هناك ملاحظة لا بدَّ من الانتباه إليها، وهي أنّ للخطابِ الثّوري هدفين:
ــــ الهدف الأوّل: مواجهة التحدّيات الصّعبة التي يثيرها أعداء الإسلام من الكافرين والمستكبرين، وذلك بالأسلوب القويّ الفعَّال، فيما يمكن أن يحقِّقه من ضغطٍ نفسيّ وواقعيّ عليهم، للإيحاء المستمرّ بأنَّ الإسلام الذي يؤكِّد على الرّفق في تخطيطه العملي، لا يمتنع من تحويل الموقف إلى أعلى درجة من العنف السياسي والجهادي عندما يتحرك الآخرون ضده، في دوامة العنف التي يثيرونها في ساحته.
ــــ الهدف الثاني: إيجاد حالة تعبويّة في داخل الوعي الذاتي للإنسان المسلم، في العناوين السياسيّة الكبيرة، فيما يحتاج إلى إثارة الشّعور وتحريك الانفعال، وإسقاط الهيبة للأقوياء من نفوس المستضعفين، وتحطيم عنصر الخوف في وعي الأمَّة، وإثارة الحماس في مواجهة الظّلم والظالمين، وغير ذلك من الأمور التي تفرض تثقيف الأمّة في مراحلها الثوريّة الأولى، لتزداد بذلك قوّة في مشاعرها، فتتحوّل إلى قوّة في مواقفها. وهذا هو الذي ينبغي التّخطيط له في تربية العاطفة، وتقوية الشّعور.
ولعلَّ من الطبيعيّ أن يلتقي هذا الأسلوب ببعض السلبيّات التي تحيط بالموقف، عندما ينحرف الانفعال بالإنسان عن خطّ التوازن، وتلتقي العاطفة ببعض الانهيارات في المواقف.. ولكنّ الإيجابيات الإسلامية السياسية في عمق التعبئة التي تملأ العقل والوجدان والشعور والحركة بالكثير من أسباب التوتّر، ووسائل القوّة، تزيد عن حجم السلبيات...
إنّ المطروح في الساحة الإسلاميّة المعاصرة، هو تغيير الذّهنيّة الإسلاميّة من كلّ خضوع للقوة المهيمنة المستكبرة الكافرة في العالم، مما يعتبره الناس قضاءً وقدراً لا يستطيعون الفكاك منه، انطلاقاً من القوَّة الماديّة الضَّاغطة التي تملكها في مواجهة المستضعفين. ولا بدَّ من التخطيط لذلك بإثارة الفكرة الّتي توحي بنقاط الضّعف لدى المستكبرين، في مقابل نقاط القوّة لدى المستضعفين، وبترديد الشِّعار الذي يسقط هيبة هؤلاء في النفوس، حتى لا يتصوَّرهم إلّا في مواقع السقوط والانحطاط، وبممارسة بعض الأوضاع التي تؤكِّد ذلك...
وإذا كان بعض الناس يثير الفكرة التي تقول بأن الموقف سوف يتحوّل إلى حالةٍ انتفاخيّة لا تلبث أن تزول وتذوب، فإنَّ الردّ عليه، هو أنَّ من أهداف الإسلام، تحرير الإنسان من الدّاخل، في عمليّة هزَّة روحيّةٍ تربطه بمصدر القوَّة، وتريه حركة القوة الإلهيّة في الكون، ليخفِّف من تأثير المتألهين في ذواتهم، المسيطرين على حركة القوّة الماديّة المباشرة المتحركة في عالم الحسّ، الذين يعملون على تأكيد قوّتهم في الواقع النفسي للنَّاس، حتى يشلّوا حركتهم من أيّ تحرّك مضادّ، الأمر الذي يفرض مواجهةً قويّةً متعدّدة الوجوه، لتفريغ الروحيّة الإنسانيّة للإنسان المسلم من أيّ شعور بالخوف من هؤلاء، حتى يملك إرادته الحرّة في اتخاذ قراراته المستقلّة المنسجمة مع خطّ الإسلام الّذي يريد له الله أن يتحرَّك فيه ليصل إلى رضوانه...
وهذا ما درج عليه الأسلوب القرآنيّ في تصوير المستكبرين في مواقع ضعفهم، وفي التّأكيد على عظمة الله القاهر فوق عباده، القادر على كلِّ شيء، والمهيمن على الأمر كلِّه، والكافي من كلّ أحد ولا يكفي منه أحد، والمتحرّك في خطِّ الإيحاء بأنَّ الله مع الذين اتقوا والّذين هم محسنون {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحجّ: 73]، إلى غير ذلك مما تتنّوع فيه الأساليب في الحديث عن الله في مواقع عظمته المطلقة في الكون، حتى يتحوَّل الإيحاء إلى الحديث عن المواقف العمليّة للقوّة الروحيّة الإيمانيّة في موقف الأنبياء الرافض للخضوع للخوف الذي يفرضه المستكبرون عليهم، ذلك فيما حدثنا الله به عن موقف النبيّ محمد(ص) ليلة الهجرة، وذلك في قوله تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التّوبة: 40].
وقوله تعالى: في الحديث عن المؤمنين الّذين تحاول الدعاية المضادّة أن تهزمهم نفسياً من خلال الإيحاء بالقوَّة المسيطرة على الوضع العام: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ* إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 173 ــــ 175].
فإننا نلاحظ أن القرآن الكريم قد صوَّر المسألة على صعيد الواقع العمليّ، كتجربةٍ حيّةٍ فاعلة، أعطت نتائجها الإيجابيّة على أساس الإرادة القويّة المنفعلة بإيمانها، المنفتحة على الله، الثابتة في مواقفها، البعيدة عن الاهتزاز، المتمرّدة على الخوف، الأمر الذي جعل النبي(ص) والمؤمنين يأخذونه بأسباب القوّة الداخليّة، لتتحوّل إلى موقع متقدّم من حركة القوّة في حياتها، ليكونوا بذلك أهلاً لكرامة الله، في الحصول على رضاه، وفي الأخذ بألطاف القوَّة منه.
وهذا خطّ إيحائيّ يدعو المؤمنين إلى استلهام التجربة الحيّة لمن سبقوهم بالإيمان المتحرّك في ساحة الصّراع، لينطلقوا من خلاله في التفكير بواقعيّة الحالة الروحيّة للتحرّك في مواقع القوّة العمليّة.
*من كتاب "الحركة الإسلاميّة ما لها وما عليها"، ص 22-25.
هناك ملاحظة لا بدَّ من الانتباه إليها، وهي أنّ للخطابِ الثّوري هدفين:
ــــ الهدف الأوّل: مواجهة التحدّيات الصّعبة التي يثيرها أعداء الإسلام من الكافرين والمستكبرين، وذلك بالأسلوب القويّ الفعَّال، فيما يمكن أن يحقِّقه من ضغطٍ نفسيّ وواقعيّ عليهم، للإيحاء المستمرّ بأنَّ الإسلام الذي يؤكِّد على الرّفق في تخطيطه العملي، لا يمتنع من تحويل الموقف إلى أعلى درجة من العنف السياسي والجهادي عندما يتحرك الآخرون ضده، في دوامة العنف التي يثيرونها في ساحته.
ــــ الهدف الثاني: إيجاد حالة تعبويّة في داخل الوعي الذاتي للإنسان المسلم، في العناوين السياسيّة الكبيرة، فيما يحتاج إلى إثارة الشّعور وتحريك الانفعال، وإسقاط الهيبة للأقوياء من نفوس المستضعفين، وتحطيم عنصر الخوف في وعي الأمَّة، وإثارة الحماس في مواجهة الظّلم والظالمين، وغير ذلك من الأمور التي تفرض تثقيف الأمّة في مراحلها الثوريّة الأولى، لتزداد بذلك قوّة في مشاعرها، فتتحوّل إلى قوّة في مواقفها. وهذا هو الذي ينبغي التّخطيط له في تربية العاطفة، وتقوية الشّعور.
ولعلَّ من الطبيعيّ أن يلتقي هذا الأسلوب ببعض السلبيّات التي تحيط بالموقف، عندما ينحرف الانفعال بالإنسان عن خطّ التوازن، وتلتقي العاطفة ببعض الانهيارات في المواقف.. ولكنّ الإيجابيات الإسلامية السياسية في عمق التعبئة التي تملأ العقل والوجدان والشعور والحركة بالكثير من أسباب التوتّر، ووسائل القوّة، تزيد عن حجم السلبيات...
إنّ المطروح في الساحة الإسلاميّة المعاصرة، هو تغيير الذّهنيّة الإسلاميّة من كلّ خضوع للقوة المهيمنة المستكبرة الكافرة في العالم، مما يعتبره الناس قضاءً وقدراً لا يستطيعون الفكاك منه، انطلاقاً من القوَّة الماديّة الضَّاغطة التي تملكها في مواجهة المستضعفين. ولا بدَّ من التخطيط لذلك بإثارة الفكرة الّتي توحي بنقاط الضّعف لدى المستكبرين، في مقابل نقاط القوّة لدى المستضعفين، وبترديد الشِّعار الذي يسقط هيبة هؤلاء في النفوس، حتى لا يتصوَّرهم إلّا في مواقع السقوط والانحطاط، وبممارسة بعض الأوضاع التي تؤكِّد ذلك...
وإذا كان بعض الناس يثير الفكرة التي تقول بأن الموقف سوف يتحوّل إلى حالةٍ انتفاخيّة لا تلبث أن تزول وتذوب، فإنَّ الردّ عليه، هو أنَّ من أهداف الإسلام، تحرير الإنسان من الدّاخل، في عمليّة هزَّة روحيّةٍ تربطه بمصدر القوَّة، وتريه حركة القوة الإلهيّة في الكون، ليخفِّف من تأثير المتألهين في ذواتهم، المسيطرين على حركة القوّة الماديّة المباشرة المتحركة في عالم الحسّ، الذين يعملون على تأكيد قوّتهم في الواقع النفسي للنَّاس، حتى يشلّوا حركتهم من أيّ تحرّك مضادّ، الأمر الذي يفرض مواجهةً قويّةً متعدّدة الوجوه، لتفريغ الروحيّة الإنسانيّة للإنسان المسلم من أيّ شعور بالخوف من هؤلاء، حتى يملك إرادته الحرّة في اتخاذ قراراته المستقلّة المنسجمة مع خطّ الإسلام الّذي يريد له الله أن يتحرَّك فيه ليصل إلى رضوانه...
وهذا ما درج عليه الأسلوب القرآنيّ في تصوير المستكبرين في مواقع ضعفهم، وفي التّأكيد على عظمة الله القاهر فوق عباده، القادر على كلِّ شيء، والمهيمن على الأمر كلِّه، والكافي من كلّ أحد ولا يكفي منه أحد، والمتحرّك في خطِّ الإيحاء بأنَّ الله مع الذين اتقوا والّذين هم محسنون {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحجّ: 73]، إلى غير ذلك مما تتنّوع فيه الأساليب في الحديث عن الله في مواقع عظمته المطلقة في الكون، حتى يتحوَّل الإيحاء إلى الحديث عن المواقف العمليّة للقوّة الروحيّة الإيمانيّة في موقف الأنبياء الرافض للخضوع للخوف الذي يفرضه المستكبرون عليهم، ذلك فيما حدثنا الله به عن موقف النبيّ محمد(ص) ليلة الهجرة، وذلك في قوله تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التّوبة: 40].
وقوله تعالى: في الحديث عن المؤمنين الّذين تحاول الدعاية المضادّة أن تهزمهم نفسياً من خلال الإيحاء بالقوَّة المسيطرة على الوضع العام: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ* إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 173 ــــ 175].
فإننا نلاحظ أن القرآن الكريم قد صوَّر المسألة على صعيد الواقع العمليّ، كتجربةٍ حيّةٍ فاعلة، أعطت نتائجها الإيجابيّة على أساس الإرادة القويّة المنفعلة بإيمانها، المنفتحة على الله، الثابتة في مواقفها، البعيدة عن الاهتزاز، المتمرّدة على الخوف، الأمر الذي جعل النبي(ص) والمؤمنين يأخذونه بأسباب القوّة الداخليّة، لتتحوّل إلى موقع متقدّم من حركة القوّة في حياتها، ليكونوا بذلك أهلاً لكرامة الله، في الحصول على رضاه، وفي الأخذ بألطاف القوَّة منه.
وهذا خطّ إيحائيّ يدعو المؤمنين إلى استلهام التجربة الحيّة لمن سبقوهم بالإيمان المتحرّك في ساحة الصّراع، لينطلقوا من خلاله في التفكير بواقعيّة الحالة الروحيّة للتحرّك في مواقع القوّة العمليّة.
*من كتاب "الحركة الإسلاميّة ما لها وما عليها"، ص 22-25.