عاشوراء
14/07/2025

رسالةُ عاشوراء الحسينِ (ع): الوحدةُ ورفضُ الظُّلمِ

رسالةُ عاشوراء الحسينِ (ع): الوحدةُ ورفضُ الظُّلمِ

عظَّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سيِّد الشّهداء، والصَّفوة الطيِّبة من أهل بيته وأصحابه.
سموُّ الحسينِ (ع) وعظمتُهُ
ونحن نستمع إلى هذه المأساة الإنسانيَّة الأليمة، نتمثَّل الحسين (ع) في سموِّه وعظمته وبطولته الرّوحيَّة الَّتي بقيت مع الله، تتحدَّث إليه، وتبتهل إليه، وتقدِّم القرابين الطَّاهرة إليه.. نتمثَّل الحسين كبيراً عظيماً في صبره وتضحيته وجهاده، نتمثَّله في إمامته الَّتي تتحدَّى كلَّ الآلام والمصائب، وهذا ما سمعناه، أنَّه بقي من أشدِّ النَّاس رباطة جأش، وهذا ما ينبغي لنا، أيُّها الأحبَّة، أن نتمثَّله في حياتنا الَّتي نواجه فيها الجهاد بكلِّ معانيه، ونواجه فيها التحدّيات الكبرى بكلِّ أشكالها.
علينا أن نتعلَّم من الحسين كيف نصمد، وكيف نصبر، وكيف نتحدَّى الآلام، وكيف لا تأخذنا في الله لومة لائم.. إنَّ كربلاء تقول لنا: إنَّ لكم في كلِّ مرحلة شبهاً بكربلاء، لأنَّ الَّذين يصنعون مأساة الإنسان، سوف يمثِّلونها في كلِّ جيل يريد الحريَّة والعزَّة والكرامة والاستقامة في دين الله.
أيُّها الأحبَّة، لقد انطلق الإمام الحسين (ع) من أجل أمَّة جدِّه، كان يتطلَّع إلى الأمَّة كلِّها في كلِّ مشاكلها وقضاياها وآلامها، لنتعلَّم منه في كلِّ جيل من أجيالنا، أن نتطلَّع إلى واقع الأمَّة، وإلى كلِّ ما يحيط بها من مشاكل وآلام وتحدّيات.
أمريكا تلاحقُ المسلمين
ونحن، أيُّها الأحبَّة، في هذه المرحلة من مراحل حياتنا، نواجه كمسلمين واقع الأمَّة الإسلاميَّة كأصعبِ ما يكون، ولا سيَّما في هذه المرحلة من حياتنا، حيث نجد أنَّ الاستكبار العالميَّ، وفي مقدَّمه الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، يعمل على ملاحقة المسلمين في أكثر مواقعهم، حتَّى في داخل أمريكا الَّتي يعيش فيها ما يقارب العشرة ملايين مسلم متجنِّسين بالجنسيَّة الأمريكيَّة. إنَّنا نرى أنَّ أمريكا قد أعلنت في الواقع حرباً على الإسلام كلِّه، وعلى المسلمين كلِّهم، حتَّى وإن صرَّح رئيسها وبعض مسؤوليها، وبعض مسؤولي حليفتها بريطانيا، بأنَّهم يحترمون الإسلام، وأنَّهم لا يقفون ضدّه، ولكنَّ الواقع الَّذي يمارسونه، يعني عندهم أنَّ كلَّ مسلم مدان حتَّى تثبت براءته، لأنَّهم قد درسوا الواقع الإسلاميَّ كلَّه، ورأوا أنَّ العالم الإسلاميَّ، بجميع أفراده وهيئاته، يواجه أمريكا بالكراهية، لا للشَّعب الأمريكي، بل للسياسة الأمريكيَّة، في كلِّ خططها، وفي كلِّ سلوكيَّتها في الواقع الإسلاميِّ كلِّه.
فأمريكا تريد أن تصادر ثروات المسلمين من أجل رخاء شعبها، وتريد أن تسيطر على سياسات المسلمين من أجل تقوية مواقعها السياسيَّة، وتريد أن تسيطر على المواقع الاستراتيجيَّة للمسلمين، من أجل أن تسيطر على المواقع الاستراتيجيَّة في العالم، وتريد أن تجعل أمن المسلمين على هامش أمنهم.. إنَّها لا تريد للمسلمين أن يستقلّوا بسياستهم، ولا بأمنهم واقتصادهم، ولذلك، عندما درس المسلمون ذلك، عرفوا أنَّ أمريكا هي العدوّ لكلِّ مصالحهم وقضاياهم، ولا سيَّما أنّهم رأوا أنَّ أغلب الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة خاضعةٌ لليهود في كلِّ سياستها الَّتي تنفِّذها في الواقع الإسلاميّ كلِّه، ولا سيَّما في فلسطين.
الدَّعمُ الأمريكيُّ لإسرائيل
إنَّ المسألة، أيُّها الأحبَّة، ونحن نعيش هذه المرحلة، أنَّ أمريكا أعطت إسرائيل - والعالم كلُّه يعرف ذلك - الضَّوء الأخضر في أن تسقط الانتفاضة الفلسطينيَّة بكلِّ الأسلحة المدمِّرة الَّتي استخدمتها إسرائيل في قتل الأطفال والنّساء والشّيوخ، وفي تدمير البيوت ونهب كلِّ ما فيها، وفي تجريف المزارع، وفي حصار هذا الشَّعب ومنعه من ضروراته الحياتيَّة. وقد صرَّح عميل أمريكا شارون، بأنَّنا سوف نقوم بذلك كلِّه، من أجل أن نجبر الفلسطينيّين على أن يعطوا بأيديهم إعطاء الذَّليل، وأن يقرّوا إقرار العبيد، وأن يستجدوا منَّا وقف إطلاق النَّار لنفرض عليهم شروطنا. ويبقى الرئيس الأمريكي ووزير خارجيَّته ووزير دفاعه، وكلّ الإدارة الأمريكيَّة، تعمل لتحمّل الجانب الفلسطيني – وهو الضّحية – المسؤوليَّة، حيث نسمع رئيس الولايات المتَّحدة الأمريكيّة في كلِّ يوم يقول إنَّ على عرفات أن يمنع العنف، وأن يقف ضدَّ الإرهاب، كما لو كان المجاهدون في فلسطين إرهابيّين، وكان اليهود أبرياء ضحايا مدافعين عن النَّفس.
لقد وقفت أمريكا ضدَّ اللّبنانيّين، فأنتجت الحرب اللّبنانيَّة، ووقفت ضدَّهم عندما واجهت المقاومة الإسلاميَّة في لبنان، وعندما انتصرَت المقاومةُ الإسلاميَّةُ على إسرائيل، فخرج العدوّ من لبنان مذعوراً، وضعَتْ أمريكا هذه المقاومة في قائمةِ الإرهاب، كما تضع الآن المجاهدين من حماس والجهاد وكتائب شهداء الأقصى في قائمة الإرهاب، لأنَّ كلَّ من يقاتل إسرائيل إرهابيّ في نظر أمريكا، وكلّ من يعارض السياسة الأمريكيَّة إرهابيّ في نظرها.
الحربُ على العراقِ وإيران
إنَّ نائب الرئيس الأمريكيّ جاء إلى المنطقة في جولة على البلاد العربيَّة، ليقول لهم إنَّ المشكلة ليست إسرائيل، ولكنَّ المشكلة هي العراق، لذلك تعالوا لنتعاون على حرب العراق. ونحن نعرف أنَّهم عندما يعلنون الحرب على العراق الآن، تماماً كما أعلنوا الحرب عليه سابقاً، لا يستهدفون النّظام العراقيّ، ولكنَّهم يستهدفون الشَّعب العراقيَّ الَّذي جوَّعوه في الحصار الَّذي فرض عليه، فمات الملايين من أطفاله، وعاش هذا الشَّعب مشرَّداً في كلِّ مكان في العالم، يعاني مشكلة نظامه من الدَّاخل، والحصار الأمريكيَّ من الخارج.
وهكذا، أيُّها الأحبَّة، نلاحظ أنَّ أمريكا تلاحق الجمهوريَّة الإسلاميَّة في إيران، في حصار اقتصاديّ وسياسيّ وإعلاميّ، لأنَّها تريد لإيران أن تعطي بيدها إعطاء الذَّليل، وتقرّ لها إقرار العبيد، تريد لإيران أن لا تساعد المقاومة الإسلاميَّة في لبنان لإكمال عمليَّة التَّحرير، وأن لا تساعد الانتفاضة الفلسطينيَّة المجاهدة، تريدها أن تساعد سياستها في المنطقة، حتَّى لا يكون هناك أيّ موقع للقوَّة.
وإنَّ ما تريده أمريكا هو ما تريده إسرائيل؛ أن لا يكون هناك أيُّ موقع للقوَّة، لا تريد للعرب أن يكونوا أقوياء، ولا تريد للمسلمين أن يكونوا أقوياء. إنَّ أمريكا تتحدَّث عن محاربة إيران بحجَّة أنّها تصنع سلاح الدَّمار الشَّامل، وعن محاربة العراق بحجَّة صنع أسلحة الدَّمار الشَّامل، ولكنَّها لا تتحدَّث عن محاسبة إسرائيل الَّتي تملك على الأقلّ مئتي رأس نوويّ، فالمنطقة ليس فيها قوَّة نوويَّة إلَّا إسرائيل، وهي تملك أيضاً الأسلحة الكيميائيَّة والبيولوجيَّة وغير ذلك. إنَّ المسألة هي أن تكون إسرائيل هي الأقوى في المنطقة، من جهة التَّحالف الاستراتيجي بينها وبين أمريكا.
هذا ما تريده أمريكا، أيُّها الأحبَّة، أن تسقط قوَّة المسلمين كلِّهم، وأن تسقط قوَّة العرب كلِّهم. إنَّ أمريكا لم تتعقَّد عندما استطاعت الهند أن تصنع القنبلة النَّوويَّة، ولكنَّها تعقَّدت عندما استطاعت باكستان أن تصنع القوَّة النَّوويَّة، بالرّغم من أنَّ باكستان حليفة لأمريكا في سياستها العامَّة، لأنَّها – أي أمريكا - لا تريد للمسلمين أن يملكوا القنبلة النَّوويَّة، باعتبار أنَّها تريد لهم أن يظلّوا تحت سيطرتها في العالم كلِّه.
ونحن نعرف أنَّ أمريكا الآن تحارب الأفغانيِّين في أفغانستان. صحيح أنَّها وضعت عنوان تنظيم القاعدة وطالبان أمامها، ولكنَّنا عندما ندرس هويَّة القتلى والضَّحايا من الشَّعب الأفغاني الَّذي تقصف الطَّائرات الأمريكيَّة المتقدِّمة قراه، وتقصف المدنيّين هنا وهناك، لو درسنا أعداد القتلى هنا وأعداد القتلى من القاعدة هناك، لرأينا أنَّ القتلى من الشَّعب الأفغاني، هم أكثر بكثير من قتلى تنظيم القاعدة أو طالبان. إنَّ أمريكا تقول إنَّها تريد أن تحرِّر الشَّعب الأفغانيّ، ولكنَّها تريد أن تحرِّره من حياته، وأن تسيطر عليه.
وهكذا، تهدِّد الآن أمريكا بحرب ثانية ضدَّ اليمن وسوريا والكثير من الأماكن، وتظلّ تهدّد هنا وهناك، ليبقى القلق الأمني والسياسي والاقتصادي في كلِّ المواقع الإسلاميَّة والعربيَّة.
أمريكا يزيدُ العصر
لذلك، أيُّها الأحبَّة، عندما نقف الآن في ذكرى الإمام الحسين (ع)، عندما نقف ضدّ يزيد، وضدّ ابن زياد، وضدّ هذا الجيش الظالم الَّذي ذبح الأطفال، وسبى النساء، وقتل الشباب والشيوخ، وكانت المأساة الكبرى في قتل الحسين (ع)، إنَّ علينا أن نتذكَّر أنَّ أمريكا تمثِّل أعلى درجات اليزيديَّة في واقعنا، وأعلى درجات الوحشيَّة، وأنَّ إسرائيل تصنع في كلِّ يوم عاشوراء، وتصنع في كلِّ يوم كربلاء، وأنَّنا عندما نستمع إلى الأبطال في كربلاء كيف يصمدون، وكيف يخلصون لله، وكيف يقدِّمون أنفسهم قرابين في مذبح الشَّهادة، فإنَّ علينا أن نتذكَّر أبطالنا في لبنان في المقاومة الإسلاميَّة، وأبطالنا في فلسطين، لأنَّ هاتين الانطلاقتين كانتا، ولا تزالان، تمثِّلان نقطتي نور في كلِّ هذا الظَّلام الكثيف.
وفي ضوء هذا، علينا كما نحمل في أنفسنا الرَّفض للشَّيطان {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر: 6]، أن نرفض أيضاً الشَّيطان من الإنس، والشَّيطانُ الأكبر هي أمريكا، لأنَّها تمثِّل العداوة كأقسى ما تكون العداوة، والشَّيطانُ الأصغر هو إسرائيل.
لذلك، لن نستسلم لأمريكا استسلام الذَّليل. لقد قال الرئيس الأمريكي بوش: إمَّا أن تكونوا معنا أو مع الإرهاب، إمّا أن تكونوا معنا فنتعاون معكم، وإمَّا أن تكونوا مع الإرهاب فنقاتلكم، لأنَّهم لا يريدون للعالم أن يختار طريقه وموقعه. إنَّ أمريكا تعتبر نفسها قائدة العالم، وأنَّ ما تختاره يجب أن يختاره العالم، وأنَّ ما ما تفرضه يجب أن يأخذ به العالم. وقد قال لها العالم الحرّ، ومنهم المسلمون، إنَّنا لسنا معكم ولسنا مع الإرهاب؛ إنَّنا مع حريتنا، إنَّنا مع إنسانيَّتنا، ومع صناعة مستقبلنا على أساس الاستقلال، لن نقبل أن تفرضوا علينا ما لا نريده، أو أن نكون معكم، لأنَّ من كان معكم هو مع الشَّيطان. ونحن لسنا مع الإرهاب، ولكنَّنا لا نفهم الإرهاب كما تفهمونه؛ إنَّنا نفهم الإرهاب أنَّه يمثِّل الاعتداء على النَّاس الأبرياء، ولكنَّنا لا نعتبر، كما تعتبرون، أنَّ المقاومة ضدّ إسرائيل، سواء في لبنان أو في فلسطين، لا نعتبر ذلك إرهاباً، بل نعتبر ذلك تحريراً يملك الشَّرعيَّة في كلِّ المواقع الحضاريَّة في العالم.
رفضُ السياسةِ الأمريكيَّة
أيُّها الأحبَّة، إنَّ الإخلاص للحسين (ع) والرَّفض ليزيد، لا يتمثَّل الآن بمجرَّد أن نستغرق في التَّاريخ، لنُخلِص لهذا الموقع ونرفض ذاك الموقع، بل لا بدَّ أن يكون الإخلاص للحسين (ع) بالإخلاص لمبادئه ولرسالته الَّتي هي رسالة الإسلام، وأن يكون الرَّفض ليزيد هو الرّفض لكلِّ وحشيَّته وإجرامه واستعباده للنَّاس، وهو الَّذي طلب من واليه أن يبايعه أهل المدينة على أنَّهم عبيدٌ له.
ولذلك، فإنَّ علينا أن نحمل رسالة الحسين الَّتي أرادها رسالةً إلى كلِّ العالم؛ أن نكون ضدَّ أعداء الله من كلِّ جهة، وأن نكونَ مع أولياء الله من كلِّ جهة. هذه هي رسالة عاشوراء؛ أن نرفض الظّلم كلَّه، وأن نكون مع العدل كلِّه.
اعقدوا قلوبكم على رفض أمريكا في كلِّ سياستها، وفي كلِّ خططها وأوضاعها. وعندما نقول إنَّنا ضدّ أمريكا، فلا يعني ذلك أنَّنا ضدّ الشَّعب الأمريكيّ، ففي الشَّعب الأمريكي الكثير من المسلمين ومن الأحرار، ومن الَّذين يرفضون سياسة بلدهم، ونريد أن نقنع بقيَّة الشَّعب بحقِّنا، وأن نستعمل كلَّ الأساليب في ذلك كلِّه، لكنَّنا ضدَّ الإدارة الأمريكيَّة الخاضعة للإدارة اليهوديَّة، بحيث لم يعد لأمريكا في منطقة الشَّرق الأوسط أيّ سياسة أمريكيَّة تنطلق من المصالح الأمريكيَّة، بل هي سياسة إسرائيليَّة تنطلق من المصالح الإسرائيليَّة، فأمريكا تحارب إيران لحساب إسرائيل، لأنَّها تشكِّل خطراً عليها، وتحارب الفلسطينيِّين لحساب إسرائيل، وما إلى ذلك، وهي تحارب سوريا لأنَّها تدعم حقَّ الفلسطينيّين في الانتفاضة.
قمَّةٌ عربيَّةٌ غيرُ استثنائيَّة
ونحن، أيُّها الأحبَّة، على أبواب القمَّة العربيَّة الَّتي هي في طبيعتها قمَّة عاديَّة كبقيَّة القمم الَّتي اجتمع فيها رؤساء العرب، وليست قمَّة استثنائيَّة، لأنَّ العرب لم يجدوا في كلِّ هذا الاجتياح للشَّعب الفلسطيني، أيَّ سبب يجعلهم يجتمعون في قمَّة استثنائيَّة تصدر عنها مقرَّرات استثنائيَّة، لا تتَّصل بحريَّة الشَّعب الفلسطيني فقط، بل تتَّصل بحريَّة العرب كلِّهم، والمسلمين كلِّهم، لأنَّ إسرائيل إذا انتصرت على الفلسطينيّين - لا سمح الله - فإنَّ انتصارها عليهم يعني انتصاراً على كلِّ الواقع العربيّ والإسلاميّ.
إنَّها قمَّة عاديَّة، وأمريكا تتحرَّك في الكواليس من أجل أن لا يصدر عن القمَّة أيُّ قرار يعطي الموقف السياسيَّ قوَّةً للفلسطينيّين أو للمنطقة كلِّها، إنَّهم يريدون قرارات إنشائيَّة يتحدَّث فيها العرب بالكثير من الكلمات بعيداً من المواقف، وأمريكا تخاف من المواقف العربيَّة الَّتي يشرب فيها العرب حليب السّباع، وهي استطاعت بعد 11 أيلول وقبله، أن تجعلهم يشربون حليب الأرانب، ليتحدَّثوا عن الأمر الواقع وعن القوَّة الأمريكيَّة وما إلى ذلك.
نحن نقول للرؤساء العرب الَّذين يجتمعون في بيروت، وبيروت هي عاصمة المقاومة وعاصمة التَّحرير، ليست هناك أيّ عاصمة عربيَّة استطاعت أن تأخذ التَّحرير بقوَّتها الخاصَّة من خلال المجاهدين إلَّا لبنان. تذكَّروا وأنتم تتحدَّثون عن الانتفاضة، أنَّ المقاومة استطاعت أن تحرِّر لبنان من الاحتلال الإسرائيليّ، ولذلك انطلِقوا وانظُروا إلى الانتفاضة الَّتي نريدها أن تتحرَّك بالتَّنسيق مع المقاومة في لبنان، تذكَّروا أنَّ الانتفاضة قادرة على أن تحرِّر أرضها الفلسطينيَّة من إسرائيل، عندما تعطونها الدَّعم المادّيّ والسياسيّ، وحتَّى الدَّعم العسكريّ بوسائلكم الخاصّة، وإلَّا فإنَّ التَّاريخ لن يرحمكم، ولن يرحم الَّذين يخذلون شعوبهم.. إنَّ شعوبكم تنطلق بصوت واحد في كلِّ هذه المظاهرات المعلنة والمظاهرات النفسيَّة، إنَّها تريد لكم أن تحدِّقوا جميعاً في فلسطين والانتفاضة والشّهداء، وأن تعملوا على أن تكونوا مع الانتفاضة ضدَّ إسرائيل وأمريكا، وأن لا تكونوا مع إسرائيل باسم المحافظة على فلسطين على أساس الأمر الواقع.
عاداتٌ متخلِّفةٌ
ثمَّ، أيُّها الأحبَّة، ونحن نقف الآن في ذكرى عاشوراء، ونحن نستمع إلى أصوات الدِّماء الطَّاهرة وهي تجري أنهاراً في كربلاء، نريد من خلال وعي كربلاء، ومن خلال أن لا تذهب الدّماء هدراً، نريد الدّماء الَّتي تنطلق منَّا لتجري في جراحات المجاهدين، هناك الكثيرون من الجرحى في لبنان الَّذين يحتاجون إلى الدّماء، وهناك عشرات الألوف من الجرحى في فلسطين يحتاجون إلى المزيد من الدّماء.. ما معنى أن تضربوا رؤوسكم بالسَّيف لتجري الدّماء، وهي تحمل كلَّ التخلّف وكلَّ اللامعنى؟ هل هي مواساة للإمام الحسين؟ هكذا يقولون.. ولكنّ الحسين (ع) جرت دماؤه وهو في خطِّ الجهاد، أصحاب الحسين نزفوا الدِّماء وهم يصارعون الباطل، أهل بيت الإمام الحسين نُزِفَتْ دماؤهم وهم يقفون ضدَّ يزيد الباطل.. أمَّا أن تقف بعقل بارد وتصيح "يا حسين"، وتضرب رأسك، فماذا تقدِّم للحسين بذلك؟ ماذا تعطيه وأنت تضرب رأسك؟ إنَّ هذا ليس مواساةً للإمام الحسين (ع)، ولم يأت به نبيٌّ ولا إمامٌ ولا أحدٌ في هذا المجال.
إنَّ المسألة أنَّ مثل هذه العادات تحوَّلت إلى صورة سلبيَّة عن الشِّيعة في العالم، وستشاهدون التّلفزيون، وترون الأطفال الَّذين ينذرهم آباؤهم وأمَّهاتهم، ويضربون رؤوسهم بالسَّيف لتنزف دماؤهم وهم يصرخون ويبكون.
لقد تحدَّثت في أكثر من موقف عن صحيفة كنديَّة تنشر صورة من مدينة النَّبطيَّة لأبٍ يحمل طفله، والدِّماء تنزف من رأس الطّفل، وهو يبكي بكاءً لا أقسى ولا أشدّ، وتكتب الصَّحيفة: هذا يفعل باسم الله، أن نعذِّب الطفولة.
جريمةٌ يعاقَب عليها الإنسان
أيُّها الأحبَّة، إنَّ كلَّ نذرٍ في أن تضربَ رأس الطِّفل بالسَّيف، ولا سيَّما إذا كان رضيعاً، هو جريمة يحرم تنفيذها، ويعاقَبُ الإنسان على تنفيذها، لأنَّ الله لم يسلِّطك على أن تجرح طفلك ولو جرحاً بسيطاً، والحسين الَّذي سالت دماء أطفاله بيد الأعداء، لا يريد أن تسيل دماء أطفالنا بأيدينا. إنَّ هذا أصبح يمثِّل فضيحةً لأتباع أهل البيت (ع) في العالم.. انظروا إلى كلِّ الفضائيَّات وشاشات التّلفزة والصَّحافة، ماذا تنشر؟ تنشر صور الضرّيبة (المطبّرين)، سواء في لبنان والعراق وإيران والشَّام وما إلى ذلك.
لذلك، لا بدَّ أن نستبدل ذلك؛ هل تريدون أن تواسوا الإمام الحسين (ع)؟ إنَّ مصارف الدَّم موجودة في أكثر من مكان، فليذهب كلُّ واحدٍ ممّن يريدون المواساة بالدَّم، وليتبرّع بمقدارٍ من دمه للجرحى من المجاهدين باسم الحسين (ع) وعن روحه، لتجري هذه الدِّماء في أجسام المجاهدين، حتَّى نستطيع أن نعوِّضهم من دمائهم الَّتي نزفوها ونخلِّصهم من الخطر.
لماذا لا ينطلق هؤلاء في ذلك؟ لأنَّ هذا ليس فيه حالة استعراضيَّة، ولعلَّ البعض يريد الاستعراض. لقد أفتينا، كما أفتى السيِّد محسن الأمين، بحرمة ذلك، وكما أفتى السيِّد أبو القاسم الخوئي بحرمة ذلك إذا أوجب هتك حرمة المذهب، وقيل له: كيف يوجب هتك حرمة المذهب؟ قال إذا أوجب سخرية النَّاس في الخارج. ونحن نعرف أنَّه يوجب سخرية النَّاس في الخارج. وقد أفتى أيضاً السيِّد علي الخامنئي بحرمة ذلك، وأفتينا قبل ذلك بحرمته، لأنَّ ذلك يمثِّل ضرراً بالجسد، والضَّرر بالجسد حرام، حتَّى لو شفي بعد ذلك، لأنَّه بالعنوان الثَّانوي يؤدِّي إلى هتك حرمة المذهب وهتك حرمة الإسلام والمسلمين.
ولذلك، علينا أيُّها الأحبَّة، أن ننقذ أمَّتنا من هذا التخلّف، وأن نستبدل بذلك أساليب جديدة، مثل التبرّع بالدَّم لمصلحة الجرحى الَّذين لا يجدون مالاً يدفعون به ثمن الدّماء الَّتي تحتاجها صحَّتهم، ولمصلحة المجاهدين في لبنان وفلسطين. علينا أن نكون صوتاً واحداً، وأن ننفِّذ ذلك، كلٌّ بحسب قدرته، ومصارف الدَّم موجودة في المستشفيات وفي الأمكنة المعدَّة لذلك.
عاشوراءُ قاعدةٌ للوحدة
أيُّها الأحبَّة، إنَّ عاشوراء انطلقت من أجل أن تكون قاعدةً للوعي وللوحدة, ونحن في عاشوراء، نريد أن يكون كلُّ جمهور عاشوراء صوتاً واحداً للوحدة، لا يجوز تحت أيّ اعتبار، وتحت أيِّ استعراض، وتحت أيّ محور سياسيّ أو حزبي أو حركي، أن يجرح بعضنا بعضاً، وأن نتقاتل باسم الحسين (ع)، لأنَّ الحسين يريدنا أن نتواصل، وأن نتعاون، وأن نكون قوَّة واحدة في وجه الأعداء.. لا يكن بأسنا بيننا شديداً، ولا تعيشوا في أجواء العصبيَّة الحزبيَّة، ولا تعيشوا في أجواء الفتنة.. إنَّ الاستكبار العالميَّ يريد أن يهجمَ على كلِّ المجاهدين ويصنِّفهم في دائرة الإرهاب، وإنَّ الاستكبارَ الصّهيونيَّ يريد أن ينفذَ إلينا من خلال عملائِهِ ليثيرَ الفتنةَ فينا.. كلُّ من يثير الفتنة والتَّقاتلَ بين الإخوة هو عميلٌ لإسرائيل، سواء كان ذلك بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر.. كلُّ من يثير الفتنة بين المؤمنين تحت أيِّ اعتبار، هو خائنٌ للإسلام وللحسين (ع)، وهو خاضع للاستكبار الأمريكيّ وللمخابرات الأمريكيَّة.
أيُّها الأحبَّة، ليست المسألة أن تقولَ: الموتُ لأمريكا، ليسَت المسألة أن تقول: الموت لإسرائيل، وأنت تصنع الفتنة في المجتمع المواجِهِ لأمريكا ولإسرائيل. إنَّ علينا أن نقول: الموت للفتنة، الموت للعصبيَّة وللتخلّف، والموت لقتال الإخوة فيما بينهم، عندَ ذلك تسقط السياسة الأمريكيَّة والإسرائيليَّة.
لذلك، أقول لكم من وحي الحسين وعليّ ورسول الله وكتاب الله: استمعوا إلى صوت الوحدة، ولا تستمعوا إلى صوت الفرقة والفتنة، أيّاً كانت؛ عصبيَّة حزبيَّة أو عائليَّة أو مذهبيَّة أو طائفيَّة... إنَّ المرحلة هي أنَّ العالم المستكبر ينطلق من أجل أن يواجه المسلمين كلَّهم، سنّةً وشيعةً، وقد سمعتم مدير المخابرات الأمريكيَّة "تينيت" يقول إنَّنا لا نفرِّق بين إرهاب سنّيّ وإرهاب شيعيّ، يعني سوف نقضي على الشِّيعة والسنَّة الَّذين يواجهون السياسة الأمريكيَّة.
لذلك، لا يجوز أن ينطلق الشِّيعة من أجل إثارة الفتنة ضدَّ السنَّة، أو أن ينطلق السنَّة لإثارة الفتنة ضدَّ الشِّيعة، أو أن ينطلق السنَّة ليكفِّروا الشِّيعة، أو الشِّيعة ليكفِّروا السنَّة، أو أن نجعل من عاشوراء أو من الاجتماعات الأخرى عند الفريق الآخر، طريقاً لنملأ قلوب المسلمين بالأحقاد والعصبيَّة. وعليُّ بن أبي طالب الَّذي ندين بولايته وولاية الأئمَّة من أهل بيته، يقول لنا، وهو المظلوم في حقِّه، وفي الكثير من الممارسات ضدَّه: "لأُسَالِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أمورُ المُسِلِمينَ ولَمْ يكنْ فيها جَوْرٌ إلَّا عَلَيَّ خاصَّةً". فالإمام عليّ (ع) يقول أن أُظْلَمَ أنا فلا مشكلة، ولكن أن لا يُظلَمَ المسلمون. لكن نحن نفكِّر أن يُظْلَمَ المسلمون لا مشكلة، المهمّ أن لا تُظْلَمَ هذه العائلة أو هذه الجماعة السياسيَّة أو غير ذلك.
لذلك، صوت عاشوراء: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: 103]، وصوت عاشوراء: {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: 92]، وصوت عاشوراء أن ننطلق لنتحرَّك على أساس أن نعيش للإسلام، وفي خطِّ الإسلام، ومع رسول الإسلام، وأئمَّة الإسلام {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: 102].
أيُّها الأحبَّة، إنَّ عاشوراء تبدأ اليوم ولا تنتهي اليوم، ولذلك اجعلوا عاشوراء في عقولكم حقّاً تتحرَّكون فيه، وفي قلوبكم محبَّة تنفتحون بها على النَّاس كلِّهم، اجعلوا عاشوراء حركةً من أجل الحقِّ والعدل والخير.
{وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمؤمنون}[التّوبة: 105].

* خطبة العاشر لسماحته، بتاريخ: 24/ 3/ 2002م.

عظَّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سيِّد الشّهداء، والصَّفوة الطيِّبة من أهل بيته وأصحابه.
سموُّ الحسينِ (ع) وعظمتُهُ
ونحن نستمع إلى هذه المأساة الإنسانيَّة الأليمة، نتمثَّل الحسين (ع) في سموِّه وعظمته وبطولته الرّوحيَّة الَّتي بقيت مع الله، تتحدَّث إليه، وتبتهل إليه، وتقدِّم القرابين الطَّاهرة إليه.. نتمثَّل الحسين كبيراً عظيماً في صبره وتضحيته وجهاده، نتمثَّله في إمامته الَّتي تتحدَّى كلَّ الآلام والمصائب، وهذا ما سمعناه، أنَّه بقي من أشدِّ النَّاس رباطة جأش، وهذا ما ينبغي لنا، أيُّها الأحبَّة، أن نتمثَّله في حياتنا الَّتي نواجه فيها الجهاد بكلِّ معانيه، ونواجه فيها التحدّيات الكبرى بكلِّ أشكالها.
علينا أن نتعلَّم من الحسين كيف نصمد، وكيف نصبر، وكيف نتحدَّى الآلام، وكيف لا تأخذنا في الله لومة لائم.. إنَّ كربلاء تقول لنا: إنَّ لكم في كلِّ مرحلة شبهاً بكربلاء، لأنَّ الَّذين يصنعون مأساة الإنسان، سوف يمثِّلونها في كلِّ جيل يريد الحريَّة والعزَّة والكرامة والاستقامة في دين الله.
أيُّها الأحبَّة، لقد انطلق الإمام الحسين (ع) من أجل أمَّة جدِّه، كان يتطلَّع إلى الأمَّة كلِّها في كلِّ مشاكلها وقضاياها وآلامها، لنتعلَّم منه في كلِّ جيل من أجيالنا، أن نتطلَّع إلى واقع الأمَّة، وإلى كلِّ ما يحيط بها من مشاكل وآلام وتحدّيات.
أمريكا تلاحقُ المسلمين
ونحن، أيُّها الأحبَّة، في هذه المرحلة من مراحل حياتنا، نواجه كمسلمين واقع الأمَّة الإسلاميَّة كأصعبِ ما يكون، ولا سيَّما في هذه المرحلة من حياتنا، حيث نجد أنَّ الاستكبار العالميَّ، وفي مقدَّمه الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، يعمل على ملاحقة المسلمين في أكثر مواقعهم، حتَّى في داخل أمريكا الَّتي يعيش فيها ما يقارب العشرة ملايين مسلم متجنِّسين بالجنسيَّة الأمريكيَّة. إنَّنا نرى أنَّ أمريكا قد أعلنت في الواقع حرباً على الإسلام كلِّه، وعلى المسلمين كلِّهم، حتَّى وإن صرَّح رئيسها وبعض مسؤوليها، وبعض مسؤولي حليفتها بريطانيا، بأنَّهم يحترمون الإسلام، وأنَّهم لا يقفون ضدّه، ولكنَّ الواقع الَّذي يمارسونه، يعني عندهم أنَّ كلَّ مسلم مدان حتَّى تثبت براءته، لأنَّهم قد درسوا الواقع الإسلاميَّ كلَّه، ورأوا أنَّ العالم الإسلاميَّ، بجميع أفراده وهيئاته، يواجه أمريكا بالكراهية، لا للشَّعب الأمريكي، بل للسياسة الأمريكيَّة، في كلِّ خططها، وفي كلِّ سلوكيَّتها في الواقع الإسلاميِّ كلِّه.
فأمريكا تريد أن تصادر ثروات المسلمين من أجل رخاء شعبها، وتريد أن تسيطر على سياسات المسلمين من أجل تقوية مواقعها السياسيَّة، وتريد أن تسيطر على المواقع الاستراتيجيَّة للمسلمين، من أجل أن تسيطر على المواقع الاستراتيجيَّة في العالم، وتريد أن تجعل أمن المسلمين على هامش أمنهم.. إنَّها لا تريد للمسلمين أن يستقلّوا بسياستهم، ولا بأمنهم واقتصادهم، ولذلك، عندما درس المسلمون ذلك، عرفوا أنَّ أمريكا هي العدوّ لكلِّ مصالحهم وقضاياهم، ولا سيَّما أنّهم رأوا أنَّ أغلب الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة خاضعةٌ لليهود في كلِّ سياستها الَّتي تنفِّذها في الواقع الإسلاميّ كلِّه، ولا سيَّما في فلسطين.
الدَّعمُ الأمريكيُّ لإسرائيل
إنَّ المسألة، أيُّها الأحبَّة، ونحن نعيش هذه المرحلة، أنَّ أمريكا أعطت إسرائيل - والعالم كلُّه يعرف ذلك - الضَّوء الأخضر في أن تسقط الانتفاضة الفلسطينيَّة بكلِّ الأسلحة المدمِّرة الَّتي استخدمتها إسرائيل في قتل الأطفال والنّساء والشّيوخ، وفي تدمير البيوت ونهب كلِّ ما فيها، وفي تجريف المزارع، وفي حصار هذا الشَّعب ومنعه من ضروراته الحياتيَّة. وقد صرَّح عميل أمريكا شارون، بأنَّنا سوف نقوم بذلك كلِّه، من أجل أن نجبر الفلسطينيّين على أن يعطوا بأيديهم إعطاء الذَّليل، وأن يقرّوا إقرار العبيد، وأن يستجدوا منَّا وقف إطلاق النَّار لنفرض عليهم شروطنا. ويبقى الرئيس الأمريكي ووزير خارجيَّته ووزير دفاعه، وكلّ الإدارة الأمريكيَّة، تعمل لتحمّل الجانب الفلسطيني – وهو الضّحية – المسؤوليَّة، حيث نسمع رئيس الولايات المتَّحدة الأمريكيّة في كلِّ يوم يقول إنَّ على عرفات أن يمنع العنف، وأن يقف ضدَّ الإرهاب، كما لو كان المجاهدون في فلسطين إرهابيّين، وكان اليهود أبرياء ضحايا مدافعين عن النَّفس.
لقد وقفت أمريكا ضدَّ اللّبنانيّين، فأنتجت الحرب اللّبنانيَّة، ووقفت ضدَّهم عندما واجهت المقاومة الإسلاميَّة في لبنان، وعندما انتصرَت المقاومةُ الإسلاميَّةُ على إسرائيل، فخرج العدوّ من لبنان مذعوراً، وضعَتْ أمريكا هذه المقاومة في قائمةِ الإرهاب، كما تضع الآن المجاهدين من حماس والجهاد وكتائب شهداء الأقصى في قائمة الإرهاب، لأنَّ كلَّ من يقاتل إسرائيل إرهابيّ في نظر أمريكا، وكلّ من يعارض السياسة الأمريكيَّة إرهابيّ في نظرها.
الحربُ على العراقِ وإيران
إنَّ نائب الرئيس الأمريكيّ جاء إلى المنطقة في جولة على البلاد العربيَّة، ليقول لهم إنَّ المشكلة ليست إسرائيل، ولكنَّ المشكلة هي العراق، لذلك تعالوا لنتعاون على حرب العراق. ونحن نعرف أنَّهم عندما يعلنون الحرب على العراق الآن، تماماً كما أعلنوا الحرب عليه سابقاً، لا يستهدفون النّظام العراقيّ، ولكنَّهم يستهدفون الشَّعب العراقيَّ الَّذي جوَّعوه في الحصار الَّذي فرض عليه، فمات الملايين من أطفاله، وعاش هذا الشَّعب مشرَّداً في كلِّ مكان في العالم، يعاني مشكلة نظامه من الدَّاخل، والحصار الأمريكيَّ من الخارج.
وهكذا، أيُّها الأحبَّة، نلاحظ أنَّ أمريكا تلاحق الجمهوريَّة الإسلاميَّة في إيران، في حصار اقتصاديّ وسياسيّ وإعلاميّ، لأنَّها تريد لإيران أن تعطي بيدها إعطاء الذَّليل، وتقرّ لها إقرار العبيد، تريد لإيران أن لا تساعد المقاومة الإسلاميَّة في لبنان لإكمال عمليَّة التَّحرير، وأن لا تساعد الانتفاضة الفلسطينيَّة المجاهدة، تريدها أن تساعد سياستها في المنطقة، حتَّى لا يكون هناك أيّ موقع للقوَّة.
وإنَّ ما تريده أمريكا هو ما تريده إسرائيل؛ أن لا يكون هناك أيُّ موقع للقوَّة، لا تريد للعرب أن يكونوا أقوياء، ولا تريد للمسلمين أن يكونوا أقوياء. إنَّ أمريكا تتحدَّث عن محاربة إيران بحجَّة أنّها تصنع سلاح الدَّمار الشَّامل، وعن محاربة العراق بحجَّة صنع أسلحة الدَّمار الشَّامل، ولكنَّها لا تتحدَّث عن محاسبة إسرائيل الَّتي تملك على الأقلّ مئتي رأس نوويّ، فالمنطقة ليس فيها قوَّة نوويَّة إلَّا إسرائيل، وهي تملك أيضاً الأسلحة الكيميائيَّة والبيولوجيَّة وغير ذلك. إنَّ المسألة هي أن تكون إسرائيل هي الأقوى في المنطقة، من جهة التَّحالف الاستراتيجي بينها وبين أمريكا.
هذا ما تريده أمريكا، أيُّها الأحبَّة، أن تسقط قوَّة المسلمين كلِّهم، وأن تسقط قوَّة العرب كلِّهم. إنَّ أمريكا لم تتعقَّد عندما استطاعت الهند أن تصنع القنبلة النَّوويَّة، ولكنَّها تعقَّدت عندما استطاعت باكستان أن تصنع القوَّة النَّوويَّة، بالرّغم من أنَّ باكستان حليفة لأمريكا في سياستها العامَّة، لأنَّها – أي أمريكا - لا تريد للمسلمين أن يملكوا القنبلة النَّوويَّة، باعتبار أنَّها تريد لهم أن يظلّوا تحت سيطرتها في العالم كلِّه.
ونحن نعرف أنَّ أمريكا الآن تحارب الأفغانيِّين في أفغانستان. صحيح أنَّها وضعت عنوان تنظيم القاعدة وطالبان أمامها، ولكنَّنا عندما ندرس هويَّة القتلى والضَّحايا من الشَّعب الأفغاني الَّذي تقصف الطَّائرات الأمريكيَّة المتقدِّمة قراه، وتقصف المدنيّين هنا وهناك، لو درسنا أعداد القتلى هنا وأعداد القتلى من القاعدة هناك، لرأينا أنَّ القتلى من الشَّعب الأفغاني، هم أكثر بكثير من قتلى تنظيم القاعدة أو طالبان. إنَّ أمريكا تقول إنَّها تريد أن تحرِّر الشَّعب الأفغانيّ، ولكنَّها تريد أن تحرِّره من حياته، وأن تسيطر عليه.
وهكذا، تهدِّد الآن أمريكا بحرب ثانية ضدَّ اليمن وسوريا والكثير من الأماكن، وتظلّ تهدّد هنا وهناك، ليبقى القلق الأمني والسياسي والاقتصادي في كلِّ المواقع الإسلاميَّة والعربيَّة.
أمريكا يزيدُ العصر
لذلك، أيُّها الأحبَّة، عندما نقف الآن في ذكرى الإمام الحسين (ع)، عندما نقف ضدّ يزيد، وضدّ ابن زياد، وضدّ هذا الجيش الظالم الَّذي ذبح الأطفال، وسبى النساء، وقتل الشباب والشيوخ، وكانت المأساة الكبرى في قتل الحسين (ع)، إنَّ علينا أن نتذكَّر أنَّ أمريكا تمثِّل أعلى درجات اليزيديَّة في واقعنا، وأعلى درجات الوحشيَّة، وأنَّ إسرائيل تصنع في كلِّ يوم عاشوراء، وتصنع في كلِّ يوم كربلاء، وأنَّنا عندما نستمع إلى الأبطال في كربلاء كيف يصمدون، وكيف يخلصون لله، وكيف يقدِّمون أنفسهم قرابين في مذبح الشَّهادة، فإنَّ علينا أن نتذكَّر أبطالنا في لبنان في المقاومة الإسلاميَّة، وأبطالنا في فلسطين، لأنَّ هاتين الانطلاقتين كانتا، ولا تزالان، تمثِّلان نقطتي نور في كلِّ هذا الظَّلام الكثيف.
وفي ضوء هذا، علينا كما نحمل في أنفسنا الرَّفض للشَّيطان {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر: 6]، أن نرفض أيضاً الشَّيطان من الإنس، والشَّيطانُ الأكبر هي أمريكا، لأنَّها تمثِّل العداوة كأقسى ما تكون العداوة، والشَّيطانُ الأصغر هو إسرائيل.
لذلك، لن نستسلم لأمريكا استسلام الذَّليل. لقد قال الرئيس الأمريكي بوش: إمَّا أن تكونوا معنا أو مع الإرهاب، إمّا أن تكونوا معنا فنتعاون معكم، وإمَّا أن تكونوا مع الإرهاب فنقاتلكم، لأنَّهم لا يريدون للعالم أن يختار طريقه وموقعه. إنَّ أمريكا تعتبر نفسها قائدة العالم، وأنَّ ما تختاره يجب أن يختاره العالم، وأنَّ ما ما تفرضه يجب أن يأخذ به العالم. وقد قال لها العالم الحرّ، ومنهم المسلمون، إنَّنا لسنا معكم ولسنا مع الإرهاب؛ إنَّنا مع حريتنا، إنَّنا مع إنسانيَّتنا، ومع صناعة مستقبلنا على أساس الاستقلال، لن نقبل أن تفرضوا علينا ما لا نريده، أو أن نكون معكم، لأنَّ من كان معكم هو مع الشَّيطان. ونحن لسنا مع الإرهاب، ولكنَّنا لا نفهم الإرهاب كما تفهمونه؛ إنَّنا نفهم الإرهاب أنَّه يمثِّل الاعتداء على النَّاس الأبرياء، ولكنَّنا لا نعتبر، كما تعتبرون، أنَّ المقاومة ضدّ إسرائيل، سواء في لبنان أو في فلسطين، لا نعتبر ذلك إرهاباً، بل نعتبر ذلك تحريراً يملك الشَّرعيَّة في كلِّ المواقع الحضاريَّة في العالم.
رفضُ السياسةِ الأمريكيَّة
أيُّها الأحبَّة، إنَّ الإخلاص للحسين (ع) والرَّفض ليزيد، لا يتمثَّل الآن بمجرَّد أن نستغرق في التَّاريخ، لنُخلِص لهذا الموقع ونرفض ذاك الموقع، بل لا بدَّ أن يكون الإخلاص للحسين (ع) بالإخلاص لمبادئه ولرسالته الَّتي هي رسالة الإسلام، وأن يكون الرَّفض ليزيد هو الرّفض لكلِّ وحشيَّته وإجرامه واستعباده للنَّاس، وهو الَّذي طلب من واليه أن يبايعه أهل المدينة على أنَّهم عبيدٌ له.
ولذلك، فإنَّ علينا أن نحمل رسالة الحسين الَّتي أرادها رسالةً إلى كلِّ العالم؛ أن نكون ضدَّ أعداء الله من كلِّ جهة، وأن نكونَ مع أولياء الله من كلِّ جهة. هذه هي رسالة عاشوراء؛ أن نرفض الظّلم كلَّه، وأن نكون مع العدل كلِّه.
اعقدوا قلوبكم على رفض أمريكا في كلِّ سياستها، وفي كلِّ خططها وأوضاعها. وعندما نقول إنَّنا ضدّ أمريكا، فلا يعني ذلك أنَّنا ضدّ الشَّعب الأمريكيّ، ففي الشَّعب الأمريكي الكثير من المسلمين ومن الأحرار، ومن الَّذين يرفضون سياسة بلدهم، ونريد أن نقنع بقيَّة الشَّعب بحقِّنا، وأن نستعمل كلَّ الأساليب في ذلك كلِّه، لكنَّنا ضدَّ الإدارة الأمريكيَّة الخاضعة للإدارة اليهوديَّة، بحيث لم يعد لأمريكا في منطقة الشَّرق الأوسط أيّ سياسة أمريكيَّة تنطلق من المصالح الأمريكيَّة، بل هي سياسة إسرائيليَّة تنطلق من المصالح الإسرائيليَّة، فأمريكا تحارب إيران لحساب إسرائيل، لأنَّها تشكِّل خطراً عليها، وتحارب الفلسطينيِّين لحساب إسرائيل، وما إلى ذلك، وهي تحارب سوريا لأنَّها تدعم حقَّ الفلسطينيّين في الانتفاضة.
قمَّةٌ عربيَّةٌ غيرُ استثنائيَّة
ونحن، أيُّها الأحبَّة، على أبواب القمَّة العربيَّة الَّتي هي في طبيعتها قمَّة عاديَّة كبقيَّة القمم الَّتي اجتمع فيها رؤساء العرب، وليست قمَّة استثنائيَّة، لأنَّ العرب لم يجدوا في كلِّ هذا الاجتياح للشَّعب الفلسطيني، أيَّ سبب يجعلهم يجتمعون في قمَّة استثنائيَّة تصدر عنها مقرَّرات استثنائيَّة، لا تتَّصل بحريَّة الشَّعب الفلسطيني فقط، بل تتَّصل بحريَّة العرب كلِّهم، والمسلمين كلِّهم، لأنَّ إسرائيل إذا انتصرت على الفلسطينيّين - لا سمح الله - فإنَّ انتصارها عليهم يعني انتصاراً على كلِّ الواقع العربيّ والإسلاميّ.
إنَّها قمَّة عاديَّة، وأمريكا تتحرَّك في الكواليس من أجل أن لا يصدر عن القمَّة أيُّ قرار يعطي الموقف السياسيَّ قوَّةً للفلسطينيّين أو للمنطقة كلِّها، إنَّهم يريدون قرارات إنشائيَّة يتحدَّث فيها العرب بالكثير من الكلمات بعيداً من المواقف، وأمريكا تخاف من المواقف العربيَّة الَّتي يشرب فيها العرب حليب السّباع، وهي استطاعت بعد 11 أيلول وقبله، أن تجعلهم يشربون حليب الأرانب، ليتحدَّثوا عن الأمر الواقع وعن القوَّة الأمريكيَّة وما إلى ذلك.
نحن نقول للرؤساء العرب الَّذين يجتمعون في بيروت، وبيروت هي عاصمة المقاومة وعاصمة التَّحرير، ليست هناك أيّ عاصمة عربيَّة استطاعت أن تأخذ التَّحرير بقوَّتها الخاصَّة من خلال المجاهدين إلَّا لبنان. تذكَّروا وأنتم تتحدَّثون عن الانتفاضة، أنَّ المقاومة استطاعت أن تحرِّر لبنان من الاحتلال الإسرائيليّ، ولذلك انطلِقوا وانظُروا إلى الانتفاضة الَّتي نريدها أن تتحرَّك بالتَّنسيق مع المقاومة في لبنان، تذكَّروا أنَّ الانتفاضة قادرة على أن تحرِّر أرضها الفلسطينيَّة من إسرائيل، عندما تعطونها الدَّعم المادّيّ والسياسيّ، وحتَّى الدَّعم العسكريّ بوسائلكم الخاصّة، وإلَّا فإنَّ التَّاريخ لن يرحمكم، ولن يرحم الَّذين يخذلون شعوبهم.. إنَّ شعوبكم تنطلق بصوت واحد في كلِّ هذه المظاهرات المعلنة والمظاهرات النفسيَّة، إنَّها تريد لكم أن تحدِّقوا جميعاً في فلسطين والانتفاضة والشّهداء، وأن تعملوا على أن تكونوا مع الانتفاضة ضدَّ إسرائيل وأمريكا، وأن لا تكونوا مع إسرائيل باسم المحافظة على فلسطين على أساس الأمر الواقع.
عاداتٌ متخلِّفةٌ
ثمَّ، أيُّها الأحبَّة، ونحن نقف الآن في ذكرى عاشوراء، ونحن نستمع إلى أصوات الدِّماء الطَّاهرة وهي تجري أنهاراً في كربلاء، نريد من خلال وعي كربلاء، ومن خلال أن لا تذهب الدّماء هدراً، نريد الدّماء الَّتي تنطلق منَّا لتجري في جراحات المجاهدين، هناك الكثيرون من الجرحى في لبنان الَّذين يحتاجون إلى الدّماء، وهناك عشرات الألوف من الجرحى في فلسطين يحتاجون إلى المزيد من الدّماء.. ما معنى أن تضربوا رؤوسكم بالسَّيف لتجري الدّماء، وهي تحمل كلَّ التخلّف وكلَّ اللامعنى؟ هل هي مواساة للإمام الحسين؟ هكذا يقولون.. ولكنّ الحسين (ع) جرت دماؤه وهو في خطِّ الجهاد، أصحاب الحسين نزفوا الدِّماء وهم يصارعون الباطل، أهل بيت الإمام الحسين نُزِفَتْ دماؤهم وهم يقفون ضدَّ يزيد الباطل.. أمَّا أن تقف بعقل بارد وتصيح "يا حسين"، وتضرب رأسك، فماذا تقدِّم للحسين بذلك؟ ماذا تعطيه وأنت تضرب رأسك؟ إنَّ هذا ليس مواساةً للإمام الحسين (ع)، ولم يأت به نبيٌّ ولا إمامٌ ولا أحدٌ في هذا المجال.
إنَّ المسألة أنَّ مثل هذه العادات تحوَّلت إلى صورة سلبيَّة عن الشِّيعة في العالم، وستشاهدون التّلفزيون، وترون الأطفال الَّذين ينذرهم آباؤهم وأمَّهاتهم، ويضربون رؤوسهم بالسَّيف لتنزف دماؤهم وهم يصرخون ويبكون.
لقد تحدَّثت في أكثر من موقف عن صحيفة كنديَّة تنشر صورة من مدينة النَّبطيَّة لأبٍ يحمل طفله، والدِّماء تنزف من رأس الطّفل، وهو يبكي بكاءً لا أقسى ولا أشدّ، وتكتب الصَّحيفة: هذا يفعل باسم الله، أن نعذِّب الطفولة.
جريمةٌ يعاقَب عليها الإنسان
أيُّها الأحبَّة، إنَّ كلَّ نذرٍ في أن تضربَ رأس الطِّفل بالسَّيف، ولا سيَّما إذا كان رضيعاً، هو جريمة يحرم تنفيذها، ويعاقَبُ الإنسان على تنفيذها، لأنَّ الله لم يسلِّطك على أن تجرح طفلك ولو جرحاً بسيطاً، والحسين الَّذي سالت دماء أطفاله بيد الأعداء، لا يريد أن تسيل دماء أطفالنا بأيدينا. إنَّ هذا أصبح يمثِّل فضيحةً لأتباع أهل البيت (ع) في العالم.. انظروا إلى كلِّ الفضائيَّات وشاشات التّلفزة والصَّحافة، ماذا تنشر؟ تنشر صور الضرّيبة (المطبّرين)، سواء في لبنان والعراق وإيران والشَّام وما إلى ذلك.
لذلك، لا بدَّ أن نستبدل ذلك؛ هل تريدون أن تواسوا الإمام الحسين (ع)؟ إنَّ مصارف الدَّم موجودة في أكثر من مكان، فليذهب كلُّ واحدٍ ممّن يريدون المواساة بالدَّم، وليتبرّع بمقدارٍ من دمه للجرحى من المجاهدين باسم الحسين (ع) وعن روحه، لتجري هذه الدِّماء في أجسام المجاهدين، حتَّى نستطيع أن نعوِّضهم من دمائهم الَّتي نزفوها ونخلِّصهم من الخطر.
لماذا لا ينطلق هؤلاء في ذلك؟ لأنَّ هذا ليس فيه حالة استعراضيَّة، ولعلَّ البعض يريد الاستعراض. لقد أفتينا، كما أفتى السيِّد محسن الأمين، بحرمة ذلك، وكما أفتى السيِّد أبو القاسم الخوئي بحرمة ذلك إذا أوجب هتك حرمة المذهب، وقيل له: كيف يوجب هتك حرمة المذهب؟ قال إذا أوجب سخرية النَّاس في الخارج. ونحن نعرف أنَّه يوجب سخرية النَّاس في الخارج. وقد أفتى أيضاً السيِّد علي الخامنئي بحرمة ذلك، وأفتينا قبل ذلك بحرمته، لأنَّ ذلك يمثِّل ضرراً بالجسد، والضَّرر بالجسد حرام، حتَّى لو شفي بعد ذلك، لأنَّه بالعنوان الثَّانوي يؤدِّي إلى هتك حرمة المذهب وهتك حرمة الإسلام والمسلمين.
ولذلك، علينا أيُّها الأحبَّة، أن ننقذ أمَّتنا من هذا التخلّف، وأن نستبدل بذلك أساليب جديدة، مثل التبرّع بالدَّم لمصلحة الجرحى الَّذين لا يجدون مالاً يدفعون به ثمن الدّماء الَّتي تحتاجها صحَّتهم، ولمصلحة المجاهدين في لبنان وفلسطين. علينا أن نكون صوتاً واحداً، وأن ننفِّذ ذلك، كلٌّ بحسب قدرته، ومصارف الدَّم موجودة في المستشفيات وفي الأمكنة المعدَّة لذلك.
عاشوراءُ قاعدةٌ للوحدة
أيُّها الأحبَّة، إنَّ عاشوراء انطلقت من أجل أن تكون قاعدةً للوعي وللوحدة, ونحن في عاشوراء، نريد أن يكون كلُّ جمهور عاشوراء صوتاً واحداً للوحدة، لا يجوز تحت أيّ اعتبار، وتحت أيِّ استعراض، وتحت أيّ محور سياسيّ أو حزبي أو حركي، أن يجرح بعضنا بعضاً، وأن نتقاتل باسم الحسين (ع)، لأنَّ الحسين يريدنا أن نتواصل، وأن نتعاون، وأن نكون قوَّة واحدة في وجه الأعداء.. لا يكن بأسنا بيننا شديداً، ولا تعيشوا في أجواء العصبيَّة الحزبيَّة، ولا تعيشوا في أجواء الفتنة.. إنَّ الاستكبار العالميَّ يريد أن يهجمَ على كلِّ المجاهدين ويصنِّفهم في دائرة الإرهاب، وإنَّ الاستكبارَ الصّهيونيَّ يريد أن ينفذَ إلينا من خلال عملائِهِ ليثيرَ الفتنةَ فينا.. كلُّ من يثير الفتنة والتَّقاتلَ بين الإخوة هو عميلٌ لإسرائيل، سواء كان ذلك بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر.. كلُّ من يثير الفتنة بين المؤمنين تحت أيِّ اعتبار، هو خائنٌ للإسلام وللحسين (ع)، وهو خاضع للاستكبار الأمريكيّ وللمخابرات الأمريكيَّة.
أيُّها الأحبَّة، ليست المسألة أن تقولَ: الموتُ لأمريكا، ليسَت المسألة أن تقول: الموت لإسرائيل، وأنت تصنع الفتنة في المجتمع المواجِهِ لأمريكا ولإسرائيل. إنَّ علينا أن نقول: الموت للفتنة، الموت للعصبيَّة وللتخلّف، والموت لقتال الإخوة فيما بينهم، عندَ ذلك تسقط السياسة الأمريكيَّة والإسرائيليَّة.
لذلك، أقول لكم من وحي الحسين وعليّ ورسول الله وكتاب الله: استمعوا إلى صوت الوحدة، ولا تستمعوا إلى صوت الفرقة والفتنة، أيّاً كانت؛ عصبيَّة حزبيَّة أو عائليَّة أو مذهبيَّة أو طائفيَّة... إنَّ المرحلة هي أنَّ العالم المستكبر ينطلق من أجل أن يواجه المسلمين كلَّهم، سنّةً وشيعةً، وقد سمعتم مدير المخابرات الأمريكيَّة "تينيت" يقول إنَّنا لا نفرِّق بين إرهاب سنّيّ وإرهاب شيعيّ، يعني سوف نقضي على الشِّيعة والسنَّة الَّذين يواجهون السياسة الأمريكيَّة.
لذلك، لا يجوز أن ينطلق الشِّيعة من أجل إثارة الفتنة ضدَّ السنَّة، أو أن ينطلق السنَّة لإثارة الفتنة ضدَّ الشِّيعة، أو أن ينطلق السنَّة ليكفِّروا الشِّيعة، أو الشِّيعة ليكفِّروا السنَّة، أو أن نجعل من عاشوراء أو من الاجتماعات الأخرى عند الفريق الآخر، طريقاً لنملأ قلوب المسلمين بالأحقاد والعصبيَّة. وعليُّ بن أبي طالب الَّذي ندين بولايته وولاية الأئمَّة من أهل بيته، يقول لنا، وهو المظلوم في حقِّه، وفي الكثير من الممارسات ضدَّه: "لأُسَالِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أمورُ المُسِلِمينَ ولَمْ يكنْ فيها جَوْرٌ إلَّا عَلَيَّ خاصَّةً". فالإمام عليّ (ع) يقول أن أُظْلَمَ أنا فلا مشكلة، ولكن أن لا يُظلَمَ المسلمون. لكن نحن نفكِّر أن يُظْلَمَ المسلمون لا مشكلة، المهمّ أن لا تُظْلَمَ هذه العائلة أو هذه الجماعة السياسيَّة أو غير ذلك.
لذلك، صوت عاشوراء: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: 103]، وصوت عاشوراء: {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: 92]، وصوت عاشوراء أن ننطلق لنتحرَّك على أساس أن نعيش للإسلام، وفي خطِّ الإسلام، ومع رسول الإسلام، وأئمَّة الإسلام {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: 102].
أيُّها الأحبَّة، إنَّ عاشوراء تبدأ اليوم ولا تنتهي اليوم، ولذلك اجعلوا عاشوراء في عقولكم حقّاً تتحرَّكون فيه، وفي قلوبكم محبَّة تنفتحون بها على النَّاس كلِّهم، اجعلوا عاشوراء حركةً من أجل الحقِّ والعدل والخير.
{وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمؤمنون}[التّوبة: 105].

* خطبة العاشر لسماحته، بتاريخ: 24/ 3/ 2002م.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية