كفّ الأذى وثوابه

كفّ الأذى وثوابه

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}(الأحزاب: 58).

يؤكِّد المنهج الأخلاقي الإسلامي، أنّه لا بدَّ للمسلم من أن لا يصدر عنه تجاه الناس إلّا كلّ خير وكلّ سلام، وكلّ ما يجعلهم يشعرون بالخير في تعامله معهم ومعاشرته لهم، واحترامه لكلِّ أوضاعهم وخصوصيّاتهم. فالمسلم لا يكون إنساناً مؤذياً للآخرين، وقد ورد عن رسول الله (ص): "المسلم من سَلِم المسلمون من يده ولسانه"، فلا تتحرَّك يده بما يسيء إلى الآخرين في أموالهم وأعراضهم، ولا يتحرَّك لسانه بالإساءة إليهم بذكر عيوبهم, نتيجة عقدة نفسيّة، أو وضع اجتماعيّ معيّن.

وتؤكّد هذه الآية الكريمة الجانب السلبي الذي يتحرَّك به بعض الذين يعيشون في المجتمعات الإيمانيّة، ويؤذون المؤمنين في أنفسهم وأهليهم وأوضاعهم العامّة، بحيث يتحرَّكون بغيبة المؤمنين وبذكر عيوبهم والتَّشهير بهم انطلاقاً من عقدة نفسية يعيشونها. ولم يفرّق الله تعالى في مسألة الأذيّة بين المؤمنين والمؤمنات، ولا بين قريب وبعيد؛ فلا يجوز للإنسان أن يؤذي زوجته بضرب أو سبّ أو احتقار أو طرد من البيت، أو ما إلى ذلك مما يسيء إلى كرامتها، ولا يجوز للأب أو الأمّ إيذاء أولادهما بأيّ نوع من أنواع الإيذاء، كما في الذين يتدخّلون في شؤون أولادهم من الآباء والأمّهات، فيربكون حياتهم، ويعقّدون علاقاتهم بأسرهم وزوجاتهم، كما لا يجوز للمرأة أن تعقّد علاقة زوجها بأهله وبكلِّ الناس الذين يحيطون به من المؤمنين. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ـ فالأذيّة المقصودة في الآية ليست الّتي تنطلق من موقع الدفاع عن النفس، لأنّ الدفاع عن النفس حقّ شرعي ـ فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً ـ والبهتان هو أن ينسب الإنسان إلى الآخر ما لم يفعله ـ وَإِثْماً مُبِينًا}(الأحزاب: 58)، أي خطيئةً بيّنةً واضحةً.

وقد ورد عن رسول الله (ص): "من آذى مؤمناً فقد آذاني"، لأنّ النبيّ (ص) يعتبر نفسه مسؤولاً عن كلِّ المؤمنين والمؤمنات، فهم أسرته وأصحابه. وعن الإمام عليّ (ع): "لا يحلّ لمسلم أن يروِّع مسلماً"، أن يخيفه ويجعله يشعر بالأذى وعدم الأمان والاطمئنان. وعن الإمام الصادق (ع): "قال الله عزَّ وجلّ: ليأذن بحرب مني ـ وهذه كلمة صعبة جداً ـ من آذى عبدي المؤمن"، فالله تعالى يعلن الحرب على الإنسان الذي يؤذي عباد الله المؤمنين، ومن يتحمّل حرب الله؟!

وورد عن رسول الله (ص) أيضاً: "مننظر إلى مؤمن نظرةً يخيفه بها ـ باعتبار أنه يملك القوّة ـ أخافه الله تعالى يوم لا ظلّ إلا ظلّه". وعنه (ص): "قال الله تبارك وتعالى: من أهان لي وليّاً ـ أي نظر إلى عباد الله المؤمنين المستضعفين نظرة احتقار ـ فقد أرصد لمحاربتي"، فهو كأنه يحارب الله، والله جعل العزّة للمؤمنين. وعنه (ص): "من أحزن مؤمناً ثم أعطاه الدنيا ـ كتعويض له ـلم يكن ذلك كفَّارته ولم يؤجر عليه"، فلا شيء يعوّض له عن هذا الحزن.

وعن الإمام الصادق (ع): "فازوا والله الأبرار، أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذر". وعن رسول الله (ص): "أذلّ النَّاس من أهان النَّاس"، فالذي يهين الناس في الدّنيا هو أذلّ الناس يوم القيامة، لأنَّ الله سوف يهينه في الآخرة، بحيث يجعله في أحطِّ درجات الإذلال.

وفي توجيه من النبيّ (ص) للمسلمين، يبيّن ثواب كفّ الأذى عن النّاس، ومكانة ذلك عند الله، يقول (ص): "كفّ أذاك عن النّاس، فإنّه صدقة تصدّق بها على نفسك"، فمن الصَّدقات التي تتصدّق بها على نفسك، امتناعك عن أذيّة الناس، والله يؤجرك على ذلك.

وعن الإمام زين العابدين (ع): "كفُّ الأذى من كمال العقل ـ لأنَّ عقلك يقول لك إنّك إذا آذيت النَّاس، فإنّك ستجلب لنفسك العداوة والحقد، وإذا كففت أذاك عن النّاس، فإنّك ستعيش معهم بأمن وسلام واطمئنان ـ وفيه راحة للبدن عاجلاً وآجلاً".

وورد عن الإمام الصادق (ع): "من كفَّ يده عن الناس، فإنّما يكفُّ عنهم يداً واحدةً، ويكفّون عنه أيادي كثيرةً". وعن الإمام عليّ (ع): "المؤمن نفسه منه في تعب ـ يجاهد نفسه دائماً ـ والناس منه في راحة".

وهناك حالات يكون الإنسان صاحب رسالة أو قضيّة ودين، وعندما يتحرَّك في الدعوة إلى رسالته وقضيّته ودينه، فإنّه قد يتعرّض للأذى من الذين يعارضون رسالته أو قضيّته ويتعقّدون منها، فمنهم من يصبر على الأذى ومنهم لا يصبر. فكيف يصوّر الله تعالى لنا هذه الحالة؟ يقول تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}(العنكبوت: 10). وفي آية أخرى، يصوّر تعالى حال الذين تحمّلوا الأذى في جنبه، يقول سبحانه: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا ـ فرّوا بدينهم ـ وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ـ فما هو جزاء هؤلاء؟ ـ لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَاب}(آل عمران: 195).

ومن هؤلاء الذين يحملون رسالة الحقّ، ويؤذَون في الله من خلال بعض المحاور المتعصّبة التي تتعصّب ضدّ أتباع أهل البيت (ع)، فتضيّق عليهم وتحاصرهم وتؤذيهم في أنفسهم لأنهم وقفوا مع الحق، وهكذا بالنّسبة إلى الذين يؤسرون من قبل الأعداء، كالأسرى الذين يؤسرون في فلسطين من قبل اليهود الذين غصبوا البلاد والعباد، أو الذين يؤسرون من قبل الحكّام الظالمين، فإنّهم مشمولون بهذه الآية إذا أخلصوا في معارضتهم وجهادهم.

وهناك آية موجّهة إلى النبي (ص) الّذي كان يعيش كلّ أنواع الأذى من المشركين الّذين وقفوا ضدّ رسالته وحاصروه، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ}(الأنعام: 34). وورد في الحديث عنه (ص) : "ما أوذي أحد مثل ما أُوذيت في الله".

إنّ المؤمنين في هذا العصر، عندما تنطلق منهم كلمة الحقّ، وعندما يتحرّكون في خطّ الجهاد، أو يقومون ضدّ المستكبرين والكافرين ليطالبوا بالعدالة للنَّاس كافةً، يواجَهون بكلِّ أنواع الأذى من القوى الظالمة والمستكبرة، وعليهم أن يصبروا ويتحمّلوا الأذى ولا يسقطوا أمامه، لأنّ المؤمن هو القويّ والعزيز في إيمانه وموقفه ونفسه، وسوف يأتيه نصر الله تعالى في كلِّ ما يصمد فيه ويصبر عليه، والله يتحدّث عن المؤمنين الذين زُلزلوا: {مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}(البقرة: 214). ولذلك، علينا أن نصمد في قضايانا كلّها، وأن نصبر على الأذى كلّه، لأنَّ الله مع الصابرين.

*من أرشيف خطب الجمعة - العام 2009.

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}(الأحزاب: 58).

يؤكِّد المنهج الأخلاقي الإسلامي، أنّه لا بدَّ للمسلم من أن لا يصدر عنه تجاه الناس إلّا كلّ خير وكلّ سلام، وكلّ ما يجعلهم يشعرون بالخير في تعامله معهم ومعاشرته لهم، واحترامه لكلِّ أوضاعهم وخصوصيّاتهم. فالمسلم لا يكون إنساناً مؤذياً للآخرين، وقد ورد عن رسول الله (ص): "المسلم من سَلِم المسلمون من يده ولسانه"، فلا تتحرَّك يده بما يسيء إلى الآخرين في أموالهم وأعراضهم، ولا يتحرَّك لسانه بالإساءة إليهم بذكر عيوبهم, نتيجة عقدة نفسيّة، أو وضع اجتماعيّ معيّن.

وتؤكّد هذه الآية الكريمة الجانب السلبي الذي يتحرَّك به بعض الذين يعيشون في المجتمعات الإيمانيّة، ويؤذون المؤمنين في أنفسهم وأهليهم وأوضاعهم العامّة، بحيث يتحرَّكون بغيبة المؤمنين وبذكر عيوبهم والتَّشهير بهم انطلاقاً من عقدة نفسية يعيشونها. ولم يفرّق الله تعالى في مسألة الأذيّة بين المؤمنين والمؤمنات، ولا بين قريب وبعيد؛ فلا يجوز للإنسان أن يؤذي زوجته بضرب أو سبّ أو احتقار أو طرد من البيت، أو ما إلى ذلك مما يسيء إلى كرامتها، ولا يجوز للأب أو الأمّ إيذاء أولادهما بأيّ نوع من أنواع الإيذاء، كما في الذين يتدخّلون في شؤون أولادهم من الآباء والأمّهات، فيربكون حياتهم، ويعقّدون علاقاتهم بأسرهم وزوجاتهم، كما لا يجوز للمرأة أن تعقّد علاقة زوجها بأهله وبكلِّ الناس الذين يحيطون به من المؤمنين. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ـ فالأذيّة المقصودة في الآية ليست الّتي تنطلق من موقع الدفاع عن النفس، لأنّ الدفاع عن النفس حقّ شرعي ـ فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً ـ والبهتان هو أن ينسب الإنسان إلى الآخر ما لم يفعله ـ وَإِثْماً مُبِينًا}(الأحزاب: 58)، أي خطيئةً بيّنةً واضحةً.

وقد ورد عن رسول الله (ص): "من آذى مؤمناً فقد آذاني"، لأنّ النبيّ (ص) يعتبر نفسه مسؤولاً عن كلِّ المؤمنين والمؤمنات، فهم أسرته وأصحابه. وعن الإمام عليّ (ع): "لا يحلّ لمسلم أن يروِّع مسلماً"، أن يخيفه ويجعله يشعر بالأذى وعدم الأمان والاطمئنان. وعن الإمام الصادق (ع): "قال الله عزَّ وجلّ: ليأذن بحرب مني ـ وهذه كلمة صعبة جداً ـ من آذى عبدي المؤمن"، فالله تعالى يعلن الحرب على الإنسان الذي يؤذي عباد الله المؤمنين، ومن يتحمّل حرب الله؟!

وورد عن رسول الله (ص) أيضاً: "مننظر إلى مؤمن نظرةً يخيفه بها ـ باعتبار أنه يملك القوّة ـ أخافه الله تعالى يوم لا ظلّ إلا ظلّه". وعنه (ص): "قال الله تبارك وتعالى: من أهان لي وليّاً ـ أي نظر إلى عباد الله المؤمنين المستضعفين نظرة احتقار ـ فقد أرصد لمحاربتي"، فهو كأنه يحارب الله، والله جعل العزّة للمؤمنين. وعنه (ص): "من أحزن مؤمناً ثم أعطاه الدنيا ـ كتعويض له ـلم يكن ذلك كفَّارته ولم يؤجر عليه"، فلا شيء يعوّض له عن هذا الحزن.

وعن الإمام الصادق (ع): "فازوا والله الأبرار، أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذر". وعن رسول الله (ص): "أذلّ النَّاس من أهان النَّاس"، فالذي يهين الناس في الدّنيا هو أذلّ الناس يوم القيامة، لأنَّ الله سوف يهينه في الآخرة، بحيث يجعله في أحطِّ درجات الإذلال.

وفي توجيه من النبيّ (ص) للمسلمين، يبيّن ثواب كفّ الأذى عن النّاس، ومكانة ذلك عند الله، يقول (ص): "كفّ أذاك عن النّاس، فإنّه صدقة تصدّق بها على نفسك"، فمن الصَّدقات التي تتصدّق بها على نفسك، امتناعك عن أذيّة الناس، والله يؤجرك على ذلك.

وعن الإمام زين العابدين (ع): "كفُّ الأذى من كمال العقل ـ لأنَّ عقلك يقول لك إنّك إذا آذيت النَّاس، فإنّك ستجلب لنفسك العداوة والحقد، وإذا كففت أذاك عن النّاس، فإنّك ستعيش معهم بأمن وسلام واطمئنان ـ وفيه راحة للبدن عاجلاً وآجلاً".

وورد عن الإمام الصادق (ع): "من كفَّ يده عن الناس، فإنّما يكفُّ عنهم يداً واحدةً، ويكفّون عنه أيادي كثيرةً". وعن الإمام عليّ (ع): "المؤمن نفسه منه في تعب ـ يجاهد نفسه دائماً ـ والناس منه في راحة".

وهناك حالات يكون الإنسان صاحب رسالة أو قضيّة ودين، وعندما يتحرَّك في الدعوة إلى رسالته وقضيّته ودينه، فإنّه قد يتعرّض للأذى من الذين يعارضون رسالته أو قضيّته ويتعقّدون منها، فمنهم من يصبر على الأذى ومنهم لا يصبر. فكيف يصوّر الله تعالى لنا هذه الحالة؟ يقول تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}(العنكبوت: 10). وفي آية أخرى، يصوّر تعالى حال الذين تحمّلوا الأذى في جنبه، يقول سبحانه: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا ـ فرّوا بدينهم ـ وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ـ فما هو جزاء هؤلاء؟ ـ لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَاب}(آل عمران: 195).

ومن هؤلاء الذين يحملون رسالة الحقّ، ويؤذَون في الله من خلال بعض المحاور المتعصّبة التي تتعصّب ضدّ أتباع أهل البيت (ع)، فتضيّق عليهم وتحاصرهم وتؤذيهم في أنفسهم لأنهم وقفوا مع الحق، وهكذا بالنّسبة إلى الذين يؤسرون من قبل الأعداء، كالأسرى الذين يؤسرون في فلسطين من قبل اليهود الذين غصبوا البلاد والعباد، أو الذين يؤسرون من قبل الحكّام الظالمين، فإنّهم مشمولون بهذه الآية إذا أخلصوا في معارضتهم وجهادهم.

وهناك آية موجّهة إلى النبي (ص) الّذي كان يعيش كلّ أنواع الأذى من المشركين الّذين وقفوا ضدّ رسالته وحاصروه، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ}(الأنعام: 34). وورد في الحديث عنه (ص) : "ما أوذي أحد مثل ما أُوذيت في الله".

إنّ المؤمنين في هذا العصر، عندما تنطلق منهم كلمة الحقّ، وعندما يتحرّكون في خطّ الجهاد، أو يقومون ضدّ المستكبرين والكافرين ليطالبوا بالعدالة للنَّاس كافةً، يواجَهون بكلِّ أنواع الأذى من القوى الظالمة والمستكبرة، وعليهم أن يصبروا ويتحمّلوا الأذى ولا يسقطوا أمامه، لأنّ المؤمن هو القويّ والعزيز في إيمانه وموقفه ونفسه، وسوف يأتيه نصر الله تعالى في كلِّ ما يصمد فيه ويصبر عليه، والله يتحدّث عن المؤمنين الذين زُلزلوا: {مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ}(البقرة: 214). ولذلك، علينا أن نصمد في قضايانا كلّها، وأن نصبر على الأذى كلّه، لأنَّ الله مع الصابرين.

*من أرشيف خطب الجمعة - العام 2009.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية