كتابات
28/03/2018

تنظيم الحوزة العلميّة ودور الفقهاء

تنظيم الحوزة العلميّة ودور الفقهاء

إنّنا نعتقد أنَّ الحوزة العلميّة لا تمثّل الموقع العلميّ الّذي يواجه حاجات العصر وتحدّياته، لأنَّ المناهج المطروحة في الحوزة، بحسب خطّها الدّراسيّ، لا تزيد عن الفقه والأصول... فقد نُفاجأ بأنّ الحوزة العلميّة، سواء في النّجف أو في قمّ، وفي غيرهما، لا تملك منهجاً دراسيّاً إلزاميّاً للقرآن، أو للحديث، أو لعلم الكلام، أو للفلسفة، أو للمفاهيم الإسلاميّة العامّة، أو لما يتّصل بأساليب الدّعوة، أو ما إلى ذلك من القضايا الّتي تتّصل بثقافة الإنسان الفقيه الدّاعية المبلّغ، الّذي يمكن أن يكون حجّةً للإسلام في ثقافته الإسلاميَّة الواسعة. ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ الحوزات لا تخضع حتّى الآن للمناهج التقويميّة للطّالب، سواء في مسألة الامتحان، أو ما أشبه ذلك من أساليب النّتائج الأخيرة عند الطّالب عندما يريد أن يتخرّج، فالطالب يمكن أن يتخرّج بعد سنتين، ويذهب إلى بلاده ليعتبر عالماً، وقد يسيء إلى الإسلام كلِّه في هذا المجال، وقد يدخل إنسان غير مؤهَّل للمسألة، فيكون مشكلة للإسلام.

لذلك، فإنّنا نتصوَّر أنّ الحوزة تمثّل في مناهجها الدراسيّة، كما تمثّل في طبيعتها التنظيميّة، مرحلة ما قبل مائتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة سنة، ولا تمثِّل مرحلة العصر الّذي تقدَّمت فيه المناهج والأساليب التربويّة خطوات واسعة، اختصرت على الطالب كثيراً من عمره، حيث قرّبت المسافات بين الحاجة والنّتائج، وبين الحاجة وما يلبّي هذه الحاجة... ولذلك، فإنّنا نرى، مثلاً، أنّ المنهج الأوروبّيّ في التّدريس كان معقّداً سابقاً، وكذلك المنهج الأمريكيّ، ولكنّ هذه المناهج تطوَّرت، حيث بات بإمكان الإنسان أن يحصل على شهادة الدّكتوراه في أقرب وقت، بينما كانت المسألة سابقاً تحتاج إلى سنين متعدّدة.

نحن لا نريد أن نقول إنّ علينا أن نتبع المناهج الحديثة ونترك مناهجنا، ولكن نقول إنّ علينا أن نقوم بدراسةٍ نأخذ فيها من التطوّرات الحديثة، على مستوى المنهج والموادّ الفكريّة الّتي تتّصل بالثقافة الإسلاميّة، وعلى مستوى طبيعة التّنظيم، في مسألة دخول الطّالب إلى الحوزة، وفي حياته داخل الحوزة، وفي تخرّجه من الحوزة. إنّنا نحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ في هذا المجال، ولا أتصوّر أنَّ هناك حركةً تنطلق الآن في الحوزة العلميّة في بعض هذه الأمور الّتي أثرناها. إنّ هناك نوعاً من إمكانات النَّجاح، ولكن بشكل عاقل هادئ، ونرجو أن يقدَّر لهذه التَّجارب المزيد من النَّجاح...

إنَّني أتصوَّر أنّ الفقيه لا يستطيع في المرحلة الحاضرة أن يعيش خارج نطاق عصره، باعتبار أنَّ قضايا العصر، حتى في المسألة الفقهيّة، تمثّل موضوعات الأحكام الّتي يحتاج المجتهد إلى أن يستنبطها، وإلى أن يحدِّدها كمنهج إسلاميّ في الحياة.. ولذلك، فإنَّ الفقهاء لا بدّ من أن يواجهوا الأسئلة الكثيرة من قِبَل مقلّديهم حول القضايا السياسيّة، وحول الموقف من قضايا الانتخاب، ومن قضايا العلاقة مع الحاكم الجائر، أو من خلال مسائل الجهاد، مما لا يمكن أن يجيبوا عنه بجواب سريع، على الطّريقة التي كانوا يجيبون عنها في الماضي، باعتبار أنّ حياة الناس المعاصرة ارتبطت ارتباطاً عضوياً يوميّاً بكلّ الواقع المعاش، وأصبحت مسألة الكيان الإسلامي، والكيان الشّيعيّ بشكلٍ خاصّ، في نموّه وتطوّره وحيويّته وعزّته، ترتبط بطبيعة العلاقات مع هذا النّظام أو ذاك، ومع هذا المحور الدّوليّ أو ذاك، مما لا يمكن أن يكون الجواب فيه سلبيّاً بالمطلق، كما كانت المسألة في العصور الماضية. لذلك، فإنَّ الفقيه، حتى في دائرته الفقهيّة، لا يستطيع أن يبتعد عن قضايا العصر، وإلّا كان معزولاً عن مسألة الاجتهاد، لتكون أكثر القضايا الّتي يعيشها النّاس لا يملك عليها جواباً، لأنّه لا يملك معرفة فيها. وبذلك، ينعدم دوره كمرجع، حتى في المسائل الفقهيّة.

ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ طبيعة التزام الفقهاء بالإسلام، تطلّ على كلّ قضايا الحياة، كما هو الفقه الإسلاميّ الّذي يجتهد فيه المجتهدون، والذي يشمل كلَّ نواحي الحياة، باعتبار القاعدة الموجودة عندهم: "ما من واقعة إلّا ولله فيها حكم"، ما يفرض عليهم الاهتمام بالجانب الواقعيّ للفقه، كاهتمامهم بالجانب النظريّ له، لأنَّ الفقه يُحرّك من أجل أن يعيش في الواقع، لا من أجل أن يبقى مجرّد نظريّات بائدة، تدرس كما تدرس القوانين الرومانية، وما إلى ذلك من القوانين.

إنّ الفرق بين الفقيه الإسلامي والفقيه غير الإسلامي، أنَّ الفقيه الإسلامي يعيش الحركيّة في طبيعة فقهه، بينما ينطلق الفقهاء الآخرون، ليعيشوا الجانب الثّقافي والنظريّ في مسألتهم الفقهيّة.

أنا لا أمانع التخصّص في الفقه بالمعنى الثّقافي، ولكنّني أجد أنّ هذا التخصّص لا ينفصل عن الوعي السياسي والوعي الاجتماعي الّذي يحتاجه الفقيه من أجل أن يبلور فتاواه أكثر، ومن أجل أن يبلور فهمه لخلفيّات الأسئلة الّتي يتحرّك فيها السّائلون، لأن السائل قد ينطلق من خلفيّة معيّنة، لا تستطيع الجواب فيها عن سؤال إلّا إذا فهمت الخلفيّة، لأنَّ فهم الخلفيّة قد يفرض فهم حركة السّؤال.

[من حوار مع العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، حاوره: أبو سليم الحسني، مجلّة البلاد اللّبنانية، العدد: 17، تاريخ: 1994].

إنّنا نعتقد أنَّ الحوزة العلميّة لا تمثّل الموقع العلميّ الّذي يواجه حاجات العصر وتحدّياته، لأنَّ المناهج المطروحة في الحوزة، بحسب خطّها الدّراسيّ، لا تزيد عن الفقه والأصول... فقد نُفاجأ بأنّ الحوزة العلميّة، سواء في النّجف أو في قمّ، وفي غيرهما، لا تملك منهجاً دراسيّاً إلزاميّاً للقرآن، أو للحديث، أو لعلم الكلام، أو للفلسفة، أو للمفاهيم الإسلاميّة العامّة، أو لما يتّصل بأساليب الدّعوة، أو ما إلى ذلك من القضايا الّتي تتّصل بثقافة الإنسان الفقيه الدّاعية المبلّغ، الّذي يمكن أن يكون حجّةً للإسلام في ثقافته الإسلاميَّة الواسعة. ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ الحوزات لا تخضع حتّى الآن للمناهج التقويميّة للطّالب، سواء في مسألة الامتحان، أو ما أشبه ذلك من أساليب النّتائج الأخيرة عند الطّالب عندما يريد أن يتخرّج، فالطالب يمكن أن يتخرّج بعد سنتين، ويذهب إلى بلاده ليعتبر عالماً، وقد يسيء إلى الإسلام كلِّه في هذا المجال، وقد يدخل إنسان غير مؤهَّل للمسألة، فيكون مشكلة للإسلام.

لذلك، فإنّنا نتصوَّر أنّ الحوزة تمثّل في مناهجها الدراسيّة، كما تمثّل في طبيعتها التنظيميّة، مرحلة ما قبل مائتين أو ثلاثمائة أو أربعمائة سنة، ولا تمثِّل مرحلة العصر الّذي تقدَّمت فيه المناهج والأساليب التربويّة خطوات واسعة، اختصرت على الطالب كثيراً من عمره، حيث قرّبت المسافات بين الحاجة والنّتائج، وبين الحاجة وما يلبّي هذه الحاجة... ولذلك، فإنّنا نرى، مثلاً، أنّ المنهج الأوروبّيّ في التّدريس كان معقّداً سابقاً، وكذلك المنهج الأمريكيّ، ولكنّ هذه المناهج تطوَّرت، حيث بات بإمكان الإنسان أن يحصل على شهادة الدّكتوراه في أقرب وقت، بينما كانت المسألة سابقاً تحتاج إلى سنين متعدّدة.

نحن لا نريد أن نقول إنّ علينا أن نتبع المناهج الحديثة ونترك مناهجنا، ولكن نقول إنّ علينا أن نقوم بدراسةٍ نأخذ فيها من التطوّرات الحديثة، على مستوى المنهج والموادّ الفكريّة الّتي تتّصل بالثقافة الإسلاميّة، وعلى مستوى طبيعة التّنظيم، في مسألة دخول الطّالب إلى الحوزة، وفي حياته داخل الحوزة، وفي تخرّجه من الحوزة. إنّنا نحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ في هذا المجال، ولا أتصوّر أنَّ هناك حركةً تنطلق الآن في الحوزة العلميّة في بعض هذه الأمور الّتي أثرناها. إنّ هناك نوعاً من إمكانات النَّجاح، ولكن بشكل عاقل هادئ، ونرجو أن يقدَّر لهذه التَّجارب المزيد من النَّجاح...

إنَّني أتصوَّر أنّ الفقيه لا يستطيع في المرحلة الحاضرة أن يعيش خارج نطاق عصره، باعتبار أنَّ قضايا العصر، حتى في المسألة الفقهيّة، تمثّل موضوعات الأحكام الّتي يحتاج المجتهد إلى أن يستنبطها، وإلى أن يحدِّدها كمنهج إسلاميّ في الحياة.. ولذلك، فإنَّ الفقهاء لا بدّ من أن يواجهوا الأسئلة الكثيرة من قِبَل مقلّديهم حول القضايا السياسيّة، وحول الموقف من قضايا الانتخاب، ومن قضايا العلاقة مع الحاكم الجائر، أو من خلال مسائل الجهاد، مما لا يمكن أن يجيبوا عنه بجواب سريع، على الطّريقة التي كانوا يجيبون عنها في الماضي، باعتبار أنّ حياة الناس المعاصرة ارتبطت ارتباطاً عضوياً يوميّاً بكلّ الواقع المعاش، وأصبحت مسألة الكيان الإسلامي، والكيان الشّيعيّ بشكلٍ خاصّ، في نموّه وتطوّره وحيويّته وعزّته، ترتبط بطبيعة العلاقات مع هذا النّظام أو ذاك، ومع هذا المحور الدّوليّ أو ذاك، مما لا يمكن أن يكون الجواب فيه سلبيّاً بالمطلق، كما كانت المسألة في العصور الماضية. لذلك، فإنَّ الفقيه، حتى في دائرته الفقهيّة، لا يستطيع أن يبتعد عن قضايا العصر، وإلّا كان معزولاً عن مسألة الاجتهاد، لتكون أكثر القضايا الّتي يعيشها النّاس لا يملك عليها جواباً، لأنّه لا يملك معرفة فيها. وبذلك، ينعدم دوره كمرجع، حتى في المسائل الفقهيّة.

ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ طبيعة التزام الفقهاء بالإسلام، تطلّ على كلّ قضايا الحياة، كما هو الفقه الإسلاميّ الّذي يجتهد فيه المجتهدون، والذي يشمل كلَّ نواحي الحياة، باعتبار القاعدة الموجودة عندهم: "ما من واقعة إلّا ولله فيها حكم"، ما يفرض عليهم الاهتمام بالجانب الواقعيّ للفقه، كاهتمامهم بالجانب النظريّ له، لأنَّ الفقه يُحرّك من أجل أن يعيش في الواقع، لا من أجل أن يبقى مجرّد نظريّات بائدة، تدرس كما تدرس القوانين الرومانية، وما إلى ذلك من القوانين.

إنّ الفرق بين الفقيه الإسلامي والفقيه غير الإسلامي، أنَّ الفقيه الإسلامي يعيش الحركيّة في طبيعة فقهه، بينما ينطلق الفقهاء الآخرون، ليعيشوا الجانب الثّقافي والنظريّ في مسألتهم الفقهيّة.

أنا لا أمانع التخصّص في الفقه بالمعنى الثّقافي، ولكنّني أجد أنّ هذا التخصّص لا ينفصل عن الوعي السياسي والوعي الاجتماعي الّذي يحتاجه الفقيه من أجل أن يبلور فتاواه أكثر، ومن أجل أن يبلور فهمه لخلفيّات الأسئلة الّتي يتحرّك فيها السّائلون، لأن السائل قد ينطلق من خلفيّة معيّنة، لا تستطيع الجواب فيها عن سؤال إلّا إذا فهمت الخلفيّة، لأنَّ فهم الخلفيّة قد يفرض فهم حركة السّؤال.

[من حوار مع العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، حاوره: أبو سليم الحسني، مجلّة البلاد اللّبنانية، العدد: 17، تاريخ: 1994].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية