كتابات
25/10/2018

القاعدة الإسلاميّة لفقه المرأة الحقوقي

القاعدة الإسلاميّة لفقه المرأة الحقوقي

عندما نريد أن نقرأ فقه المرأة الحقوقي، لا بدَّ من أن ننطلق من قاعدة معينة، لأنّ أية حركة حقوقية، لا بدّ من أن تنطلق من وعي القاعدة التي ينطلق منها كلّ هذا النظام الذي يمثل الثروة الحقوقية. لذلك، لا بدّ من أن نسأل: هل في الإسلام ـ في عمق المعنى الإنساني الذي ينطلق التشريع منه ـ رجلٌ وامرأة، في عمق إنسانيّة الرجل والمرأة؟

إنني لا أرى أن هناك في العمق رجلاً وامرأةً؛ إنها نفس واحدة {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَ} (النساء؛ 1). وكلمة الزوج لغةً تُطلق على المذكر والمؤنث معاً. هناك نفس واحدة تنفتح على معنى الزوجية التي تلتقي فيها وحدة تتنوّع. وعندما تكون النفس الواحدة هي الرجل وهي المرأة، باعتبار أنهما تمثلان تنوّعات هذه النفس؛ فإنها كما تتنوّع في آفاقها، تتنوّع فيما تتمظهر به من حركة وجودها. هناك نفس واحدة، ليست هناك إثنينية في مظهر حركة النفس في الوجود وفي عمق معنى النفس ليكون لنا نفسان.

من هنا نفهم أن الله سبحانه وتعالى، عندما أطلق التشريع فهو أطلقه للإنسان، الذكر الأنثى، وعندما عاش الإنسان في الجنّة، فيما نتحدث به عن بداية الخلق، عاش فيها تجربة الرجل والمرأة، وكان الإغواء للرجل وللمرأة على حدّ سواء {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} (الأعراف؛ 21) {فَأَكَلَا مِنْهَ} (طه؛ 121) الرجل والمرأة عاشا التجربة معاً، لم تكن المشكلة مشكلة آدم الذي جرّ حواء إليه، ولم تكن مشكلة حواء التي أغوت آدم؛ إنه الضعف الإنساني الذي تلتقي عليه المرأة والرّجل، من خلال عناصر الضعف الوجودي {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} (النساء؛ 28) فالضعف ليس صفة المرأة في القرآن، ولكنه صفة الإنسان فيه، إنه الضعف الذي يقود الإنسان إلى أن يخطئ تارةً وينحرف أخرى.

وعندما نزلا إلى الأرض، خاطب الله الرجل والمرأة {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} (البقرة؛ 38). فالمنطلق الذي انطلق فيه التشريع في الإسلام، هو وحدة النفس الإنسانية التي تعطينا الفكرة القائلة: إنّ مشاكل الإنسان واحدة، وعلى هذا الأساس، فلا بدّ من أن تكون حلوله واحدة؛ وإذا كان الإنسان يتنوّع، فمن الطبيعي أن تأخذ المشاكل بعضاً من ملامح هذا التنوّع، فتكون الخصوصيّة أمراً يترك تأثيره هنا أو هناك، ولكن على قاعدة وحدة الخطّ.

ليس هناك تخصيص في التكليف:

ففي موضوعات الأحكام، لم تخصّص الآيات القرآنية الكريمة حكماً للرجل وآخر للمرأة، في الإطار العام، أي في إطار المسؤولية الإيجابية فيما يريد الله للناس أن يلتزموه، وفي المسؤولية السلبية فيما يريد الله لهم أن يتركوه. ونقرأ في كتاب الله سبحانه وتعالى العنصر الإيجابي في سورة الأحزاب {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم} (الأحزاب؛ 35). فهل نلمح في هذه الآية فرقاً ـ في حركة القيمة أمام الله ـ بين رجل وامرأة؟ القيمة واحدة، وهي نفسها عند الرّجل المرأة، والثواب هنا هو الثواب هناك، والدعوة إلى الالتزام هنا هي نفسها الدعوة إلى الالتزام هناك {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (الأحزاب؛ 36). وهكذا عندما يطاول الحديث عمل الإنسان {إنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}(آل عمران؛ 195)، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} (النور؛ 2) {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَ} (المائدة؛ 38). وفي جانب النموذج {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ* وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ... إلخ} (التحريم؛ 10 ـ 12).

نفهم من خلال ذلك، أن المرأة السلبية التي تخضع لعناصر الضعف في حركة الواقع، تكون مثلاً لكل الكافرين الذين يُراد إبعادهم عن السلبيات، والمرأة الإيجابية التي تملك القوة على أن ترفض كلّ الواقع الفاسد، وتلتزم كل الواقع الخيّر أيضاً، هي مثل للذين آمنوا من النساء والرجال، من خلال الصورة العامة التي يقدّمها القرآن.

نحن لا نجد هناك خطاً فكرياً يفضّل، في المسؤولية وفي نتائجها، رجلاً على امرأة؛ وإذا كنا نقرأ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات؛ 13)، نفهم أن القضية هي قضية إنسان لا يختلف عن إنسان آخر في القيمة، إلاّ أن يكون مختلفاً عنه في العمل وفي مستوى القيمة.

فهناك إنسانية تتحرّك في ما للرجل من حقّ وما للمرأة من حقّ، وفي هذا التشريع الذي يحدّد للرجل حقوقه وللمرأة حقوقها...

هذه هي الصورة من خلال طبيعة القاعدة، ومن خلال طبيعة المفهوم الذي يعيش معنى الحقّ في مفهوم الإنسانيّة.

وننطلق لنواجه بعض ما قد يعتبره الناس ثغرات في المسألة الحقوقية {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} (النساء؛ 34) هذه القوامة قد يستفيد منها البعض بأنها قوامة شاملة تشمل كل شيء، فالرجل هو الأول دائماً، القائم على شؤون المرأة؛ والمرأة هي الثاني دائماً. ولكن المسألة في مفهومنا ليست كذلك، بل إنّ الآية مختصَّة بالدائرة الزوجية فقط، لأنه يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء؛ 34). الحالة الوحيدة التي يجب فيها على الرجل، بصفته رجلاً، أن ينفق على المرأة، بصفتها امرأة، هي حالة الزواج، لأننا عندما نأتي إلى الأب الذي يجب عليه الإنفاق على أولاده، فإننا لا نجد أن هناك ذكراً وأنثى، فالأب يجب عليه أن ينفق على ابنته بصفتها ابنته لا بصفتها امرأة.

وهكذا عندما ننطلق إلى العالم الآخر؛ عالم الولاية، الولاية عندما تكون للرجال، فهي ليست الولاية على النساء؛ فولاية النبي على النساء والرجال معاً، وولاية الإمام على الرجال والنساء معاً، وولاية الفقيه على الرجال والنساء معاً. ليست هناك حالة فيها جانب رجل وامرأة إلاّ حالة الزواج. ومسألة القوامة هنا ليست مسألة شخصية، ولكنّها مسألة شخص يتحمّل مسؤولية إدارة البيت الزوجي، لأن الدائرة الزوجيّة لا تتسع لشخصين، بل لا بدَّ من شخص واحد في هذا المجال، ولذلك، كانت الولاية للرّجل باعتبار بعض الخصائص التي تمثل حالة التنوع في أكثر من جانب من جوانب الحالة التكوينية للرجل والمرأة، الخصوصية الجسدية في بعض الحالات، والخصوصيات النفسية في حالات أخرى، كذلك في الإنفاق.

إذاً لو كانت مسألة الإدارة تمثّل اختراقاً لإنسانية الإنسان، لكان علينا أن نرفض كلّ المواقع التي يكون فيها المدير المسؤول أوَّلاً ويكون الآخرون تحت سلطته.

هذه نقطة. وهناك كلام آخر قد يُثار {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}(البقرة؛ 228)، هذه الدرجة في التشريع ليست إلاّ بعض الحقوق الزوجيّة التي ينفرد بها الرّجل، وفي مقدَّمها حقّ الطلاق، وليست درجة بالمعنى الإنساني، بل هي درجة في الجانب الإجرائي في قضية حركة الواقع الذي يقتضيه البيت الزوجي.

وهناك نقطة ثانية يثيرها الكثيرون، وهي مسألة الإرث، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (النساء؛ 11) التي تمتدّ لتصل إلى مسألة الدّية أيضاً؛ هذه المسألة هل تنطلق على أساس مقولة أن المرأة نصف الرجل، الّذي هو الإنسان الكامل وهي نصف إنسان؟ من الطبيعي أنها لا تنطلق من هذا الأساس، لأن كل المسؤوليات التي فُرضت على الرجل فُرضت أيضاً على المرأة، فيما عدا بعض الخصوصيات؛ فالمرأة إنسان كامل تتحمل المسؤولية في مواقع مسؤوليتها ـ كإنسان كامل ـ عن عملها، تماماً كما يتحمّل الرجل مسؤوليته عن نفسه كإنسان كامل. إذاً كيف يمكن تفسير هذه المسألة؟.

مسألة الإرث:

في مسألة الحقوق المادية، لا بدّّ من أن نتحرك في خط التوازن. لنطرح كلمة عامّة، وهي أنني عندما أعطيك شيئاً، فعليك أن تفكّر ماذا أخذت منك؟ لا بدّ من التوازن بين مسألة الأخذ والعطاء. لو أعطاني إنسان ألف دولارٍ، مثلاً، وحمَّلني مسؤولية ألفي دولار؛ وأعطى إنسان إنساناً آخر خمسمائة دولار ولم يحمّله أية مسؤوليّة، فأيّهما الرابح؟

لننطلق إلى الأرض ولا نبقى في النظريَّات، عندما جعل الله للمرأة نصف حصَّة الرّجل، فإنّه لم يكلّفها بأيّة أعباء مادية تجاه جملة أمور طلب إلى الرّجل أن يؤدّيها، مثل المهر والنفقة على الزوجة والأولاد وغير ذلك مما تتطلّبه الحياة الأسريّة...

فالمرأة، مع وجود الرجل، ليست مسؤولةً عن الإنفاق على أولادها، بل الرجل هو المسؤول. قلتها في بعض الأحاديث الصحافية: "إن على الرجال أن يطالبوا بالمساواة مع النساء في هذا المجال"، صحيح أنّ الإسلام أخذ من المرأة نصف حصة الرجل، ولكنه أعطاها المهر والنفقة، وأبعدها عن أية مسؤولية في هذا المجال، وأعطى الرّجل نصفاً من حصة المرأة، ولكن حمّله أضعافاً مضاعفة من المسؤوليات، فأين الثغرة الإنسانيّة في هذا؟ فالمسألة لا تنطلق من نقص في إنسانيّة المرأة مقارنة بالرجل، ولكنّها مسألة توازن بين الحقوق والواجبات. فعندما أدرس ما لي من حقوق، عليَّ أن أدرس ما عليّ من واجبات، وكيف يمكن أن يتوازن الحقّ والواجب في هذا المجال؟ هذا هو جوهر الموضوع.

وقد يُقال: هذا صحيح في الحياة الزوجية، فماذا عن مسألة الدّية؟ هذا حديث عمّا بعد الموت، لكن عندما يتحرّك التشريع من قاعدة معيّنة، تدرس المسألة الاقتصادية على أساس أن الرجل يتحمَّل مسؤوليّات أكثر من المرأة، فمن الطبيعي أن الدّية التي تمثّل الجانب التعويضي، لا بدّ من أن تكون في الرجل أكثر من المرأة، لأن الخسارة التي تلحق أهل الرجل من ناحية مادية أكثر من الخسارة التي تلحق أهل المرأة. وهذا التوازن يجري باعتبار هذه المسؤولية التي كان يتحمّلها الرجل عن أولاده ولا تتحملها المرأة. لذلك، فإن العمق الحقوقي في المسألة، لا ينطلق من انتقاصٍ للمرأة في إنسانيتها، وإنما ينطلق من توازن في المسألة المادية على مستوى الحقوق والواجبات. ويبقى أن الرجل والمرأة معاً {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف} (البقرة؛ 228)، {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} (البقرة؛187).

في المبدأ.. شهادة المرأة مقبولة:

تبقى عندنا مسألة الشهادة: الإسلام قبل شهادة المرأة من حيث المبدأ؛ فالله ذكر أنه يقبل شهادة المرأة. غاية ما هناك، أنه جعل شهادة امرأتين في مقابل شهادة رجل واحد، وعلّل ذلك بأنَّ المسألة ليست أنّ المرأة نصف الرّجل، ولكن قال: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} (البقرة؛ 282)، باعتبار أنَّ عالم المنازعات والخلافات قد يجتذب العاطفة في بعض الحالات تجاه متّهمٍ هنا أو مدّع هناك، وهذه حالة إنسانيّة، ولا سيَّما أننا نخضع لعنصر المأساة غالباً من دون أن ندقِّق في طبيعة الدعوى. وتتحرَّك المرأة في هذا الاتجاه بشكل طبيعي فطري، كون الجانب الشعوري العاطفي عند المرأة هو أكثر من الجانب العاطفي الشعوري عند الرجل؛ وهذا بمقتضى كونها أمّاً وزوجة وأنثى بطبيعة الحال.

والنقطة الدقيقة التي لا بدّ من أن نلاحظها هنا، هي أنّ امرأة تسدّد امرأة؛ وهذا قد نجده أيضاً في مطلق شهادة الرجال، نحن نجد مثلاً أن البيّنة لا بدَّ فيها من شاهدين عدلين، لماذا لا يُقبل شاهد واحد؟ هذه مسألة تمثّل الاحتياط للعدالة؛ لذلك، لا يُقبل في عالم الدعاوى إلّا شاهدان عدلان، ولا يُكتفى بشاهد واحد، هل معنى ذلك أنّه في مقام الدّعوى يكون كلُّ واحدٍ منهما ناقصاً في إنسانيّته؟

هناك فرق بين مسألة نقصان إنسانيّة هذا الإنسان أو مسألة الاحتياط للعدالة، التي نعتبر أنّ هذه المسألة تدخل في نطاقها. أمّا ما أثير بأنّه لا تُقبل شهادة المرأة في القتل، فهناك خلاف في هذه المسألة، فأمير المؤمنين (ع) يقول: "لا يبطل دم امرئٍ مسلم"، ولذلك تقبل شهادة المرأة في ذلك، إلا أنّ شهادة المرأة لا تُقبل في بعض الحالات مثل شهادة الزنا، باعتبار أن الحدود هي غالباً وقائية، ولهذا لا يهتم الإسلام بأن يدفع باتجاه تأكيد الموضوع، ولذا فـ "إنّ الحدود تدرأ بالشّبهات". وهكذا، فهناك نقاط صغيرة جداً ينطلق عدم قبول شهادة المرأة فيها من خصوصيات تتعلق بنفس الموضوع، ولكنّها في بعض الحالات التي تتعلّق بالقضايا النسائيّة، قد تقبل شهادة المرأة وحدها دون حاجة إلى الرجل، ما يؤكّد أن المرأة تمثل إنساناً له كامل الحقوقية، خلاف كل ما يمكن أن يثار حول هذا الموضوع...

*من ندوة حوارية بتاريخ 13/11/1995.

عندما نريد أن نقرأ فقه المرأة الحقوقي، لا بدَّ من أن ننطلق من قاعدة معينة، لأنّ أية حركة حقوقية، لا بدّ من أن تنطلق من وعي القاعدة التي ينطلق منها كلّ هذا النظام الذي يمثل الثروة الحقوقية. لذلك، لا بدّ من أن نسأل: هل في الإسلام ـ في عمق المعنى الإنساني الذي ينطلق التشريع منه ـ رجلٌ وامرأة، في عمق إنسانيّة الرجل والمرأة؟

إنني لا أرى أن هناك في العمق رجلاً وامرأةً؛ إنها نفس واحدة {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَ} (النساء؛ 1). وكلمة الزوج لغةً تُطلق على المذكر والمؤنث معاً. هناك نفس واحدة تنفتح على معنى الزوجية التي تلتقي فيها وحدة تتنوّع. وعندما تكون النفس الواحدة هي الرجل وهي المرأة، باعتبار أنهما تمثلان تنوّعات هذه النفس؛ فإنها كما تتنوّع في آفاقها، تتنوّع فيما تتمظهر به من حركة وجودها. هناك نفس واحدة، ليست هناك إثنينية في مظهر حركة النفس في الوجود وفي عمق معنى النفس ليكون لنا نفسان.

من هنا نفهم أن الله سبحانه وتعالى، عندما أطلق التشريع فهو أطلقه للإنسان، الذكر الأنثى، وعندما عاش الإنسان في الجنّة، فيما نتحدث به عن بداية الخلق، عاش فيها تجربة الرجل والمرأة، وكان الإغواء للرجل وللمرأة على حدّ سواء {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} (الأعراف؛ 21) {فَأَكَلَا مِنْهَ} (طه؛ 121) الرجل والمرأة عاشا التجربة معاً، لم تكن المشكلة مشكلة آدم الذي جرّ حواء إليه، ولم تكن مشكلة حواء التي أغوت آدم؛ إنه الضعف الإنساني الذي تلتقي عليه المرأة والرّجل، من خلال عناصر الضعف الوجودي {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} (النساء؛ 28) فالضعف ليس صفة المرأة في القرآن، ولكنه صفة الإنسان فيه، إنه الضعف الذي يقود الإنسان إلى أن يخطئ تارةً وينحرف أخرى.

وعندما نزلا إلى الأرض، خاطب الله الرجل والمرأة {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} (البقرة؛ 38). فالمنطلق الذي انطلق فيه التشريع في الإسلام، هو وحدة النفس الإنسانية التي تعطينا الفكرة القائلة: إنّ مشاكل الإنسان واحدة، وعلى هذا الأساس، فلا بدّ من أن تكون حلوله واحدة؛ وإذا كان الإنسان يتنوّع، فمن الطبيعي أن تأخذ المشاكل بعضاً من ملامح هذا التنوّع، فتكون الخصوصيّة أمراً يترك تأثيره هنا أو هناك، ولكن على قاعدة وحدة الخطّ.

ليس هناك تخصيص في التكليف:

ففي موضوعات الأحكام، لم تخصّص الآيات القرآنية الكريمة حكماً للرجل وآخر للمرأة، في الإطار العام، أي في إطار المسؤولية الإيجابية فيما يريد الله للناس أن يلتزموه، وفي المسؤولية السلبية فيما يريد الله لهم أن يتركوه. ونقرأ في كتاب الله سبحانه وتعالى العنصر الإيجابي في سورة الأحزاب {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم} (الأحزاب؛ 35). فهل نلمح في هذه الآية فرقاً ـ في حركة القيمة أمام الله ـ بين رجل وامرأة؟ القيمة واحدة، وهي نفسها عند الرّجل المرأة، والثواب هنا هو الثواب هناك، والدعوة إلى الالتزام هنا هي نفسها الدعوة إلى الالتزام هناك {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (الأحزاب؛ 36). وهكذا عندما يطاول الحديث عمل الإنسان {إنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}(آل عمران؛ 195)، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} (النور؛ 2) {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَ} (المائدة؛ 38). وفي جانب النموذج {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ* وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ... إلخ} (التحريم؛ 10 ـ 12).

نفهم من خلال ذلك، أن المرأة السلبية التي تخضع لعناصر الضعف في حركة الواقع، تكون مثلاً لكل الكافرين الذين يُراد إبعادهم عن السلبيات، والمرأة الإيجابية التي تملك القوة على أن ترفض كلّ الواقع الفاسد، وتلتزم كل الواقع الخيّر أيضاً، هي مثل للذين آمنوا من النساء والرجال، من خلال الصورة العامة التي يقدّمها القرآن.

نحن لا نجد هناك خطاً فكرياً يفضّل، في المسؤولية وفي نتائجها، رجلاً على امرأة؛ وإذا كنا نقرأ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات؛ 13)، نفهم أن القضية هي قضية إنسان لا يختلف عن إنسان آخر في القيمة، إلاّ أن يكون مختلفاً عنه في العمل وفي مستوى القيمة.

فهناك إنسانية تتحرّك في ما للرجل من حقّ وما للمرأة من حقّ، وفي هذا التشريع الذي يحدّد للرجل حقوقه وللمرأة حقوقها...

هذه هي الصورة من خلال طبيعة القاعدة، ومن خلال طبيعة المفهوم الذي يعيش معنى الحقّ في مفهوم الإنسانيّة.

وننطلق لنواجه بعض ما قد يعتبره الناس ثغرات في المسألة الحقوقية {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} (النساء؛ 34) هذه القوامة قد يستفيد منها البعض بأنها قوامة شاملة تشمل كل شيء، فالرجل هو الأول دائماً، القائم على شؤون المرأة؛ والمرأة هي الثاني دائماً. ولكن المسألة في مفهومنا ليست كذلك، بل إنّ الآية مختصَّة بالدائرة الزوجية فقط، لأنه يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء؛ 34). الحالة الوحيدة التي يجب فيها على الرجل، بصفته رجلاً، أن ينفق على المرأة، بصفتها امرأة، هي حالة الزواج، لأننا عندما نأتي إلى الأب الذي يجب عليه الإنفاق على أولاده، فإننا لا نجد أن هناك ذكراً وأنثى، فالأب يجب عليه أن ينفق على ابنته بصفتها ابنته لا بصفتها امرأة.

وهكذا عندما ننطلق إلى العالم الآخر؛ عالم الولاية، الولاية عندما تكون للرجال، فهي ليست الولاية على النساء؛ فولاية النبي على النساء والرجال معاً، وولاية الإمام على الرجال والنساء معاً، وولاية الفقيه على الرجال والنساء معاً. ليست هناك حالة فيها جانب رجل وامرأة إلاّ حالة الزواج. ومسألة القوامة هنا ليست مسألة شخصية، ولكنّها مسألة شخص يتحمّل مسؤولية إدارة البيت الزوجي، لأن الدائرة الزوجيّة لا تتسع لشخصين، بل لا بدَّ من شخص واحد في هذا المجال، ولذلك، كانت الولاية للرّجل باعتبار بعض الخصائص التي تمثل حالة التنوع في أكثر من جانب من جوانب الحالة التكوينية للرجل والمرأة، الخصوصية الجسدية في بعض الحالات، والخصوصيات النفسية في حالات أخرى، كذلك في الإنفاق.

إذاً لو كانت مسألة الإدارة تمثّل اختراقاً لإنسانية الإنسان، لكان علينا أن نرفض كلّ المواقع التي يكون فيها المدير المسؤول أوَّلاً ويكون الآخرون تحت سلطته.

هذه نقطة. وهناك كلام آخر قد يُثار {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}(البقرة؛ 228)، هذه الدرجة في التشريع ليست إلاّ بعض الحقوق الزوجيّة التي ينفرد بها الرّجل، وفي مقدَّمها حقّ الطلاق، وليست درجة بالمعنى الإنساني، بل هي درجة في الجانب الإجرائي في قضية حركة الواقع الذي يقتضيه البيت الزوجي.

وهناك نقطة ثانية يثيرها الكثيرون، وهي مسألة الإرث، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (النساء؛ 11) التي تمتدّ لتصل إلى مسألة الدّية أيضاً؛ هذه المسألة هل تنطلق على أساس مقولة أن المرأة نصف الرجل، الّذي هو الإنسان الكامل وهي نصف إنسان؟ من الطبيعي أنها لا تنطلق من هذا الأساس، لأن كل المسؤوليات التي فُرضت على الرجل فُرضت أيضاً على المرأة، فيما عدا بعض الخصوصيات؛ فالمرأة إنسان كامل تتحمل المسؤولية في مواقع مسؤوليتها ـ كإنسان كامل ـ عن عملها، تماماً كما يتحمّل الرجل مسؤوليته عن نفسه كإنسان كامل. إذاً كيف يمكن تفسير هذه المسألة؟.

مسألة الإرث:

في مسألة الحقوق المادية، لا بدّّ من أن نتحرك في خط التوازن. لنطرح كلمة عامّة، وهي أنني عندما أعطيك شيئاً، فعليك أن تفكّر ماذا أخذت منك؟ لا بدّ من التوازن بين مسألة الأخذ والعطاء. لو أعطاني إنسان ألف دولارٍ، مثلاً، وحمَّلني مسؤولية ألفي دولار؛ وأعطى إنسان إنساناً آخر خمسمائة دولار ولم يحمّله أية مسؤوليّة، فأيّهما الرابح؟

لننطلق إلى الأرض ولا نبقى في النظريَّات، عندما جعل الله للمرأة نصف حصَّة الرّجل، فإنّه لم يكلّفها بأيّة أعباء مادية تجاه جملة أمور طلب إلى الرّجل أن يؤدّيها، مثل المهر والنفقة على الزوجة والأولاد وغير ذلك مما تتطلّبه الحياة الأسريّة...

فالمرأة، مع وجود الرجل، ليست مسؤولةً عن الإنفاق على أولادها، بل الرجل هو المسؤول. قلتها في بعض الأحاديث الصحافية: "إن على الرجال أن يطالبوا بالمساواة مع النساء في هذا المجال"، صحيح أنّ الإسلام أخذ من المرأة نصف حصة الرجل، ولكنه أعطاها المهر والنفقة، وأبعدها عن أية مسؤولية في هذا المجال، وأعطى الرّجل نصفاً من حصة المرأة، ولكن حمّله أضعافاً مضاعفة من المسؤوليات، فأين الثغرة الإنسانيّة في هذا؟ فالمسألة لا تنطلق من نقص في إنسانيّة المرأة مقارنة بالرجل، ولكنّها مسألة توازن بين الحقوق والواجبات. فعندما أدرس ما لي من حقوق، عليَّ أن أدرس ما عليّ من واجبات، وكيف يمكن أن يتوازن الحقّ والواجب في هذا المجال؟ هذا هو جوهر الموضوع.

وقد يُقال: هذا صحيح في الحياة الزوجية، فماذا عن مسألة الدّية؟ هذا حديث عمّا بعد الموت، لكن عندما يتحرّك التشريع من قاعدة معيّنة، تدرس المسألة الاقتصادية على أساس أن الرجل يتحمَّل مسؤوليّات أكثر من المرأة، فمن الطبيعي أن الدّية التي تمثّل الجانب التعويضي، لا بدّ من أن تكون في الرجل أكثر من المرأة، لأن الخسارة التي تلحق أهل الرجل من ناحية مادية أكثر من الخسارة التي تلحق أهل المرأة. وهذا التوازن يجري باعتبار هذه المسؤولية التي كان يتحمّلها الرجل عن أولاده ولا تتحملها المرأة. لذلك، فإن العمق الحقوقي في المسألة، لا ينطلق من انتقاصٍ للمرأة في إنسانيتها، وإنما ينطلق من توازن في المسألة المادية على مستوى الحقوق والواجبات. ويبقى أن الرجل والمرأة معاً {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف} (البقرة؛ 228)، {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} (البقرة؛187).

في المبدأ.. شهادة المرأة مقبولة:

تبقى عندنا مسألة الشهادة: الإسلام قبل شهادة المرأة من حيث المبدأ؛ فالله ذكر أنه يقبل شهادة المرأة. غاية ما هناك، أنه جعل شهادة امرأتين في مقابل شهادة رجل واحد، وعلّل ذلك بأنَّ المسألة ليست أنّ المرأة نصف الرّجل، ولكن قال: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} (البقرة؛ 282)، باعتبار أنَّ عالم المنازعات والخلافات قد يجتذب العاطفة في بعض الحالات تجاه متّهمٍ هنا أو مدّع هناك، وهذه حالة إنسانيّة، ولا سيَّما أننا نخضع لعنصر المأساة غالباً من دون أن ندقِّق في طبيعة الدعوى. وتتحرَّك المرأة في هذا الاتجاه بشكل طبيعي فطري، كون الجانب الشعوري العاطفي عند المرأة هو أكثر من الجانب العاطفي الشعوري عند الرجل؛ وهذا بمقتضى كونها أمّاً وزوجة وأنثى بطبيعة الحال.

والنقطة الدقيقة التي لا بدّ من أن نلاحظها هنا، هي أنّ امرأة تسدّد امرأة؛ وهذا قد نجده أيضاً في مطلق شهادة الرجال، نحن نجد مثلاً أن البيّنة لا بدَّ فيها من شاهدين عدلين، لماذا لا يُقبل شاهد واحد؟ هذه مسألة تمثّل الاحتياط للعدالة؛ لذلك، لا يُقبل في عالم الدعاوى إلّا شاهدان عدلان، ولا يُكتفى بشاهد واحد، هل معنى ذلك أنّه في مقام الدّعوى يكون كلُّ واحدٍ منهما ناقصاً في إنسانيّته؟

هناك فرق بين مسألة نقصان إنسانيّة هذا الإنسان أو مسألة الاحتياط للعدالة، التي نعتبر أنّ هذه المسألة تدخل في نطاقها. أمّا ما أثير بأنّه لا تُقبل شهادة المرأة في القتل، فهناك خلاف في هذه المسألة، فأمير المؤمنين (ع) يقول: "لا يبطل دم امرئٍ مسلم"، ولذلك تقبل شهادة المرأة في ذلك، إلا أنّ شهادة المرأة لا تُقبل في بعض الحالات مثل شهادة الزنا، باعتبار أن الحدود هي غالباً وقائية، ولهذا لا يهتم الإسلام بأن يدفع باتجاه تأكيد الموضوع، ولذا فـ "إنّ الحدود تدرأ بالشّبهات". وهكذا، فهناك نقاط صغيرة جداً ينطلق عدم قبول شهادة المرأة فيها من خصوصيات تتعلق بنفس الموضوع، ولكنّها في بعض الحالات التي تتعلّق بالقضايا النسائيّة، قد تقبل شهادة المرأة وحدها دون حاجة إلى الرجل، ما يؤكّد أن المرأة تمثل إنساناً له كامل الحقوقية، خلاف كل ما يمكن أن يثار حول هذا الموضوع...

*من ندوة حوارية بتاريخ 13/11/1995.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية