دعوة الله في استقامة الطّريق ووضوح الهدف

دعوة الله في استقامة الطّريق ووضوح الهدف

من فقرات أدعية الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع): "وإذا هَمَمْنا بِهَمَّيْنِ يرضيكَ أحَدُهُما عَنَّا ويُسْخِطُكَ الآخَرُ عَلَيْنَا، فمِلْ بِنا إلى مَا يُرْضيكَ عنَّا، وأوْهِنْ قُوَّتَنا عَمَّا يُسْخِطُك علَيْنَا، ولا تُخَلِّ في ذلِكَ بَيْنَ نُفُوسِنَا واخْتِيَارِها، فإنّها مُخْتارَةٌ لِلْبَاطِلِ إلّا مَا وَفَّقْتَ، أمَّارةٌ بالسُّوءِ إلّا ما رَحِمْتَ".

وقفة مع أبعاد الدّعاء

"يا ربّ، قد يطوف الفكر في أجواء الخيال ليواجه أماني النفس في تطلعاتها وحاجاتها، أو في التزاماتها وانتماءاتها، ليختار هدفاً هنا أو هدفاً هناك، أو ليخطِّط لمشروعٍ معيّن في هذا الاتجاه أو في ذلك الاتجاه، أو ليحدِّد لها التزاماً خاصّاً في هذا الخطّ أو ذاك، أو انتماءً إلى هذه الجماعة أو تلك.

فكيف نضبط للفكر حدوده، وكيف نحدّد للنفس اتجاهاتها؟

ربما نهمُّ بالتحرّك فيما يوحي به الفكر أو يخطر في النّفس، فيكون الأمر الذي نهمّ به، ونعزم عليه، ونخطّط له، معصيةً لله، وموقعاً من مواقع سخطه، وقد يكون طاعةً له، ومحلّاً لرضاه، لأنّ للنفس دوافعها ورغباتها المتنوّعة في هذا المجال.

ونحن ـ كمؤمنين ـ ملتزمين بالإيمان بك، ومنفتحين على آفاق رضوانك ـ نبتهل إليك أن تُسبغ لطفك على مواقع الفكر في عقولنا، ومجالات الإحساس في شعورنا، ومنطلقات القرار في إراداتنا، لنتّجه بها إلى ما يرضيك عنا، فندرك معنى الخير الكبير في معناه، وسرّ النجاح الأبدي في خطّه، وعمق القوّة في موقعه.

إنّنا نبتهل إليك أن تثير في كياننا الأفكار والمشاعر والتطلّعات التي تحوّل وعينا الفكري والروحي والإرادي والحركي إلى وعيٍ للانفتاح عليك، وأن تضغط على كلّ عناصر القوة الممتدّة في حياتنا بكلّ إيحاءاتك الخفية، وقدرتك القوية، لتضعف قوّتنا عن التحرّك نحو مواقع سخطك، لأننا لا نريد الاقتراب منها في دنيانا وآخرتنا.

ولا تعط نفوسنا الحريّة المطلقة التي تنطلق من مواقعها الذاتية، ولا تترك لها المجال الواسع الذي تتحسَّس فيه قدرتها على الاختيار في كلّ شيء، لأنّ مشكلتها الخالدة هي أنها تتحرك من مواقع الحسّ فيها، بما تثيره عناصر الغرائز الحارّة الحادَّة في داخلها، وتنطلق في أجواء الانفعال في مشاعرها، وتلتقي في يوميّاتها بالصّغائر التي تربطها بجزئيات الأمور، وتبتعد بها عن كلياتها، فتبقى مشدودةً إلى الأفق الضيّق الذي تدور مجالاته حول المحسوسات القريبة، وتعيش مفرداته في مواضع الرّاحة والاسترخاء.

وهكذا نجدها تختار الباطل بطريقةٍ عفويّةٍ، لأنه أقرب إلى الراحة منه إلى التّعب، بينما تجد الحقّ صعباً وكريهاً مذاقه، ومتعباً في مسيرته، ولكن توفيقك في بعض مواقع لطفك، هو الذي يمنعها من الامتداد في ذلك، فتتراجع عن الرّغبة الجامحة إلى العقل الهادئ، وعن الاندفاع الهائج إلى الحركة المتوازنة، فتعرف كيف تتغلّب إيجابيّات الحقّ في مسألة المصير على سلبيات الباطل.

ثم نلاحظ النفس وهي تلتقي بالسّوء من أقرب طريق، وهو طريق الرّغبة والشّهوة والطمع والأنانية، فتدفع الإنسان إلى الاستجابة للجانب المنحرف الّذي يبتعد عن طاعتك، ويقترب من معصيتك، في عمليّة ضغط يتحوَّل إلى ما يشبه الأمر، فيشلّ الإرادة، ويضعف الموقف، إلّا أن تدركه رحمتك التي تمنحه الوعي للعواقب السيّئة والنتائج الذميمة، فيستيقظ من غفلته، ويقوم من عثرته، فيرجع إليك مطيعاً لأمرك، رافضاً لأمر النفس الخاضعة لشيطان السّوء والضّلال.

إننا نتوسّل إليك أن ترعانا برعايتك، وتضمّنا إلى كنفك، وتمنحنا لطفك، ليستقيم لنا الطريق، وتتوازن الخطى، وينفتح لنا الهدف، لنبقى معك، فلا ننفصل عنك، ولا نستسلم للنوازع الشريرة في ذواتنا الراكضة وراء القلق، المتعبة من كلّ خيالات الحيرة في الغاية والطريق.

ولا بدّ من الانتباه إلى أنّ تعلّق الرضى والسخط من الله بما يهمّ به الإنسان، سواء كان الهمّ بمعنى العزم على الفعل، أو خطور الشّيء من خلال البال، ليس وارداً على نحو الحقيقة، على أساس أن ذلك مصداق للطاعة في صورة الخير أو مصداق للمعصية في صورة الشرّ، بل هو إشارة إلى الدّوافع التي تتحوّل إلى وقائع، أو الأفكار التي تنتهي إلى الحقائق في واقع الحياة، من خلال العناصر التي يتحوّل فيها المشروع الفكريّ إلى مشروع عمليّ يرضي الله أو يسخطه، فلا مجال للحديث في سياق الدّعاء لأن نثير النّـزاع في أنّ إرادة المعصية معصية أو لا، أو أنّ العزم على الطاعة طاعة أو لا، لأنّ السّياق يتحرك في اتجاه الواقع الإنساني الّذي يتحرك سلباً أو إيجاباً، من خلال النّوازع الشرّيرة أو الخيّرة في داخل النفس.

الضّغط على مواقع الانحراف

ولنا ملاحظة، وهي أنّ التربية الروحيّة في الإسلام، توحي للإنسان المؤمن أن يستعطف ربّه في الضغط على مواقع الانحراف في فكره من خلال وعي عميق بخطورة الانحراف وبنتائجه المهلكة على صعيد المصير، وذلك عند إحساسه بالخوف من سيطرة العناصر الجاذبة التي تجذبه نحو الفكر المنحرف، كما أنها توجّهه إلى أن يستعين بالله على نفسه، عندما يخشى من غلبتها عليه، وبضغطها على حركته العمليّة في اتجاه الشرّ، فيطلب من ربّه أن يضعف قوّته عندما تتحرك في هذا الجوّ بكلّ الوسائل التي تحوّل القوّة إلى ضعف، لأنَّ المؤمن لا يبحث عن قوّة، أيّة قوة، بل يفكّر في القوة التي تنفتح على طاعة الله وتنطلق في محبّته.

إنَّ هذا الخطّ التربوي يخرج الإنسان من منطقة الاستغراق في الذّات في عناصرها الخاصة، إلى منطقة الإطلالة على الرسالة التي تتكامل مع الخصوصيّات الذاتية في قضايا حركة المصير التي لا تقف عند الدّنيا، بل تضمّ الآخرة إليها، أو لتكون الآخرة هي عمق المضمون الّذي تتحرك فيه قضايا الإنسان في الدّنيا، وهذا الذي يجعل من الإنسان، إنسان الله الذي يعيش مع الله في كلّ مواقع ذاته...".

[العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)/ كتاب "آفاق الرّوح"، الجزء الأوّل، ص 209-211].

من فقرات أدعية الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع): "وإذا هَمَمْنا بِهَمَّيْنِ يرضيكَ أحَدُهُما عَنَّا ويُسْخِطُكَ الآخَرُ عَلَيْنَا، فمِلْ بِنا إلى مَا يُرْضيكَ عنَّا، وأوْهِنْ قُوَّتَنا عَمَّا يُسْخِطُك علَيْنَا، ولا تُخَلِّ في ذلِكَ بَيْنَ نُفُوسِنَا واخْتِيَارِها، فإنّها مُخْتارَةٌ لِلْبَاطِلِ إلّا مَا وَفَّقْتَ، أمَّارةٌ بالسُّوءِ إلّا ما رَحِمْتَ".

وقفة مع أبعاد الدّعاء

"يا ربّ، قد يطوف الفكر في أجواء الخيال ليواجه أماني النفس في تطلعاتها وحاجاتها، أو في التزاماتها وانتماءاتها، ليختار هدفاً هنا أو هدفاً هناك، أو ليخطِّط لمشروعٍ معيّن في هذا الاتجاه أو في ذلك الاتجاه، أو ليحدِّد لها التزاماً خاصّاً في هذا الخطّ أو ذاك، أو انتماءً إلى هذه الجماعة أو تلك.

فكيف نضبط للفكر حدوده، وكيف نحدّد للنفس اتجاهاتها؟

ربما نهمُّ بالتحرّك فيما يوحي به الفكر أو يخطر في النّفس، فيكون الأمر الذي نهمّ به، ونعزم عليه، ونخطّط له، معصيةً لله، وموقعاً من مواقع سخطه، وقد يكون طاعةً له، ومحلّاً لرضاه، لأنّ للنفس دوافعها ورغباتها المتنوّعة في هذا المجال.

ونحن ـ كمؤمنين ـ ملتزمين بالإيمان بك، ومنفتحين على آفاق رضوانك ـ نبتهل إليك أن تُسبغ لطفك على مواقع الفكر في عقولنا، ومجالات الإحساس في شعورنا، ومنطلقات القرار في إراداتنا، لنتّجه بها إلى ما يرضيك عنا، فندرك معنى الخير الكبير في معناه، وسرّ النجاح الأبدي في خطّه، وعمق القوّة في موقعه.

إنّنا نبتهل إليك أن تثير في كياننا الأفكار والمشاعر والتطلّعات التي تحوّل وعينا الفكري والروحي والإرادي والحركي إلى وعيٍ للانفتاح عليك، وأن تضغط على كلّ عناصر القوة الممتدّة في حياتنا بكلّ إيحاءاتك الخفية، وقدرتك القوية، لتضعف قوّتنا عن التحرّك نحو مواقع سخطك، لأننا لا نريد الاقتراب منها في دنيانا وآخرتنا.

ولا تعط نفوسنا الحريّة المطلقة التي تنطلق من مواقعها الذاتية، ولا تترك لها المجال الواسع الذي تتحسَّس فيه قدرتها على الاختيار في كلّ شيء، لأنّ مشكلتها الخالدة هي أنها تتحرك من مواقع الحسّ فيها، بما تثيره عناصر الغرائز الحارّة الحادَّة في داخلها، وتنطلق في أجواء الانفعال في مشاعرها، وتلتقي في يوميّاتها بالصّغائر التي تربطها بجزئيات الأمور، وتبتعد بها عن كلياتها، فتبقى مشدودةً إلى الأفق الضيّق الذي تدور مجالاته حول المحسوسات القريبة، وتعيش مفرداته في مواضع الرّاحة والاسترخاء.

وهكذا نجدها تختار الباطل بطريقةٍ عفويّةٍ، لأنه أقرب إلى الراحة منه إلى التّعب، بينما تجد الحقّ صعباً وكريهاً مذاقه، ومتعباً في مسيرته، ولكن توفيقك في بعض مواقع لطفك، هو الذي يمنعها من الامتداد في ذلك، فتتراجع عن الرّغبة الجامحة إلى العقل الهادئ، وعن الاندفاع الهائج إلى الحركة المتوازنة، فتعرف كيف تتغلّب إيجابيّات الحقّ في مسألة المصير على سلبيات الباطل.

ثم نلاحظ النفس وهي تلتقي بالسّوء من أقرب طريق، وهو طريق الرّغبة والشّهوة والطمع والأنانية، فتدفع الإنسان إلى الاستجابة للجانب المنحرف الّذي يبتعد عن طاعتك، ويقترب من معصيتك، في عمليّة ضغط يتحوَّل إلى ما يشبه الأمر، فيشلّ الإرادة، ويضعف الموقف، إلّا أن تدركه رحمتك التي تمنحه الوعي للعواقب السيّئة والنتائج الذميمة، فيستيقظ من غفلته، ويقوم من عثرته، فيرجع إليك مطيعاً لأمرك، رافضاً لأمر النفس الخاضعة لشيطان السّوء والضّلال.

إننا نتوسّل إليك أن ترعانا برعايتك، وتضمّنا إلى كنفك، وتمنحنا لطفك، ليستقيم لنا الطريق، وتتوازن الخطى، وينفتح لنا الهدف، لنبقى معك، فلا ننفصل عنك، ولا نستسلم للنوازع الشريرة في ذواتنا الراكضة وراء القلق، المتعبة من كلّ خيالات الحيرة في الغاية والطريق.

ولا بدّ من الانتباه إلى أنّ تعلّق الرضى والسخط من الله بما يهمّ به الإنسان، سواء كان الهمّ بمعنى العزم على الفعل، أو خطور الشّيء من خلال البال، ليس وارداً على نحو الحقيقة، على أساس أن ذلك مصداق للطاعة في صورة الخير أو مصداق للمعصية في صورة الشرّ، بل هو إشارة إلى الدّوافع التي تتحوّل إلى وقائع، أو الأفكار التي تنتهي إلى الحقائق في واقع الحياة، من خلال العناصر التي يتحوّل فيها المشروع الفكريّ إلى مشروع عمليّ يرضي الله أو يسخطه، فلا مجال للحديث في سياق الدّعاء لأن نثير النّـزاع في أنّ إرادة المعصية معصية أو لا، أو أنّ العزم على الطاعة طاعة أو لا، لأنّ السّياق يتحرك في اتجاه الواقع الإنساني الّذي يتحرك سلباً أو إيجاباً، من خلال النّوازع الشرّيرة أو الخيّرة في داخل النفس.

الضّغط على مواقع الانحراف

ولنا ملاحظة، وهي أنّ التربية الروحيّة في الإسلام، توحي للإنسان المؤمن أن يستعطف ربّه في الضغط على مواقع الانحراف في فكره من خلال وعي عميق بخطورة الانحراف وبنتائجه المهلكة على صعيد المصير، وذلك عند إحساسه بالخوف من سيطرة العناصر الجاذبة التي تجذبه نحو الفكر المنحرف، كما أنها توجّهه إلى أن يستعين بالله على نفسه، عندما يخشى من غلبتها عليه، وبضغطها على حركته العمليّة في اتجاه الشرّ، فيطلب من ربّه أن يضعف قوّته عندما تتحرك في هذا الجوّ بكلّ الوسائل التي تحوّل القوّة إلى ضعف، لأنَّ المؤمن لا يبحث عن قوّة، أيّة قوة، بل يفكّر في القوة التي تنفتح على طاعة الله وتنطلق في محبّته.

إنَّ هذا الخطّ التربوي يخرج الإنسان من منطقة الاستغراق في الذّات في عناصرها الخاصة، إلى منطقة الإطلالة على الرسالة التي تتكامل مع الخصوصيّات الذاتية في قضايا حركة المصير التي لا تقف عند الدّنيا، بل تضمّ الآخرة إليها، أو لتكون الآخرة هي عمق المضمون الّذي تتحرك فيه قضايا الإنسان في الدّنيا، وهذا الذي يجعل من الإنسان، إنسان الله الذي يعيش مع الله في كلّ مواقع ذاته...".

[العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)/ كتاب "آفاق الرّوح"، الجزء الأوّل، ص 209-211].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية