في آفاق وداع شهر رمضان

في آفاق وداع شهر رمضان
"اللّهُمّ ارزُقنا خوفَ عقابِ الوعيدِ، وشوقَ ثوابِ الموعودِ، حتّى نجِدَ لذّةَ ما ندعوكَ به، وكآبةَ ما نستجيرُكَ منه، واجعَلنا عندكَ من التوّابين الّذين أوجَبْتَ لهُم محبّتك، وقبِلْتَ منهُم مُراجعَةَ طاعَتِك يا أعدَلَ العادلين.

اللّهُمّ تجاوَزْ عن آبائِنا وأمّهاتنا وأهْلِ دينِنا جميعاً، مَنْ سلَفَ منهُم ومَن غبَرَ إلى يوم القيامة.

اللّهُمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلِه كما صلّيْتَ على ملائكَتِكَ المقرَّبين، وصلِّ عليْه وآله كما صلّيتَ على أنبيائِكَ المرسلين، وصلِّ عليه وآلِه كما صلَّيْتَ على عبادِكَ الصَّالحين، وأفْضَل من ذلك يا ربّ العالمين، تُبلِّغُنا بركَتَها، وينالُنا نفْعُها، ويُسْتجابُ بها دعاؤنَا، إنّكَ أكرَمُ مَن رُغِبَ إليه، وأكفى مَن تُوكِّل عليه، وأعْطى من سُئِلَ من فضْلِهِ، وأنْتَ على كلِّ شيءٍ قدير".

إذا كان استقبال شهر رمضان للمؤمن فرصةً للانفتاح على الآفاق الرَّحبة الإلهيَّة في امتداد المعاني الرّوحيّة الّتي يُراد له أن يعيشها في روحه وفي وجدانه، فإنّ وداع شهر رمضان قد يحمل له بعضاً من الألم واللّوعة، فيما يفتقده من أجواء، أو يخسره من نتائج على مستوى الثّواب الإلهيّ على الأعمال الّتي يحتويها هذا الشّهر في واجباته ومستحبّاته، ما يجعل الإنسان خاضعاً للمشاعر السلبيّة، تماماً كما لو كان في واحةٍ خضراء وانتقل إلى صحراء قاحلة، لأنّ الزّمن القادم قد يختزن في داخله بعض الفرص، ولكنّها لن ترقى إلى فرصة هذا الشّهر المبارك، الّذي جعله الله شهره الّذي يُدخل فيه عباده إلى ضيافته الرّوحيّة، فيما يسبغه عليهم من الألطاف، ويفيض عليهم من الرّحمات، ويمنحهم من البركات، بما يفتح لهم فيه أبواب جنّاته، ويقودهم إلى ساحات رضوانه.

شهر رمضان هو الموسم الّذي ينفتح على كلِّ قضايا الإنسان وحاجاته، فيما يحقِّقه الله له منها، مما يتناسب مع مواقع صلاحه في دنياه وآخرته، ولذلك كان المحروم، هو الّذي حُرم غفران الله في هذا الشّهر العظيم، كما جاء في خطبة رسول الله(ص)، الّتي استقبل بها شهر رمضان في آخر جمعة من شعبان.

ولكنَّ الإمام زين العابدين(ع) في أسلوب الدّعاء يتَّجه في المسألة اتجاهاً آخر، حيث يفتح وعي الإنسان المؤمن على النّتائج الكبيرة الّتي حصل عليها فيه، ويحرِّك المشاعر الحميمة الّتي تجعل بين شعور الإنسان وبين أيّام هذا الشّهر رابطةً قويّة تؤدّي إلى اختزان المعاني الرّوحيّة في كيانه، فلا تذهب بذهاب هذا الشّهر، بل تعمل على التّخطيط للاستفادة منها في إغناء الزّمن القادم في غيره من الشّهور، بكلّ ما يحمله من الخصائص الفريدة الّتي يمكن أن يحملها الزّمن من خلال العمق الإنساني في معرفة الله والشّعور بالمسؤوليّة.

وفي ضوء ذلك، لا يكون الزّمن مجرّد لحظات طائرة في الفراغ، بل يكون قيمةً تمتلئ بالإنسان في فكره وشعوره وحركته في الحياة، حيث يأخذ الزَّمن من الإنسان معناه وروحه، كما يأخذ الإنسان منه حركته وخطّ سيره، وبذلك يفقد الزّمن معناه التجريديّ كعنصر مستقلّ في إعطاء الحياة خطّها الطّويل، بل يكون شيئاً في الإنسان فيما يكون الإنسان شيئاً فيه، في عمليّة تداخلٍ وامتداد.

ثمّ يثير التطلّع الفكريّ والرّوحيّ في ابتهال الإنسان لله أن يمدَّ في عمره ليلتقي برمضان جديد في فرصةٍ جديدةٍ للعمل والحياة.
ولعلّ قيمة هذا الدّعاء في بعض فقراته، من الناحية الفنيّة، أنّه يحوِّل الشهر إلى كائنٍ حيّ صديقٍ في مشاعره ومواقفه، فيخاطبه كما يخاطب صديقه، ويتحدَّث إليه بالجانب الشّعوريّ الّذي يتفجّر في الوجدان حبّاً وحزناً وتطلّعاً إلى اللّقاء الجديد.
وهو في الوقت نفسه، يأخذ من العناوين الكبيرة لإيحاءات هذا الشَّهر، عناوين متحرِّكة للحياة الّتي يستمرّ في مواجهتها بمنطق المسؤوليَّة، لتبقى معه في النّتائج الحاسمة لقضيّة المصير الأبديّ في موقفه أمام الله، في ما يريده الله منه من مواقف وأعمال.[كتاب: شهر رمضان رحلة الإنسان إلى الله].
"اللّهُمّ ارزُقنا خوفَ عقابِ الوعيدِ، وشوقَ ثوابِ الموعودِ، حتّى نجِدَ لذّةَ ما ندعوكَ به، وكآبةَ ما نستجيرُكَ منه، واجعَلنا عندكَ من التوّابين الّذين أوجَبْتَ لهُم محبّتك، وقبِلْتَ منهُم مُراجعَةَ طاعَتِك يا أعدَلَ العادلين.

اللّهُمّ تجاوَزْ عن آبائِنا وأمّهاتنا وأهْلِ دينِنا جميعاً، مَنْ سلَفَ منهُم ومَن غبَرَ إلى يوم القيامة.

اللّهُمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلِه كما صلّيْتَ على ملائكَتِكَ المقرَّبين، وصلِّ عليْه وآله كما صلّيتَ على أنبيائِكَ المرسلين، وصلِّ عليه وآلِه كما صلَّيْتَ على عبادِكَ الصَّالحين، وأفْضَل من ذلك يا ربّ العالمين، تُبلِّغُنا بركَتَها، وينالُنا نفْعُها، ويُسْتجابُ بها دعاؤنَا، إنّكَ أكرَمُ مَن رُغِبَ إليه، وأكفى مَن تُوكِّل عليه، وأعْطى من سُئِلَ من فضْلِهِ، وأنْتَ على كلِّ شيءٍ قدير".

إذا كان استقبال شهر رمضان للمؤمن فرصةً للانفتاح على الآفاق الرَّحبة الإلهيَّة في امتداد المعاني الرّوحيّة الّتي يُراد له أن يعيشها في روحه وفي وجدانه، فإنّ وداع شهر رمضان قد يحمل له بعضاً من الألم واللّوعة، فيما يفتقده من أجواء، أو يخسره من نتائج على مستوى الثّواب الإلهيّ على الأعمال الّتي يحتويها هذا الشّهر في واجباته ومستحبّاته، ما يجعل الإنسان خاضعاً للمشاعر السلبيّة، تماماً كما لو كان في واحةٍ خضراء وانتقل إلى صحراء قاحلة، لأنّ الزّمن القادم قد يختزن في داخله بعض الفرص، ولكنّها لن ترقى إلى فرصة هذا الشّهر المبارك، الّذي جعله الله شهره الّذي يُدخل فيه عباده إلى ضيافته الرّوحيّة، فيما يسبغه عليهم من الألطاف، ويفيض عليهم من الرّحمات، ويمنحهم من البركات، بما يفتح لهم فيه أبواب جنّاته، ويقودهم إلى ساحات رضوانه.

شهر رمضان هو الموسم الّذي ينفتح على كلِّ قضايا الإنسان وحاجاته، فيما يحقِّقه الله له منها، مما يتناسب مع مواقع صلاحه في دنياه وآخرته، ولذلك كان المحروم، هو الّذي حُرم غفران الله في هذا الشّهر العظيم، كما جاء في خطبة رسول الله(ص)، الّتي استقبل بها شهر رمضان في آخر جمعة من شعبان.

ولكنَّ الإمام زين العابدين(ع) في أسلوب الدّعاء يتَّجه في المسألة اتجاهاً آخر، حيث يفتح وعي الإنسان المؤمن على النّتائج الكبيرة الّتي حصل عليها فيه، ويحرِّك المشاعر الحميمة الّتي تجعل بين شعور الإنسان وبين أيّام هذا الشّهر رابطةً قويّة تؤدّي إلى اختزان المعاني الرّوحيّة في كيانه، فلا تذهب بذهاب هذا الشّهر، بل تعمل على التّخطيط للاستفادة منها في إغناء الزّمن القادم في غيره من الشّهور، بكلّ ما يحمله من الخصائص الفريدة الّتي يمكن أن يحملها الزّمن من خلال العمق الإنساني في معرفة الله والشّعور بالمسؤوليّة.

وفي ضوء ذلك، لا يكون الزّمن مجرّد لحظات طائرة في الفراغ، بل يكون قيمةً تمتلئ بالإنسان في فكره وشعوره وحركته في الحياة، حيث يأخذ الزَّمن من الإنسان معناه وروحه، كما يأخذ الإنسان منه حركته وخطّ سيره، وبذلك يفقد الزّمن معناه التجريديّ كعنصر مستقلّ في إعطاء الحياة خطّها الطّويل، بل يكون شيئاً في الإنسان فيما يكون الإنسان شيئاً فيه، في عمليّة تداخلٍ وامتداد.

ثمّ يثير التطلّع الفكريّ والرّوحيّ في ابتهال الإنسان لله أن يمدَّ في عمره ليلتقي برمضان جديد في فرصةٍ جديدةٍ للعمل والحياة.
ولعلّ قيمة هذا الدّعاء في بعض فقراته، من الناحية الفنيّة، أنّه يحوِّل الشهر إلى كائنٍ حيّ صديقٍ في مشاعره ومواقفه، فيخاطبه كما يخاطب صديقه، ويتحدَّث إليه بالجانب الشّعوريّ الّذي يتفجّر في الوجدان حبّاً وحزناً وتطلّعاً إلى اللّقاء الجديد.
وهو في الوقت نفسه، يأخذ من العناوين الكبيرة لإيحاءات هذا الشَّهر، عناوين متحرِّكة للحياة الّتي يستمرّ في مواجهتها بمنطق المسؤوليَّة، لتبقى معه في النّتائج الحاسمة لقضيّة المصير الأبديّ في موقفه أمام الله، في ما يريده الله منه من مواقف وأعمال.[كتاب: شهر رمضان رحلة الإنسان إلى الله].
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية