الطّلب من الله سبحانه وحده أسمى ما يمكن للمرء أن يقوم به، إذا كان نابعاً من نيّة صادقة ومشاعر مخلصة، وتوجُّه واعٍ صحيح، يحمل الإنسان على الارتباط العميق والجدّيّ بالخالق، فالله تعالى المنعم على الوجود كلّه بكلّ آيات الحياة والرّزق واللّطف والرّحمة، هو خير المقصد للعباد في كلّ أوضاعهم وأحوالهم، لأنّ الطلب من غيره والتذلّل لغيره، لا يعبّر عن أصالةٍ في التوجّه، ولا إخلاص لما ينبغي أن يُخلص إليه.. وفي ذلك منقصة، عندما يستعبد الإنسان نفسه بتبعيّتها للأزلام والأشخاص والجهات، فيطلب منهم وحدهم، ويتوجّه إليهم متناسياً ربّه، غافلاً عن حقّه عليه من دعوته إيّاه أن يطلب منه وهو القريب إليه أكثر من غيره.. {
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} {
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.
وكما رزق الله تعالى كلّ الأنعام والمخلوقات في باطن الأرض وفي أعماق البحار وفي الصّحارى والقفار وفي المناطق المتجمّدة، فإنه خلق الإنسان وجعل له رزقاً لا يعدوه، ورزقه من نعمه ما لا يعدّ ولا يحصى، عبر إنزال المطر والغيث، فجعل الماء حياةً للوجود، ولا حياة للمخلوقات من دونه {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، حياة للنّاس فيه هناؤهم واستمراريّتهم ونشاطهم، وحياة للبهائم والأنعام، وحياة للنّباتات، وحياة للأرض تخضرّ به، وتثمر وتنبت، وفي كل ذلك آيات واضحة على قدرة الله وعظمته، ويبقى على الإنسان أن يعتبر ويتأمل ويفكر، ويتوقف عند نعمة الله عليه، ويؤدّي شكرها، ويتعرف ما لله عليه من فضائل، كي يعود إلى رشده، ويحكِّم عقله على الله، وينفتح على الله، بما يعنيه هذا الانفتاح من وعي وتحمّل للمسؤولية أمام الله تعالى، فيبادر إلى تصحيح أوضاعه، وتنظيم أموره، وتصويب علاقاته، والعمل على التفاعل مع الفكر السّليم الذي يغذّي العقل، ويفتح القلب على الحقّ، ويؤكّده في كلّ ساحات الحياة.
لم تكن آيات الله تعالى يوماً إلاّ محفّزات فاعلة ونشطة للإنسان، تهذّبه على الصعد كافّةً، ليكون مخلوقاً عاقلاً يسعى في كلّ خير وفضيلة نحو الكمال المنشود، بعيداً من كل ضيق أفق ومحدوديّة في التصوّر والسلوك.
يقول الإمام السجّاد(ع) في صحيفته السجادية الرائعة: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِغَيْثِكَ الْمُغْدِقِ مِنَ السَّحَابِ الْمُنْسَاقِ لِنَبَاتِ أَرْضِكَ الْمُونِقِ فِي جَمِيعِ الْآفَاقِ. وَامْنُنْ عَلَى عِبَادِكَ بِإِينَاعِ الثَّمَرَةِ، وَأَحْيِ بِلَادَكَ بِبُلُوغِ الزَّهَرَةِ، وَأَشْهِدْ مَلَائِكَتَكَ الْكِرَامَ السَّفَرَةَ بِسَقْيٍ مِنْكَ نَافِعٍ، دَائِمٍ غُزْرُهُ، وَاسِعٍ دِرَرُهُ، وَابِلٍ سَرِيعٍ عَاجِلٍ. تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ، وَتَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ، وَتُخْرِجُ بِهِ مَا هُوَ آتٍ، وَتُوَسِّعُ بِهِ فِي الْأَقْوَاتِ.. اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً مَرِيعاً مُمْرِعاً عَرِيضاً وَاسِعاً غَزِيراً، تَرُدُّ بِهِ النَّهِيضَ، وَتَجْبُرُ بِهِ الْمَهِيضَ.. اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ظِلَّهُ عَلَيْنَا سَمُوماً، وَلَا تَجْعَلْ بَرْدَهُ عَلَيْنَا حُسُوماً، وَلَا تَجْعَلْ صَوْبَهُ عَلَيْنَا رُجُوماً، وَلَا تَجْعَلْ مَاءَهُ عَلَيْنَا أُجَاجاً".
وفي هذا المقام، يقول السيّد محمد حسين فضل الله(رض) تعقيباً على هذا المقطع من الدّعاء: "يا رب، لقد خلقتنا في هذه الأرض، وأردتنا أن نحيا في مداها الواسع، في سهولها وجبالها، وجعلت لها حياةً تغني حياتنا بما تحتاجه من الغذاء والماء، فإذا ماتت فيها الحياة كانت في خطر محقّق، لأنها تفقد أكثر شروطها من خلال ذلك. وجعلت المطر حياة لها كما هو حياة لنا، لأنك جعلت من الماء كلّ شيء حي.. فإننا ــ يا ربّ ــ هنا نتطلّع إليك، ونستغيث بك، ونهرب إلى مواقع لطفك ورحمتك، لأنّك ــ وحدك ــ القادر على دفع هذا البلاء بقدرتك.. إننا هنا ــ يا ربّ ــ ندعوك أن تمنّ علينا ــ وأنت المنّان على جميع خلقك ــ بنضوج الثّمار، وببلوغ زهر النبات مستوى التفتح والانعقاد؛ وأن تشهد ملائكتك الكرام الذين جعلتهم السّفراء إلى خلقك، والوسائط في حركة الكون في تقديراتك.. اللّهمّ، إن وجودها كان ولا يزال البركة الطيّبة من بركاتك، ولا نزال في حاجة إلى بركاتك التي أودعتها في السّموات والأرض، فلا تحرمنا منها في أية حالة من حالاتنا، سواء كنّا مقيمين على طاعتك، أو كنّا مستغرقين في غفلتنا عنك...".[كتاب آفاق الرّوح، ج1، ص421-428].
فما أجمل أن نربّي أنفسنا على دعوة الله والابتهال إليه، لنكون في حالة تجدّد روحيّ دائم، منفتح على آفاق الرّحمة الإلهيّة الخالدة!
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

الطّلب من الله سبحانه وحده أسمى ما يمكن للمرء أن يقوم به، إذا كان نابعاً من نيّة صادقة ومشاعر مخلصة، وتوجُّه واعٍ صحيح، يحمل الإنسان على الارتباط العميق والجدّيّ بالخالق، فالله تعالى المنعم على الوجود كلّه بكلّ آيات الحياة والرّزق واللّطف والرّحمة، هو خير المقصد للعباد في كلّ أوضاعهم وأحوالهم، لأنّ الطلب من غيره والتذلّل لغيره، لا يعبّر عن أصالةٍ في التوجّه، ولا إخلاص لما ينبغي أن يُخلص إليه.. وفي ذلك منقصة، عندما يستعبد الإنسان نفسه بتبعيّتها للأزلام والأشخاص والجهات، فيطلب منهم وحدهم، ويتوجّه إليهم متناسياً ربّه، غافلاً عن حقّه عليه من دعوته إيّاه أن يطلب منه وهو القريب إليه أكثر من غيره.. {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.
وكما رزق الله تعالى كلّ الأنعام والمخلوقات في باطن الأرض وفي أعماق البحار وفي الصّحارى والقفار وفي المناطق المتجمّدة، فإنه خلق الإنسان وجعل له رزقاً لا يعدوه، ورزقه من نعمه ما لا يعدّ ولا يحصى، عبر إنزال المطر والغيث، فجعل الماء حياةً للوجود، ولا حياة للمخلوقات من دونه {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، حياة للنّاس فيه هناؤهم واستمراريّتهم ونشاطهم، وحياة للبهائم والأنعام، وحياة للنّباتات، وحياة للأرض تخضرّ به، وتثمر وتنبت، وفي كل ذلك آيات واضحة على قدرة الله وعظمته، ويبقى على الإنسان أن يعتبر ويتأمل ويفكر، ويتوقف عند نعمة الله عليه، ويؤدّي شكرها، ويتعرف ما لله عليه من فضائل، كي يعود إلى رشده، ويحكِّم عقله على الله، وينفتح على الله، بما يعنيه هذا الانفتاح من وعي وتحمّل للمسؤولية أمام الله تعالى، فيبادر إلى تصحيح أوضاعه، وتنظيم أموره، وتصويب علاقاته، والعمل على التفاعل مع الفكر السّليم الذي يغذّي العقل، ويفتح القلب على الحقّ، ويؤكّده في كلّ ساحات الحياة.
لم تكن آيات الله تعالى يوماً إلاّ محفّزات فاعلة ونشطة للإنسان، تهذّبه على الصعد كافّةً، ليكون مخلوقاً عاقلاً يسعى في كلّ خير وفضيلة نحو الكمال المنشود، بعيداً من كل ضيق أفق ومحدوديّة في التصوّر والسلوك.
يقول الإمام السجّاد(ع) في صحيفته السجادية الرائعة: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِغَيْثِكَ الْمُغْدِقِ مِنَ السَّحَابِ الْمُنْسَاقِ لِنَبَاتِ أَرْضِكَ الْمُونِقِ فِي جَمِيعِ الْآفَاقِ. وَامْنُنْ عَلَى عِبَادِكَ بِإِينَاعِ الثَّمَرَةِ، وَأَحْيِ بِلَادَكَ بِبُلُوغِ الزَّهَرَةِ، وَأَشْهِدْ مَلَائِكَتَكَ الْكِرَامَ السَّفَرَةَ بِسَقْيٍ مِنْكَ نَافِعٍ، دَائِمٍ غُزْرُهُ، وَاسِعٍ دِرَرُهُ، وَابِلٍ سَرِيعٍ عَاجِلٍ. تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ، وَتَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ، وَتُخْرِجُ بِهِ مَا هُوَ آتٍ، وَتُوَسِّعُ بِهِ فِي الْأَقْوَاتِ.. اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً مَرِيعاً مُمْرِعاً عَرِيضاً وَاسِعاً غَزِيراً، تَرُدُّ بِهِ النَّهِيضَ، وَتَجْبُرُ بِهِ الْمَهِيضَ.. اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ظِلَّهُ عَلَيْنَا سَمُوماً، وَلَا تَجْعَلْ بَرْدَهُ عَلَيْنَا حُسُوماً، وَلَا تَجْعَلْ صَوْبَهُ عَلَيْنَا رُجُوماً، وَلَا تَجْعَلْ مَاءَهُ عَلَيْنَا أُجَاجاً".
وفي هذا المقام، يقول السيّد محمد حسين فضل الله(رض) تعقيباً على هذا المقطع من الدّعاء: "يا رب، لقد خلقتنا في هذه الأرض، وأردتنا أن نحيا في مداها الواسع، في سهولها وجبالها، وجعلت لها حياةً تغني حياتنا بما تحتاجه من الغذاء والماء، فإذا ماتت فيها الحياة كانت في خطر محقّق، لأنها تفقد أكثر شروطها من خلال ذلك. وجعلت المطر حياة لها كما هو حياة لنا، لأنك جعلت من الماء كلّ شيء حي.. فإننا ــ يا ربّ ــ هنا نتطلّع إليك، ونستغيث بك، ونهرب إلى مواقع لطفك ورحمتك، لأنّك ــ وحدك ــ القادر على دفع هذا البلاء بقدرتك.. إننا هنا ــ يا ربّ ــ ندعوك أن تمنّ علينا ــ وأنت المنّان على جميع خلقك ــ بنضوج الثّمار، وببلوغ زهر النبات مستوى التفتح والانعقاد؛ وأن تشهد ملائكتك الكرام الذين جعلتهم السّفراء إلى خلقك، والوسائط في حركة الكون في تقديراتك.. اللّهمّ، إن وجودها كان ولا يزال البركة الطيّبة من بركاتك، ولا نزال في حاجة إلى بركاتك التي أودعتها في السّموات والأرض، فلا تحرمنا منها في أية حالة من حالاتنا، سواء كنّا مقيمين على طاعتك، أو كنّا مستغرقين في غفلتنا عنك...".[كتاب آفاق الرّوح، ج1، ص421-428].
فما أجمل أن نربّي أنفسنا على دعوة الله والابتهال إليه، لنكون في حالة تجدّد روحيّ دائم، منفتح على آفاق الرّحمة الإلهيّة الخالدة!
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.