كتابات
20/08/2015

في ظلال الصَّحيفة السَّجاديَّة

في ظلال الصَّحيفة السَّجاديَّة

ونبقى في ظلال الصَّحيفة السّجاديَّة، حيث دعاء الإمام زين العابدين(ع)، الَّذي يسمو بالرّوح في آفاق الله والوجود، ويفتح مداركنا على كلّ مضمون ومعنى وقيمة تجعل من وجودنا وجوداً أصيلاً وحيّاً وفاعلاً. يقول(ع): "فسهِّل لنا عفوك بمنِّك، وأجِرْنا من عذابك بتجاوزك، فإنّه لا طاقة لنا بعدلك، ولا نجاة لأحدٍ منّا دون عفوك، يا غنيّ الأغنياء، ها نحن بين يديك، وأنا أفقر الفقراء إليك، فاجبُر فاقتنا بوسعك، ولا تقطع رجاءنا بمنعك، فتكون قد أشقيت منِ استسعد بك، وحرمت من استرفد فضلك، وإلى مَن حينئذٍ منقلبنا عنك، وإلى أين مذهبنا عن بابك".

أنت يا الله موضع توسُّل المتوسّلين، وأنت بعفوك ومنِّك، تتجاوز عن أخطائنا الكثيرة، ولولا رحمتك لكنّا من الهالكين، وأنت الّذي تنير دروبنا بالخير والبرّ والعطاء، وتأخذ بنا إلى ساحات النّور والعمل الصّالح، كي نتزوَّد من كلّ ذلك ونتقرّب منك. وعندما نعيش أجواء القرب منك، نتحسَّس كلَّ أجواء الحريّة والتحرّر من سطوة النّفس وقيودها. فعفوك يا الله لا يناله إلا المخلصون التّائبون العائدون إليك بكلّ محبّة ورضا وانفتاح ووعي.

وقد يملك المرء غنى المال والجاه والسّلطان، ولكنَّه لو أمعن التّفكير قليلاً، لوجد أنَّ ما يملكه، لا يساوي شيئاً أمام ملك الله وعظمته وغناه الَّذي وسع كلَّ شيء، فهو مالكنا ومالك السّموات والأرض، وهو الغنيّ عن العالمين، والخلق جميعاً عيال الله، وهم المحتاجون إلى رحمته، ومهما بلغ الخلق من قوّة، فسيظلّون ضعفاء صاغرين أمام جبروت الله وعظمته.

فلنسخِّر هذه القوَّة في سبيل الله في ساحات الجهاد والعمل النّافع لنا ولعيال الله، ولا نستعمل هذه القوّة في الظلم وتجاوز حقوق الله والنّاس، فنحن في كلّ وجودنا، الضّعفاء الذين نشعر بالحقارة أمام سلطانك يا ربّ، ونحن أفقر الفقراء إلى جودك وكرمك وتسديدك وتوفيقك في كلّ خطوة نخطوها، وما علينا سوى تصفية النيّات، وتنقية القلوب من الغلّ، والتطلّع الدّائم إلى وجهك الكريم.

اللّهمّ نتوجَّه إليك بالدّعاء لأن تمنَّ علينا بالرّزق الواسع الّذي يعيننا على قضاء حوائجنا دون مِنّةٍ من أحد، وأن تبعد عنّا الانكسار والفاقة، فأملنا دوماً بفضلك ورحمتك، ولا نشعر بأيّ سعادة إلا عندما تتوجَّه مشاعرنا وأحاسيسنا وقلوبنا إليك، ونعيش عمق الوجود والمعنى ونحن في ظلّك، فالحرمان من فضلك يعني الشّقاء والخسران المبين، فلا تحرمنا من الوقوف على بابك، لأنّك إذا حرمتنا، إلى من نلجأ؟!

وفي معرض شرحه لما تقدَّم من الدّعاء، يقول المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "فسهِّل لنا عفوك بمنّك، وأجرنا من عذابك بتجاوزك، فإنّه لا طاقة لنا بعدلِك، ولا نجاة لأحدٍ منا دون عفوك"، إنّنا نتوسَّل إليك أن يكون العفو عنّا أقرب إلى مشيئتك من عذابنا، لأنك المنَّان على خلقك، فكلّ خلقك يتقلّبون في منّك، وأنت المتجاوز عنهم، فلولا تجاوزك عن ذنوبهم كانوا من الهالكين، فأعطنا من منِّك الكثير الذي تعفو به عن ذنوبنا.. "يا غنيّ الأغنياء، ها نحن عبادك بين يديك، وأنا أفقر الفقراء إليك"، ما قيمة الأغنياء أمامك؟ وما هو حجم غناهم؟ فقد يملكون بعض المال أو بعض القوّة، أو ما إلى ذلك من شؤون الحياة الدّنيا الّتي قد تمنحهم حالة الاكتفاء الذّاتيّ التي يستغنون بها عن الآخرين، أو يحتاجهم الآخرون من خلالها.

أمَّا أنت ـ يا ربّ ـ فإنَّك الغنيّ المطلق الّذي لا تقترب منه الحاجة، لأنَّك الغنيّ بذاتك عن كلِّ الموجودات، بعد أن كانت كلّها مخلوقةً لك ومحتاجةً إليك، فإذا كان لبعض النَّاس بعض الغنى، فإنَّ لك الغنى كلّه.. ها نحن عبادك الَّذين عاشوا الحاجة إليك بكلِّ وجودهم، وتطلَّعوا إلى عطائك بعمق الحاجة الكامنة فيهم.

"فاجبُر فاقتنا بوسعك، ولا تقطع رجاءنا بمنعك، فتكون قد أشقيت من استسعد بك، وحرمت من استرفد فضلك، وإلى من حينئذٍ منقلبنا عنك، وإلى أين مذهبنا عن بابك؟". يا ربّ، أعطنا من رزقك الواسع رزقاً يسدّ كلَّ ثغرات حياتنا، ويطرد تهاويل الفاقة من أوضاعنا، ولا تمنعنا من عطائك، فتقطع رجاءنا إليك، فإنّنا نحيا بالأمل الكبير بك، وننفتح على آفاق اللّطف منك.

إنّنا ـ يا ربّ ـ نحسُّ بالسَّعادة في كلِّ مشاعرنا الّتي تهفو إليك، لأنَّك الّذي تهب لنا كلَّ عمق الإحساس بها فيما تغمرنا به من عطاياك، فإذا منعتنا ذلك، فإنّنا نعيش الحرمان من فضلك". [آفاق الرّوح، ج 1، ص 277 ـ 279].

اللّهمّ اجعلنا من المقبلين إليك، والرّاجين على الدّوام فضلك وعطفك ورحمتك، والسّاعين إلى مواطن السّعادة والقرب إليك.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

ونبقى في ظلال الصَّحيفة السّجاديَّة، حيث دعاء الإمام زين العابدين(ع)، الَّذي يسمو بالرّوح في آفاق الله والوجود، ويفتح مداركنا على كلّ مضمون ومعنى وقيمة تجعل من وجودنا وجوداً أصيلاً وحيّاً وفاعلاً. يقول(ع): "فسهِّل لنا عفوك بمنِّك، وأجِرْنا من عذابك بتجاوزك، فإنّه لا طاقة لنا بعدلك، ولا نجاة لأحدٍ منّا دون عفوك، يا غنيّ الأغنياء، ها نحن بين يديك، وأنا أفقر الفقراء إليك، فاجبُر فاقتنا بوسعك، ولا تقطع رجاءنا بمنعك، فتكون قد أشقيت منِ استسعد بك، وحرمت من استرفد فضلك، وإلى مَن حينئذٍ منقلبنا عنك، وإلى أين مذهبنا عن بابك".

أنت يا الله موضع توسُّل المتوسّلين، وأنت بعفوك ومنِّك، تتجاوز عن أخطائنا الكثيرة، ولولا رحمتك لكنّا من الهالكين، وأنت الّذي تنير دروبنا بالخير والبرّ والعطاء، وتأخذ بنا إلى ساحات النّور والعمل الصّالح، كي نتزوَّد من كلّ ذلك ونتقرّب منك. وعندما نعيش أجواء القرب منك، نتحسَّس كلَّ أجواء الحريّة والتحرّر من سطوة النّفس وقيودها. فعفوك يا الله لا يناله إلا المخلصون التّائبون العائدون إليك بكلّ محبّة ورضا وانفتاح ووعي.

وقد يملك المرء غنى المال والجاه والسّلطان، ولكنَّه لو أمعن التّفكير قليلاً، لوجد أنَّ ما يملكه، لا يساوي شيئاً أمام ملك الله وعظمته وغناه الَّذي وسع كلَّ شيء، فهو مالكنا ومالك السّموات والأرض، وهو الغنيّ عن العالمين، والخلق جميعاً عيال الله، وهم المحتاجون إلى رحمته، ومهما بلغ الخلق من قوّة، فسيظلّون ضعفاء صاغرين أمام جبروت الله وعظمته.

فلنسخِّر هذه القوَّة في سبيل الله في ساحات الجهاد والعمل النّافع لنا ولعيال الله، ولا نستعمل هذه القوّة في الظلم وتجاوز حقوق الله والنّاس، فنحن في كلّ وجودنا، الضّعفاء الذين نشعر بالحقارة أمام سلطانك يا ربّ، ونحن أفقر الفقراء إلى جودك وكرمك وتسديدك وتوفيقك في كلّ خطوة نخطوها، وما علينا سوى تصفية النيّات، وتنقية القلوب من الغلّ، والتطلّع الدّائم إلى وجهك الكريم.

اللّهمّ نتوجَّه إليك بالدّعاء لأن تمنَّ علينا بالرّزق الواسع الّذي يعيننا على قضاء حوائجنا دون مِنّةٍ من أحد، وأن تبعد عنّا الانكسار والفاقة، فأملنا دوماً بفضلك ورحمتك، ولا نشعر بأيّ سعادة إلا عندما تتوجَّه مشاعرنا وأحاسيسنا وقلوبنا إليك، ونعيش عمق الوجود والمعنى ونحن في ظلّك، فالحرمان من فضلك يعني الشّقاء والخسران المبين، فلا تحرمنا من الوقوف على بابك، لأنّك إذا حرمتنا، إلى من نلجأ؟!

وفي معرض شرحه لما تقدَّم من الدّعاء، يقول المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "فسهِّل لنا عفوك بمنّك، وأجرنا من عذابك بتجاوزك، فإنّه لا طاقة لنا بعدلِك، ولا نجاة لأحدٍ منا دون عفوك"، إنّنا نتوسَّل إليك أن يكون العفو عنّا أقرب إلى مشيئتك من عذابنا، لأنك المنَّان على خلقك، فكلّ خلقك يتقلّبون في منّك، وأنت المتجاوز عنهم، فلولا تجاوزك عن ذنوبهم كانوا من الهالكين، فأعطنا من منِّك الكثير الذي تعفو به عن ذنوبنا.. "يا غنيّ الأغنياء، ها نحن عبادك بين يديك، وأنا أفقر الفقراء إليك"، ما قيمة الأغنياء أمامك؟ وما هو حجم غناهم؟ فقد يملكون بعض المال أو بعض القوّة، أو ما إلى ذلك من شؤون الحياة الدّنيا الّتي قد تمنحهم حالة الاكتفاء الذّاتيّ التي يستغنون بها عن الآخرين، أو يحتاجهم الآخرون من خلالها.

أمَّا أنت ـ يا ربّ ـ فإنَّك الغنيّ المطلق الّذي لا تقترب منه الحاجة، لأنَّك الغنيّ بذاتك عن كلِّ الموجودات، بعد أن كانت كلّها مخلوقةً لك ومحتاجةً إليك، فإذا كان لبعض النَّاس بعض الغنى، فإنَّ لك الغنى كلّه.. ها نحن عبادك الَّذين عاشوا الحاجة إليك بكلِّ وجودهم، وتطلَّعوا إلى عطائك بعمق الحاجة الكامنة فيهم.

"فاجبُر فاقتنا بوسعك، ولا تقطع رجاءنا بمنعك، فتكون قد أشقيت من استسعد بك، وحرمت من استرفد فضلك، وإلى من حينئذٍ منقلبنا عنك، وإلى أين مذهبنا عن بابك؟". يا ربّ، أعطنا من رزقك الواسع رزقاً يسدّ كلَّ ثغرات حياتنا، ويطرد تهاويل الفاقة من أوضاعنا، ولا تمنعنا من عطائك، فتقطع رجاءنا إليك، فإنّنا نحيا بالأمل الكبير بك، وننفتح على آفاق اللّطف منك.

إنّنا ـ يا ربّ ـ نحسُّ بالسَّعادة في كلِّ مشاعرنا الّتي تهفو إليك، لأنَّك الّذي تهب لنا كلَّ عمق الإحساس بها فيما تغمرنا به من عطاياك، فإذا منعتنا ذلك، فإنّنا نعيش الحرمان من فضلك". [آفاق الرّوح، ج 1، ص 277 ـ 279].

اللّهمّ اجعلنا من المقبلين إليك، والرّاجين على الدّوام فضلك وعطفك ورحمتك، والسّاعين إلى مواطن السّعادة والقرب إليك.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية