ونواصل الحديث عن تجربة موسى(ع) في تنوّعها وتعقيداتها..
تحدِّي القوم وعنادهم
قال تعالى: {
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا}
[1]. وينفتح السّؤال هنا عن هذا الاختيار الَّذي لم يظهر من آية المواعدة الميقاتيَّة أنَّ الله أمره به كجزءٍ من الموعد الإلهيّ. وما هو دور هؤلاء؟ هل إنَّه جاء بهم كشهودٍ على تكليم الله له، وهو ما لا بدَّ من أن يكون معلوماً لبني إسرائيل في المسيرة الَّتي ساروا بها مع موسى فيما أوحى الله به إليه من آياته في مواجهة فرعون وسحرته، وفي العقاب الَّذي أنزله على فرعون وجماعته، وفي المعجزة الإلهيَّة الّتي شقَّ الله بها البحر لموسى وقومه حتّى قطعوا البحر وأغرق فرعون وقومه؟! فقد كانوا يعرفون أنَّ هذا كلَّه لم يصدر عن موسى بقدرته الذاتيَّة، بل بحواره الرّساليّ المباشر مع الله، فمن المستبعد أن يكون بحاجةٍ إلى شهود لهذه الميزة الرّساليَّة له، وخصوصاً أنّه لا بدَّ من أن يكون قد حدَّثهم عنها بعد أن يكونوا قد أثاروا السّؤال حولها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ موسى(ع) كان في موقع القيادة المسيطرة على بني إسرائيل، لأنّهم أدركوا قوَّته وأقرّوا بزعامته، خلافاً لموقفهم من هارون الّذي قالوا له بعد أن عبدوا العجل الَّذي نهاهم عنه: {
قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}
[2].
ثم يعود السؤال: مَن هم هؤلاء السَّبعون؟ هل هم من خيار أصحابه الّذين آمنوا به، ليكون اختياره لهم لحضور الميقات الإلهيّ تكريماً لهم بهذا الحضور معه أمام الله وسماعهم كلام الله له، وليحدِّثوا قومهم، إذا رجعوا إليهم، بما سمعوه وبالتَّوراة التي أنزلها الله عليهم؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف أخذتهم الرّجفة التي ربما أريد بها الصّاعقة الّتي صعقتهم فماتوا تحت تأثيرها؟ وهل هذه الصّاعقة من خلال هول المنظر وانفعالهم بشدَّته في الصّدمة التي صدمتهم، أو هي من خلال أنهم طلبوا من موسى، بعد أن سمعوا كلام الله، أن يريهم الله جهرةً ليصدِّقوه، ما يعني أنهم لم ينطلقوا من موقع إيمانهم به؟
وإذا كان بعض المفسِّرين يشرح المسألة بأنهم قالوا: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}[3]، فإنَّ هذه الآية، كما الآية في سورة النّساء: {أَرِنَا اللهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}[4]، المستفاد منها ليس الطّلب العادي النّاشئ من رغبة ذاتيّة لزيادة الاطمئنان بالعلاقة الوثيقة بين موسى وربّه المتمثّلة بتكليمه له، بل هي واردة في مقام التحدّي والعناد، فقد قدّم لهم موسى كلَّ الأدلّة والبراهين التي كان قد قدّمها لفرعون وقومه من الآيات المعجزة، لتكون حجّةً قاطعةً على الإيمان بالله وتوحيده، وربما حدَّثهم عن ذلك في لقاءاته المستمرّة بهم، بما يحقِّق لهم الاقتناع بمضمون التّوحيد، ما جعل بعض قومه يؤمنون به، كما جاء في قوله تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ}[5].
لذلك، كانت المسألة واردةً في موقع التحدّي العنادي الّذي قد ينتقلون منه إلى اقتراحٍ آخر، كما هي سيرة المشركين من قريش مع النبيّ(ص) في اقتراحاتهم التعجيزيّة، وبالأخصّ أنّ قضيّة رؤية الله جهرةً وعياناً ليست تحت اختيار موسى، بل هي بإرادة الله ـ هذا لو كانت رؤيته ممكنةً من خلال صورة التجسّد ـ. ولذلك، فإنَّ الله تحدَّث عن هذا الطّلب إلى جانب طلبهم الآخر بأن ينـزل الله عليهم كتاباً من السّماء، بأنّه يدخل في نطاق الاقتراح التّعجيزيّ، لأنَّ النبيّ لا يملك ذلك، بل إنَّ كلّ قدرته هي أن يقدِّم لهم الوحي القرآني الّذي يوحي به الله إليه.
ولهذا أخذتهم الصَّاعقة بظلمهم في تحدّيهم للرّسول وللرّسالة، وأماتهم الله ثم بعثهم لحكمةٍ في ذلك، ومراعاةً لموسى(ع) واستجابةً لطلبه، ولذلك، فلا مجال لتفسير ما حدث لهم بالطّلب السَّاذج للرّؤية، تماماً كما هو طلب موسى من الله أن ينظر إليه، لأنَّ ذلك لا يمثّل خطيئةً وتحدّياً، بل يمثّل طلباً للمعرفة بحسب التّصوّرات السّاذجة. وفي ضوء ذلك، فلا نستقرب وجود رابطٍ بين ما حدث لهم وما تحدَّث الله به عن بني إسرائيل بشكلٍ جماعيٍّ شاملٍ في موقع التحدّي.
موسى يسترحم الله لقومه
ونتابع السّؤال في ابتهال النّبيّ موسى(ع) لربّه: {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ}[6]، فقد فسَّره البعض بأنّه كان يخاف أن يتَّهمه بنو إسرائيل بقتلهم، فيخرجوا به من الدّين وتبطل بذلك دعوته من أصلها.
ونلاحظ أنَّ من البعيد أن يحدث مثل هذا الخوف في نفس موسى(ع) الّذي كان رفيقاً بقومه، راعياً لهم، محافظاً على سلامتهم، بما كان يعرفه بنو إسرائيل منه في سلوكه معهم، فلا يمكن اتهامه بقتلهم، لأنّه ليس هناك أيّ داعٍ يدعوه إلى ذلك، وأيّ دافع يدفعه إليه، ولا سيّما أنهم لم يصابوا بأيّ جراحة أو صدمة جسديّة عنيفة، بل إنَّ موتهم كان موتاً طبيعياً بالرّجفة الّتي أصابتهم.
وربما كان تفسير ذلك، أنّه كان في مقام استرحام الله لهؤلاء القوم، لأنهم لم يقوموا بأيِّ ذنب أو يمارسوا أيّة خطيئة، باعتبار أنهم كانوا، حسب معرفته بهم، من المؤمنين الّذين لا يستحقّون العقاب، فلم يكونوا من السّفهاء الّذين يفعلون المنكرات ويمارسون الخطايا وينحرفون عن الخطّ المستقيم. {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا}[7]، فإذا كانت إرادتك أن تهلكهم، فليكن هلاكي معهم، لأنّهم من أتباعي في حركة الإيمان، وإذا كانت المسألة أنّك قضيت عليهم بالهلاك، لأنَّ قومهم كانوا من السّفهاء الّذين ابتعدوا عن الخطّ المستقيم وتمرَّدوا على طاعتك، فإنَّك في عدلك ورحمتك، لا تحاسب المؤمنين بما فعله السّفهاء من قومهم، لأنهم لا علاقة لهم بذلك كلِّه، إلا أن يكونوا قد تركوا القيام بردعهم عن حال الانحراف لأسباب ذاتيّة أو لظرفٍ اجتماعيّ.
ومن الطّبيعيّ أنَّ موسى لا يمكن أن يكون سؤاله لله في هذه المسألة وارداً على نحو الاعتراض أو على سبيل المطالبة الجدّية، بل هو على سبيل الاسترحام، كأنّه قال: إنّنا لم نفعل شيئاً مما فعله السّفهاء منّا، فلا تنـزل بنا ما يستحقّونه، لأنّنا لا نستحقّه، ولكنّك ـ يا ربّ ـ قضيت على عبادك بأن تختبرهم وتمتحنهم، فيما تعبّر عنه كلمة الفتنة التي يفتتن بها الإنسان، فيضلّ عن طريق الهدى إذا لم يكن واعياً لما تختزنه من الأساليب الّتي قد تؤدّي به إلى الانحراف، أمّا الّذين يملكون العقل الواعي الّذي يحسب حساب الخير والشرّ، والانحراف والاستقامة، فإنهم ينفتحون على إشراقة الهدى في نور الحقّ، فيهتدون إليك.
ابتهال موسى إلى الله
ونحن نعتبر ما حدث لنا مما لا نفهم عمقه وطبيعته، من الفتنة الّتي تختبرنا بها لتبلونا أنهتدي أو نضلّ، {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء}، وها نحن نرجع إليك، {أَنتَ وَلِيُّنَا}، فقد خلقتنا ولم نكن شيئاً مذكوراً، ورزقتنا العقل والسّمع والبصر، وهيّأت لنا كلَّ وسائل معرفة الحقّ وأهله، فإذا أخطأنا وضللنا السَّير في طريقك المستقيم، {فَاغْفِرْ لَنَا}، فإنك وليّ المغفرة للخاطئين، {وَارْحَمْنَا}، فإنّك أرحم الرّاحمين، {وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}[8]، لأنك تغفر الذّنوب كلّها، ولا يغفر الذّنوب كلّها غيرك. وهكذا تمثّلت رحمة الله ومغفرته بإحيائهم بعد موتهم، وإدخالهم في رحمته.
ويتابع موسى ابتهاله إلى الله في دعائه له: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ}، لأنّنا لجأنا إليك، ورجعنا إلى مواقع رضاك، وتحرّكنا في خطِّ الإخلاص لك في العمل، لنحصل على النَّجاح في الدّنيا والنجاة في الآخرة، وتلك هي حسنة الدّنيا فيما نتمتّع به من الحصول على حاجاتنا من نعمك الّتي تنعم بها علينا، وحسنة الآخرة عندما تضمّنا إلى مواقع القرب منك وتدخلنا في نعيم جنّتك، {إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ}، أي عدنا إليك ورجعنا إلى مواقع رضاك، وأنبنا إليك بقلوبنا وأرواحنا وخطواتنا العمليّة. وتلك هي التطلّعات الروحيّة التي عبّر بها موسى(ع) عن تطلّعات كلّ مؤمن يعيش محبّة الله والخشية منه والرّغبة إليه، فكيف أجابه الله؟
{قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء} ممن يستحقّه بكفره أو شركه أو تمرّده، وليست مشيئة الله هنا بمعنى الإرادة المطلقة من دون قيدٍ أو شرط، كما لو كانت تشبه الإرادة الذاتيّة غير المبرّرة، بل هي إرادة مقترنة بالحكمة والمصلحة الرّاجعة إلى الإنسان في التزاماته التي تنعكس على الحياة سلباً أو إيجاباً، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}، في امتداداتها الّتي تفيض على الإنسان بما يصلحه ويلطف به وينفتح به على كلِّ نعم الله، سواء كانت رحمةً ماديّة أو معنويّة، فهي مفتوحة للجميع في كلِّ شؤون الحياة التي تشمل كلّ النّاس، ولكنّها تتأكَّد في مواقع الاستحقاق مما يكتبه الله للنّاس بشكلٍ خاصّ، {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}، ويخشون الله ويراقبونه في أمورهم كلّها، كمنهجٍ للسّير في خطٍّ الفكر والعمل في الحياة، فيمنعهم ذلك من التمرّد عليه بمعصيته، ويدفعهم إلى الانقياد له بطاعته، وذلك بما تمثّله التَّقوى من التزام روحيّ وحركيّ بالله.
{وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ}، بمعناها الواسع الّذي يشمل العطاء كلَّه بفرائضه ومستحبّاته، بما تمثّله هذه المبادرة الخيّرة الصَّادرة عن القادرين للمحرومين، من حركة رحمةٍ تتفاعل مع آلام المحرومين والمحتاجين، وبما توحي به من روحيّة العطاء وسرّ المحبَّة وفاعليّة الإيمان. {وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}[9]، بما يثيره الإيمان بآيات الله من انفتاحٍ للعقل على الآفاق الرَّحبة للمعرفة، وإذعانٍ للحقيقة الواضحة في أجواء الله، والله يحبّ العقل المنفتح والرّوح المؤمنة التقيَّة المذعنة للحقّ.
مستحقّو رحمة الله
ونلاحظ أنَّ الله في حديثه للنبيّ موسى(ع) عن الذين يستحقّون رحمته، يؤكّد أنَّ من هؤلاء الّذين يستحقّون هذه الرّحمة، الّذين يسيرون في خطِّ النبيّ محمّد(ص) فيما بشّر الله به الأجيال الآتية من بعد موسى، {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ}[10]، الّذي خاطبه الله في تأكيد أميَّته بقوله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[11]. ولكنّ هذه الأميَّة لم تنطلق من قاعدة جهل، بل من قاعدة إشراقٍ عقليّ وروحيّ وثقافيّ وحركيّ، من خلال الوحي الَّذي أنزله الله عليه، ومن خلال ما ألهمه إيّاه من حقائق الأمور، وما فتح عليه قلبه من وسائل الهداية في دعوته الرّساليّة.
وكانت تلك معجزته النبويّة، حيث إنَّ هذا الأمّيّ قدَّم للعالم ما لم يقدّمه أيّ قارئ أو كاتب من علم ومعرفة وحكمة وإصلاح، {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ـ حيث بشَّرا به تصريحاً وتلميحاً، كما ورد عن لسان عيسى(ع) في سورة الصّفّ: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[12] ـ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ ـ الأمر الّذي يحقّق الانضباط لحركة المجتمع في علاقاته ومعاملاته وتصرّفاته العامّة، بحيث يكون الطابع العام للمجتمع هو الرقابة الاجتماعيّة الّتي يراقب الناس بها بعضهم بعضاً، في تأكيد الخطّ المستقيم في جميع الاتجاهات، بطريقةٍ عفويّة إيمانيّة، لا تكلّف فيها ولا تعقيد ـ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ـ مما يتطلّبه الإنسان في حياته من الاستمتاع بطيّباتها فيما يأكل ويشرب ويتلذَّذ ويلبس، ومن الابتعاد عن خباثتها الَّتي تسيء إلى جسده وذوقه وروحه، لأنَّ الله لم يبح للإنسان أن يسيء إلى نفسه، ولذلك، حرَّم عليه ما يؤدِّي إلى ذلك. وهذا هو منطق الفطرة الإنسانيَّة السَّليمة في رغباتها وما تنفر منه.
ـ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْـ الّذي يثقل عليهم في أوضاعهم العامَّة والخاصَّة، من تشريعات سابقةٍ أو لاحقةٍ ـ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ـ ممّا كان يقيِّدهم في الشَّرائع السَّابقة من الأشغال الشّاقَّة ـ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ ـ أي أعانوه في تأدية رسالته وعرفوا عظمته ـ وَنَصَرُوهُ ـ في جميع معاركه ضدّ الكفر والشّرك والضّلال ـ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ ـ وهو القرآن الّذي انطلقوا معه في جميع مفاهيمه وتشريعاته الّتي تضيء للنّاس طريق الفلاح والنّجاح، وحوّلوه إلى برامج عمليّة في تنظيم حياتهم ـ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[13]، الّذين أفلحوا في حياتهم الدّنيا، لأنهم أقاموا على قاعدة ثابتة من تشريعات الله، وأفلحوا في حياتهم الأخرى، لأنهم تحركوا نحوها عن طريق الإخلاص لله في الطّاعة، وعرفوا أنَّ طريق الجنّة يمرّ بالإيمان والعمل الصّالح المرتكز على التقوى الّذي هو موقع رضا الله والقرب إليه.
وقد نستوحي من هذه الآية، أنَّ الله سبحانه يريد لهؤلاء الّذين عرفوا الكتاب الذي أنزله على رسله، أن يتعرّفوا صدق النّبيّ محمَّد(ص) من خلال دراسة عناصر رسالته فيما تأمر به أو تنهى عنه، وما تحلّه أو تحرّمه، وما تقدّمه للنّاس من تشريعاتٍ، وتثير في عقولهم من مفاهيم للحياة والإنسان، ما يساعدهم على التخلّص من أثقال الحياة الّتي تثقل حريّتهم الإنسانيَّة. وربما يوحي إلينا ذلك، بأنَّ الرِّسالات الإلهيَّة تتشابه في خطوطها التّشريعيّة والقيميّة، بما تتحرّك به من خطوطٍ عامّة، فيمكن للإنسان أن يتعرّف صدق أيّة دعوةٍ رساليَّة من خلال دراسة العناصر الحيَّة البارزة التي تكمن في خطِّ الرّسالات، من دون انتظارٍ لمعجزةٍ خارقة أو نحو ذلك، ما يدلُّ على أنَّ العقل الواعي الّذي يميِّز بين الأشياء، هو الحجَّة التي يرتكز عليها الإيمان في خطِّ الصِّدق. والحمد لله ربِّ العالمين.
*ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة
[1] [الأعراف: 155].
[2] [طه: 91].
[3] [البقرة: 55].
[4] [النّساء: 153].
[5] [يونس: 83].
[6] [الأعراف: 155].
[7] [الأعراف: 155].
[8] [الأعراف: 155].
[9] [الأعراف: 156].
[10] [الأعراف: 157].
[11] [العنكبوت: 48].
[12] [الصف: 6].
[13] [الأعراف: 157].