لقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة في أجلٍ موقوت، وعمر محدود: {كلّ نفسٍ ذائقةُ
الموت}[آل عمران: 185]. {إنّك ميّت وإنّهم ميّتون} [الزّمر: 30].{ولن يؤخّر الله
نفساً إذا جاء أجله} [المنافقون: 11].
فالحياة رحلة تبدأ من الولادة، لتتحرّك في خطوات العمر في حركةٍ مفتوحةٍ على كلّ
الأيام، ولتثقلها الأعوام التي تتراكم عليها في امتداد الدّهر، وتمضي بالإنسان
خطواته التي يأكل فيها في كلّ يوم قطعةً من عمره، حتى يستنفد المائدة التي وضعها
الله بين يديه كلّها، في تعب مجهدٍ، وإرهاقٍ موجعٍ، لتنتهي بالموت الذي تنتهي به
مدّة العمل، الذي كان يمثّل حركة المسؤوليّة في وجوده ودوره الذي أعدَّه الله له،
ليواجه ـ بعد الموت ـ نتائج المسؤوليّة في الثواب الذي جعله الله للمحسنين من عباده
لما عملوه من خير، وفي العقاب الذي توعَّد به المسيئين منهم لما عملوه من شرّ، وذلك
في الموقف الحقّ، يوم يقوم الناس لربّ العالمين، ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا،
ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وذلك هو الذي يجعل للحياة هدفاً، ويخرج خلق الإنسان من
العبثيّة، فهناك ساحة للعمل في الدنيا، وهناك ساحة للنتائج الحسنة أو السيّئة في
الآخرة، وذلك هو خطّ العدل الإلهيّ الذي يعطي كلّ إنسان من عباده حقّه، بما جعله له
من الحقّ في الطاعة، ويحمّل كلّ واحد منهم مسؤوليّته بما له عليه من الحقّ، من خلال
طبيعة معنى العبوديّة، ومما أراده الله منه من البُعد عن المعصية.
إنّه الربُّ الذي ارتفعت أسماؤه إلى أعلى الدّرجات من العظمة، فلا ينالها سوء، ولا
يقترب منها نقص، فهي الطاهرة المنـزَّهة عن كلّ دنس...
وهو الذي تتابعت نعمه وتكاثرت وظهرت في معناها المنفتح بالخير على كلّ الموجودات،
وهو الربّ الذي لا يبلغ العباد ـ مهما فكّروا وبحثوا ـ سرّ أفعاله، وحكمة قضائه
وقدره، لأنهم لا يملكون وسيلة المعرفة في شؤون ذاته في أسرارها الخفيّة، وآفاقها
المطلقة غير المحدودة، ولا يحقّ لهم أن يسألوه عن فعله لِمَ فعلَه، لأنّ السؤال
يختزن في داخله حقّ السائل في معرفة خلفيات عمل المسؤول، أو في محاولة الوصول إلى
سرّه، أو في قابليّة الفعل للحكم عليه بالخطأ أو الصواب تبعاً لما ينكشف من طبيعته،
مما قد يستتبع المدح أو الذمّ، وهو أمر لا مجال له في موقع الخالق ومقامه لدى
المخلوق.
فهو الله الذي يملك المخلوق كلّه، فلا حقّ له في معرفة تفاصيل ما يفعله به أو
ببقيّة مخلوقاته، بحيث يُعدُّ الامتناع عن الإجابة قبيحاً، لأنّه لا يملك حقّ
الاعتراض على أيّ شيء من ذلك، بعد أن كان الإيمان بالله الواحد الحكيم القدير
القاهر فوق عباده العادل، يوحي بالحكمة في كلّ أفعاله، وبالعدل في كلّ قضائه وقدره،
لأنّ العبث مستحيل عليه بفعل كمال ذاته، ولأنّ الظّلم مستحيل عليه بفعل الغنى عنه
والقوّة في ذاته، فما معنى السؤال، إلا إذا كان اعتراضاً وتمرّداً، وهذا ما لا
يتّفق مع الإيمان الثابت في الوجدان، ولا ينسجم مع المعرفة الواعية لله في عظمة
مقامه في جلاله وكماله... وهو الربّ الذي خلق عباده وحمّلهم مسؤوليّة أقوالهم
وأفعالهم في خطّ حركة العبوديّة في وجودهم الخاضع بطبيعته لله، المنفتح في حركته في
داخلهم على خضوعهم الاختياريّ له في طاعتهم له، وبُعدهم عن معصيته. ولذلك، فإن من
حقّه عليهم أن يسألهم، كما قال سبحانه في كتابه العزيز: {وقفوهم إنهم مسؤولون} [الصافات:
24].
وقد جاء في الحديث عن الإمام جعفر الصّادق(ع) في تفسير قوله تعالى: {لا يُسأل عما
يفعل وهم يُسألون} [الأنبياء: 23]، قال(ع): "لا يُسأل عما يفعل، لأنّه لا يفعل إلا
ما كان حكمةً وصواباً، وهو المتكبِّر الجبَّار والواحد القهَّار، فمن وجد نفسه حرجاً
في شيء مما قضى كفر، ومَن أنكرَ شيئاً من أفعاله جحد. وهم يُسألون، قال: يعني بذلك
خلقه إنّه يسألهم".
*كتاب آفاق الروح، الجزء الأول، ص 37.
لقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة في أجلٍ موقوت، وعمر محدود: {كلّ نفسٍ ذائقةُ
الموت}[آل عمران: 185]. {إنّك ميّت وإنّهم ميّتون} [الزّمر: 30].{ولن يؤخّر الله
نفساً إذا جاء أجله} [المنافقون: 11].
فالحياة رحلة تبدأ من الولادة، لتتحرّك في خطوات العمر في حركةٍ مفتوحةٍ على كلّ
الأيام، ولتثقلها الأعوام التي تتراكم عليها في امتداد الدّهر، وتمضي بالإنسان
خطواته التي يأكل فيها في كلّ يوم قطعةً من عمره، حتى يستنفد المائدة التي وضعها
الله بين يديه كلّها، في تعب مجهدٍ، وإرهاقٍ موجعٍ، لتنتهي بالموت الذي تنتهي به
مدّة العمل، الذي كان يمثّل حركة المسؤوليّة في وجوده ودوره الذي أعدَّه الله له،
ليواجه ـ بعد الموت ـ نتائج المسؤوليّة في الثواب الذي جعله الله للمحسنين من عباده
لما عملوه من خير، وفي العقاب الذي توعَّد به المسيئين منهم لما عملوه من شرّ، وذلك
في الموقف الحقّ، يوم يقوم الناس لربّ العالمين، ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا،
ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وذلك هو الذي يجعل للحياة هدفاً، ويخرج خلق الإنسان من
العبثيّة، فهناك ساحة للعمل في الدنيا، وهناك ساحة للنتائج الحسنة أو السيّئة في
الآخرة، وذلك هو خطّ العدل الإلهيّ الذي يعطي كلّ إنسان من عباده حقّه، بما جعله له
من الحقّ في الطاعة، ويحمّل كلّ واحد منهم مسؤوليّته بما له عليه من الحقّ، من خلال
طبيعة معنى العبوديّة، ومما أراده الله منه من البُعد عن المعصية.
إنّه الربُّ الذي ارتفعت أسماؤه إلى أعلى الدّرجات من العظمة، فلا ينالها سوء، ولا
يقترب منها نقص، فهي الطاهرة المنـزَّهة عن كلّ دنس...
وهو الذي تتابعت نعمه وتكاثرت وظهرت في معناها المنفتح بالخير على كلّ الموجودات،
وهو الربّ الذي لا يبلغ العباد ـ مهما فكّروا وبحثوا ـ سرّ أفعاله، وحكمة قضائه
وقدره، لأنهم لا يملكون وسيلة المعرفة في شؤون ذاته في أسرارها الخفيّة، وآفاقها
المطلقة غير المحدودة، ولا يحقّ لهم أن يسألوه عن فعله لِمَ فعلَه، لأنّ السؤال
يختزن في داخله حقّ السائل في معرفة خلفيات عمل المسؤول، أو في محاولة الوصول إلى
سرّه، أو في قابليّة الفعل للحكم عليه بالخطأ أو الصواب تبعاً لما ينكشف من طبيعته،
مما قد يستتبع المدح أو الذمّ، وهو أمر لا مجال له في موقع الخالق ومقامه لدى
المخلوق.
فهو الله الذي يملك المخلوق كلّه، فلا حقّ له في معرفة تفاصيل ما يفعله به أو
ببقيّة مخلوقاته، بحيث يُعدُّ الامتناع عن الإجابة قبيحاً، لأنّه لا يملك حقّ
الاعتراض على أيّ شيء من ذلك، بعد أن كان الإيمان بالله الواحد الحكيم القدير
القاهر فوق عباده العادل، يوحي بالحكمة في كلّ أفعاله، وبالعدل في كلّ قضائه وقدره،
لأنّ العبث مستحيل عليه بفعل كمال ذاته، ولأنّ الظّلم مستحيل عليه بفعل الغنى عنه
والقوّة في ذاته، فما معنى السؤال، إلا إذا كان اعتراضاً وتمرّداً، وهذا ما لا
يتّفق مع الإيمان الثابت في الوجدان، ولا ينسجم مع المعرفة الواعية لله في عظمة
مقامه في جلاله وكماله... وهو الربّ الذي خلق عباده وحمّلهم مسؤوليّة أقوالهم
وأفعالهم في خطّ حركة العبوديّة في وجودهم الخاضع بطبيعته لله، المنفتح في حركته في
داخلهم على خضوعهم الاختياريّ له في طاعتهم له، وبُعدهم عن معصيته. ولذلك، فإن من
حقّه عليهم أن يسألهم، كما قال سبحانه في كتابه العزيز: {وقفوهم إنهم مسؤولون} [الصافات:
24].
وقد جاء في الحديث عن الإمام جعفر الصّادق(ع) في تفسير قوله تعالى: {لا يُسأل عما
يفعل وهم يُسألون} [الأنبياء: 23]، قال(ع): "لا يُسأل عما يفعل، لأنّه لا يفعل إلا
ما كان حكمةً وصواباً، وهو المتكبِّر الجبَّار والواحد القهَّار، فمن وجد نفسه حرجاً
في شيء مما قضى كفر، ومَن أنكرَ شيئاً من أفعاله جحد. وهم يُسألون، قال: يعني بذلك
خلقه إنّه يسألهم".
*كتاب آفاق الروح، الجزء الأول، ص 37.