وحده الله مقصد العباد..

وحده الله مقصد العباد..

نلج في آفاق الصحيفة السجاديّة للإمام زين العابدين(ع)، حيث تسمو الرّوح في عوالم الدّعاء والابتهال إلى الله تعالى، تتلمَّس منه الرّحمة والفضل والتسديد.

يقول الإمام السجّاد(ع): "اللّهمَّ يا منتهى مطلب الحاجات، ويا من عنده نيل الطلبات، ويا من لا يبيعُ نِعَمَهُ بالأثمان، ويا من لا يكدِّر عطاياه بالامتنان، ويا من يُستغنى به ولا يُستغنى عنه، ويا من يُرغَبُ إليه ولا يُرغَبُ عنه، ويا من لا تُفني خزائه المسائل، ويا من لا تُبدِّل حكمته الوسائل، ويا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجين، ويا من لا يعنّيه دعاء الدّاعين. تمدَّحتَ بالغناء عن خلقك، وأنت أهل الغنى عنهم، ونسبتهم إلى الفقر وهم أهل الفقر إليك، فمن حاول سدّ خلّتِهِ من عندك، ورام صرف الفقرِ عن نفسه بك، فقد طلب حاجتهُ في مظانّها، وأتى طلبته من وجهها، ومن توجّه بحاجته إلى أحدٍ من خلقك، أو جعله سبب نجحها دونك، فقد تعرّض للحرمان، واستحقّ من عندك فوت الإحسان".

بما أنّ الله تعالى هو المنعم على الوجود كلّه، ومن بينه الإنسان، فإنّ هذا الكائن العاقل يتوجّه إلى الله في طلب جميع حوائجه، لأنّه تعالى وحده القادر والمهيمن على الأمر كلّه، وبيده مفاتيح الرّحمة والفضل والإكرام، يعطي بلا حدود ولا حساب. والطلب إلى الله وحده وقصده في كلّ شيء، يربي في نفوسنا الالتزام بما لله علينا من حقوق الطّاعة والولاء والعبادة، ويجعلنا نعيش معنى التّوحيد لله بكلّ فاعليّة تترجم إلى يقين صادق، بقدرة هذا المعبود وملكيّته لنا في كلّ تفاصيل حياتنا، وإلى إخلاص عميق لله في رجوع العبد إلى ربّه في أبهى أشكال العزّة والكرامة.

فالمقصود، وهو الله تعالى، له الكمال المطلق في كلّ أوصافه وأسمائه، وهو الّذي لا غنى عنه، وهو غنيّ عنّا، كيف لا، والوجود كلّه من فيضه وبركاته، وصاحب التفضّل والإنعام على عباده، وخير ما وهبهم إيّاه العقل، الّذي يطوف في آفاق الكون ليصل بالضّرورة إلى الله تعالى، وما عنده من خيرٍ، وهو يدعونا إلى التنبّه دوماً إلى مسؤوليّاتنا تجاه أنفسنا والوجود من حولنا.

وفي شرحه لما تقدّم من فقرات الدّعاء، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):

"... ويا من عنده نيل الطّلبات"، لأنّك تملك كلّ عناصرها وظروفها ومواقفها وشروطها وأبعادها، ولأنّك الكريم الذي لا يمنع أحداً عطاءه.. فأين يذهب الذاهبون، وأين يتوجّه الطالبون؟

"ويا من لا يبيع نعمه بالأثمان"، فكلّ نعمةٍ كرمٌ وتفضّلٌ في امتداد الرّحمة واتّساع القدرة، فالعطاء سرّ ذاتك، والتفضّل معنى عظمتك، إنه أنت الذي كان الوجود كله هبةً منك، فكيف يفكّر الغافلون أنّك تريد ثمناً له؟ وما معنى الثّمن لديك؟

"ويا من يُستغنى به ولا يُستغنى عنه"، لأنّه الخالق لكلّ شيء، والمدبّر لكلّ شيء، وهو على كلّ شيء قدير.. أمّا الآخرون، فلا يملكون شيئاً، وكيف يمكن لمخلوق أن يستغني بالمخلوق عن الخالق الّذي يرتبط به كلّ شيء؟!

"ويا من لا تبدّل حكمته الوسائل"، فقد أجرى الله الوجود كله من موقع حكمته على أساس السّنن الطبيعيّة، فلو أنّ الناس ابتهلوا إليه، وقدموا كلّ وسائل الاستعطاف بين يديه، وحاولوا أن يغيّروا شيئاً من ذلك بكلّ جهدهم، لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.. لذلك، فإن الدعاء قد يجتذب الإجابة في نطاق الحكمة الإلهيّة، ومن خلال المصلحة الإنسانية.

"ويا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجين"، فهي تتجدّد باستمرار وجودهم.. "ويا من لا يعنّيه دعاء الدّاعين"، فلا يثقله ولا يضايقه شيء من ذلك."تمدّحت بالغناء عن خلقك، وأنت أهل الغنى عنهم"، لأنّك الغنيّ بذاتك، لا بجهة أخرى.

" ونسبتهم إلى الفقر وهم أهل الفقر إليك"، لأنهم الفقراء إليك بطبيعة وجودهم..

"فمن حاول سدَّ خلته من عندك"، ثقةً بك وبقدرتك على ذلك، "ورام صرف الفقر عن نفسه بك"، طمعاً بغناك وكرمك، "فقد طلب حاجته في مظانّها، وأتى طلبته من وجهها"، لأنك الربّ الكريم الذي لا يمنع أحداً فضله ولا يطرد أحداً عن بابه.. ولأن وجهك هوالوجه الذي يتوجه إليه العباد.

"ومن توجّه بحاجته إلى أحدٍ من خلقك"، غفلةً عنك، "أو جعله سبب نُجحها دونك"، جهلاً منه بأنّه مخلوق ومحتاج إليك، "فقد تعرّض للحرمان" لأنه وقف بباب الفقير العاجز، "واستحقّ من عندك فوت الإحسان"، عقاباً له على انحرافه عن خطّ الإيمان".[آفاق الروح، ج:1، ص:321-326].

فهلاّ للإنسان أن يعود إلى رشده، ويتوب إلى ربّه، وينوب إليه ويقصده في كلّ حاجاته وشؤونه، ويلتزم حدوده، ويعيش العزّة والكرامة في طاعته، وما تعنيه هذه الطّاعة من أداء حقّ إليه في خدمة الإنسان والحياة بكلّ ما يصلحها؟! ومن أراد التوجّه إلى الله وطلب الحاجة منه، فليكن أهلاً للطّلب والتوجّه، وليعمد إلى تنقية قلبه من العصبيّات والأحقاد، وإلى فتح عقله على آفاق الوعي الّذي يعيد إنتاج الحياة على قاعدة محبّة الله، والسّعي إلى نيل مراضيه.

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

نلج في آفاق الصحيفة السجاديّة للإمام زين العابدين(ع)، حيث تسمو الرّوح في عوالم الدّعاء والابتهال إلى الله تعالى، تتلمَّس منه الرّحمة والفضل والتسديد.

يقول الإمام السجّاد(ع): "اللّهمَّ يا منتهى مطلب الحاجات، ويا من عنده نيل الطلبات، ويا من لا يبيعُ نِعَمَهُ بالأثمان، ويا من لا يكدِّر عطاياه بالامتنان، ويا من يُستغنى به ولا يُستغنى عنه، ويا من يُرغَبُ إليه ولا يُرغَبُ عنه، ويا من لا تُفني خزائه المسائل، ويا من لا تُبدِّل حكمته الوسائل، ويا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجين، ويا من لا يعنّيه دعاء الدّاعين. تمدَّحتَ بالغناء عن خلقك، وأنت أهل الغنى عنهم، ونسبتهم إلى الفقر وهم أهل الفقر إليك، فمن حاول سدّ خلّتِهِ من عندك، ورام صرف الفقرِ عن نفسه بك، فقد طلب حاجتهُ في مظانّها، وأتى طلبته من وجهها، ومن توجّه بحاجته إلى أحدٍ من خلقك، أو جعله سبب نجحها دونك، فقد تعرّض للحرمان، واستحقّ من عندك فوت الإحسان".

بما أنّ الله تعالى هو المنعم على الوجود كلّه، ومن بينه الإنسان، فإنّ هذا الكائن العاقل يتوجّه إلى الله في طلب جميع حوائجه، لأنّه تعالى وحده القادر والمهيمن على الأمر كلّه، وبيده مفاتيح الرّحمة والفضل والإكرام، يعطي بلا حدود ولا حساب. والطلب إلى الله وحده وقصده في كلّ شيء، يربي في نفوسنا الالتزام بما لله علينا من حقوق الطّاعة والولاء والعبادة، ويجعلنا نعيش معنى التّوحيد لله بكلّ فاعليّة تترجم إلى يقين صادق، بقدرة هذا المعبود وملكيّته لنا في كلّ تفاصيل حياتنا، وإلى إخلاص عميق لله في رجوع العبد إلى ربّه في أبهى أشكال العزّة والكرامة.

فالمقصود، وهو الله تعالى، له الكمال المطلق في كلّ أوصافه وأسمائه، وهو الّذي لا غنى عنه، وهو غنيّ عنّا، كيف لا، والوجود كلّه من فيضه وبركاته، وصاحب التفضّل والإنعام على عباده، وخير ما وهبهم إيّاه العقل، الّذي يطوف في آفاق الكون ليصل بالضّرورة إلى الله تعالى، وما عنده من خيرٍ، وهو يدعونا إلى التنبّه دوماً إلى مسؤوليّاتنا تجاه أنفسنا والوجود من حولنا.

وفي شرحه لما تقدّم من فقرات الدّعاء، يقول العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):

"... ويا من عنده نيل الطّلبات"، لأنّك تملك كلّ عناصرها وظروفها ومواقفها وشروطها وأبعادها، ولأنّك الكريم الذي لا يمنع أحداً عطاءه.. فأين يذهب الذاهبون، وأين يتوجّه الطالبون؟

"ويا من لا يبيع نعمه بالأثمان"، فكلّ نعمةٍ كرمٌ وتفضّلٌ في امتداد الرّحمة واتّساع القدرة، فالعطاء سرّ ذاتك، والتفضّل معنى عظمتك، إنه أنت الذي كان الوجود كله هبةً منك، فكيف يفكّر الغافلون أنّك تريد ثمناً له؟ وما معنى الثّمن لديك؟

"ويا من يُستغنى به ولا يُستغنى عنه"، لأنّه الخالق لكلّ شيء، والمدبّر لكلّ شيء، وهو على كلّ شيء قدير.. أمّا الآخرون، فلا يملكون شيئاً، وكيف يمكن لمخلوق أن يستغني بالمخلوق عن الخالق الّذي يرتبط به كلّ شيء؟!

"ويا من لا تبدّل حكمته الوسائل"، فقد أجرى الله الوجود كله من موقع حكمته على أساس السّنن الطبيعيّة، فلو أنّ الناس ابتهلوا إليه، وقدموا كلّ وسائل الاستعطاف بين يديه، وحاولوا أن يغيّروا شيئاً من ذلك بكلّ جهدهم، لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.. لذلك، فإن الدعاء قد يجتذب الإجابة في نطاق الحكمة الإلهيّة، ومن خلال المصلحة الإنسانية.

"ويا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجين"، فهي تتجدّد باستمرار وجودهم.. "ويا من لا يعنّيه دعاء الدّاعين"، فلا يثقله ولا يضايقه شيء من ذلك."تمدّحت بالغناء عن خلقك، وأنت أهل الغنى عنهم"، لأنّك الغنيّ بذاتك، لا بجهة أخرى.

" ونسبتهم إلى الفقر وهم أهل الفقر إليك"، لأنهم الفقراء إليك بطبيعة وجودهم..

"فمن حاول سدَّ خلته من عندك"، ثقةً بك وبقدرتك على ذلك، "ورام صرف الفقر عن نفسه بك"، طمعاً بغناك وكرمك، "فقد طلب حاجته في مظانّها، وأتى طلبته من وجهها"، لأنك الربّ الكريم الذي لا يمنع أحداً فضله ولا يطرد أحداً عن بابه.. ولأن وجهك هوالوجه الذي يتوجه إليه العباد.

"ومن توجّه بحاجته إلى أحدٍ من خلقك"، غفلةً عنك، "أو جعله سبب نُجحها دونك"، جهلاً منه بأنّه مخلوق ومحتاج إليك، "فقد تعرّض للحرمان" لأنه وقف بباب الفقير العاجز، "واستحقّ من عندك فوت الإحسان"، عقاباً له على انحرافه عن خطّ الإيمان".[آفاق الروح، ج:1، ص:321-326].

فهلاّ للإنسان أن يعود إلى رشده، ويتوب إلى ربّه، وينوب إليه ويقصده في كلّ حاجاته وشؤونه، ويلتزم حدوده، ويعيش العزّة والكرامة في طاعته، وما تعنيه هذه الطّاعة من أداء حقّ إليه في خدمة الإنسان والحياة بكلّ ما يصلحها؟! ومن أراد التوجّه إلى الله وطلب الحاجة منه، فليكن أهلاً للطّلب والتوجّه، وليعمد إلى تنقية قلبه من العصبيّات والأحقاد، وإلى فتح عقله على آفاق الوعي الّذي يعيد إنتاج الحياة على قاعدة محبّة الله، والسّعي إلى نيل مراضيه.

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية