تفسير
25/01/2024

s-2-a-171

s-2-a-171

‏ ‏

‏ معاني المفردات ‏

{ كمثلِ } : المثل: قولٌ سائرٌ يدلُّ على أنّ سبيل الثّاني سبيل الأوّل. ‏

{ ينْعِقُ } : النّعيق: التّصويت. يقال: نعق الرّاعي بالغنم: إذا صاح بها زجرًا. ونعق الغراب: إذا صوّت من غير أن يمدّ عنقه ويحرِّكها، ونغق - بالغين - بمعناه، فإذا مدّ عنقه وحرّكها ثمّ صاح قيل: نعب. ‏

{ دُعاءً } : الدُّعاء: طلب الفعل من المدعوِّ. ‏

{ و نِداءً } : النِّداء: مشتقٌّ من ندى الصّوت. ناداه، أي: دعاه بأرفع صوته. ‏

‏ ‏

‏ الصُّورة الدّاخليّة الحقيقيّة للكافر ‏

‏هذا مثلٌ للكافرين، يستهدف كشف الصُّورة الدّاخليّة الحقيقيّة للكافر في مواجهته للفكر الّذي يُقدّم إليه، وللإيمان الّذي يُدعى إليه، فهو لا يحمل في نفسه مسؤوليّة الفكر والإيمان، ليفكِّر، ويناقش، ويدير الحوار الّذي يرتكز على أن يسمع وجهة نظر الآخرين ويفهم طبيعتها وخصائصها وتفاصيلها، ثمّ يفكِّر فيها من حيث هي خطأٌ أو صوابٌ. إنّه خاضعٌ لتسلُّط الفكرة المنحرفة على وجدانه وضميره، فهي تملأ كلّ جوانب ذاته، لا يسمح لأيّة علامة استفهامٍ أن تهزّ هذه القناعة المضلِّلة عنده، ولا يستمع لأيِّ صوت هدًى يقتحم عليه ضلاله. ولهذا فهو لا يواجه أصوات الحقِّ والخير والهدى، إلاّ كما تواجه الأنعام أصوات الرُّعاة، فلا تفهم من أناشيدهم أيّ شي‏ءٍ ممّا تجيش به صدورهم وتنفعل معه مشاعرهم، بل لا تعي إلاّ الصّوت الّذي يرنُّ في أسماعها لتتحرّك معه. ‏

‏وتزيد الآية الصُّورة وضوحًا في طبيعة الحالة العامّة الّتي تمنعهم من مواجهة الإيمان بالجدِّ والإيجابيّة؛ فقد عطّلوا أسماعهم وأغلقوها عن آيات الله، فمثلُهم مثلُ الّذين لا يملكون قوّة السّمع، وقد عطّلوا ألسنتهم عن الجواب في ما يوجّه إليهم من كلمات الله بما يُحتجُّ عليهم به أو يسألهم عنه، فكأنّهم لا ينطقون، وقد أغمضوا عيونهم عن النّظر إلى آيات الله في خلقه بما تجسِّده من مواطن العظمة، فكأنّهم لا يبصرون، ومن خلال ذلك كلِّه، عطّلوا عقولهم عن التّفكير بما جمّدوه من أدوات الفكر المسموعة والمنظورة والمنطوقة؛ فكأنّهم لا يعقلون. ‏

‏وقد نجد في هذا المثل الحيِّ الفكرة الّتي يعمل القرآن على تقريرها وتأكيدها في قضيّة الكفر والإيمان، وهي أنّ الكفر ليس مشكلةً فكريّةً تواجه الإنسان، في ما يواجهه من مشاكل الفكر المعقّدة، بل هي مشكلةٌ ذاتيّةٌ تنطلق من خلال العقدة النّفسيّة الّتي يعيشها الإنسان إزاء ارتباطه بفكرةٍ معيّنةٍ، ما لا يُبقي له مجالاً للانفتاح على أيِّ شي‏ءٍ آخر مضادٍّ لها. ‏

‏ الكافرون وتعطيل العقل ‏

{و مثلُ الّذِين كفرُوا} ، في دعوتك إيّاهم إلى الإيمان، {كمثلِ الّذِي ينْعِقُ} ، أي: يرسل الصّوت، {بِما لا يسْمعُ إِلاّ دُعاءً و نِداءً} ، كالبهائم الّتي تسمع أناشيد الرُّعاة الّتي تتضمّن معاني عدّة، ولكنّها لا تفهم معناها، ولا تنفتح بها إلاّ على الصّوت. فهم لا يفهمون من كلامك الرِّساليِّ معناه، بل يقتصرون من ذلك على الصّوت المجرّد الّذي يشقُّ طريقه إلى السّمع من دون أن يدخل في العقل؛ لأنّهم ذاهلون عن دعوتك، منصرفون عن معناها؛ لاستغراقهم في التّفكير الّذي ورثوه عن آبائهم، فهم متعبِّدون به، لا ينحرفون عنه إلى غيره حتّى لو كان صوابًا؛ لأنّ الصّواب لا يمثِّل اهتماماتهم في الانتماء والاقتناع، بل هو امتداد الماضي في عقولهم وأفكارهم. ‏

‏ويقول صاحب (الكشّاف): «ويجوز أن يُراد بما لا يسمع: الأصمّ الأصلخ الّذي لا يسمع من كلام الرّافعِ صوته بكلامه إلاّ النِّداء والتّصويت لا غير، من غير فهمٍ للحروف. وقيل: معناه: ومثلهم في اتِّباعهم آباءهم وتقليدهم لهم كمثل البهائم الّتي لا تسمع إلاّ ظاهر الصّوت ولا تفهم ما تحته، فكذلك هؤلاء يتّبعونهم على ظاهر حالهم، ولا يفقهون أهُمْ على حقٍّ أم باطل»‏1‏. ‏

{ صُمٌّ } عن استماع الحجّة، كمن لا يسمعون، { بُكْمٌ } عن النُّطق بها، كمن لا ينطقون، { عُمْيٌ } عن رؤية الحقائق البارزة فيها، كمن لا يبصرون، {فهُمْ لا يعْقِلُون} ؛ لأنّهم لا يستعملون عقولهم في إدراك الحقِّ. ‏

‏ العقل أساس المعرفة والمسؤوليّة ‏

‏ونستطيع أن نستوحي من الحديث في الآية السّابقة الّتي تتساءل عن اتِّباعهم آباءهم حتّى لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا، وفي هذه الآية الّتي تؤكِّد أنّهم لا يعقلون، أنّ المشكلة في هؤلاء أنّهم لا يملكون حركة العقل في وجدانهم حتّى يميِّزوا به الخطّ المستقيم من الخطِّ المنحرف، ولا يفرِّقون بين الجهة الّتي لا تعقل شيئًا ولا تهتدي طريقًا، وبين الجهة الّتي تملك العقل والوعي والهدى، فيتّبعون تلك ويتركون هذه. ‏

‏ومن هنا، فإنّ فقدانهم حيويّة العقل وجرأته، جعلهم يقلِّدون من لا عقل له في حقائق الأشياء. ومن جهةٍ أخرى، فهي تدلُّ على أنّ العقل هو الأساس في حركة المعرفة الصّحيحة ووعي المسؤوليّة، فمن لا يعتمد العقل وسيلته إلى المعرفة في مسؤوليّاته الفكريّة، فلن يصل إلى الحقيقة في عمقها الإيمانيِّ. ‏

‏ ‏

‎ ‎

‎ ‎

‎ ‎

‎ ‎

‏1.‏‏الزّمخشري، الكشّاف، م. س، ج 1، ص 328. ‏

‏ ‏

‏ ـ‏

‎ ‎

‎ ‎

‏ ‏

‏ معاني المفردات ‏

{ كمثلِ } : المثل: قولٌ سائرٌ يدلُّ على أنّ سبيل الثّاني سبيل الأوّل. ‏

{ ينْعِقُ } : النّعيق: التّصويت. يقال: نعق الرّاعي بالغنم: إذا صاح بها زجرًا. ونعق الغراب: إذا صوّت من غير أن يمدّ عنقه ويحرِّكها، ونغق - بالغين - بمعناه، فإذا مدّ عنقه وحرّكها ثمّ صاح قيل: نعب. ‏

{ دُعاءً } : الدُّعاء: طلب الفعل من المدعوِّ. ‏

{ و نِداءً } : النِّداء: مشتقٌّ من ندى الصّوت. ناداه، أي: دعاه بأرفع صوته. ‏

‏ ‏

‏ الصُّورة الدّاخليّة الحقيقيّة للكافر ‏

‏هذا مثلٌ للكافرين، يستهدف كشف الصُّورة الدّاخليّة الحقيقيّة للكافر في مواجهته للفكر الّذي يُقدّم إليه، وللإيمان الّذي يُدعى إليه، فهو لا يحمل في نفسه مسؤوليّة الفكر والإيمان، ليفكِّر، ويناقش، ويدير الحوار الّذي يرتكز على أن يسمع وجهة نظر الآخرين ويفهم طبيعتها وخصائصها وتفاصيلها، ثمّ يفكِّر فيها من حيث هي خطأٌ أو صوابٌ. إنّه خاضعٌ لتسلُّط الفكرة المنحرفة على وجدانه وضميره، فهي تملأ كلّ جوانب ذاته، لا يسمح لأيّة علامة استفهامٍ أن تهزّ هذه القناعة المضلِّلة عنده، ولا يستمع لأيِّ صوت هدًى يقتحم عليه ضلاله. ولهذا فهو لا يواجه أصوات الحقِّ والخير والهدى، إلاّ كما تواجه الأنعام أصوات الرُّعاة، فلا تفهم من أناشيدهم أيّ شي‏ءٍ ممّا تجيش به صدورهم وتنفعل معه مشاعرهم، بل لا تعي إلاّ الصّوت الّذي يرنُّ في أسماعها لتتحرّك معه. ‏

‏وتزيد الآية الصُّورة وضوحًا في طبيعة الحالة العامّة الّتي تمنعهم من مواجهة الإيمان بالجدِّ والإيجابيّة؛ فقد عطّلوا أسماعهم وأغلقوها عن آيات الله، فمثلُهم مثلُ الّذين لا يملكون قوّة السّمع، وقد عطّلوا ألسنتهم عن الجواب في ما يوجّه إليهم من كلمات الله بما يُحتجُّ عليهم به أو يسألهم عنه، فكأنّهم لا ينطقون، وقد أغمضوا عيونهم عن النّظر إلى آيات الله في خلقه بما تجسِّده من مواطن العظمة، فكأنّهم لا يبصرون، ومن خلال ذلك كلِّه، عطّلوا عقولهم عن التّفكير بما جمّدوه من أدوات الفكر المسموعة والمنظورة والمنطوقة؛ فكأنّهم لا يعقلون. ‏

‏وقد نجد في هذا المثل الحيِّ الفكرة الّتي يعمل القرآن على تقريرها وتأكيدها في قضيّة الكفر والإيمان، وهي أنّ الكفر ليس مشكلةً فكريّةً تواجه الإنسان، في ما يواجهه من مشاكل الفكر المعقّدة، بل هي مشكلةٌ ذاتيّةٌ تنطلق من خلال العقدة النّفسيّة الّتي يعيشها الإنسان إزاء ارتباطه بفكرةٍ معيّنةٍ، ما لا يُبقي له مجالاً للانفتاح على أيِّ شي‏ءٍ آخر مضادٍّ لها. ‏

‏ الكافرون وتعطيل العقل ‏

{و مثلُ الّذِين كفرُوا} ، في دعوتك إيّاهم إلى الإيمان، {كمثلِ الّذِي ينْعِقُ} ، أي: يرسل الصّوت، {بِما لا يسْمعُ إِلاّ دُعاءً و نِداءً} ، كالبهائم الّتي تسمع أناشيد الرُّعاة الّتي تتضمّن معاني عدّة، ولكنّها لا تفهم معناها، ولا تنفتح بها إلاّ على الصّوت. فهم لا يفهمون من كلامك الرِّساليِّ معناه، بل يقتصرون من ذلك على الصّوت المجرّد الّذي يشقُّ طريقه إلى السّمع من دون أن يدخل في العقل؛ لأنّهم ذاهلون عن دعوتك، منصرفون عن معناها؛ لاستغراقهم في التّفكير الّذي ورثوه عن آبائهم، فهم متعبِّدون به، لا ينحرفون عنه إلى غيره حتّى لو كان صوابًا؛ لأنّ الصّواب لا يمثِّل اهتماماتهم في الانتماء والاقتناع، بل هو امتداد الماضي في عقولهم وأفكارهم. ‏

‏ويقول صاحب (الكشّاف): «ويجوز أن يُراد بما لا يسمع: الأصمّ الأصلخ الّذي لا يسمع من كلام الرّافعِ صوته بكلامه إلاّ النِّداء والتّصويت لا غير، من غير فهمٍ للحروف. وقيل: معناه: ومثلهم في اتِّباعهم آباءهم وتقليدهم لهم كمثل البهائم الّتي لا تسمع إلاّ ظاهر الصّوت ولا تفهم ما تحته، فكذلك هؤلاء يتّبعونهم على ظاهر حالهم، ولا يفقهون أهُمْ على حقٍّ أم باطل»‏1‏. ‏

{ صُمٌّ } عن استماع الحجّة، كمن لا يسمعون، { بُكْمٌ } عن النُّطق بها، كمن لا ينطقون، { عُمْيٌ } عن رؤية الحقائق البارزة فيها، كمن لا يبصرون، {فهُمْ لا يعْقِلُون} ؛ لأنّهم لا يستعملون عقولهم في إدراك الحقِّ. ‏

‏ العقل أساس المعرفة والمسؤوليّة ‏

‏ونستطيع أن نستوحي من الحديث في الآية السّابقة الّتي تتساءل عن اتِّباعهم آباءهم حتّى لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا، وفي هذه الآية الّتي تؤكِّد أنّهم لا يعقلون، أنّ المشكلة في هؤلاء أنّهم لا يملكون حركة العقل في وجدانهم حتّى يميِّزوا به الخطّ المستقيم من الخطِّ المنحرف، ولا يفرِّقون بين الجهة الّتي لا تعقل شيئًا ولا تهتدي طريقًا، وبين الجهة الّتي تملك العقل والوعي والهدى، فيتّبعون تلك ويتركون هذه. ‏

‏ومن هنا، فإنّ فقدانهم حيويّة العقل وجرأته، جعلهم يقلِّدون من لا عقل له في حقائق الأشياء. ومن جهةٍ أخرى، فهي تدلُّ على أنّ العقل هو الأساس في حركة المعرفة الصّحيحة ووعي المسؤوليّة، فمن لا يعتمد العقل وسيلته إلى المعرفة في مسؤوليّاته الفكريّة، فلن يصل إلى الحقيقة في عمقها الإيمانيِّ. ‏

‏ ‏

‎ ‎

‎ ‎

‎ ‎

‎ ‎

‏1.‏‏الزّمخشري، الكشّاف، م. س، ج 1، ص 328. ‏

‏ ‏

‏ ـ‏

‎ ‎

‎ ‎

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية