من الله نستمدُّ العون

من الله نستمدُّ العون

قال الإمام زين العابدين في دعاء له من أدعية الصحيفة السجادية: "وَإنّكَ مِنَ الضَّعْفِ خَلَقْتَنا، وعَلى الْوَهْنِ بَنَيْتَنا، ومِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ابْتَدَأتَنا.فَلاَ حَوْلَ لَنَا إلّا بِقُوَّتِكَ، ولاَ قُوَّةَ لَنا إلًا بِعَوْنِكَ. فَأيِّدْنَا بِتَوْفِيقِكَ، وسَدِّدْنَا بِتَسْديدِكَ، وَأعْمِ أبْصَارَ قُلوبِنا عَمَّا خَالَفَ مَحَبَّتِكَ، ولاَ تَجْعَلْ لشيءٍ مِنْ جَوَارِحِنَا نُفُوذاً في مَعْصِيَتِكَ".

الضعف في الإنسان

يا ربّ، إذا درسنا أصل الخلق في كياننا، وتساءلنا ما هي البداية، فإننا نجد الضعف هو عنوان المادّة التي كانت البداية، وهي النطفة كما قلت في كتابك: {الله الّذي خلقكم من ضعف}(الرّوم: 54)، ثم حوّلت الضعف إلى قوّة. وهكذا انطلق بناؤنا الجسدي من الوهن، ومن هنا كانت تأثراته وانفعالاته سريعةً في كلّ الطوارىء التي تعرض له، كما ورد في كلام الإمام علي(ع): "تؤلمه البقّة، وتقتله الشّرقة، وتنتنه العرقة".

وإذا لاحظنا تكوين النطفة في طبيعتها الماديّة، فإننا نراها تمثّل الحقارة التي لا توحي بأيّ احترام أو قوّة.

ومن الطبيعي أن تتأثّر عناصر الحركة فينا، ومواقع القرار في أعمالنا بهذا الضّعف، فنضعف عن تحمّل الحرمان، ونسقط أمام الرغبة، ونجزع أمام الآلام، فننهار أمام البلاء، وتتأثر بذلك أخلاقنا ومواقفنا، فنبتعد عن خط الاستقامة عندما تثيرنا الكلمة، وتسحرنا البسمة، وتجذبنا النظرة، وتحرّك شهواتنا ملامح الجمال، وتدفعنا إلى الانحراف نوازع الأطماع، فإذا بالضّعف الجسديّ يجتذب في إيحاءاته الضعف الروحي، فيؤدّي ذلك في كثير من الحالات إلى اليأس والإحباط والسقوط في الحصار النفسي الشّعوري الذي يحاصر الذات بوساوسه وهمساته وتهاويله.

الانفتاح على طاعة الله

إننا ـ يا ربّ ـ في مواقع ضعفنا، نتطلّع إليك، ونتوسّل بك، ونستعين برحمتك، فأنت الذي حوّلت المنطقة الضعيفة إلى خلق آخر يملك قوّة التفكير والإرادة والحركة، ليخطط ويقرّر ويبني للحياة قوّتها في ما حمّلته من مسؤولياتها، وأنت الذي حشدت للإنسان كلّ عناصر القوة الماديّة في ساحات الوجود، وأثرت في وعيه كلّ عناصر القوة الروحية في ساحات الرسالة، وقلت له: كن خليفتي في الوجود، وعبدي الذي يجسّد إرادتي في الكون، وأدخلته ساحات الصّراع ليتدرّب فيها، وحذّرته من أن يسقط، ودعوته إلى أن ينتصر، لأنّ الشيطان الداخلي والخارجي قد يملك قوّة التحدّي، ولكنه لا يملك قوّة السيطرة المطلقة، فله نوازع ضعفه كما له نوازع قوّته، وللإنسان نقاط قوّته كما له نقاط ضعفه، فأردت لنا أن نواجه نقاط ضعفه بنقاط قوتنا، لنتمكن من تدمير مشاريعه وإسقاط خططه، وحذرتنا من أن نواجه نقاط قوته بنقاط الضعف، فيسهل عليه السيطرة علينا.

إننا هنا نتوسل إليك أن تمنحنا من قوّتك قوّةً نملك فيها الحول والحركة على السير في خطّك، فلا حول لنا ـ في ما يملكه الإنسان من حريّة الحركة وينفتح به على آفاق الرّشاد ـ إلا بقوتك التي توحي لنا بكلّ أفكار القوة الحاسمة، ولا قوّة لنا إلا بعونك الذي تمدّ إلينا من خلاله حبّ الرجاء عندما يهجم علينا اليأس، ووسائل الوقوف مع الخير عندما تحيط بنا نوازع الشّر.~

فامنحنا ـ يا ربّ ـ التأييد في مشاريعنا المتحركة نحو الحقّ بتوفيقك الذي تتحول فيه إرادتنا من خطّ المعصية إلى خطّ الطاعة، وينطلق فيه تفكيرنا من أجواء الشّرّ إلى أجواء الخير، ووجهنا نحو السّداد في آرائنا، والثبات في خطواتنا، والصّواب في قراراتنا، بما تثيره في عقولنا من وعي الحقيقة، وفي قلوبنا من سلامة العاطفة، وفي مشاعرنا من عمق الانفتاح على الجانب الطيّب من الحياة، فلا نقول إلا حقاً، ولا نعمل إلا لله، ولا نخطّط إلا للحصول على رضاك.

يا ربّ، إن بعض مشاكلنا العمليّة هو الجانب العاطفي من شخصيّتنا، فقد جعلت لقلوبنا عيوناً نبصر بها الجانب المعنويّ من الأشياء بطريقة شعوريّة، وللقلب نبضاته التي تتحرّك بفعل نظرةٍ أو بسمةٍ أو لمسةٍ، وسحر جمالٍ أو كلامٍ أو لحنٍ، أو جوّ مليء بالانفعالات والاهتزازات، وللقلب نوافذه التي يطلّ بها على خفايا الأشياء في الإنسان والحياة، وللقلب صبواته وأحلامه وتطلّعاته التي يستشرف بها المستقبل، ويعيش فيها اهتمامات الواقع.

وربما تنفتح أبصار قلوبنا على الكثير الكثير مما يثير الأفكار الخبيثة، والدوافع السيّئة، والنوازع الشريرة، عندما ينفتح القلب على الجسد في غرائزه وشهواته، فتغيب في أحاسيسه مشاعره، وتهتزّ في لمساته خفقاته، وهكذا تبدأ النظرات القلبيّة في إثارة المشاعر الشيطانيّة في النفس، فتبتعد عن محبتك.

وهناك الأعضاء التي ركّبت منها أجسادنا، وجعلت لكلّ عضو منها دوراً، وأودعت في داخله سرّ حركة الغريزة في الجسد، وأجريت الشّيطان منا في نفوذه في كلّ خلايا أجسادنا، مجرى الدم في العروق، ليوجّه اليد إلى أن تسرق وتجرح وتقتل بغير حقّ، وتكتب الباطل، وتوقّع على الجريمة، وليدفع الرِّجال إلى أن تمشي في الخطوات الشرّيرة إلى كلّ مواقع الشرّ، وليجعل الفم موقعاً من مواقع الأكل الحرام والشّراب الحرام، وليثير في أعضاء الجنس الحوافز التي تحركها نحو العلاقة المحرّمة، وليحرك اللّسان بالكلمات المحرّمة.. وهكذا ينطلق البصر بالنظرة الحرام والسمع بالكلمة الحرام واللّحن الحرام، فنبتعد بذلك عنك ونخرج عن خطّ طاعتك.

اللّهمّ إننا نحبك ونحبّ القرب منك واللّقاء بك، فإذا كانت أبصار قلوبنا مفتوحة على ما خالف محبّتك في كلّ إيحاءاتها ونزعاتها ولفتاتها ونظراتها، فإننا نسألك أن تطفئ منها النور الذي يقودنا إلى ذلك، لأنّ النور الذي لا يعيش معنى الحبّ في علاقتنا بك هو ظلام، ولأنّ النور والظلمة في المعنى ليسا شيئين في الحسّ، بل هما عنصران في الرّوح، فلا قيمة للنور إذا كان يؤدّي إلى ظلمة الروح، ولا مشكلة في الظلام إذا كانت الروح تجد في عمق الصفاء فيه نور الإيمان.

اللّهم إننا نريد لهذا الجسد الذي خلقته في أحسن تقويم، أن يكون كياناً منفتحاً على طاعتك، ليعيش في الدنيا شكر نعمتك، ولينعم في الآخرة في نعيم جنَّتك، ولا نريد له أن يكون متحركاً في ساحات معصيتك، لينال في الآخرة عذاب نارك، فوفّقنا للوصول به إلى آفاق رضوانك.

*من كتاب آفاق الروح ،ج 1 ، ص  211-214 .

قال الإمام زين العابدين في دعاء له من أدعية الصحيفة السجادية: "وَإنّكَ مِنَ الضَّعْفِ خَلَقْتَنا، وعَلى الْوَهْنِ بَنَيْتَنا، ومِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ابْتَدَأتَنا.فَلاَ حَوْلَ لَنَا إلّا بِقُوَّتِكَ، ولاَ قُوَّةَ لَنا إلًا بِعَوْنِكَ. فَأيِّدْنَا بِتَوْفِيقِكَ، وسَدِّدْنَا بِتَسْديدِكَ، وَأعْمِ أبْصَارَ قُلوبِنا عَمَّا خَالَفَ مَحَبَّتِكَ، ولاَ تَجْعَلْ لشيءٍ مِنْ جَوَارِحِنَا نُفُوذاً في مَعْصِيَتِكَ".

الضعف في الإنسان

يا ربّ، إذا درسنا أصل الخلق في كياننا، وتساءلنا ما هي البداية، فإننا نجد الضعف هو عنوان المادّة التي كانت البداية، وهي النطفة كما قلت في كتابك: {الله الّذي خلقكم من ضعف}(الرّوم: 54)، ثم حوّلت الضعف إلى قوّة. وهكذا انطلق بناؤنا الجسدي من الوهن، ومن هنا كانت تأثراته وانفعالاته سريعةً في كلّ الطوارىء التي تعرض له، كما ورد في كلام الإمام علي(ع): "تؤلمه البقّة، وتقتله الشّرقة، وتنتنه العرقة".

وإذا لاحظنا تكوين النطفة في طبيعتها الماديّة، فإننا نراها تمثّل الحقارة التي لا توحي بأيّ احترام أو قوّة.

ومن الطبيعي أن تتأثّر عناصر الحركة فينا، ومواقع القرار في أعمالنا بهذا الضّعف، فنضعف عن تحمّل الحرمان، ونسقط أمام الرغبة، ونجزع أمام الآلام، فننهار أمام البلاء، وتتأثر بذلك أخلاقنا ومواقفنا، فنبتعد عن خط الاستقامة عندما تثيرنا الكلمة، وتسحرنا البسمة، وتجذبنا النظرة، وتحرّك شهواتنا ملامح الجمال، وتدفعنا إلى الانحراف نوازع الأطماع، فإذا بالضّعف الجسديّ يجتذب في إيحاءاته الضعف الروحي، فيؤدّي ذلك في كثير من الحالات إلى اليأس والإحباط والسقوط في الحصار النفسي الشّعوري الذي يحاصر الذات بوساوسه وهمساته وتهاويله.

الانفتاح على طاعة الله

إننا ـ يا ربّ ـ في مواقع ضعفنا، نتطلّع إليك، ونتوسّل بك، ونستعين برحمتك، فأنت الذي حوّلت المنطقة الضعيفة إلى خلق آخر يملك قوّة التفكير والإرادة والحركة، ليخطط ويقرّر ويبني للحياة قوّتها في ما حمّلته من مسؤولياتها، وأنت الذي حشدت للإنسان كلّ عناصر القوة الماديّة في ساحات الوجود، وأثرت في وعيه كلّ عناصر القوة الروحية في ساحات الرسالة، وقلت له: كن خليفتي في الوجود، وعبدي الذي يجسّد إرادتي في الكون، وأدخلته ساحات الصّراع ليتدرّب فيها، وحذّرته من أن يسقط، ودعوته إلى أن ينتصر، لأنّ الشيطان الداخلي والخارجي قد يملك قوّة التحدّي، ولكنه لا يملك قوّة السيطرة المطلقة، فله نوازع ضعفه كما له نوازع قوّته، وللإنسان نقاط قوّته كما له نقاط ضعفه، فأردت لنا أن نواجه نقاط ضعفه بنقاط قوتنا، لنتمكن من تدمير مشاريعه وإسقاط خططه، وحذرتنا من أن نواجه نقاط قوته بنقاط الضعف، فيسهل عليه السيطرة علينا.

إننا هنا نتوسل إليك أن تمنحنا من قوّتك قوّةً نملك فيها الحول والحركة على السير في خطّك، فلا حول لنا ـ في ما يملكه الإنسان من حريّة الحركة وينفتح به على آفاق الرّشاد ـ إلا بقوتك التي توحي لنا بكلّ أفكار القوة الحاسمة، ولا قوّة لنا إلا بعونك الذي تمدّ إلينا من خلاله حبّ الرجاء عندما يهجم علينا اليأس، ووسائل الوقوف مع الخير عندما تحيط بنا نوازع الشّر.~

فامنحنا ـ يا ربّ ـ التأييد في مشاريعنا المتحركة نحو الحقّ بتوفيقك الذي تتحول فيه إرادتنا من خطّ المعصية إلى خطّ الطاعة، وينطلق فيه تفكيرنا من أجواء الشّرّ إلى أجواء الخير، ووجهنا نحو السّداد في آرائنا، والثبات في خطواتنا، والصّواب في قراراتنا، بما تثيره في عقولنا من وعي الحقيقة، وفي قلوبنا من سلامة العاطفة، وفي مشاعرنا من عمق الانفتاح على الجانب الطيّب من الحياة، فلا نقول إلا حقاً، ولا نعمل إلا لله، ولا نخطّط إلا للحصول على رضاك.

يا ربّ، إن بعض مشاكلنا العمليّة هو الجانب العاطفي من شخصيّتنا، فقد جعلت لقلوبنا عيوناً نبصر بها الجانب المعنويّ من الأشياء بطريقة شعوريّة، وللقلب نبضاته التي تتحرّك بفعل نظرةٍ أو بسمةٍ أو لمسةٍ، وسحر جمالٍ أو كلامٍ أو لحنٍ، أو جوّ مليء بالانفعالات والاهتزازات، وللقلب نوافذه التي يطلّ بها على خفايا الأشياء في الإنسان والحياة، وللقلب صبواته وأحلامه وتطلّعاته التي يستشرف بها المستقبل، ويعيش فيها اهتمامات الواقع.

وربما تنفتح أبصار قلوبنا على الكثير الكثير مما يثير الأفكار الخبيثة، والدوافع السيّئة، والنوازع الشريرة، عندما ينفتح القلب على الجسد في غرائزه وشهواته، فتغيب في أحاسيسه مشاعره، وتهتزّ في لمساته خفقاته، وهكذا تبدأ النظرات القلبيّة في إثارة المشاعر الشيطانيّة في النفس، فتبتعد عن محبتك.

وهناك الأعضاء التي ركّبت منها أجسادنا، وجعلت لكلّ عضو منها دوراً، وأودعت في داخله سرّ حركة الغريزة في الجسد، وأجريت الشّيطان منا في نفوذه في كلّ خلايا أجسادنا، مجرى الدم في العروق، ليوجّه اليد إلى أن تسرق وتجرح وتقتل بغير حقّ، وتكتب الباطل، وتوقّع على الجريمة، وليدفع الرِّجال إلى أن تمشي في الخطوات الشرّيرة إلى كلّ مواقع الشرّ، وليجعل الفم موقعاً من مواقع الأكل الحرام والشّراب الحرام، وليثير في أعضاء الجنس الحوافز التي تحركها نحو العلاقة المحرّمة، وليحرك اللّسان بالكلمات المحرّمة.. وهكذا ينطلق البصر بالنظرة الحرام والسمع بالكلمة الحرام واللّحن الحرام، فنبتعد بذلك عنك ونخرج عن خطّ طاعتك.

اللّهمّ إننا نحبك ونحبّ القرب منك واللّقاء بك، فإذا كانت أبصار قلوبنا مفتوحة على ما خالف محبّتك في كلّ إيحاءاتها ونزعاتها ولفتاتها ونظراتها، فإننا نسألك أن تطفئ منها النور الذي يقودنا إلى ذلك، لأنّ النور الذي لا يعيش معنى الحبّ في علاقتنا بك هو ظلام، ولأنّ النور والظلمة في المعنى ليسا شيئين في الحسّ، بل هما عنصران في الرّوح، فلا قيمة للنور إذا كان يؤدّي إلى ظلمة الروح، ولا مشكلة في الظلام إذا كانت الروح تجد في عمق الصفاء فيه نور الإيمان.

اللّهم إننا نريد لهذا الجسد الذي خلقته في أحسن تقويم، أن يكون كياناً منفتحاً على طاعتك، ليعيش في الدنيا شكر نعمتك، ولينعم في الآخرة في نعيم جنَّتك، ولا نريد له أن يكون متحركاً في ساحات معصيتك، لينال في الآخرة عذاب نارك، فوفّقنا للوصول به إلى آفاق رضوانك.

*من كتاب آفاق الروح ،ج 1 ، ص  211-214 .

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية