نعرف مواقع حكم الله في الأرض، كما نعرف مواقع حكمه في الكتاب والسُنّة.
ومن هنا كان لا بدّ من أن يكون الذين يلتزمون أمور المسلمين واعين وعياً حياتياً عامّاً، حتى لا يخدعهم الناس، ولا يضلّلوهم، وحتّى لا يُستغلُّوا على أساس ما يقدّم لهم من أشياء ومن أوضاع.

وعي الواقع ضرورة
في تاريخنا الإسلامي عشنا مشاكل كثيرة من خلال بعض العلماء، سواء في العراق أو في إيران أو في غيرهما من بلاد العالم الإسلامي، الذين لا يشكّ الناس في طيبتهم وإخلاصهم وطهارتهم. لكنَّ مشكلتهم أنّهم كانوا معزولين عن الواقع، لا يستطيعون أن يدركوا الواقع، فجاءهم المستعمرون من خلال بعض الأوضاع التي كانت تعيش في دائرتهم، على أساس أنّهم جاؤوا منقذين في الوقت الذي جاؤوا فيه مستعمرين، لأنَّ هؤلاء الطيّبين لم يستطيعوا أن يكتشفوا عمق اللّعبة السياسية التي تحرّك فيها المستعمرون ولم يستطيعوا أن يفهموا طبيعة اللّغة التي يتكلّم بها المستعمرون، ولهذا استطاع المستعمرون أن يستغلُّوا هذه الطيبة في اتّجاه مصالحهم.
ولعلَّ الجوّ الثقافيّ الذي أراد أن يخدّر الأُمّة، حاول أن يبيّن للناس أنّ الإنسان يكون عالِماً موثوقاً بقدر ما يكون ساذجاً وبقدر ما يكون بعيداً عن أمور الناس وحياتهم وبعيداً عن فهم الواقع والحياة. ولكنَّ الله علَّمنا أنّ علينا أن نقتديَ بالعالِم العامل، الذي لا يكون هناك مَن هو أفضل منه، وهو رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). وقد قال الله لنا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب : 21]. رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان يعرف كلّ مجتمعه، وكان يخاطب كلّ إنسان بما يعرف أنّه يصل به إلى القناعة، وكان يحرّك الأمور من خلال دراسته لعمقها لا لسطحها، كان لا يدخل حرباً إلاّ بعد أن يحسب حسابها، وكان لا يواجه مشكلة إلاّ ويدرسها دراسة تامّة. كان أعرف الناس بالناس، وكان قريباً في الحياة، لقد دخل رسول الله حياة الناس كلّهم، وكان يعمل على أن يطّلع عليها. وكان القرآن يثقّفه ثقافة سياسية، فيثقّف المسلمين من خلاله عندما كان يُحدّثه عن المشركين، كيف يتحرّكون، وكيف يجب أن يتحرّك معهم، وكان يحدّثه عن اليهود وكيف يواجه مؤامراتهم، ويحدّثه عن نفسيّاتهم وتاريخهم وأوضاعهم وأساليبهم، وعن النصارى ويميّز بينهم وبين اليهود. هكذا كان يستفيد من كلّ ما قال الله حتّى قال: "أدَّبَني ربّي فأحسن تأديبي"(1). وكان يثقّف المسلمين ليصنع عندهم وعياً سياسياً. في بعض الحالات، كان المسلمون يستسلمون بفعل الطيبة. كان اليهود يعيشون في مجتمع المدينة والمسلمون يشترون ويبتاعون منهم، وكانوا يتصادقون وربّما يستسلمون لهم ويعطونهم أسرارهم. فأنزل الله في ذلك آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران : 118] وهؤلاء لا تحبُّونهم ولا يحبُّونكم، {... وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران : 119] وهكذا كان القرآن يعطي المسلمين وعياً سياسياً، أن ادرسوا الناس من حولكم في كلّ أوضاعهم السياسية والاجتماعية، حتى تستطيعوا أن تتعرَّفوا على الواقع، ولا تستسلموا إليهم، عندما تعرفون أنّ واقعهم عدواني.
هذه المسألة من المسائل الأساسية التي يريدها الله من علماء المسلمين ومن المسلمين أنفسهم. ولهذا لا بدّ من أن يكون الإنسان المسلم واعياً للواقع، فقد يصبر لكثير من الأوضاع من أجل قضية، وقد يجمد كثيراً من الشعارات لمصلحة الشعار الأكبر.
الركون إلى العدو
نحن نعرف مثلاً في بلادنا الإسلامية والعربية بشكلٍ عام، أنّ كلّ طائفة من الطوائف تختزن في داخلها المشاعر الذاتية تجاه الرموز التي تؤمن بها في التاريخ أو في الواقع، وقد تتّخذ لنفسها مشاعر عدائية ضدّ طائفةٍ أخرى ـــ نجد ذلك في المسلمين وفي غير المسلمين ـــ وهنا عندما يحمل الإنسان المشاعر الملتهبة في موقعه الطائفي ضدّ طائفة أخرى، فإنّه إذا لم يكن واعياً فسيأتي الآخرون ليحرِّكوا المشاعر الطائفية السلبية لديه أو لدى الطائفة الأخرى. وهذا ما عانيناه في بلادنا الإسلامية في كلّ الحروب التي حدثت بين السُنّة والشيعة، ذلك أنّ التاريخ غذَّى السُّنّة بأحقاد وأكملها الواقع، كما غذَّى الشيعة بأحقاد وأكملها الواقع. وتأتي بريطانيا للشيعة تارّةً وتقول لهم: إنّا معكم، السُّنّة يسيؤون إليكم ونحن نريد أن ننصركم عليهم. وعندما يجدون أنّ بريطانيا معهم فمن الطبيعي أنّ ذلك يشعرهم بالقوّة لالتزامهم بمواقفهم العصبيّة. وتأتي أيضاً بريطانيا ـــ عندما كانت سيّدة المنطقة ـــ لتقول للسُنّة: إنّ الشيعة يسبّون ويشتمون، تعالوا نحاصرهم ونضيّق عليهم من خلالكم. وهكذا استطاع الاستعمار أن يصنع مصالح سنيّة، يجد السُّنّة فيها أنّ الشيعة يريدون أن يقفوا أمامها، ومصالح شيعية يرى الشيعة أنّ السنّة يريدون أن يقفوا أمامها، مع أنّنا نعرف أنّ بريطانيا لا تخلص للإسلام أبداً، وأنّها لا يهمّها السنّة والشيعة إلاّ من خلال المشاعر والتوتُّرات التي تحرّكها، لتحمي مصالحها عندما تشغل المسلمين بعضهم ببعض.
هنا الواعون من المسلمين يقولون للمستعمرين ـــ في السابق للبريطانيين، وفي الحاضر للأميركيين، الذين يمارسون استعماراً جديداً غير مباشر ـــ يقولون لهم كما قال عليّ (عليه السلام) "لأسلمنَّ ما سَلِمَت أمور المسلمين"(1). المسألة كيف تسلم قضايا المسلمين، وكيف تسلم أمورهم. لأنَّ الواعين يعرفون أنّ بريطانيا أو أميركا أو فرنسا أو أيّة دولة من هذه الدول، التي تعمل على مصادرة حريّات المسلمين وأمنهم واقتصادهم وثقافتهم، يعرفون أنّ هذه الدول تمثّل الشيطان في المفهوم القرآني، لأنَّ الشيطان دوره أن يزرع العداوة والبغضاء، وأن يأمر بالسوء والفحشاء، وأن يقود الناس إلى عذاب السعير في الدنيا والآخرة. لهذا فإنَّ الواعين لا ينخدعون بأساليبه ووسائله، وإنّما يقولون كما قال عليّ (عليه السلام)، عندما كانت الحرب مشتعلة مع معاوية في صفّين، وجاءه من يقول إنّ ملك الروم قد يستغلّ هذه الحرب، حتّى يهجم على بلاد المسلمين، فقال: عندها نكون أنا ومعاوية عليه. هذه الخلافات داخلية، ولكن عندما تكون المسألة مسألة المسلمين، فنكون أنا ومعاوية عليه. هذا هو الوعي، بينما يندفع الناس في اللّعبة الطائفية ويستغرقون فيها، ليهيِّئوا للاستعمار الأجواء التي تساعده على أن يعمّق مواقعه ويركّز مواقفه ويهدم مصالحنا من حيث لا يدرون. هم طيّبون، ولكن طيّبون لا عن وعي، طاهرون لا عن فهم في مسألة اللّعبة السياسية، لهذا فالذي يريد أن يتسلَّم أمور المسلمين في أيّ موقع، لا بدّ أن يكون واعياً للّعبة السياسية والاجتماعية والثقافية. وإلاّ فعليه أن ينسحب، لأنّه عندما يضع نفسه في موقع لا يستطيع أن يديره فإنّه يسيء إلى الموقع نفسه. ولهذا يجب أن نواجهه في كلّ القضايا العامّة. وهذا ما يجب أن تعيه الأُمّة في كلّ مواردها وكلّ مصادرها في الحياة.
الاستخبارات وبثّ الفتن ـــ الفتنة بين الشيعة
في هذا الخطّ، نريد أن نقترب من واقعنا أكثر، سواء كان الواقع محليّاً أو إقليمياً أو دولياً. في الواقع المحلي هناك "همروجة" في حياة الناس ـــ ولاسيّما في جبل عامل العزيز وهو بلد العلم والجهاد والتحدّي لكلّ المشاريع الاستعمارية ـــ إذ يحاول الكثيرون أن ينفخوا في النار التي أوقدوها، ليثيروا الجوّ من خلال كلمات أو انفعالات أو ممارسات. وتأتي جماعات إلى هنا لتحرّك القضية في هذا الاتجاه، حتّى عاش الناس وضعاً غير طبيعي في هذا المجال، وبدأت المسائل والأوضاع تتحرّك في الخارج عند أجهزة المخابرات الأميركية والأوروبية وأجهزة المخابرات اللبنانية الرسمية والحزبية وأجهزة المخابرات العربية، وبدأ جمع الحطب وأعواد الثقاب بحجّة أنّه قد حدثت هناك حرب مسيحية إسلامية وحرب شيعية سنيّة أو سنيّة درزية. وبقيت المسألة الأخيرة، هؤلاء الشيعة كبروا أكثر من اللازم، وأصبحوا يشكِّلون خطراً على المعادلة، وأصبحوا ثوريين أكثر من اللازم، وأصبحوا إسلاميين أكثر ممّا نريدهم. لهذا تعالوا إلى الحرب الشيعية ـــ الشيعية. هكذا نواجه أجهزة الإعلام التي تكذب كثيراً وتحاول أن تثير الأعصاب والمشاعر، سواء كانت إذاعات أو صحفاً ومجلات. نريد قبل الدخول في تحليل الأمور أن نقول: تلك أمانيّكم، لن تحدث هناك حرب شيعية. إنّنا بأجمعنا مهما اختلفت الأساليب أو الأفكار السياسية، سننزل جميعاً إلى الأرض لنمنع ذلك كلّه، ونحن نعمل في الليل والنهار على ألاّ يكون ذلك، وسوف لن يكون إنْ شاء الله. هذا ما نقوله لكلّ الذين يراهنون على حرب شيعية ـــ شيعية: ستخسرون الرهان إنْ شاء الله. ثم نريد أن نقول لكلّ أهلنا وأخوتنا وللنّاس كافّة وللمسؤولين أينما كانوا وفي أيّ طرف وُجِدوا: لا تطيعوا أحداً في أيّ موقع من مواقع القتال، أسقطوا كلّ القيادات التي تريد أن يقاتل بعضهم بعضاً، أسقطوهم، واعزلوهم، تمرَّدوا على كلّ الأوامر التي توجَّه إليكم عندما يُراد لكم أن تُقاتِلوا إخوانكم. إنّنا نقولها من موقع مسؤوليتنا الشرعية، لكلّ أبنائنا في حركة أمل وفي حزب الله، لا يجوز شرعاً أن يحمل إنسان مؤمن سلاحاً على إنسان مؤمن، القاتل والمقتول في النار. ونريد أن يسمعها كلّ شبابنا في الجنوب في هذه الدائرة أو في تلك كما نريد أن يسمعها شبابنا هنا. إذا كان هناك في الساحة مَن استطاع الشياطين أن يضلّلوه ويجعلوه يعمل مع أيّ جهاز مخابرات، سواء إسرائيلية أو أميركية أو أيّ دولة مضادّة للإسلام والمسلمين، فعلينا أن نحاصره ونطوّقه ونجعله بعيداً عن مواقعنا.
لا يجوز القتال من أجل ضابط جاسوس
لن نتحدّث طائفياً، عندما نتحدّث عن الوقوف ضدّ حرب الشيعة والشيعة، فقد وقفنا قبل ذلك ضدّ حرب الشيعة والسُّنّة، ولكنّنا نريد أن نقولها لكلّ الشباب المؤمن: أنتم خزّان الجهاد في هذا البلد، وأنتم الساحة التي تقاتل "إسرائيل"، لا يجوز أن يكون هناك قتال بين السُنّة والشيعة من أجل ضابط أميركي. بعض الأخوة يقولون إنّها مسألة الأمن في الجنوب. نحن مع أمن الجنوب لأنَّ الجنوب بدون أمن لا يستطيع أن يقاتل "إسرائيل"، لكن نريد أن ندرس المسألة بهدوء. لا نعرف مَن هم الخاطفون بشكلٍ دقيق، المنظّمات التي تعمل بهذا الأسلوب هي منظّمات لا تعمل بالدوائر السياسية المطروحة في العلن، ولكنّها منظّمات لها خطّ ثوري خاص، ثمّ علينا أن نميّز بين جهة تعيش في الجنوب من قوّات دولية أو غير دولية، جهة تعمل من أجل أن تؤدّيَ مهمّاتها بشكلٍ معقول وطبيعي، وبين جهة تتّخذ من موقعها في المؤسّسات الدولية غطاءً للعمل بكلّ جهودها، في سبيل أن تتحرّك لمصلحة المخابرات الأميركية أو الأوروبية، للتخطيط للسيطرة على الجنوب لحساب أميركا و"إسرائيل". إذا كانت المسألة كذلك فكيف تقولون إنَّ التعرّض لهؤلاء، بقطع النظر عن الأسلوب، يعتبر ضدّ الأمن أو مع الأمن؟ "وَشَهِدَ شاهدٌ من أهله"، نحن لا نعرف هذا الضابط الأميركي، لكن جريدة "الواشنطن بوست" قالت: إنّه ضابط كان يعمل ليجمع المعلومات لحساب أميركا و"إسرائيل" عن حزب الله، شغله مراقب في الهدنة، وهو ليس من القوات الدولية. بل إنّه من الأشخاص الذين لهم دورٌ كبير في المسألة العسكرية الأميركية ويختزن أسراراً تؤثّر على كثير من أوضاع المنطقة. حتّى إِنَّ "ريغان" اليوم يصرّح بأنّ هذا الشخص لن يفشي الأسرار الموجودة عنده تجاه الأوضاع المتعلّقة بـــ "إسرائيل" وبغيرها. كيف ننظر إلى هذه المسألة، وعندنا معلومات سابقة بأنّ بعض ضبّاط القوات الدولية عملاء ـــ ولسنا هنا بصدد تحريك مسألة القوات الدولية ومسألة الوقوف ضدّها، قد نختلف مع الآخرين في فائدتها الكبيرة ولكن لسنا في وارد أن يقف أحد ضدّها ـــ لكن نحن نعرف أنّ بعض فصائل القوّة الدولية من الدول الكبرى في الجنوب، كانت تذهب إلى كلّ قرية من قرى منطقة صور وتدخل كلّ منطقة وتستخبر كم يوجد فيها من حزب الله ومن حركة أمل ومن عناصر كامل الأسعد، وهذه العائلة وعلاقتها مع هذه العائلة؟ وما إلى ذلك من معلومات. ما دخل القوّات الدولية بهذا العمل؟ لماذا ندفن رأسنا كالنعامة؟ هل نقول كما قال الشاعر:
يا ضيفنا لو جئتنا لَوَجَدْتنا نحنُ الضيوف وأنتَ ربُّ المنزلِ
يجب أن يبقى الضيف ضيفاً، بشرط أن يحفظ حقوق المضيف. لهذا نحن نقول: إنّه يجب أن يكون هناك وعي، نحن لا نريد أن ندخل في معركة مع القوات الدولية، ولا حتى مع المراقبين الدوليين، مع العلم بأنَّ المراقبين وُجِدوا لا ليراقبوا "إسرائيل" كيف تقوم بالاعتداء على الجنوب، ولكن ليراقبوا المجاهدين كيف يحاولون أن يضربوا اليهود. أصل سياسة المراقبين كانت القيام بهذه المهمة. عندما تصل المسألة إلى هذا المجال، يجب أن نعيد النظر بدراستنا للموضوع، وبهذا أنا أقول لكلّ الأخوة ليدرسوا هذه الأمور بالعمق، لأنَّ إطلاق هذه الأمور والتحاور فيها من خلال الصحف أو من خلال الحفلات، لا يؤدّي إلى نتيجة، لأنَّ كلّ فريق يسجّل نقطة على الفريق الثاني. الحوار العميق الذي يحفظ للبلد أمنه ويحفظ للأمن الأمن الجهادي كما الأمن الاجتماعي والسياسي، يحفظه من كلّ المؤامرات التي يصبو إليها المستعمرون. عندما تقول "الواشنطن بوست" إنّه يتجسَّس فهل ندافع عنه ونقول إنّه ليس جاسوساً؟ ثمّ ما عمل المراقبين الدوليين في منطقة صور، وشغلهم يجب أن يكون على الحدود؟ لماذا يأتون إلى القرى؟ لا نريد أن ندخل في جدل قانوني في هذا الموضوع، لكن نريد أن نقول: إنَّ علينا أن نواجه القضايا بوعي عميق، لأنَّ معركتنا مع "إسرائيل" ليست بالرصاص فحسب، وإنّما بالأمن أيضاً، لأنَّ "إسرائيل" تحاول أن تدخل في صفوفنا لتزرع جواسيسها في داخلنا وفي واقعنا. ريغان صرَّح في وقتٍ من الأوقات بأنّنا، إن لم نستطع أن نوقف هؤلاء المتطرّفين، فإنّنا سوف ندخل إلى مواقعهم من خلال المخابرات.
متفجّرة بئر العبد كانت عملية مخابراتية أميركية ـــ إسرائيلية ـــ لبنانية بتمويل سعودي، وهذا يعني أنّ عمل المخابرات ليس أخذ المعلومات فقط، بل هي عملية منسّقة ومرتّبة باتّجاه قتل المؤمنين والمؤمنات.
يجب أن نواجه هذه المسألة من خلال طبيعتها الواقعية. نحن ذكرنا أنّ هذه المنظّمات، التي تعمل في الخفاء تنطلق في الساحة الكبيرة الاقليمية والدولية. لهذا، كلّ أساليب الدَّهم والحواجز من الصعب جداً أن تحلّ هذه المسألة، لا بدّ أن تدرس المسألة بواقعية. وإذا كان الجميع يُبرّئون أميركا من عمليات الخطف فإنّنا نلاحظ أنّ أميركا تقوم رسمياً بعمليات الخطف، من خطف فواز يونس؟ كيف تمّت العملية؟ إنّهم أوكلوا إلى بعض مخابراتهم أمر خطفه من المياه الإقليمية اللبنانية إلى المياه الدولية. وهم على لسان بعض قضاتهم ومحاميهم يعترفون بأنَّ الاعترافات أخذت منه بالقوّة ولا تزال تؤخذ بالقوّة، وأخذوه إلى أميركا وأوحوا للعالم بأنّهم استطاعوا أن يقبضوا على أحد المسؤولين عن خطف الطائرة. هل هذه عملية خطف أم لا؟ لماذا لم يتبرَّع الكثيرون في العالم ويقولوا هذه عملية خطف وقرصنة؟ لأنَّ هذا لبناني وليس أميركياً، واللبناني سعره بالليرة اللبنانية، والأميركي سعره بالدولار. لماذا يقولون إنّه مطلوب للعدالة الأميركية باعتبار أنّه أساء إلى الأميركيين؟ هذه المنظّمات تقول أيضاً إنّ (هيغنز) مطلوب للعدالة الاستضعافية. الأمر ذاته؛ هذا أسلوب، وذاك أسلوب لماذا نفرّق بين أسلوب ابن الست وابن الجارية، أم أنّ ضخامة الهيبة الأميركية تجعل الجميع ينحنون أمامها؟!
ابن الست وابن الجارية
المسألة لا بدّ لها من وعي، لأنَّ القوم يعملون لمصلحة "إسرائيل"، هذا كلامهم، شولتس منذ أن جاء إلى المنطقة قال: الأساس هو ضمان أمن "إسرائيل"؛ وريغان يتحدّث عن الانتفاضة الفلسطينية بأنّها حالة شغب، وأنّها جاءت من إرهابيين في الخارج. طبعاً شولتس، الذي يريد أن يسوّق مشروعه، يعتبر أنّ الفلسطينيين يعانون من إحباط من جهة وضعهم الداخلي والاحتلال، واليوم تبرَّعوا بالقول إنّه لا يوجد فرق بين كلام شولتس وكلام ريغان. وشولتس هنا يحتاج لأن يقدّم للعالم العربي عواطف ـــ والعرب أغلب شعرهم عاطفي، ويحبُّون الحديث العاطفي ـــ إنّها أعمال شغب، وهو نفسه يقول إنّ عمل المجاهدين الأفغان ضدّ روسيا جهاد، أيّ فرق بين هذا وذاك؟ إذا كان هؤلاء يعملون لتحرير بلادهم، فهؤلاء أيضاً يعملون لتحرير بلادهم. لكن لأنَّ المسألة هذه تخصّ "إسرائيل" فأميركا مستعدّة لأن تضرب كلّ المصالح في المنطقة على أساس مصلحة "إسرائيل"، وعندما سئل لماذا لم تحتجّ على قتل الجنود الإسرائيليين الأطفال والشيوخ والنساء، وعلى تدمير هؤلاء الناس، ارتبك لأنّك لا يريد أن يدين "إسرائيل". وإذا كانت المسألة هي هذه، فكيف نستطيع أن نحترم هذه الإدارة، وكيف نستطيع أن نحترم رموزها وممثّليها؟ وكيف يمكننا مع هؤلاء الذين ينظرون إلى أعمال مجاهدينا وهم يعيشون مسألة الحريّة على أنّها مسألة شغب، وأنّها أعمال إرهاب؟ إنّه لا يطيق أن يفهم أنّ من الممكن أن يقوم فلسطيني في الداخل ضدّ الهيمنة الإسرائيلية، لا يريد أن يعطيَ "إسرائيل" دور الدولة، التي تقمع الذين يريدون أن يحافظوا على مكانهم ووجودهم. هذا هو الخطّ الأميركي في المنطقة؛ إنّه يريد أن يقتلنا وأن يدمّرنا.
العمل على محاصرة الجمهورية الإسلامية
إنّ الخطّ الأميركي يعمل الآن في العالم، على أساس أن يطوّق الجمهورية الإسلامية في إيران، ويفرض عليها العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.. ولكن نقول: هم يتكلَّمون عن المخطوفين بأنّهم أبرياء، فكيف يُعاقَب الأبرياء بذنب المجرم؟ لو أنّ السلطة الإيرانية الآن، كما يعبّرون، كانت غير بريئة فكيف يجوز لهم أن يحاصروا الشعب الإيراني كلّه، ألاَ يكون هذا أخذ البريء بذنب غير البريء؟ أيّ فرق بين هذا وذاك، أو كما يقول الشاعر:
قتلُ امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تغتفرْ وقتلُ شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نظرْ
إيران لم تطلب منهم إلاّ أن يدينوا النظام العراقي باعتدائه على إيران وهجومه عليها، وأن يرغموه على إعلان وقف إطلاق النار. لكنّهم ليسوا مستعدّين لذلك، لأنّهم إذا أدانوا العراق فهم يدينون أنفسهم، لأنّهم أيّدوه ودعموه بكلّ الدعم السياسي والعسكري وما إلى ذلك. ولهذا يجب أن نواجه هذه الأمور بعقلٍ منفتح، لأنَّ المسيرة طويلة، فأميركا لا يمكن أن تترك هذه المنطقة إلاّ بعد أن تحوّلها إلى مزرعة أميركية بالكامل. ومعنى أن تكون المنطقة أميركية هو أن تكون المنطقة إسرائيلية وأن تسيطر "إسرائيل" على كلّ مقدّرات البلد، على أساس أنّ هناك مصالح استراتيجية بين أميركا و"إسرائيل". وإذا كانت هناك خلافات بين أميركا و"إسرائيل" في بعض القضايا التكتيكيّة، فليست هناك اختلافات في الأمور وفي القضايا الاستراتيجية. إذا كانت أميركا تؤمن بالحريّة وتضع نصب الحريّة في قلب واشنطن، فلماذا لا تدعو "إسرائيل" بصراحة وتجمع مجلس الأمن لينفّذ عقوبات حقيقيّة ضدّها، وتبدأ هي بتنفيذ هذه العقوبات؟!
لماذا لا تقف أميركا وتواجه "إسرائيل" وتطلب لها عقوبات من مجلس الأمن، لتنسحب "إسرائيل" من الضفّة الغربية والقطاع وتترك الفلسطينيين يدبّرون أنفسهم بأيديهم؟ لماذا لا تواجه أميركا "إسرائيل" بالانسحاب من جبل عامل والبقاع الغربيّ من لبنان؟ هل هناك وضع قانوني يسمح "لإسرائيل" بأن تبقى هنا أو تبقى هناك أم أنّ مسألة الحريّة مسألة مختلفة المواقع؟ فإذا كانت مسألة حريّتنا فإنّها قضية فيها نظر، وأمّا إذا كانت حريّة الآخرين ممّن يرتبطون بالمصالح الأميركية، فالمسألة عند ذلك تخضع لكلّ حقوق الإنسان.
الأمم المتحدة منحازة
إنّنا نريد أن نقول للأمم المتحدة: إذا أردتم أن يفتح الناس قلوبهم لمؤسّساتكم الدولية فعليكم أن لا تدخلوا الأميركيين في هذه المؤسّسات، لأنّ الناس لا يستطيعون أن يثقوا بالمؤسّسات التي يديرها أميركيون، لأنّ الأميركيين يعملون ضدّ مصلحة الشعوب ولمصلحة استراتيجيّتهم بأسلوب المخابرات تارّة، والسياسة تارة أخرى. وفي المناسبة يحاول كثير من وسائل الإعلام أن يضع مسألة خطف موظّفي الأونروا في دائرة الإسلاميين، لأنَّ هناك إحراجاً في هذه المسألة. إنّنا من خلال معلوماتنا الدقيقة نعرف أنّ هذه القضية تعيش في دائرة بعض الفصائل الفلسطينية، هناك معلومات دقيقة مئة في المئة، ولكنّهم أرادوا أن يتخفَّفوا من الإحراج فأطلقوا التصريحات في هذا الاتجاه، لأنَّ السوق سوق الاتّهامات الموجّهة للإسلاميين في أيّ شيء الذين أصبحوا المسؤولين عن أيّة عمليّة إرهابية أو عملية خطف والكلّ يتبرَّع بذلك بدون تحقيق.
إنّنا نريد أن نؤكّد من خلال مسؤوليتنا الشرعية أنّ المسألة ظلم، وليست مسألة حقيقية لأنَّ المعلومات دقيقة في هذا المجال.

دعوة إلى التعقّل والوعي
نتوجَّه إلى كلّ إخواننا في الجنوب وندعوهم إلى أن يجلسوا معاً، ليواجهوا هذه المسائل بعقلية سياسية أمنية واعية في إطار الشرع، لأنّه لا يجوز لنا أن ندخل بيوت الناس بالقوّة، ولا يجوز لنا أن نستعمل القوّة إلاّ في دائرة محدودة جداً، وإلاّ في عناوين شرعية محدودة جداً.
إنّنا نريد أن نقول للجميع {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا...} [آل عمران : 103]. فلا تعودوا إلى ذلك لأنَّ عذاب الله شديد {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1 ـــ 2].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية