معاني المفردات
{جحدُوا}: الجحود: نفي ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه.
{جبّارٍ}: قال الرّاغب: «الجبّار في صفة الإنسان يُقال لمن يجبر نقيصته، بادِّعاء منزلةٍ من التّعالي لا يستحقُّها، وهذا لا يُقال إلاّ على طريق الذّمِّ... ويُقال للقاهر غيره: جبّار، نحو: {وما أنْت عليْهِمْ بِجبّارٍ}[ق: 45]»(1).
{عنِيدٍ}: العنيد: المعجب بما عنده، الّذي يعاند ويخالف، ولا يرضخ للحقِّ أبداً.
{لعْنةً}: أي: أنّهم فعلوا ما يستوجب اللّعن دنياً وآخرةً. ومعنى اللّعن البُعد عن كلِّ خير.
هود يستكمل الحجّة
ويستكمل هود عليه السلام حجّته عليهم في نهاية المطاف. {فإِنْ تولّوْا}، أي: إن تتولّوا وتُعرضوا عن الإيمان بالرِّسالة، فهذا شأنكم ومسؤوليّتكم الّتي تتحمّلونها تجاه مصيركم الّذي عرّفتُكم سلبيّاته وإيجابيّاته على مستوى الكُفر والإيمان، وبذلك فقد أدّيت ما عليّ، وألقيتُ عليكم الحجّة من الله؛ {فقدْ أبْلغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِليْكُمْ}، ولم أدّخر جهداً، على مستوى المضمون والأسلوب، {ويسْتخْلِفُ ربِّي قوْماً غيْركُمْ}؛ فلستم أوّل الكافرين، ولستم آخر البشر، فإذا لم تؤمنوا فلن ينتهي الإيمان من العالم، فسيأتي قومٌ آخرون يستخلفهم الله ليعمروا الأرض، وليعملوا بطاعته، ويسيروا على هداه. {ولا تضُرُّونهُ شيْئاً}؛ لأنّه الغنيُّ عن عباده في طاعتهم ومعصيتهم، فلا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضرُّه معصية من عصاه، بل هم الرّابحون في طاعته، والخاسرون في معصيته؛ لأنّ الله لم يأمرهم إلاّ بما فيه صلاحهم، ولم ينههم إلاّ عمّا فيه فسادهم. {إِنّ ربِّي على كُلِّ شيءٍ حفِيظٌ}، بما يوحيه ذلك من إحاطةٍ بكلِّ الأشياء، علماً وملكاً وسيطرةً، ولذلك فلن يفلت أحدٌ منه؛ لأنّه محيطٌ بهم إحاطة الحافظ بالمحفوظ.
ونزل العذاب الغليظ على عاد
وجاء أمر الله، ونزل العذاب، وتساقط كلُّ الّذين كانوا يستعلون على النّاس بالقوّة الكبيرة الّتي كانوا يملكون، ويتمرّدون من خلالها على الله ورسله ورسالاته، فإذا بهم أعجاز نخل خاويةٍ، فلا ترى لهم من باقيةٍ، وبقيت الحياة، لمن كانوا دعاةً إلى الإيمان بالله، والعاملين في سبيله؛ لأنّهم خدموا الحياة من موقع ارتباطها بالله، والتزامها برسالته.
{ولمّا جاء أمْرُنا نجّيْنا هُوداً والّذِين آمنُوا معهُ بِرحْمةٍ مِنّا}، في ما يرحم الله به عباده المؤمنين، ممّا يحيطهم به من ألطافه، ويرعاهم به من حنانه وعطفه، {ونجّيْناهُمْ مِنْ عذابٍ غلِيظٍ}، ممّا أنزله الله على قومه من الكافرين.
أسباب نزول العذاب
{وتِلْك عادٌ جحدُوا بِآياتِ ربِّهِمْ وعصوْا رُسُلهُ واِتّبعُوا أمْر كُلِّ جبّارٍ عنِيدٍ}. وتلك هي قصّة العذاب الّذي يُنزله الله بعباده نتيجةً لأسباب تستدعيه، فإنّ الله يعذِّب الجاحدين بآياته، العاصين رسله، بعد إقامة الحجّة عليهم، بما لا يدع لهم مجالاً لريبٍ أو لشبهةٍ، المستسلمين للجبابرة الطُّغاة المعاندين للحقِّ، في ما يأمرونهم به من الكفر والضّلال، فإذا وقفوا بين أمر الله، وأمر هؤلاء، تركوا أمر الله، واتّبعوا أمرهم، وهم يعلمون، بوحي فطرتهم، أنّ ما يدعوهم إليه الله هو الحقُّ، وأنّ ما يدعو إليه هؤلاء هو الباطل، ولكنّهم يضعفون أمامهم، وتتساقط مواقفهم بسقوط إرادتهم. والله - سبحانه - لا يرى للضُّعفاء عذراً في الاستسلام لحالة الضّعف أمام الأقوياء، إذا استطاعوا أن يأخذوا بأسباب القوّة، ولو بالانتقال إلى موقعٍ آخر يُمكِّنهم من ذلك.
وفي هذه الفقرة إيحاءٌ بأنّ الغالب في ضلال الشُّعوب المستضعفة، هو سيطرة القوى المستكبرة الّتي تقودها إلى ذلك، كظاهرةٍ من الظّواهر الاجتماعيّة لتفاوت مواقع القوّة والضّعف بين النّاس على أكثر من مستوى في بعض المجتمعات.
درسٌ من تجربة هود
{وأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لعْنةً}، في ما تمثِّله اللّعنة من البُعد عن ساحة رحمة الله، {ويوْم الْقِيامةِ} بما أنزل الله بهم من العذاب؛ ليبقى ذلك إعلاناً عن الطّابع العامِّ الّذي يغلب على تلك المرحلة من التّاريخ، ودرساً لكلِّ من يسير في هذا الاتِّجاه.
{ألا إِنّ عاداً كفرُوا ربّهُمْ ألا بُعْداً لِعادٍ قوْمِ هُودٍ}؛ ليظلّ هود الوجه الرِّساليّ المشرق الّذي تلتقي في شخصيّته الرُّوح الرِّساليّة المنفتحة على الواقع بكلِّ سعة الصّدر ومرونة الصّبر، والإرادة القويّة الّتي تواجه التّحدِّيات بصلابةٍ، دون أن تتنازل أو تتراجع أمام تهاويل المخاوف الّتي تثار حولها، والحكمة العميقة الواعية الّتي تواجه بها الذِّهنيات البدائيّة لهؤلاء النّاس الّذين يملكون قوّة الجسد دون قوّة الفكر؛ لعملهم على تنمية أجسادهم دون تنمية أفكارهم. لذلك استخدم هود أساليب بسيطةً في الدّعوة، حيث تطرح الفكرة ببساطة لا تحوجهم إلى بذل الجهد في فهم الدّعوة. وكانت الأساليب العمليّة في الحركة الّتي ترقُّ عند الحاجة إلى اللِّين، وتعنف عند الحاجة إلى العنف، دون أيِّ تأثيرٍ على موقف عاد الكافر المتمرِّد الّذي لا يخضع لتفاهم الحوار، ولا لتفهُّم الفكر، بل كلُّ ما عنده هو المزيد من الجهل والغرور والكبرياء والتّقليد.
الهوامش:
(1) الرّاغب الأصفهاني، المفردات، م. س، ص 86.
معاني المفردات
{جحدُوا}: الجحود: نفي ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه.
{جبّارٍ}: قال الرّاغب: «الجبّار في صفة الإنسان يُقال لمن يجبر نقيصته، بادِّعاء منزلةٍ من التّعالي لا يستحقُّها، وهذا لا يُقال إلاّ على طريق الذّمِّ... ويُقال للقاهر غيره: جبّار، نحو: {وما أنْت عليْهِمْ بِجبّارٍ}[ق: 45]»(1).
{عنِيدٍ}: العنيد: المعجب بما عنده، الّذي يعاند ويخالف، ولا يرضخ للحقِّ أبداً.
{لعْنةً}: أي: أنّهم فعلوا ما يستوجب اللّعن دنياً وآخرةً. ومعنى اللّعن البُعد عن كلِّ خير.
هود يستكمل الحجّة
ويستكمل هود عليه السلام حجّته عليهم في نهاية المطاف. {فإِنْ تولّوْا}، أي: إن تتولّوا وتُعرضوا عن الإيمان بالرِّسالة، فهذا شأنكم ومسؤوليّتكم الّتي تتحمّلونها تجاه مصيركم الّذي عرّفتُكم سلبيّاته وإيجابيّاته على مستوى الكُفر والإيمان، وبذلك فقد أدّيت ما عليّ، وألقيتُ عليكم الحجّة من الله؛ {فقدْ أبْلغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِليْكُمْ}، ولم أدّخر جهداً، على مستوى المضمون والأسلوب، {ويسْتخْلِفُ ربِّي قوْماً غيْركُمْ}؛ فلستم أوّل الكافرين، ولستم آخر البشر، فإذا لم تؤمنوا فلن ينتهي الإيمان من العالم، فسيأتي قومٌ آخرون يستخلفهم الله ليعمروا الأرض، وليعملوا بطاعته، ويسيروا على هداه. {ولا تضُرُّونهُ شيْئاً}؛ لأنّه الغنيُّ عن عباده في طاعتهم ومعصيتهم، فلا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضرُّه معصية من عصاه، بل هم الرّابحون في طاعته، والخاسرون في معصيته؛ لأنّ الله لم يأمرهم إلاّ بما فيه صلاحهم، ولم ينههم إلاّ عمّا فيه فسادهم. {إِنّ ربِّي على كُلِّ شيءٍ حفِيظٌ}، بما يوحيه ذلك من إحاطةٍ بكلِّ الأشياء، علماً وملكاً وسيطرةً، ولذلك فلن يفلت أحدٌ منه؛ لأنّه محيطٌ بهم إحاطة الحافظ بالمحفوظ.
ونزل العذاب الغليظ على عاد
وجاء أمر الله، ونزل العذاب، وتساقط كلُّ الّذين كانوا يستعلون على النّاس بالقوّة الكبيرة الّتي كانوا يملكون، ويتمرّدون من خلالها على الله ورسله ورسالاته، فإذا بهم أعجاز نخل خاويةٍ، فلا ترى لهم من باقيةٍ، وبقيت الحياة، لمن كانوا دعاةً إلى الإيمان بالله، والعاملين في سبيله؛ لأنّهم خدموا الحياة من موقع ارتباطها بالله، والتزامها برسالته.
{ولمّا جاء أمْرُنا نجّيْنا هُوداً والّذِين آمنُوا معهُ بِرحْمةٍ مِنّا}، في ما يرحم الله به عباده المؤمنين، ممّا يحيطهم به من ألطافه، ويرعاهم به من حنانه وعطفه، {ونجّيْناهُمْ مِنْ عذابٍ غلِيظٍ}، ممّا أنزله الله على قومه من الكافرين.
أسباب نزول العذاب
{وتِلْك عادٌ جحدُوا بِآياتِ ربِّهِمْ وعصوْا رُسُلهُ واِتّبعُوا أمْر كُلِّ جبّارٍ عنِيدٍ}. وتلك هي قصّة العذاب الّذي يُنزله الله بعباده نتيجةً لأسباب تستدعيه، فإنّ الله يعذِّب الجاحدين بآياته، العاصين رسله، بعد إقامة الحجّة عليهم، بما لا يدع لهم مجالاً لريبٍ أو لشبهةٍ، المستسلمين للجبابرة الطُّغاة المعاندين للحقِّ، في ما يأمرونهم به من الكفر والضّلال، فإذا وقفوا بين أمر الله، وأمر هؤلاء، تركوا أمر الله، واتّبعوا أمرهم، وهم يعلمون، بوحي فطرتهم، أنّ ما يدعوهم إليه الله هو الحقُّ، وأنّ ما يدعو إليه هؤلاء هو الباطل، ولكنّهم يضعفون أمامهم، وتتساقط مواقفهم بسقوط إرادتهم. والله - سبحانه - لا يرى للضُّعفاء عذراً في الاستسلام لحالة الضّعف أمام الأقوياء، إذا استطاعوا أن يأخذوا بأسباب القوّة، ولو بالانتقال إلى موقعٍ آخر يُمكِّنهم من ذلك.
وفي هذه الفقرة إيحاءٌ بأنّ الغالب في ضلال الشُّعوب المستضعفة، هو سيطرة القوى المستكبرة الّتي تقودها إلى ذلك، كظاهرةٍ من الظّواهر الاجتماعيّة لتفاوت مواقع القوّة والضّعف بين النّاس على أكثر من مستوى في بعض المجتمعات.
درسٌ من تجربة هود
{وأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لعْنةً}، في ما تمثِّله اللّعنة من البُعد عن ساحة رحمة الله، {ويوْم الْقِيامةِ} بما أنزل الله بهم من العذاب؛ ليبقى ذلك إعلاناً عن الطّابع العامِّ الّذي يغلب على تلك المرحلة من التّاريخ، ودرساً لكلِّ من يسير في هذا الاتِّجاه.
{ألا إِنّ عاداً كفرُوا ربّهُمْ ألا بُعْداً لِعادٍ قوْمِ هُودٍ}؛ ليظلّ هود الوجه الرِّساليّ المشرق الّذي تلتقي في شخصيّته الرُّوح الرِّساليّة المنفتحة على الواقع بكلِّ سعة الصّدر ومرونة الصّبر، والإرادة القويّة الّتي تواجه التّحدِّيات بصلابةٍ، دون أن تتنازل أو تتراجع أمام تهاويل المخاوف الّتي تثار حولها، والحكمة العميقة الواعية الّتي تواجه بها الذِّهنيات البدائيّة لهؤلاء النّاس الّذين يملكون قوّة الجسد دون قوّة الفكر؛ لعملهم على تنمية أجسادهم دون تنمية أفكارهم. لذلك استخدم هود أساليب بسيطةً في الدّعوة، حيث تطرح الفكرة ببساطة لا تحوجهم إلى بذل الجهد في فهم الدّعوة. وكانت الأساليب العمليّة في الحركة الّتي ترقُّ عند الحاجة إلى اللِّين، وتعنف عند الحاجة إلى العنف، دون أيِّ تأثيرٍ على موقف عاد الكافر المتمرِّد الّذي لا يخضع لتفاهم الحوار، ولا لتفهُّم الفكر، بل كلُّ ما عنده هو المزيد من الجهل والغرور والكبرياء والتّقليد.
الهوامش:
(1) الرّاغب الأصفهاني، المفردات، م. س، ص 86.