كيف نواجه الإنسان المنحرف العاصي بالموعظة، عندما نريد إثارة الموقف في داخل نفسه في اتجاه الطّاعة؟ أو كيف نوجِّه الإنسان الّذي يريد أن يخطو نحو الإيمان من جديد؛ هل نلجأ إلى أسلوب الترغيب الذي يتمثل في الثقة برحمة الله التي وسعت غضبه، والأمل في العفو عن الذّنب الذي حدث أو الذي سيحدث في المستقبل، أو نلجأ إلى أسلوب الترهيب الذي يتمثل في وعيد الله وتهديده للعاصين والمتمرّدين والفاسقين الّذين تجاوزوا الحدّ في عصيانهم وطغيانهم؟
في الأساليب القرآنيّة، نواجه الأسلوبين معاً، فهناك النداءات الإلهيّة التي تدعو المذنبين إلى التوبة والاستغفار والدّعاء ليغفر لهم الله كلّ شيء، فيما عدا الإشراك بالله، وليحقّق لهم كلّ شيء في حدود مصلحتهم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزّمر: 53].
ـ {إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النّساء: 48]...
وهناك الآيات التي تتحدّث عن رحمة الله تعالى الّتي وسعت كلّ شيء، وأنّ الله سيكتبها للّذين يسيرون في الطريق الحق: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام: 147]...
{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: 156]...
وهناك ـ في مقابل ذلك ـ الآيات الّتي تتحدّث عن يوم القيامة وأهواله، وغضب الله وعذابه، في جوّ ترتعد فيه الفرائص، ويشيع منه الرّعب في كيان الإنسان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ...}[الحج: 1 -2].
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ الله مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس: 27].
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ* يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}[الحاقّة: 25-27].
أمّا الجواب عن السؤال، فهو أننا نتبنى كِلا الأسلوبين،كما جاء القرآن بذلك، ولكن بالطريقة القرآنية التي انطلقت ـ في كِلا المجالين ـ بشكل متوازن، فقد تحدّثت بأسلوب الترهيب والوعيد بالعذاب إزاء حالات التمرد مع الذي لا يتراجع ولا يتنازل عن موقفه، حتى يلاقي الله على هذه الحالة، وتتحدث بأسلوب الترغيب والوعد بالثّواب والعفو والمغفرة، إزاء حالات الانفتاح الرّوحيّ على الله... الحالة الأولى، حاولت أن تفتح للإنسان بصيصاً من النور، يفتح له باب الأمل، كما حاولت الثّانية أن توقفه أمام بعض المواقع التي تثير إحساسه بالخطر إزاء حالة الانحراف الطارئة، ليبقى الإنسان متوازناً بين الحالات التي تواجهه، لئلّا يسلمه الموقف إلى القنوط في حال إغلاق جميع النوافذ عليه، ولئلّا يدعوه الموقف إلى التساهل واللامبالاة بالمعصية في حال مواجهته بالأمل الكبير الواسع بغفران كلّ شيء، وبهذا يتحقّق التوازن في الموقف الذي يتحرك في اتجاه إتقان العمل وتركيزه في حالة نفسية متوازنة بين الخوف والرجاء...
وعلى ضوء ذلك، فإنّ علينا أن ندقّق في الأسلوب الوعظيّ، ليكون منسجماً مع الأسلوب القرآني الّذي واجه الحالات النفسية من خلال نقاط الضّعف والقوّة، في إطار الظروف الموضوعية التي يعيشها الشّخص في حياته العمليّة، لئلا يطلق الكلمة في أسلوب عشوائيّ يضع الخوف في موضع الرّجاء، أو يضع الرّجاء في موضع الخوف، فيختل التوازن الروحي والعملي، فيكون الانحراف في الموقف أو التّعقيد فيه نتيجة لذلك...[من كتاب "خطوات على طريق الإسلام"، ص 269].
كيف نواجه الإنسان المنحرف العاصي بالموعظة، عندما نريد إثارة الموقف في داخل نفسه في اتجاه الطّاعة؟ أو كيف نوجِّه الإنسان الّذي يريد أن يخطو نحو الإيمان من جديد؛ هل نلجأ إلى أسلوب الترغيب الذي يتمثل في الثقة برحمة الله التي وسعت غضبه، والأمل في العفو عن الذّنب الذي حدث أو الذي سيحدث في المستقبل، أو نلجأ إلى أسلوب الترهيب الذي يتمثل في وعيد الله وتهديده للعاصين والمتمرّدين والفاسقين الّذين تجاوزوا الحدّ في عصيانهم وطغيانهم؟
في الأساليب القرآنيّة، نواجه الأسلوبين معاً، فهناك النداءات الإلهيّة التي تدعو المذنبين إلى التوبة والاستغفار والدّعاء ليغفر لهم الله كلّ شيء، فيما عدا الإشراك بالله، وليحقّق لهم كلّ شيء في حدود مصلحتهم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزّمر: 53].
ـ {إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النّساء: 48]...
وهناك الآيات التي تتحدّث عن رحمة الله تعالى الّتي وسعت كلّ شيء، وأنّ الله سيكتبها للّذين يسيرون في الطريق الحق: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام: 147]...
{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: 156]...
وهناك ـ في مقابل ذلك ـ الآيات الّتي تتحدّث عن يوم القيامة وأهواله، وغضب الله وعذابه، في جوّ ترتعد فيه الفرائص، ويشيع منه الرّعب في كيان الإنسان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ...}[الحج: 1 -2].
{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ الله مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس: 27].
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ* يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}[الحاقّة: 25-27].
أمّا الجواب عن السؤال، فهو أننا نتبنى كِلا الأسلوبين،كما جاء القرآن بذلك، ولكن بالطريقة القرآنية التي انطلقت ـ في كِلا المجالين ـ بشكل متوازن، فقد تحدّثت بأسلوب الترهيب والوعيد بالعذاب إزاء حالات التمرد مع الذي لا يتراجع ولا يتنازل عن موقفه، حتى يلاقي الله على هذه الحالة، وتتحدث بأسلوب الترغيب والوعد بالثّواب والعفو والمغفرة، إزاء حالات الانفتاح الرّوحيّ على الله... الحالة الأولى، حاولت أن تفتح للإنسان بصيصاً من النور، يفتح له باب الأمل، كما حاولت الثّانية أن توقفه أمام بعض المواقع التي تثير إحساسه بالخطر إزاء حالة الانحراف الطارئة، ليبقى الإنسان متوازناً بين الحالات التي تواجهه، لئلّا يسلمه الموقف إلى القنوط في حال إغلاق جميع النوافذ عليه، ولئلّا يدعوه الموقف إلى التساهل واللامبالاة بالمعصية في حال مواجهته بالأمل الكبير الواسع بغفران كلّ شيء، وبهذا يتحقّق التوازن في الموقف الذي يتحرك في اتجاه إتقان العمل وتركيزه في حالة نفسية متوازنة بين الخوف والرجاء...
وعلى ضوء ذلك، فإنّ علينا أن ندقّق في الأسلوب الوعظيّ، ليكون منسجماً مع الأسلوب القرآني الّذي واجه الحالات النفسية من خلال نقاط الضّعف والقوّة، في إطار الظروف الموضوعية التي يعيشها الشّخص في حياته العمليّة، لئلا يطلق الكلمة في أسلوب عشوائيّ يضع الخوف في موضع الرّجاء، أو يضع الرّجاء في موضع الخوف، فيختل التوازن الروحي والعملي، فيكون الانحراف في الموقف أو التّعقيد فيه نتيجة لذلك...[من كتاب "خطوات على طريق الإسلام"، ص 269].