في التاسع عشر من شهر رمضان، وفي محراب مسجد الكوفة، ضرب عبد الرحمن بن ملجم الإمام أمير المؤمنين (ع) على رأسه الشّريف، وهو يصلّي في محرابه.
وكانت نهاية المطاف كبدايته في بيت الله، فلقد وُلِدَ في بيت الله، وأطلق الصّرخة فيه عندما جاءته الضربة وهو في المحراب: "بسم الله وبالله وعلى ملَّةِ رسول الله"، وكان الفرح الروحي يملأ قلبه عندما هتف: "فُزْتُ وربِّ الكعبة"1، لأنَّه عرف أنَّ حياته كانت لله ومع الله، في المسجد وفي الكعبة، وكانت حياته كلّها مسجداً يعبد الله فيه بالجهاد وبالعلم وبالزّهد وبالرأي يعطيه، وبالحركة وبالصلة، حتّى عاش ذلك الفوز الروحي.
بقي الإمام (ع) ثلاثة أيّام وهو يعاني جرحه، حتّى كانت شهادته في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، وقد أراد الإمام في هذه الأيّام الثّلاثة أن لا يحرم أُمّته من وصاياه، فلم تشغله جراحاته عن التفكير في شأن الأُمّة ليربطها بالله، ويربطها بكلّ القواعد الأساسيّة في علاقات بعضها مع بعض، في وصيّته التي أوصى بها (ع) ولديه الإمامين المعصومين الحسن والحسين (ع)، وأنّ المقصود بالوصيّة الأُمّة الإسلاميّة.. [والّتي جاء فيها]: "أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ، وَأَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا، ولا تأسفا على شيءٍ منها زوي عنكما، وقولا بالحقّ، واعملا للأجر، وكونا للظّالم خصماً، وللمظلوم عوناً..."2.
من هم شيعة عليّ (ع)؟!
وأن يكون الإنسان [من شيعة عليّ (ع)]، فمعناه أن يحمل في قلبه الإسلام من خلال ما عاشه عليّ (ع) فيما فهمه من القرآن، ومن خلال ما عاشه عليّ (ع) فيما فهمه من رسول الله (ص)، وأن يتحرَّك معه في خطِّ جهاده.
لهذا، يجب تحديد خطّ التشيُّع، حتّى لا يكون التشيُّع مجرّد التزام بشخص ورفض شخص، بل يكون التشيّع التزاماً بنهج ورفض نهج، التزاماً بخطٍّ ورفضاً لخطّ. أن تكون حركة الإنسان في داخل التشيُّع حركةً تشمل الحياة كلّها، حتّى لا تتجمَّد الرموز في التاريخ.. أن لا تكون شيعيّاً يعيش في قلب التاريخ دون أن يسحب التشيُّع إلى حركة الحاضر.
إنَّ انتماءنا إلى عليّ (ع) يفرض علينا أن نكون الصّادقين، أن نكون الأُمناء، وأن نكون المحقِّين الّذين يتحرّكون مع أهل الحقّ.
فعليّ (ع) ليس كلمة نهتف بها، بل هو موقف ورسالة لا بدَّ أن نلتزمها ونتّبعها.
وعلى هذا الأساس، فإذا أردنا أن نقف مع عليّ (ع)، فلا بدّ أن نواجه الباطل كلَّه، كما واجه الباطل كلَّه.
لقد واجَهَ عليّ (ع) الباطل في الكفر، فوقف ضدّ الكفر وحارب الكافرين. وواجه عليّ (ع) الباطل في داخل المسلمين، فوقف ضدّ أهل الباطل منهم، في ما كانوا يتحرّكون فيه من فكر، ومن ممارسات ومناهج.
وقف عليّ (ع) ضدّ ذلك كلّه، فكيف يمكن أن يكون موقفنا في كلِّ ما يُثار حولنا من قضايا، وفي كلّ ما يتحرَّك عندنا من أوضاع؟...
سموّ عليّ (ع)
ويبقى عليّ (ع) يسمو ويسمو لأنّه عاش مع الله ولله، وكانت حياته قد انطلقت في صرخته الأولى في الكعبة وكأنّها تهليلة وتكبيرة لله، وصلَّى في الكعبة مع رسول الله (ص)، وكان أوّل من صلّى بعده وحطَّم الأصنام على الكعبة وفاءً لله وهو يرقى على كتف رسول الله (ص)، وكانت حياته كعبةً كلّها، ومسجداً كلّها، وإخلاصاً لله كلّه، حتّى إذا كانت التكبيرة الأخيرة في مسجد الكوفة في صلاة الجماعة، استُشْهِدَ وهو يقول (الله أكبر)...
هذا هو عليّ (ع) ومسؤوليّتنا أن ننتميَ إليه لا أن نهتف باسمه فقط، وهو الّذي يقول: "أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ، أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ"3.
فأين الوَرِعُون في خطّ عليّ؟! وأين المجتهدون في طاعة الله في خطّ عليّ؟! وأين الأعفّاء؟! أين الذين يتحرَّكون في خطّ السّداد؟! إنَّ عليّاً ينتظرنا هناك، ونحن في امتحان السّير على خطّه، فهل ننجح في الامتحان؟!
*من كتاب "عليّ ميزان الحقّ".
[1] بحار الأنوار: ج41، ص 4.
[2]نهج البلاغة، ج3، ص 76.
[3]بحار الأنوار، ج33، ص 474.