الشِّرك في طاعة الله!

الشِّرك في طاعة الله!

من العناوين التي طرحت في أحاديث الرّسول (ص) والأئمَّة من أهل البيت (ع)، عنوان طاعة النّاس في معصية الله، وهذا عنوان كبير جدّاً، ربما نجد الكثير من الساحات الإسلاميّة تسير في أجوائه، لأنّ كثيرين من النّاس يرتبطون بالواقع ارتباطاً فكريّاً، أمّا ارتباطهم بالله، فهو ارتباط تجريديّ لا يرون أنّ الواقع يمكن أن يخضع له، فالإنسان يدرس مراكز القوّة في المجتمع، بين مركز سياسيّ يسيطر على الواقع السياسيّ، ومركز اجتماعي يملك الساحة الاجتماعيّة، ومركز أمني يملك السّاحة الأمنيّة، وهكذا تمتدّ القضية للمركز الاقتصادي الذي يشعر صاحبه بأنّه يملك أن يخضع الناس لما يريد، وهنا يجد الناس مصالحهم الآنية مرتبطة بهذا المركز وبذلك المركز، أو بهذا الشخص أو بذاك الشخص، ولا سيما إذا كان لديهم خوف من أن يكون انسحابهم من طاعة هذا أو طاعة ذاك يؤدّي إلى بعض الضّرر في أوضاعهم أو في أمورهم العامّة.

هنا ينطلق النَّاس ليحدِّقوا بالطّاعة التي تضمن لهم مصالحهم الماديّة الآنيَّة، وينسون الله سبحانه وتعالى، وإذا ذكروا الله ليذكروا طاعته، فإنهم يؤجّلونها ليوم آخر ولظروف أخرى، وربما يستسهلون معصية الله على أساس ما يخيَّل إليهم أنَّ رحمة الله تتّسع لكلّ المعاصي، حتى يتخيَّل الذي يتمرَّد على الله أنّه يمكن أن يسامحه، بينما هو يبدأ العمل بمخالفة أوامره ونواهيه.

الشّرك في العبادة

وصورة هذا الموضوع تتحرَّك في خطّين: الخطّ الأوَّل، هو تحوّل هذا النهج في علاقة الإنسان بالنّاس الذين ترتبط مصالحه بهم مقارنةً بعلاقته بالله، فإنّه يتحوَّل إلى إنسان يعبد النّاس بدلاً من أن يعبد الله، وإذا فكّر في عبادة الله، فإنّه يشرك الناس بعبادته، بحيث يقع في شرك الطّاعة وفي شرك العبادة وفي شرك الحبّ، وهذا ما يجعله مشركاً في صورة موحِّد، لأنّ القليل من الناس الذين أشركوا بالله، يعتقدون الإشراك في العقيدة، لأن الذين عاشوا في صدر الدّعوة الأولى، وهم مشركو قريش، كانوا يبرّرون عباداتهم للأوثان بقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}(1). فالمشركون موحّدون في العقيدة، لذلك كانوا يكتبون في وثائقهم "باسمك اللّهم"، وما شِرْكُهم إلا شِركُ عبادة وليس شِرك عقيدة، ولهذا كانت كلّ آيات القرآن التي تعالج واقع هؤلاء، تركّز على أنهم لا يملكون لهم نفعاً ولا ضراً، ولا علاقة لهم بالله من قريب أو من بعيد.

لذلك يتحوّل الإنسان إلى عابد للشّخص، كأن تعبد صاحب المال من خلال عبادتك لماله، وصاحب السّلطة من خلال عبادتك وخضوعك لسلطته، وهكذا صاحب الجاه أو صاحب السلاح أو صاحب السياسة أو ما إلى ذلك.

الابتعاد عن الإسلام!

والنقطة الثّانية التي تمثّل خطراً على هذا الإنسان، هو أنه يبتعد عن إسلامه، لأن قضية الإسلام ليست قضيّة كلمة تقولها، وليست مسألة طقوس تمارسها، ولكنها مسألة عقل ليس فيه إلا الله، وقلب ليس فيه إلا الله، وحياة ليس فيها إلا الله، وعندما يكون غير الله في عقلك وفي قلبك وفي حياتك، فلسـتَ مسلماً بما هو معنى الإسلام، لأن الإسلام هو أن تُسلم أمرَك لله، فلا يكون لأحد غير الله شيء عندك {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(2)، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(3). وهذا ما عبّر الله عنه في بعض آياته، عندما يتحدّث عمّن يشركون غير الله في الحُبّ، ومن الطبيعيّ فإنّ الحُبّ يجذب الإنسان للخضوع، والخضوع يجذب الإنسان للطاعة {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للهِ}(4)، فلا يحبّون غير الله أبداً إلا من خلال حبهم لله، ولذلك نُحبّ الأنبياء ونُحبّ الأولياء ونُحبّ المؤمنين، ولكن عن طريق الله. فنحن نُحبّ الأنبياء لأنهم رسـل الله، ونُحبّ الأولياء لأنهم الأولياء المقرّبون إلى الله، ونُحبّ المؤمنين لأنهم آمنوا بالله، وهذا هو معنى الحُبّ في الله والبغض في الله، وهو أن لا تُحبّ انطلاقاً من حالة مزاجيّة أو من مصلحة شخصيّة، ولكن من خلال الروحيّة الإلهيّة التي تنفتح على الذين يتحركون في طريق الله، ويصعدون إلى رحاب الله، ويملكون القرب من الله، فتنفتح عليهم بعقلك وقلبك وحياتك كلّها من خلال الله.

نسيان الله!

إنّ هذا كلّه ـ أيّها الأحبّة ـ ينطلق من أنّ الإنسان ينسى ربّه وينسى مقام ربّه وينسى عبوديته لربّه، وينسى حجم الناس في المقارنة مع ربّ النّاس وإله النّاس وملك الناس، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى وهو يرصد خطّ الانحراف من خلال نسيان الله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}(5)، ذلك أنّك إذا نسيت الله، فإنك تنسى ما يصلح نفسك وما يفسدها، وإذا نسيت الله، نسيت الانفتاح على النّور الذي يشرق من خلال الله في عقلك وفي قلبك، وإذا نسيت الله، نسيت الطريق المـستقيم الّذي يؤدّي بك إلى الله. لذلك، كلما آمنت بالله أكثر، وكلّما تيقّنت بالله أكثر، وكلّما عرفت الله أكثر، وكلما انفتحت على الله أكثر، استطعت أن توازن حياتك أكثر وأن تملك حرّيتك أكثر.

ولذلك، لا بدّ للإنسان من أن يعيش روحية ذلك، وقد قال عليّ (ع) وهو يصف المتّقـين، وهو العارف بالمتّقين لأنّه إمام المـتقين: "عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم"(6)، لأنّ الإنسان كلّما تجلّت عظمة الله في نفسه، تأتي الآية الكريمة لتقول له: {أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً}(7)، عند ذلك، تتصاغر كلّ القوى أمامه، وعندما يتجلّى علم الله في نفسه، فإنَّه يصغر كلّ العلماء أمامه.

استشعار وحدانيّة الله

وهكذا في كلّ موقع من مواقع الصفات التي تجذبك إلى الناس، فكّر في الله أوّلاً، وعند ذلك تجد أنّ ما عند الناس في كلّ فضائلهم، إنما هو من خلال الله سبحانه وتعالى، فأنت تحمده لأنّه هو الذي أعطى الأشياء ما يُحمد به، وأعطى النّاس ما يحمُدونه به، فالله أعطى العالِم عِلمه، فبعلم الله الذي وهبه إيّاه، يُحمَد، وهكذا في الأشياء كلّها، وهذا ما ينبغي لنا ـ أيّها الأحبّة ـ أن نعيش فيه مع الله دائماً.

وقد أراد سبحانه ـ في التربية العباديّة ـ أن يربّي في نفوسنا عمق معناه وعظمة ذاته. فأنت في الصـلاة مثلاً، لو وعيتَ معنى الصلاة عندما تبدأ صلاتك بآذانك وإقامتك، فسترى أنّك تبدأ بكلمة "الله أكبر"، وإذا انطلقت هذه الكلمة من كلّ كيانك، فإنّ معناها أنّ كلّ من عدا الله هو الأصغر، وإلا ما معنى "الله أكبر"؟ إنّ معنى ذلك أنّك عندما تتصوّر الأكبر بقول مطلق، فلا بدّ أن تتصوّر الأصغر بشكل شمولي، وعندما تقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، فإنّ معنى ذلك أنّك تتصوّر أنّ كلّ ما في الكون مَألوهٌ لله، لأنّ الله هو وحده الإله، وعند ذلك، لا تنمو في نفسك أيّة حالة من حالات تأليه الإنسان أو الشّمس أو القمر أو الكواكب. وهكذا تدفعك الصلاة إلى أن تشهد أنّ محمداً رسول الله (ص)، فتشعر بأنّك ترتبط به عندما تتصوّر عظمته، وعندما تتصوّر خلقه، وعندما تـتصوّر موقعه، حيث إنّك تتصوّره من حيث هو رسول الله، وفي التشهّد تقول: "وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله"، فأنت تتصوّره وهو في مواقع العظمة كلّها فيما يعيش الإنسان من مواقع العظمة، لكنّك تقول بأنه "عبدُه"، هذا العظيم في إنسانيّته هو عبد لله في بشريّته.

وهكذا عندما تدخل الصّلاة مكبِّراً، وتقرأ في الصلاة سورة الحمد وسورة أخرى، وعندما تسبّح ربّك العظيم وأنت راكع، وتسبّح ربّك الأعلى وأنت ساجد، ثم تنتقل في التّكـبير من عمل إلى عمل، وثم تسبّح الله وتهلِّله وتحمده وتكبّره. فالصلاة في كلّ نقلة من نقلاتها تعمّق في قلبك ـ لو عرفت معنى صلاتك ـ علاقتك بربّك وعظمتك بربّك، فلا يمكن إذا كنت واعياً للصّلاة أن تخرج من صلاتك لتقول إنّ فلاناً هو الأكبر، وإنّ فلاناً هو الأعظم، حتى وإن كان فلان عظيماً، إذ إنَّ علينا مهما أمكن، أن نختصر من ذلك فيما نتحدّث به عن النّاس.

والصوم هو عبادة صامتة، تتحرّك فيها كلّ مواقع جسدك، فأنت عندما تظمأ، فإن حالة الظّمأ في جسدك تنفتح على الله لتقول: يا ربّ، أنا ظامئ، لأني أريد أن أرتوي من حُبّك، وأريد أن أرتوي من طاعتك، وعندما تجـوع، تصرخ كلّ عضلات جسمك: يا ربّ، إني جائع، ولكن جوعي هو الشّبع، لأنني أشبع من خلال ما يمنحني هذا الجوع من التقوى {لعلّكم تتقون}(8).

وهكذا يتحرّك الإنسان مع الله عندما يرى شيئاً عظيماً فيقول: "سبحان الله"، وعندما يتذكّر الله في مواقع حمده فيقول الحمد لله، وعندما يتحـسّس النعمة ويستلّذ بها فيقول الشـّكر لله، وعندما يتحرّك الناس الذين يحاولون أن يستكبروا في الأرض يقول "لا إله إلا الله، الله أكبر".

ذكر الله دائماً

وهكذا ـ أيّها الأحبّة ـ ينطلق الإسلام في عبادته وفي آدابه ليقول لك اذكر الله في كلّ حالاتك، اذكره في الصباح عندما ترى في إشراقة الشّمس معنى نوره، واذكره في المساء عندما تعيش صفاء روحك، واذكره في كلّ موقع تتحرّك فيه لتعمل أو لتتكلّم، اذكـر الله على كلّ حال، وليس فقط بقول "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"، ولكن عليك أن تذكره عند كلّ حرام تقبل عليه فتـتركه، وأن تذكره عند كلّ واجب يمكن أن تبتعد عنه لتفعله، وعندما تحدّثك نفسك في معصية الله حَدِّثها عن طاعته، وعندما تحدّثك نفسك عن قوّة فلانٍ، حدّثها {أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً}، وأنّ {العِزَّةَ للهِ جَمِيعاً}(9) وعندما يخوّفك النّاس بالناس، قل كما قال رسـول الله (ص): {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}(10)، وقل كما قال المؤمنون المجاهدون: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ـ كما يقولون لنا الآن أمام كلّ التحديات الاستكبارية التي تأتي من هنا وهناك لتخويفنا  ـ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ ـ وبدأوا يحيطون بكم ويواجهونكم ويحاصرونكم ـ فَاخْشَوْهُمْ ـ أي تراجعوا عن مواقفكم وتنازلوا عن كلّ مواقعكم، وحاولوا أن تعيشوا الزّلزال في نفوسكم ـ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ـ لأنهم عندما قال النّاس لهم ذلك وخوّفـوهم بالنّاس، رفعوا رؤوسهم في معنى العقل في رؤوسهم، وفي معنى الوعي في إيمانهـم ـ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ ـ يكفينا الله، فهو الكافي من كلّ شيء ولا يكفي منه شيء ـ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ـ وكانت التـّجربة أمامهم ـ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ ـ بعد أن صبروا وتحمّلوا وعانوا الحرمان وعانوا كلّ الجهد ـ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ ـ لا رضوان النّاس ـ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}(11) يتفضّل على عباده بالرّحمة وبالنّعمة وبالرّضوان.

ثم قال الله لنا وهو يرسم القاعدة، إنّ كلّ من يخوّفكم بالنّاس فهو الشّيطان نفسه، أو الناطق باسم الشيطان: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُفَلاَ تَخَافُوهُمْ ـ فلا تكونوا أولياءه لتخافوه ـ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(12)، فلا تخشوا الناس واخشوني {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ}(13)، إذ يبيّتون ما لا يرضى من الحقّ.

أحاديث الأئمَّة في المسألة

هذا هو وحي الله، فتعالوا إلى بعض حديث أبناء رسول الله أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهَّرهم تطهيراً، فعن الإمام الباقر (ع) فيما روي عنه قال: "قال رسـول الله (ص): من طلب مرضاة النّاس بما يسخط الله ـ  عندما تحاول أن ترضي شخصيّة سيـاسيّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو عسكريّة، أو أيّ شخص من هؤلاء الذين يصـعدون درجات عالية في السلّم الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، فإذا كنت تحاول أن ترضيهم في معصية الله، بأن تظلم الناس لترضيهم، وبأن تقوم بالأعـمال المحرَّمة التي حرَّمها الله لترضيهم، فالمسألة ليست مسألة الآخرة فقط لتخسر ما هناك، لكنّك لن تحصل على ما تريد في الدنيا ـ  كان حامدهُ من النّاس ذامّاً"(14)، فقد يمدحك النّاس علانيةً، ولكنهم يحقّرونك في داخل أنفسهم، لأنّك أغضبت مولاك وسيّدك وخالقك وإلهك من أجل عرض زائل لعبد من عبـيده. إنّ النّاس الذين يعون موقـعك، حتى لو مدحوك، فإنّ مدحهم لا يكون إلا مجرّد نفاق، لأنك بمواقعك في معصية الله، ربما أصبحت تملك موقعاً دنيويّاً، لكنّ الكثيرين، حتى الذين تخدمهم وتبيعهم دينك وموقفك وموقعك وأمّتك ووطنك، إنّ هؤلاء قد يرتاحون لك لأنك حقّقت لهم بعض الشيء، ولكنّهم يحتقرونك رغم ذلك، ذلك أنّ الذي يحترم نفسه ويحترم إيمانه بربّه ويحترم أمّته ويحترم دينه ووطنه، يملك احترام أعدائه قبل أصدقائه، لأنهم يعرفون أنّه إنسان كامل الإنسانيّة يحترم إنسانيّته.

ونحن نعرف واقعنا الذي نعيشه، وقد سمعنا من بعض اليهود الّذين احتلّوا فلسطين، أنهم يقولون إننا لا نحترم في الواقع العربي إلا هؤلاء الذين يقاتلوننا، لأنهم يمثّلون الأصالة في إنسانيّتهم وفي مواقفهم كما يزعمون أنهم يقاتلون من أجل قضاياها، لذلك تأتي الكلمة الرسوليّة: "من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله، كان حامده من النّاس ذامّاً". أمّا الشخص الآخر: "ومن آثر طاعة الله بغضب النّاس..."، هذا الّذي يقول، كما قال رسول الله (ص): "إن لم يكن بك عليَّ غضبفلا أبالي"(15)، فلو رجمني الناس بالحجارة، لو سبوني، لو شتموني، لو اتهموني، فإني با ربّ "إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي"، وكما قال ذلك الشّاعر:

فليـتك تحلو والحـياة مريرة         وليتك ترضى والأنام غضابُ

وليت الذي بيـني وبينك عامر       وبيـني وبين العالمـين خرابُ

"ماذا وجد من فقدك، أم ماذا فقد من وجدك؟!"، فأنت الكلّ في الكلّ والآخرون لا شيء، "ومن آثر طاعة الله بغـضب النّاس، كفاه الله عداوة كلّ عدوّ ـ {فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}(16) ـوحسد كلّ حاسد، وبغي كلّ باغ، وكان الله عزّ وجلّ ناصراً وظهيراً"(17). فالقضيّة هي أن تضغط أعصابك لتصبر على بعض الحرمان الّذي يلوّح لك به الآخرون بأن يعطوك شيئاً في مقابل أن تعصي الله {إِن تَنصُرُوا اللهَ ـ في الكلمة وفي الموقف وفي الطّاعة وفي الجهاد ـ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(18).

والحديث الثّاني عن الصّادق (ع) عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (ص): "من أرضى سلطاناً بسخط الله ـ على ماذا تدلّ هذه؟! إنها تزلزل كيان الإنسان ـ خرج من دين الله"(19)، فإذا أرضيت سلطاناً بما يسخط الله، كأن تصير مخبراً للظّالم أو أحد المنفّذين لأوامره وأحد المؤيّدين له، وأحد المبرّرين لعمله، العاذرين له، فمن أرضى سلطاناً، سواء كان يملك السلطة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الأمنية، خرج من دين الله.

أوهام المكاسب

والحديث الآخر يرويه الإمام الصّادق (ع) عن الحسين بن عليّ (ع) قال: "كتب رجل إلى الحسين (ع): عظني بحرفين، فكتب إليه: من حاول أمراً بمعصية الله، كان أفوت لما يرجو، وأسرع لمجيء ما يحذر"(20).

فهو يقول بأنّك تبدأ التجربة التي تلبّي طموحاتك وتحقّق أحلامك فيما تزعم، وأنت تحاول ذلك بمعصية الله وبإسقاط مؤمن وإيذائه وإضراره وبمحاصرته، وبالانطلاق في فساد أوضاع النّاس الأخلاقيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وأنت تأمل في أنّك ستحصل على ما تريد وسوف تبتعد عمّا تحذر.

الحسين (ع) يقول بأنّ الله هو الذي يحقّق لك أحلامك لا النّاس، وأنه هو الذي ينجّح لك مشـاريعك لا النّاس، وأنّه هو الذي يملك الحماية لك لا النّاس، وأنّ الله هو الذي يملك القلوب التي تنفتح عليك أو تنغلق عنك لا النّاس {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ـ فأنت لن تمـلك القلوب، بل الله هو مقلّب القلوب، وهو الّذي {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}(21)، ولا تمـلك منها إلا ما أعطاك ربّك وما منحك من مفاتيحها ومغاليقها، ـ وَلَـكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}(22).

لذلك، إذا أردت أن تحصل على شيء، فليكن الله هو الذي تتوجَّه إليه، واعتبر الناس أدوات بيد الله يسخّرها لك، وإذا أردت أن تبتعد عمّا تحذر منه، فاطلب من الله أن يحميك من كلّ من يريد أن يسيء إليك أو يضرّك.

من هو الّذي لا دين له؟!

والحديث الأخير للإمام محمد الباقر (ع): "لا دين لمن دان ـ التزم ـ بطاعة من عصى الله"، فعليك أن تطيع من أطاع الله في خطّ طاعة الله، أمّا من عصى الله - أيّا كان - في فكره، فكان فكره فكر الباطل، ومن عصى الله في عاطفته، فكان قلبه قلب الباطل، ومن عصى الله في حركته، فكانت حركته حركة الباطل، فإذا كنت تدين بطاعته، وتعتبر نفسك ملزماً بطاعته انطلاقاً من بعض الأمور والقضايا التي يتداولها النّاس في انتماء النّاس إلى النّاس، فأنت لا دين لك، لأنّه لا يجتمع في قلب إنسان أن يدين بطاعة الله وأن يدين بطاعة من عصى الله، والله قال ـ كما في الحديث القدسيّ ـ "أنا خير شريك، مَنْ أشرك معي غيره في عمل عمله لم أقبله، إلا ما كان لي خالصاً"(23).

"لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله، ولا دين لمن دان بفرية باطل ـ والفرية هي الأمر المختلق ـ ولا دين لمن دان بجحود شيء من آيات الله"(24).

تذكر مقام ربّك

إذاً ـ أيها الأحبّة ـ من خلال كلّ هذه الكلمات من آيات الله ومن سنّة رسول الله (ص) ومن أحاديث أولياء الله في خطّ الله ورسوله، علينا أن نبدأ لندرس ما هو مقام ربّنا {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(25).

تلك هي المسألة؛ أن نخاف الله سبحانه وتعالى، وأن نعرف الله في مواقع عـظمته، وأن لا يكون الله أهون ناظر إلينا، ولا يكون الله أهون من نقف بين يديه غداً عندما يقوم الناس لربّ العالمين، أن لا نكون ممن قال الله عنهم: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}(26). وينطلق النِّداء غداً { يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(27)، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ}(28)، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}(29)، وينطلق النّداء في القيامة { لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ـ هاتوا كلّ الملوك وكلّ الزعماء ـ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}(30).

فهلمّوا ـ أيّها الأحبَّة ـ لنصير في خطّ الواحد القهّار، ليخصّنا برحمته وبلطفه وبرضوانه، فهو رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}(31).

والحمد لله ربِّ العالمين.

* فكر وثقافة، العدد: (56)، بتاريخ 4 جمادى الأولى 1418هـ/ الموافق: 6/9/1997م.

 


(1) الزمر آية 3.

(2) البقرة آية 131.

(3) الأنعام آية 162.

(4) البقرة آية 165.

(5) الحشر آية 19.

(6) نهج البلاغة، خطبة المتقين.

(7) البقرة آية 165.

(8) البقرة آية 183.

(9) النساء آية 139.

(10) التوبة آية 40.

(11) آل عمران من 173 إلى 174.

(12) آل عمران آية 175.

(13) النساء آية 108.

(14) الكافي: ج2 ، ص 372، رواية 2.

(15) بحار الأنوار: ج 19، ص22،  رواية 2، باب 5.

(16) التوبة آية 40.

(17) الكافي: ج2، ص 372، رواية 2.

(18) محمد آية 7.

(19) الكافي: ج2، ص373، رواية 5.

(20) الكافي: ج2، ص 373، رواية 3.

(21) الأنفال آية 24.

(22) الأنفال آية 63.

(23)الكافي: ج2، ص295، رواية 9 .

(24) الكافي: ج2، ص373، رواية 4.

(25) النازعات آية 40.

(26)الزّمر آية 67.

(27) الشعراء آية 88 -89.

(28) الانفطار آية 19.

(29) عبس آية 34 - 36.

(30) غافر آية 16.

(31) المطففين آية 26.

من العناوين التي طرحت في أحاديث الرّسول (ص) والأئمَّة من أهل البيت (ع)، عنوان طاعة النّاس في معصية الله، وهذا عنوان كبير جدّاً، ربما نجد الكثير من الساحات الإسلاميّة تسير في أجوائه، لأنّ كثيرين من النّاس يرتبطون بالواقع ارتباطاً فكريّاً، أمّا ارتباطهم بالله، فهو ارتباط تجريديّ لا يرون أنّ الواقع يمكن أن يخضع له، فالإنسان يدرس مراكز القوّة في المجتمع، بين مركز سياسيّ يسيطر على الواقع السياسيّ، ومركز اجتماعي يملك الساحة الاجتماعيّة، ومركز أمني يملك السّاحة الأمنيّة، وهكذا تمتدّ القضية للمركز الاقتصادي الذي يشعر صاحبه بأنّه يملك أن يخضع الناس لما يريد، وهنا يجد الناس مصالحهم الآنية مرتبطة بهذا المركز وبذلك المركز، أو بهذا الشخص أو بذاك الشخص، ولا سيما إذا كان لديهم خوف من أن يكون انسحابهم من طاعة هذا أو طاعة ذاك يؤدّي إلى بعض الضّرر في أوضاعهم أو في أمورهم العامّة.

هنا ينطلق النَّاس ليحدِّقوا بالطّاعة التي تضمن لهم مصالحهم الماديّة الآنيَّة، وينسون الله سبحانه وتعالى، وإذا ذكروا الله ليذكروا طاعته، فإنهم يؤجّلونها ليوم آخر ولظروف أخرى، وربما يستسهلون معصية الله على أساس ما يخيَّل إليهم أنَّ رحمة الله تتّسع لكلّ المعاصي، حتى يتخيَّل الذي يتمرَّد على الله أنّه يمكن أن يسامحه، بينما هو يبدأ العمل بمخالفة أوامره ونواهيه.

الشّرك في العبادة

وصورة هذا الموضوع تتحرَّك في خطّين: الخطّ الأوَّل، هو تحوّل هذا النهج في علاقة الإنسان بالنّاس الذين ترتبط مصالحه بهم مقارنةً بعلاقته بالله، فإنّه يتحوَّل إلى إنسان يعبد النّاس بدلاً من أن يعبد الله، وإذا فكّر في عبادة الله، فإنّه يشرك الناس بعبادته، بحيث يقع في شرك الطّاعة وفي شرك العبادة وفي شرك الحبّ، وهذا ما يجعله مشركاً في صورة موحِّد، لأنّ القليل من الناس الذين أشركوا بالله، يعتقدون الإشراك في العقيدة، لأن الذين عاشوا في صدر الدّعوة الأولى، وهم مشركو قريش، كانوا يبرّرون عباداتهم للأوثان بقولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}(1). فالمشركون موحّدون في العقيدة، لذلك كانوا يكتبون في وثائقهم "باسمك اللّهم"، وما شِرْكُهم إلا شِركُ عبادة وليس شِرك عقيدة، ولهذا كانت كلّ آيات القرآن التي تعالج واقع هؤلاء، تركّز على أنهم لا يملكون لهم نفعاً ولا ضراً، ولا علاقة لهم بالله من قريب أو من بعيد.

لذلك يتحوّل الإنسان إلى عابد للشّخص، كأن تعبد صاحب المال من خلال عبادتك لماله، وصاحب السّلطة من خلال عبادتك وخضوعك لسلطته، وهكذا صاحب الجاه أو صاحب السلاح أو صاحب السياسة أو ما إلى ذلك.

الابتعاد عن الإسلام!

والنقطة الثّانية التي تمثّل خطراً على هذا الإنسان، هو أنه يبتعد عن إسلامه، لأن قضية الإسلام ليست قضيّة كلمة تقولها، وليست مسألة طقوس تمارسها، ولكنها مسألة عقل ليس فيه إلا الله، وقلب ليس فيه إلا الله، وحياة ليس فيها إلا الله، وعندما يكون غير الله في عقلك وفي قلبك وفي حياتك، فلسـتَ مسلماً بما هو معنى الإسلام، لأن الإسلام هو أن تُسلم أمرَك لله، فلا يكون لأحد غير الله شيء عندك {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(2)، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(3). وهذا ما عبّر الله عنه في بعض آياته، عندما يتحدّث عمّن يشركون غير الله في الحُبّ، ومن الطبيعيّ فإنّ الحُبّ يجذب الإنسان للخضوع، والخضوع يجذب الإنسان للطاعة {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للهِ}(4)، فلا يحبّون غير الله أبداً إلا من خلال حبهم لله، ولذلك نُحبّ الأنبياء ونُحبّ الأولياء ونُحبّ المؤمنين، ولكن عن طريق الله. فنحن نُحبّ الأنبياء لأنهم رسـل الله، ونُحبّ الأولياء لأنهم الأولياء المقرّبون إلى الله، ونُحبّ المؤمنين لأنهم آمنوا بالله، وهذا هو معنى الحُبّ في الله والبغض في الله، وهو أن لا تُحبّ انطلاقاً من حالة مزاجيّة أو من مصلحة شخصيّة، ولكن من خلال الروحيّة الإلهيّة التي تنفتح على الذين يتحركون في طريق الله، ويصعدون إلى رحاب الله، ويملكون القرب من الله، فتنفتح عليهم بعقلك وقلبك وحياتك كلّها من خلال الله.

نسيان الله!

إنّ هذا كلّه ـ أيّها الأحبّة ـ ينطلق من أنّ الإنسان ينسى ربّه وينسى مقام ربّه وينسى عبوديته لربّه، وينسى حجم الناس في المقارنة مع ربّ النّاس وإله النّاس وملك الناس، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى وهو يرصد خطّ الانحراف من خلال نسيان الله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}(5)، ذلك أنّك إذا نسيت الله، فإنك تنسى ما يصلح نفسك وما يفسدها، وإذا نسيت الله، نسيت الانفتاح على النّور الذي يشرق من خلال الله في عقلك وفي قلبك، وإذا نسيت الله، نسيت الطريق المـستقيم الّذي يؤدّي بك إلى الله. لذلك، كلما آمنت بالله أكثر، وكلّما تيقّنت بالله أكثر، وكلّما عرفت الله أكثر، وكلما انفتحت على الله أكثر، استطعت أن توازن حياتك أكثر وأن تملك حرّيتك أكثر.

ولذلك، لا بدّ للإنسان من أن يعيش روحية ذلك، وقد قال عليّ (ع) وهو يصف المتّقـين، وهو العارف بالمتّقين لأنّه إمام المـتقين: "عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم"(6)، لأنّ الإنسان كلّما تجلّت عظمة الله في نفسه، تأتي الآية الكريمة لتقول له: {أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً}(7)، عند ذلك، تتصاغر كلّ القوى أمامه، وعندما يتجلّى علم الله في نفسه، فإنَّه يصغر كلّ العلماء أمامه.

استشعار وحدانيّة الله

وهكذا في كلّ موقع من مواقع الصفات التي تجذبك إلى الناس، فكّر في الله أوّلاً، وعند ذلك تجد أنّ ما عند الناس في كلّ فضائلهم، إنما هو من خلال الله سبحانه وتعالى، فأنت تحمده لأنّه هو الذي أعطى الأشياء ما يُحمد به، وأعطى النّاس ما يحمُدونه به، فالله أعطى العالِم عِلمه، فبعلم الله الذي وهبه إيّاه، يُحمَد، وهكذا في الأشياء كلّها، وهذا ما ينبغي لنا ـ أيّها الأحبّة ـ أن نعيش فيه مع الله دائماً.

وقد أراد سبحانه ـ في التربية العباديّة ـ أن يربّي في نفوسنا عمق معناه وعظمة ذاته. فأنت في الصـلاة مثلاً، لو وعيتَ معنى الصلاة عندما تبدأ صلاتك بآذانك وإقامتك، فسترى أنّك تبدأ بكلمة "الله أكبر"، وإذا انطلقت هذه الكلمة من كلّ كيانك، فإنّ معناها أنّ كلّ من عدا الله هو الأصغر، وإلا ما معنى "الله أكبر"؟ إنّ معنى ذلك أنّك عندما تتصوّر الأكبر بقول مطلق، فلا بدّ أن تتصوّر الأصغر بشكل شمولي، وعندما تقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، فإنّ معنى ذلك أنّك تتصوّر أنّ كلّ ما في الكون مَألوهٌ لله، لأنّ الله هو وحده الإله، وعند ذلك، لا تنمو في نفسك أيّة حالة من حالات تأليه الإنسان أو الشّمس أو القمر أو الكواكب. وهكذا تدفعك الصلاة إلى أن تشهد أنّ محمداً رسول الله (ص)، فتشعر بأنّك ترتبط به عندما تتصوّر عظمته، وعندما تتصوّر خلقه، وعندما تـتصوّر موقعه، حيث إنّك تتصوّره من حيث هو رسول الله، وفي التشهّد تقول: "وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله"، فأنت تتصوّره وهو في مواقع العظمة كلّها فيما يعيش الإنسان من مواقع العظمة، لكنّك تقول بأنه "عبدُه"، هذا العظيم في إنسانيّته هو عبد لله في بشريّته.

وهكذا عندما تدخل الصّلاة مكبِّراً، وتقرأ في الصلاة سورة الحمد وسورة أخرى، وعندما تسبّح ربّك العظيم وأنت راكع، وتسبّح ربّك الأعلى وأنت ساجد، ثم تنتقل في التّكـبير من عمل إلى عمل، وثم تسبّح الله وتهلِّله وتحمده وتكبّره. فالصلاة في كلّ نقلة من نقلاتها تعمّق في قلبك ـ لو عرفت معنى صلاتك ـ علاقتك بربّك وعظمتك بربّك، فلا يمكن إذا كنت واعياً للصّلاة أن تخرج من صلاتك لتقول إنّ فلاناً هو الأكبر، وإنّ فلاناً هو الأعظم، حتى وإن كان فلان عظيماً، إذ إنَّ علينا مهما أمكن، أن نختصر من ذلك فيما نتحدّث به عن النّاس.

والصوم هو عبادة صامتة، تتحرّك فيها كلّ مواقع جسدك، فأنت عندما تظمأ، فإن حالة الظّمأ في جسدك تنفتح على الله لتقول: يا ربّ، أنا ظامئ، لأني أريد أن أرتوي من حُبّك، وأريد أن أرتوي من طاعتك، وعندما تجـوع، تصرخ كلّ عضلات جسمك: يا ربّ، إني جائع، ولكن جوعي هو الشّبع، لأنني أشبع من خلال ما يمنحني هذا الجوع من التقوى {لعلّكم تتقون}(8).

وهكذا يتحرّك الإنسان مع الله عندما يرى شيئاً عظيماً فيقول: "سبحان الله"، وعندما يتذكّر الله في مواقع حمده فيقول الحمد لله، وعندما يتحـسّس النعمة ويستلّذ بها فيقول الشـّكر لله، وعندما يتحرّك الناس الذين يحاولون أن يستكبروا في الأرض يقول "لا إله إلا الله، الله أكبر".

ذكر الله دائماً

وهكذا ـ أيّها الأحبّة ـ ينطلق الإسلام في عبادته وفي آدابه ليقول لك اذكر الله في كلّ حالاتك، اذكره في الصباح عندما ترى في إشراقة الشّمس معنى نوره، واذكره في المساء عندما تعيش صفاء روحك، واذكره في كلّ موقع تتحرّك فيه لتعمل أو لتتكلّم، اذكـر الله على كلّ حال، وليس فقط بقول "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"، ولكن عليك أن تذكره عند كلّ حرام تقبل عليه فتـتركه، وأن تذكره عند كلّ واجب يمكن أن تبتعد عنه لتفعله، وعندما تحدّثك نفسك في معصية الله حَدِّثها عن طاعته، وعندما تحدّثك نفسك عن قوّة فلانٍ، حدّثها {أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً}، وأنّ {العِزَّةَ للهِ جَمِيعاً}(9) وعندما يخوّفك النّاس بالناس، قل كما قال رسـول الله (ص): {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}(10)، وقل كما قال المؤمنون المجاهدون: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ـ كما يقولون لنا الآن أمام كلّ التحديات الاستكبارية التي تأتي من هنا وهناك لتخويفنا  ـ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ ـ وبدأوا يحيطون بكم ويواجهونكم ويحاصرونكم ـ فَاخْشَوْهُمْ ـ أي تراجعوا عن مواقفكم وتنازلوا عن كلّ مواقعكم، وحاولوا أن تعيشوا الزّلزال في نفوسكم ـ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ـ لأنهم عندما قال النّاس لهم ذلك وخوّفـوهم بالنّاس، رفعوا رؤوسهم في معنى العقل في رؤوسهم، وفي معنى الوعي في إيمانهـم ـ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ ـ يكفينا الله، فهو الكافي من كلّ شيء ولا يكفي منه شيء ـ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ـ وكانت التـّجربة أمامهم ـ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ ـ بعد أن صبروا وتحمّلوا وعانوا الحرمان وعانوا كلّ الجهد ـ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ ـ لا رضوان النّاس ـ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}(11) يتفضّل على عباده بالرّحمة وبالنّعمة وبالرّضوان.

ثم قال الله لنا وهو يرسم القاعدة، إنّ كلّ من يخوّفكم بالنّاس فهو الشّيطان نفسه، أو الناطق باسم الشيطان: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُفَلاَ تَخَافُوهُمْ ـ فلا تكونوا أولياءه لتخافوه ـ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(12)، فلا تخشوا الناس واخشوني {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ}(13)، إذ يبيّتون ما لا يرضى من الحقّ.

أحاديث الأئمَّة في المسألة

هذا هو وحي الله، فتعالوا إلى بعض حديث أبناء رسول الله أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهَّرهم تطهيراً، فعن الإمام الباقر (ع) فيما روي عنه قال: "قال رسـول الله (ص): من طلب مرضاة النّاس بما يسخط الله ـ  عندما تحاول أن ترضي شخصيّة سيـاسيّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو عسكريّة، أو أيّ شخص من هؤلاء الذين يصـعدون درجات عالية في السلّم الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، فإذا كنت تحاول أن ترضيهم في معصية الله، بأن تظلم الناس لترضيهم، وبأن تقوم بالأعـمال المحرَّمة التي حرَّمها الله لترضيهم، فالمسألة ليست مسألة الآخرة فقط لتخسر ما هناك، لكنّك لن تحصل على ما تريد في الدنيا ـ  كان حامدهُ من النّاس ذامّاً"(14)، فقد يمدحك النّاس علانيةً، ولكنهم يحقّرونك في داخل أنفسهم، لأنّك أغضبت مولاك وسيّدك وخالقك وإلهك من أجل عرض زائل لعبد من عبـيده. إنّ النّاس الذين يعون موقـعك، حتى لو مدحوك، فإنّ مدحهم لا يكون إلا مجرّد نفاق، لأنك بمواقعك في معصية الله، ربما أصبحت تملك موقعاً دنيويّاً، لكنّ الكثيرين، حتى الذين تخدمهم وتبيعهم دينك وموقفك وموقعك وأمّتك ووطنك، إنّ هؤلاء قد يرتاحون لك لأنك حقّقت لهم بعض الشيء، ولكنّهم يحتقرونك رغم ذلك، ذلك أنّ الذي يحترم نفسه ويحترم إيمانه بربّه ويحترم أمّته ويحترم دينه ووطنه، يملك احترام أعدائه قبل أصدقائه، لأنهم يعرفون أنّه إنسان كامل الإنسانيّة يحترم إنسانيّته.

ونحن نعرف واقعنا الذي نعيشه، وقد سمعنا من بعض اليهود الّذين احتلّوا فلسطين، أنهم يقولون إننا لا نحترم في الواقع العربي إلا هؤلاء الذين يقاتلوننا، لأنهم يمثّلون الأصالة في إنسانيّتهم وفي مواقفهم كما يزعمون أنهم يقاتلون من أجل قضاياها، لذلك تأتي الكلمة الرسوليّة: "من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله، كان حامده من النّاس ذامّاً". أمّا الشخص الآخر: "ومن آثر طاعة الله بغضب النّاس..."، هذا الّذي يقول، كما قال رسول الله (ص): "إن لم يكن بك عليَّ غضبفلا أبالي"(15)، فلو رجمني الناس بالحجارة، لو سبوني، لو شتموني، لو اتهموني، فإني با ربّ "إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي"، وكما قال ذلك الشّاعر:

فليـتك تحلو والحـياة مريرة         وليتك ترضى والأنام غضابُ

وليت الذي بيـني وبينك عامر       وبيـني وبين العالمـين خرابُ

"ماذا وجد من فقدك، أم ماذا فقد من وجدك؟!"، فأنت الكلّ في الكلّ والآخرون لا شيء، "ومن آثر طاعة الله بغـضب النّاس، كفاه الله عداوة كلّ عدوّ ـ {فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}(16) ـوحسد كلّ حاسد، وبغي كلّ باغ، وكان الله عزّ وجلّ ناصراً وظهيراً"(17). فالقضيّة هي أن تضغط أعصابك لتصبر على بعض الحرمان الّذي يلوّح لك به الآخرون بأن يعطوك شيئاً في مقابل أن تعصي الله {إِن تَنصُرُوا اللهَ ـ في الكلمة وفي الموقف وفي الطّاعة وفي الجهاد ـ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(18).

والحديث الثّاني عن الصّادق (ع) عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (ص): "من أرضى سلطاناً بسخط الله ـ على ماذا تدلّ هذه؟! إنها تزلزل كيان الإنسان ـ خرج من دين الله"(19)، فإذا أرضيت سلطاناً بما يسخط الله، كأن تصير مخبراً للظّالم أو أحد المنفّذين لأوامره وأحد المؤيّدين له، وأحد المبرّرين لعمله، العاذرين له، فمن أرضى سلطاناً، سواء كان يملك السلطة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الأمنية، خرج من دين الله.

أوهام المكاسب

والحديث الآخر يرويه الإمام الصّادق (ع) عن الحسين بن عليّ (ع) قال: "كتب رجل إلى الحسين (ع): عظني بحرفين، فكتب إليه: من حاول أمراً بمعصية الله، كان أفوت لما يرجو، وأسرع لمجيء ما يحذر"(20).

فهو يقول بأنّك تبدأ التجربة التي تلبّي طموحاتك وتحقّق أحلامك فيما تزعم، وأنت تحاول ذلك بمعصية الله وبإسقاط مؤمن وإيذائه وإضراره وبمحاصرته، وبالانطلاق في فساد أوضاع النّاس الأخلاقيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وأنت تأمل في أنّك ستحصل على ما تريد وسوف تبتعد عمّا تحذر.

الحسين (ع) يقول بأنّ الله هو الذي يحقّق لك أحلامك لا النّاس، وأنه هو الذي ينجّح لك مشـاريعك لا النّاس، وأنّه هو الذي يملك الحماية لك لا النّاس، وأنّ الله هو الذي يملك القلوب التي تنفتح عليك أو تنغلق عنك لا النّاس {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ـ فأنت لن تمـلك القلوب، بل الله هو مقلّب القلوب، وهو الّذي {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}(21)، ولا تمـلك منها إلا ما أعطاك ربّك وما منحك من مفاتيحها ومغاليقها، ـ وَلَـكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}(22).

لذلك، إذا أردت أن تحصل على شيء، فليكن الله هو الذي تتوجَّه إليه، واعتبر الناس أدوات بيد الله يسخّرها لك، وإذا أردت أن تبتعد عمّا تحذر منه، فاطلب من الله أن يحميك من كلّ من يريد أن يسيء إليك أو يضرّك.

من هو الّذي لا دين له؟!

والحديث الأخير للإمام محمد الباقر (ع): "لا دين لمن دان ـ التزم ـ بطاعة من عصى الله"، فعليك أن تطيع من أطاع الله في خطّ طاعة الله، أمّا من عصى الله - أيّا كان - في فكره، فكان فكره فكر الباطل، ومن عصى الله في عاطفته، فكان قلبه قلب الباطل، ومن عصى الله في حركته، فكانت حركته حركة الباطل، فإذا كنت تدين بطاعته، وتعتبر نفسك ملزماً بطاعته انطلاقاً من بعض الأمور والقضايا التي يتداولها النّاس في انتماء النّاس إلى النّاس، فأنت لا دين لك، لأنّه لا يجتمع في قلب إنسان أن يدين بطاعة الله وأن يدين بطاعة من عصى الله، والله قال ـ كما في الحديث القدسيّ ـ "أنا خير شريك، مَنْ أشرك معي غيره في عمل عمله لم أقبله، إلا ما كان لي خالصاً"(23).

"لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله، ولا دين لمن دان بفرية باطل ـ والفرية هي الأمر المختلق ـ ولا دين لمن دان بجحود شيء من آيات الله"(24).

تذكر مقام ربّك

إذاً ـ أيها الأحبّة ـ من خلال كلّ هذه الكلمات من آيات الله ومن سنّة رسول الله (ص) ومن أحاديث أولياء الله في خطّ الله ورسوله، علينا أن نبدأ لندرس ما هو مقام ربّنا {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(25).

تلك هي المسألة؛ أن نخاف الله سبحانه وتعالى، وأن نعرف الله في مواقع عـظمته، وأن لا يكون الله أهون ناظر إلينا، ولا يكون الله أهون من نقف بين يديه غداً عندما يقوم الناس لربّ العالمين، أن لا نكون ممن قال الله عنهم: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}(26). وينطلق النِّداء غداً { يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(27)، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ}(28)، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}(29)، وينطلق النّداء في القيامة { لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ـ هاتوا كلّ الملوك وكلّ الزعماء ـ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}(30).

فهلمّوا ـ أيّها الأحبَّة ـ لنصير في خطّ الواحد القهّار، ليخصّنا برحمته وبلطفه وبرضوانه، فهو رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}(31).

والحمد لله ربِّ العالمين.

* فكر وثقافة، العدد: (56)، بتاريخ 4 جمادى الأولى 1418هـ/ الموافق: 6/9/1997م.

 


(1) الزمر آية 3.

(2) البقرة آية 131.

(3) الأنعام آية 162.

(4) البقرة آية 165.

(5) الحشر آية 19.

(6) نهج البلاغة، خطبة المتقين.

(7) البقرة آية 165.

(8) البقرة آية 183.

(9) النساء آية 139.

(10) التوبة آية 40.

(11) آل عمران من 173 إلى 174.

(12) آل عمران آية 175.

(13) النساء آية 108.

(14) الكافي: ج2 ، ص 372، رواية 2.

(15) بحار الأنوار: ج 19، ص22،  رواية 2، باب 5.

(16) التوبة آية 40.

(17) الكافي: ج2، ص 372، رواية 2.

(18) محمد آية 7.

(19) الكافي: ج2، ص373، رواية 5.

(20) الكافي: ج2، ص 373، رواية 3.

(21) الأنفال آية 24.

(22) الأنفال آية 63.

(23)الكافي: ج2، ص295، رواية 9 .

(24) الكافي: ج2، ص373، رواية 4.

(25) النازعات آية 40.

(26)الزّمر آية 67.

(27) الشعراء آية 88 -89.

(28) الانفطار آية 19.

(29) عبس آية 34 - 36.

(30) غافر آية 16.

(31) المطففين آية 26.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية